کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 231
كانوا امّة واحدة في الكفر لقوله تعالى: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ» «1» و شهيد اللّه لا بدّ و أن يكون مؤمنا عدلا فثبت أنّه ما خلت امّة من الأمم إلّا و فيهم مؤمن، ثمّ إنّ الأحاديث وردت بأنّ الأرض لا تخلو عمّن يعبد اللّه و عن أقوام بهم يمطر أهل الأرض و بهم يرزقون على أنّ الحكمة الأصليّة في الخلق العبوديّة فخلوّ أهل الأرض بالكليّة عن هذا المقصود بعيد.
روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله أنّه قال: إنّ اللّه تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم و عجمهم إلّا بقيّة من أهل الكتاب. و هذا يدلّ على قوم تمسّكوا بالإيمان قبل مجيء الرسول عليه السّلام، فكيف يقال: إنّهم كانوا امّة واحدة في الكفر؟
ثمّ على كون الامّة مؤمنة اختلف القائلون بهذا القول أنّهم متى كانوا كذلك؟
فقال ابن عبّاس و مجاهد و جماعة: كانوا على دين الإسلام في عهد آدم و في عهد ولده و اختلفوا عند قتل أحد ابنيه الابن الآخر. و قال قوم: إنّهم بقوا على دين الإسلام إلى زمن نوح و كانوا عشر قرون مسلمين ثم اختلفوا في زمن نوح فبعث اللّه نوحا إليهم. و قال آخرون:
كانوا على دين الإسلام في زمن نوح بعد الغرق إلى أن ظهر الكفر فيهم. و قال آخرون:
كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم عليه السّلام إلى أن غيّره عمرو بن لحيّ. و هذا القائل قال: المراد من الناس في قوله: «و ما كان الناس» العرب خاصّة.
إذا عرفت هذا فالمراد من بيان الآية على هذا التقرير أنّ عبادة الأصنام ما كان أصليّا فيهم و أنّه إنّما حدث بعد أن لم يكن؛ فعلى هذه الصورة كيف لم يتزيّفوا هذا المذهب و لم تنفر طباعهم عنه؟ هذا كلّه على بيان أنّ الناس كانوا امّة واحدة في الإيمان و يصحّ الوعيد حينئذ؛ لأنّ الاختلاف وقع بسبب الكفر و ذلك يقضي الوعيد.
و أمّا إذا فسّرنا بأنّ الناس كانوا امّة واحدة في الكفر كما هو منقول عن بعض المفسّرين ففائدة هذا الكلام في هذا المقام هي أنّه تعالى بيّن للرسول أنّه لا تطمع في أن يصير كلّ من تدعوه إلى الدين مجيبا لك قابلا لدينك فإنّ الناس كلّهم كانوا على الكفر، و إنّما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك فكيف تطمع في إيمان كلّهم و اتّفاقهم جميعا علي الإيمان.
(1) النساء: 45.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 232
و قول آخر و لعلّ هو الصحيح و هو أنّ المراد أنّهم كانوا امّة واحدة في أنّهم خلقوا على فطرة الإسلام ثمّ اختلفوا في الأديان، و إليه الإشارة بقوله: عليه السّلام كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه كما قال تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» «1» و قوله: [وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ] من أنّه لا يعاجل العصاة و الكفّار بالعقوبة إنعاما منه في التأنّي بهم [لَقُضِيَ] و فصّل بينهم فيما اختلفوا بأن يهلك العصاة و ينجي المؤمنين لكنّه أخّرهم إلى يوم القيامة.
