کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 294
[لَسْتَ مِنْهُمْ] يا محمّد [فِي شَيْءٍ] و إنّما هو نهي عن مخالطتهم و مقاربتهم، و أمر له صلى اللّه عليه و آله و سلّم بمباعدتهم، و نسختها آية السيف.
و ثانيها أنّهم اليهود و النصارى لأنّهم يكفّر بعضهم بعضا و هو التفرّق، عن قتادة.
و ثالثها أنّ المراد بهم أهل الضلالة و أصحاب الشبهات و البدع من هذه الامّة و هو المرويّ، عن الباقر عليه السلام، جعلوا دين اللّه أديانا و صاروا أحزابا و فرقا لست يا محمّد- صلى اللّه عليه و آله و سلّم- منهم في شيء، فأخبر سبحانه عن حال نبيّه بالمباعدة التّامّة من أن يجتمع معهم في أمر من مذاهبهم الفاسدة و أنّه بريء من جميعه.
و قيل: معناه: لست من قتالهم في شيء، ثمّ نسختها آية السيف و القتال، عن الكلبيّ.
[إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ] في مجازاتهم على سوء أفعالهم و في إنظارهم و استيصالهم إلى اللّه. و قيل: الحكم بينهم في اختلافهم إلى اللّه، ثمّ ينبّؤهم و يخبرهم و يجازيهم بأفعالهم يوم القيامة فيظهر المحقّ من المبطل.
[سورة الأنعام (6): آية 160]
قوله تعالى:
قرء «عشر» بالرفع و التنوين، قال الواحديّ: حذفت الهاء من عشرة. و الأمثال جمع مثل، و المثل مذكّر و أريد عشر حسنات أمثالها ثمّ حذف الحسنات و أقيمت الأمثال الّتي هي صفتها مقامها، و حذف الموصوف كثير في الكلام فالأمثال ليس مميّزا للعشر بل مميّزها هو الحسنات، قالوا: إنّ الأمثال صفة لمميّزها؛ و لذا لم يذكر التاء للعشر.
قال الطبرسيّ: و حذف الموصوف و إقامة الصفة مقامه في الشعر و في غير الشعر ضعيف عند المحقّقين، و الأولى أن يكون أمثالها غير صفة بل يكون محمولا على المعنى فأنّث الأمثال لما كان في معنى الحسنات.
حكي عن أبي عمرو أنّه سمع أعرابيّا يقول: فلا جاءته كتابي فاحتقرها، قال:
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 295
فقلت له: أتقول: جاءته كتابي؟ قال الأعرابيّ: نعم أليس الكتاب بصحيفة؟
المعنى: لمّا ذكر سبحانه الوعيد على المعاصي عقّبه بذكر الموعد فقال: [مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها] .
قال بعضهم: الحسنة قول «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ»* و السيّئة الشرك، قال الرازيّ: و هذا ضعيف بل يجب أن يكون محمولا على العموم إمّا تمسّكا باللفظ و إمّا لأجل أنّه حكم مرتّب على وصف مناسب له؛ فيقتضي كون الحكم معلّلا بذلك الوصف فوجب أن يعمّ لعموم العلّة، و على هذا فالمعنى من جاء بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة من المؤمنين فله عشر أمثالها من الثواب.
[وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ] أي بالخصلة الواحدة من خصال الشرّ [فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها] و ذلك من عظيم فضل اللّه و جزيل إنعامه حيث لا يقضي في الثواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه، و ربّما يعفو عن ذنوب المذنبين من المؤمنين منّة عليهم و تفضّلا، و إن عاقب عاقب على قدر الاستحقاق عدلا.
ثمّ اختلف النّاس في أنّ هذه الحسنات العشر الّتي وعدها اللّه هل يكون كلّها ثوابا أم لا؟ فقال بعضهم: لا يكون كلّها ثوابا و إنّما يكون الثواب منها الواحدة، و التسع الزائدة تكون تفضّلا، و يؤيّده قوله: «فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» «1» لكن عند الأشاعرة الثواب مطلقا تفضّل من اللّه، و المعتزلة فرّقوا بين الثواب و التفضّل بأنّ الثواب هو المنفعة المستحقّة و التفضّل هو المنفعة الّتي لا تكون مستحقّة.