ثمّ حكى عن حال الكفّار بقوله:
[سورة يونس (10): آية 20]
قال الكفّار: هلّا انزل على محمّد آية من ربّه تضطرّ الخلق إلى المعرفة بصدقه فلا يحتاجون مع تلك الآية إلى الاستدلال و النظر و لم يطلبوا معجزة تدلّ على صدقه، و إنّما لم يلجئهم اللّه إلى ما التمسوه لأنّ التكليف يمنع من الاضطرار، و لو كانت المعرفة ضرورة و قهريّة لما استحقّوا ثوابا و كان ذلك الأمر نقضا للغرض. فقل يا محمّد: إنّ الّذي يعلم الغيب و يعلم بالمصالح قبل كونها هو اللّه العالم فما يعرف في إنزاله صلاحا أنزله و ما لم يعرف لا يفعل الآية الّتي اقترحوها ذلك الوقت فانتظروا عقاب اللّه بسبب تمرّدكم و العقاب القهر و الغلبة و القتل، و الأسر في الدنيا، لأنّ اللّه وعدني بالنصرة عليكم و في الآخرة العذاب الأليم، و الحاصل أنّهم طلبوا من الرسول آية قاهرة يقهرهم على الإيمان و التصديق بالرسول غير القرآن لأنّه في بدو الأمر كان فيهم من يزعم أنّه يتمكّن من معارضة القرآن كما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوا: لو شئنا لقلنا مثل هذا. و إذا كان الأمر كذلك لا جرم طلبوا منه شيئا آخر سوى القرآن فأمر اللّه رسوله أن يقول لهم: «إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ» فصلاح إتيان آية و عدم صلاحها منوط بعلمه و أنتم بعد القرآن لا تحتاجون إلى آية اخرى [فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ] .
(1) الروم: 29.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 233
قوله: [سورة يونس (10): آية 21]
المعنى: بيّن اللّه عادة هؤلاء القوم المكر و اللجاج و عدم الإنصاف و إذا كانوا كذلك فبتقدير أن يعطوا ما سألوه من إرسال آية اخرى فإنّهم لا يؤمنون بل يبقون على كفرهم كما روي أنّ اللّه سلّط القحط على أهل مكّة سبع سنين ثمّ رحمهم و أنزل الأمطار النافعة فخصبت أرضهم.
ثم إنّهم أضافوا تلك المنافع الجليلة إلى الأصنام و الأنواء، فقابلوا النعمة بالكفران فقوله. [وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً] أي تلك الأمطار النافعة الّتي خلصهم من أكل الزهق و القحط الشديد [إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا] أي أضافوا إلى الكواكب و الأصنام و هذا المعنى ذكر في قبل هذه حيث يقول: «وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ» «1» إلّا أنّه في هذه الآية هذه الدقيقة مذكورة، و هي أنّهم عند وجدان الرحمة و الشواهد يمكرون الآية و ينسبونها إلى الغير و كلمة «إِذا لَهُمْ مَكْرٌ» جواب الشرط كقوله: «وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» «2» و يفيد المفاجأة معناه أنّهم فورا أقدموا على المكر.
و إنّما سمّي تكذيبهم آيات اللّه بالمكر لأنّ المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجه الظاهر بطريق الحيلة و هؤلاء دفعوا آيات اللّه بإلقاء الشبهات بالسحر و بالأنواء و الكواكب و الأصنام [قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً] لمّا قابلوا نعم اللّه بالمكر قابلهم اللّه بالجزاء و النكال؛ فإنّ رسل اللّه يكتبون مكرهم و يحفظونه و يصير ذلك سببا لمقابلة مكرهم.
قوله: [سورة يونس (10): الآيات 22 الى 23]
(1) التوبة: 13.
(2) الروم: 35.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 234
اعلم أنّ هذه الآية كالمفسّرة للآية السابقة على سبيل التمثيل لأنّه سبحانه لمّا قال: «وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ» فذكر اللّه مثالا جليّا يكشف عن حقيقة المعنى بقوله: [هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ] أي يمكّنكم من السير [فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ] بما هيّأ لكم من أدوات السير من غير تعب كخلق الدوابّ و تسخيرها لكم و تحملون عليها أثقالكم و هيّأ لكم السفن في البحر [حَتَّى إِذا كُنْتُمْ] ركبتم [فِي الْفُلْكِ] و خصّ الخطاب براكب البحر أي إذا كنتم راكبي السفن في البحر.