ثمّ إنّهم اختلفوا فقال بعضهم: هذه العشرة تفضّل، و الثواب غيرها و هو مذهب الجبّائيّ، و قال: لأنّه لو كان الواحد ثوابا، و كانت التسعة تفضّلا لزم أن يكون الثواب دون التفضّل؛ لأنّه لو جاز أن يكون التفضّل مساويا للثواب في الكثرة و الشرف لم يبق في التكليف فائدة أصلا؛ فيصير عبثا، و لمّا بطل ذلك علمنا أنّ الثواب يجب أن يكون أعظم في القدر و في التعظيم من التفضّل.
و قال آخرون: لا يبعد أن يكون الواحد من هذه التسعة ثوابا، و يكون التسعة الباقية تفضّلا إلّا أنّ ذلك الواحد يكون أو فرو أعظم شأنا من التسعة الباقية.
(1) النساء: 172.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 296
و قيل: التقدير بالعشرة ليس المراد منه التحديد بل أراد الّا ضعاف مطلقا، و ذلك كقول القائل: لئن أسديت إليّ معروفا لأكافأنّك بعشر أمثالها و في الوعيد يقال: لئن كلّمتني واحدة لأكلّمنّك عشرا و لا يريد التحديد فكذا هاهنا، و الدليل على أنّه لا يحمل على التحديد قوله تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ» «1» لكنّ السيّئة واحدة عدلا. روى أبو ذرّ الغفاريّ أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه تعالى قال: الحسنة عشر و أزيد و السيّئة واحدة و أعفو و أغفر؛ فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره.
[وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ] بنقص الثواب و زيادة العقاب. و اعلم أنّ الحسنات العشر أقلّ ما وعد من الأضعاف للمؤمن و قد جاء الوعد بسبعين و سبعمائة: و بغير حساب على تفاوت مراتب الخلوص و الأشخاص.
فإن قيل: إذا كانت السيّئة الواحدة بالواحدة كيف كفر ساعة يوجب عقاب الأبد؟
فما وجه المماثلة؟ فالجواب أنّ الكافر على عزم أنّه لو عاش أبدا لبقي على ذلك الاعتقاد فلمّا كان العزم مؤبّدا عوقب بما عليه من الكفر بخلاف المسلم المذنب؛ فإنّه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب؛ فلا جرم كانت عقوبته منقطعة، و الكافر هو الّذي تسبّب على خلوده في النار و قد أوعد على الخلود و تمّت له الحجّة بتبليغ الأنبياء و كتبهم، و مع ذلك لم يتقبّل الإيمان و أعرض عنه و أقبل على الكفر و العناد؛ فاستحقّ ذلك لقبوله الكفر و بقائه عليه و عزمه التأبيد عليه. قيل: الأعمال ستّة موجبتان كلّيتان و مثل بمثل و حسنة بحسنة و حسنة بعشر و حسنة بسبعمائة و أكثر؛ فأمّا الموجبتان فهو من مات و لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة، و من مات و هو مشرك باللّه دخل النار. و أمّا مثل بمثل؛ فمن عمل سيّئة فجزاء سيّئة مثلها و أمّا حسنة بحسنة فمن همّ بحسنة حتّى تشعر بها نفسه و يعلمها اللّه من قلبه كتب له حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر أمثالها، و أمّا حسنة بسبعمائة فبالنفقة في سبيل اللّه.
و في بعض المجامع أنّ الشارع قد يرتّب الثواب للعمل لئلّا يترك بل يرغب فيه فلا يكون ذلك العمل النفل أفضل من العمل المؤكد عليه الّذي لم يترتّب عليه
(1) البقرة: 263.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 297
ذلك الثواب مثل أنّه من صلّى ركعتين بالليل أو إحدى عشرة ركعة بنى اللّه له بيتا في الجنّة من ذهب مع أنّ السّنة الراتبة لفرض الظهر أفضل و لا يبلغ مرتبة الراتبة من الأحكام و إن لم يتعيّن قدر أجرها فإنّ السنن شرّعت لتتميم نقائص الفرائض و النوافل الغير الراتبة لتتميم نقائص السنن الراتبة.