[وَ جَرَيْنَ] السفن بالناس لمّا ركبوا و عدل من الخطاب إلى الغيبة قيل: للإيذان بما لهم من سوء الحال الموجب للإعراض لأنّ ضمير الخطاب إذا عدل عنه و انقلب إلى الغياب يفيد هذا المعنى و بالعكس يفيد التقرّب و العلوّ كقوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» «1» و الأوّل مثل الآية و هو يدلّ على المقت و التبعيد و الطرد، و بالجملة أي جرين السفن بالناس [بِرِيحٍ] ليّنة يستطبّونها و سرّوا [وَ فَرِحُوا] بتلك الريح لأنّها تبلغهم إلى مقاصدهم و منازلهم و قيل: إنّ الضمير في «بها» راجعة إلى السفينة حيث حملتهم و أمتعتهم جاءت السفينة ريح شديد الهبوب هائلة و جاءهم اضطراب البحر و أيقنوا أنّهم دنوا على الهلاك أو غلب على ظنّهم الهلاك لمّا أحاط بهم من الأمواج فدعوا اللّه عند هذه الشدائد و الأهوال و التجؤوا إليه على سبيل الخلوص من الاعتقاد من دون تشريك من الأوثان و غيره، و لم يذكروا الأوثان و قالوا: يا ربّ [لَئِنْ أَنْجَيْتَنا] عن ما نحن فيه من الكرب و البلاء [لَنَكُونَنَ] من جملة من يشكرك على نعمك قوله: «جاءتها ريح» جواب قوله: «إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ» فلمّا خلّصهم اللّه من الشدّة [إِذا هُمْ يَبْغُونَ] و يعملون المعاصي و يشتغلون بالظلم على أنفسهم و على الناس.
[يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ] المعنى أنّهم بعد التضرّع و التخلّص عن المهلكة أقدموا في الحال على البغي في الأرض بغير الحقّ و معنى البغي قصد الاستعلاء بالظلم و الترقّي في الفساد.
فإن قيل: ما معنى قوله «بغير الحقّ» و البغي لا يكون حقّ؟
قلنا: البغي قد يكون بالحقّ و هو استعلاء المسلمين على أرض الكفرة و هدم دورهم
(1) الفاتحة: 4.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 235
و إحراق زروعهم و قطع أشجارهم كما فعل رسول اللّه ببني قريظة، و الحاصل أنّه سبحانه نهى عن البغي بأنّه أمر باطل و يؤول ضرره على أنفسكم و [مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا] خبر لقوله «بغيكم» أي بغي بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا: الفانية، و لا يصلح لكم.
و البغي من منكرات المعاصي قال عليه السّلام: أسرع الخير ثوابا صلة الرحم، و أعجل الشرّ عقابا البغي و اليمين الفاجرة. و روي: ثنتان يعجّلهما اللّه في الدنيا: البغي و عقوق الوالدين. قال ابن عبّاس: لو بغى جبل على جبل لاندكّ الباغي؛ قال الشاعر:
فلو بغى جبل يوما على جبل
لاندكّ منه أعاليه و أسفله
[ثُمَّ إِلَيْنا] يرجع الباغي و المبغيّ عليه و الغرض الوعيد على العذاب.
قوله: [سورة يونس (10): آية 24]
لمّا ذكر في الآية السابقة أنّ البغي أمر قبيح و لا يحصل منه إلّا متاع الحياة الدنيا و هو فاسد أتبعه بهذا المثل العجيب لمن يغترّ بالدنيا و يبغي في الأرض فقال: [إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ] بسبب هذا الماء النازل من السماء و ذلك لأنّه إذا نزل المطر ينبت بسببه أنواع من النبات و تكون الأنواع مختلفة و يكون المنبوت قبل المطر لم يترعرع و لم يهتزّ فإذا نزل المطر عليه اختلط النابت و اتّصل بذلك المطر و نمى و ربا ذلك النبات و اكتسى كمال الرونق و الزينة و هو المراد بقوله: [حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها] و تزيّنت بجميع الألوان من حمرة و خضرة و صفرة و بياض و لا شكّ أنّه متى صار البستان على هذا الوجه و بهذه الصفة فإنّه يفرح المالك به و يعظم رجاؤه في الانتفاع منه.
ثمّ إنّه تعالى يرسل على هذا الزرع و البستان العجيب آفة عظيمة دفعة واحدة من برد أو ريح أو سيل فصارت تلك الأشجار و الزروع باطلة هالكة، فكذلك من وضع قلبه على لذّات الدنيا فإذا فاتته تلك الأشياء يعظم حزنه فشبّه سبحانه الحياة الدنيا بهذا النبات أي عاقبة هذه الحياة الدنيا كعاقبة هذا النبات لأنّ المتمسّك بالدنيا إذا وضع عليها قلبه
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 236
و عظمت رغبته فيها يأتيه الموت و هو معنى قوله تعالى: «حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» «1» و بالجملة قوله: [فَاخْتَلَطَ بِهِ] أي اختلط بذلك المطر نبات الأرض لأنّ المطر يدخل في خلل النبات و قيل: معناه فاختلط بسبب المطر بعض النبات بالبعض فاختلط ما يأكل الناس بما يأكل الأنعام، و ما يقتات بما يتفكّه فقال: [مِمَّا يَأْكُلُ] الإنسان كالحبوب و الثمار و البقول [و الْأَنْعامُ] كالحشيش و أنواع المراعي.
[وَ ظَنَّ أَهْلُها] و مالكها [أَنَّهُمْ قادِرُونَ] على الانتفاع بها [أَتاها أَمْرُنا] أي عذابنا من برد و آفة و غيره [فَجَعَلْناها] محصورة مقطوعة ذاهبة يابسة [كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ] أي كأن لم تقم و تكن على تكل الصفة بالأمس و لم توجد من قبل [كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ] أي مثل ذلك نميّز الآيات [لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] أي نذكر آية بعد آية ليكون تواليها و كثرتها سببا لقوّة اليقين و موجبا لزوال الشكّ و الشبهة.
قوله: [سورة يونس (10): آية 25]
وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
النظم: لمّا نفّر العاقلين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق رغّبهم في هذه الآية بالآخرة. قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّما مثلي و مثلكم مثل سيّد بنى دارا و وضع مائدة و أرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار و أكل من المائدة و رضي عنه السيّد، و من لم يجب لم يدخل و لم يأكل و لم يرض منه السيّد فاللّه السيّد و الدار دار الإسلام و المائدة الجنّة و الداعي محمّد صلى اللّه عليه و آله.
و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله أنّه قال: ما من يوم تطلع فيه الشمس إلّا و بجنبها ملكان يناديان بحيث يسمع كلّ الخلائق إلّا الثقلين: أيّها الناس هلمّوا إلى ربّكم.
[وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ] و المراد من دار السّلام الجنّة و اختلفوا في السبب الّذي لأجله حصل هذا الاسم على وجوه: الأوّل أنّ السّلام هو اللّه، و الجنّة داره و تسميته تعالى بالسلام لأنّه لمّا كان واجب الوجود لذاته فقد سلم من الفناء و التغيّر، و سلم من احتياجه ذاتا و صفة إلى الغير، ثمّ إنّه يوصف بالسلام بمعنى أنّ الخلق سلموا من ظلمه حيث يقول: «وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» . «2»
(1) الانعام: 44.
(2) فصلت: 46.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج5، ص: 237
قال المبرّد: إنّه تعالى يوصف بالسلام أي هو ذو السّلام و السّلام عبارة عن تخليص العاجزين من المكاره، و على هذا التقدير مصدر سلم. و قيل: «سلام» جمع سلامة؛ فمعنى دار السّلام دار السلامة من الآفات كالرضاع بمعنى الرضاعة أو سمّيت الجنّة بدار السّلام؛ لأنّه يسلم على أهلها قال تعالى: «سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ» «1» و الملائكة يسلّمون عليهم و يقولون: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ» «2» قوله: [وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ] .
أي من أجاب الدعوة و أطاع و اتّقى فإنّ اللّه يهدي إلى تلك الدار و مشيئته تحصل بإجابة الدعوة.
قوله: [سورة يونس (10): آية 26]
لمّا دعا عباده إلى دار السّلام ذكر السعادات الّتي تحصل لهم فيها قال ابن عبّاس:
أي الّذين ذكروا كلمة لا إله إلّا اللّه. و قال آخرون: الّذين أحسنوا في كلّ ما تعبّدوا به و أتوا بالمأمور به كما ينبغي و اجتنبوا المنهيّات على وجه ما نهوا عنها. و «الحسنى» تأنيث الأحسن و العرب يوقع هذه اللفظة على الحالة المحبوبة الكاملة المرغوب فيها و لذلك لم تؤكّد و لم تنعت بشيء.
و قوله: [وَ زِيادَةٌ] و هذه الكلمة مبهمة و لهذا اختلف في تفسيرها:
قيل: المراد منها التفضّل على قدر المستحقّ على الطاعات من الثواب و هي المضاعفة المذكورة في قوله: «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» «3» هذا أحد الأقوال.
و ثانيها: الزيادة ما أعطاهم اللّه من النعم في الدنيا لا يحاسبهم به في الآخرة عن أبي جعفر عليه السّلام.
و ثالثها: أنّ الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عن عليّ عليه السّلام.
و رابعها: الزيادة النظر إلى وجه اللّه أي وجه حمته لأنّ النظر إلى اللّه أمر ممتنع
(1) يس: 58.
(2) الرعد: 24.