و إذا تأمّلت عرفت أنّ اللّه تعالى قبل أن يجيء العبد بالحسنة أحسن إليه بعشر حسنات حتّى قدر أن يجيء بالحسنة و هي: حسنة الإيجاد من العدم، و حسنة الاستعداد بأن خلقه في أحسن تقويم مستعدّا للإحسان، و حسنة التربية، و حسنة الرزق، و حسنة بعثة الرسل، و حسنة إنزال الكتب للإرشاد، و حسنة تحديد الحسنات و السيّئات و حسنة التوفيق، و حسنة الإخلاص في الإحسان، و حسنة قبول الحسنات، و السرّ فيه أنّ السيّئة بذر يزرع في أرض النفس و النفس خبيثة لأنّها أمّارة بالسوء، و الحسنة بذر يزرع في أرض القلب و القلب طيّب لأنّ بذكر اللّه تطمئنّ القلوب، و قد قال سبحانه:
[وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ] لا يبخس من حسناتهم و لا يزيد على عقابهم مثقال ذرّة كما قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً» «2» .
[سورة الأنعام (6): الآيات 161 الى 163]
المعنى: ثمّ أمر اللّه نبيّه فقال: [قُلْ] يا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم للخلق جميعا و لكفّار مكّة الّذين يدّعون أنّهم على الدين الحقّ و قد فارقوه بالكلّيّة [إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي] أي أرشدني بالوحي و بما نصب في الآفاق و الأنفس من الآيات التكوينيّة [إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ] موصل إلى الحقّ [دِيناً قِيَماً] و نصب «دِيناً» على ثلاثة أوجه أحدها أنّه لمّا قال: هداني إلى صراط مستقيم استغنى بذكر الفعل عن ذكره ثانيا؛ فقال: دينا قيّما كما في قوله: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ» و إن شئت نصبت على تقدير
(1) الأعراف: 56.
(2) النساء: 44.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 298
«ألزموا و أعرفوا» لأنّ هدايتهم إليه إلزامهم له و تعريف لهم، و إن شئت حملته على الاتّباع أي اتّبعوا دينا قيّما.
و [مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً] بدل من «دِيناً قِيَماً» و «حَنِيفاً» منصوب على الحاليّة أي مائلا عن الأديان الباطلة ميلا لا رجوع فيه. و الملّة من أمللت الكتاب أي أمليته، و ما شرّعه اللّه لعباده يسمّى ملّة من حيث إنّه يدوّن و يملى و يكتب و يتدارس.
و إنّما وصف دين النبيّ بأنّه ملّة إبراهيم ترغيبا فيه للعرب لجلالة إبراهيم في نفوسها و نفوس أهل الأديان، و لانتساب العرب إليه و اتّفاقهم على أنّه كان على الحقّ و موافقة أغلب الفروع مع سنّته كالختان و المناسك في الحجّ و غيرها.
[وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ] أي ما كان إبراهيم منهم في أمر من امور دينهم أصلا و فرعا فردّ اللّه عليهم بأنّه عليه السلام ليس من أهل دينهم لأنّهم مشركون، فأمّا العرب فكانوا أهل الأصنام، و اليهود بقولهم «عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ» و النصارى بقولهم «الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ» و المشرك في الحقيقة هو الّذي يطلب مع اللّه شيئا و يجعل غيره معه شريكا في العبادة.
[قُلْ إِنَّ صَلاتِي] و أعيد الأمر لما أنّ المأمور به يتعلّق في هذه الآية بفروع الشرائع و ما سبق بأصولها و المراد بالصلاة الصلوات الخمس المفروضة [وَ نُسُكِي] أي عباداتي و أصل النسك ما يتقرّب به إلى اللّه و لذا يقال للعابد: ناسك. و قيل: المراد بالصلاة صلاة العيد، و بالنسك الاضحيّة.
و عن أنس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قرّب كبشا أملح أقرن فقال: «لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي - إلى قوله تعالى-: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» ثمّ ذبح فقال: شعره و صوفه فداء لشعري من النار، و جلده فداء لجلدي من النار، و دمه فداء لدمي من النار، و عظمه فداء لعظمى من النار، و عروقه فداء لعروقي من النار فقالوا: يا رسول اللّه هنيئا مريئا، هذا لك خاصّة؟ قال: بل لأمّتي عامّة إلى أن يقوم القيامة، أخبرني به جبرئيل عن ربّي عزّ و جلّ. و قيل: نسكي أي ديني، عن الحسن.
[وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي] أي حياتي و موتي، و جمع بين صلاته و حياته و أحدهما من فعله و الآخر من فعل اللّه لأنّهما جميعا بتدبير اللّه، و قيل: معناه: إنّ صلاتي و نسكي له
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 299
عبادة، و حياتي و مماتي له ملكا و قدرة، عن القاضي. و حاصل المعنى أنّ ما أنا عليه في حياتي من فنون الطاعات و أكون عليه عند موتي من الإيمان للّه لا لغيره خالصة له تعالي.
[لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ] لا أشرك فيها غيره [وَ بِذلِكَ] الإخلاص [أُمِرْتُ] لا بشيء غيره [وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ] لأنّ إسلام كلّ نبيّ متقدّم على إسلام أمّته، و فيه بيان مسارعته صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الامتثال بما امر به و أنّ ما امر به من الشريعة ليس من خصائصه بل الكلّ مأمورون به، يقتدي به من أسلم منهم، و تنبيه على أنّه لا ينبغي أن يجعل العبد حياته لشهوته و مماته لورثته.
قال أهل المعاني: إنّ قوله: «وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» يعنى أوّل من استسلم عند الإيجاد لأمركن، و عند قبول فيض الألطاف و أوّل ما خلق اللّه نوري، و جئت على التوحيد و الإخلاص و التبرّي عن كلّ شيء سواه تعالى ظاهرا و باطنا و التحقيق بحقائق العبوديّة.
عن مالك بن دينار قال: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام و إذا بشابّ في الطريق بلا زاد و لا راحلة؛ فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت: أيّها الشابّ من أين أقبلت؟
قال: من عنده، قلت: و إلى أين؟ قال: إليه، قلت: و أين الزاد؟ قال: عليه، قلت:
إنّ الطريق لا يقطع إلّا بالماء و الزاد و هل معك شيء؟ قال: قد تزوّدت عند خروجي بخمسة أحرف، قلت: و ما هذه الحروف؟ قال: قوله تعالى: «كهيعص» قلت: و ما معناها؟ قال: أمّا قوله كاف فهو الكافي، و أمّا الهاء فهو الهادي، و أمّا الياء فهو المؤدّي و أمّا العين فهو العالم، و أمّا الصاد فهو الصادق، و من كان صاحبه كافيا و هاديا و مؤدّيا و عالما و صادقا لا يضيّع.
قال مالك: فلمّا سمعت هذا الكلام نزعت قميصي الّذي عليّ فأردت أن البسه إيّاه فأبى أن يقبله، و قال: أيّها الشيخ العرى خير من قميص دار الفناء؛ حلالها حساب و حرامها عقاب؟.
قال مالك: و كان الشابّ إذا جنّ عليه اللّيل يرفع وجهه نحو السماء و يقول:
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج4، ص: 300
يا من تسرّه الطاعات و لا تضرّه المعاصي هب لي ما يسرّك و اغفر لي مالا يضرّك، فلمّا أحرم الناس و لبّوا قلت له: يا شابّ لم لا تلبّي؟ فقال: يا شيخ البّي سرّا أخشى أن أقول: لبّيك فيقول: لا لبّيك و لا سعديك، و لا أسمع كلامك و لا أنظر إليك، ثمّ مضى فما رأيته إلّا يمضي و هو يقول: اللّهم إنّ الناس ذبحوا و تقرّبوا إليك بضحاياهم و هداياهم و ليس لي شيء أتقرّب به إليك سوى نفسي فتقبّلها منّي، ثمّ شهق شهقة فخرّ ميّتا.
[سورة الأنعام (6): آية 164]
قوله تعالى:
[قُلْ] يا محمّد لمن يقول لك من الكفّار: توجّه إلى ديننا: [أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي] أطلب حال كونه [رَبًّا] آخر فأشركه في عبادته [وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ] و الحال أنّ ما سواه مربوب له مثلي فكيف يتصوّر أن يكون شريكا له في العبادة و العبوديّة؟
[وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها] و ذلك أنّهم كانوا يقولون للمسلمين: اتّبعوا سبيلنا و لنحمل خطاياكم، إمّا بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، و إمّا بمعنى نحمل يوم القيامة عذاب ما حمّل عليكم من الخطايا؛ فهذا ردّ بالمعنى الأوّل أي لا يكون جناية نفس من النفوس إلّا عليها، و محال أن يكون صدورها عن شخص و قرارها على شخص آخر حتّى يتأتّى ما ذكرتم.
و قوله تعالى: [وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى] ردّ لهم بالمعنى الثاني أي لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس اخرى حتّى يصحّ قولكم: و لنحمل خطاياكم. و الوزر في اللغة الثقل.