کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر
الجزء الأول
سورة البقرة مدنية
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
(سورة آل عمران)
الجزء الثالث
تتمة سورة آل عمران
سورة النساء *(هي مدنية كلها) *
سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة تفسير سورة المائدة
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة تفسير سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة البراءة
سورة يونس
سورة هود
الجزء السادس
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة ابراهيم
سورة الحجر
سورة النحل
سورة بنى إسرائيل
سورة الكهف
الجزء السابع
سورة مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء الثامن
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة الأحزاب
قوله تعالى:[سورة الأحزاب(33): الآيات 6 الى 10]
الجزء التاسع
سورة سبأ
التفسير:
سورة الملائكة
سورة يس
سورة و الصافات
التفسير:
سورة ص
سورة الزمر
التفسير:
سورة المؤمن
سورة فصلت، السجدة
الجزء العاشر
سورة حمعسق
سورة الزخرف
سورة محمد صلى الله عليه و آله
سورة الفتح
الجزء الحادي عشر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 233
لمّا شرح أحوال أهل القيامة بقوله: «وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ» بيّن أحوال أهل العقاب ثمّ كيفيّة أهل الثواب «السوق» الدفع بالعنف «1» [وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا] أي يساقون بالعنف إلى جهنّم تسوقهم الملائكة من خزنة جهنّم و هم ملائكة العذاب و نظيره قوله: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا» «2» أي يدفعون دفعا و أمّا الزمر فهي الأفواج المتفرّقة بعض في أثر بعض.
[حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها] أي تفتح أبواب جهنّم عند وصول أولئك إليها فإذا وصلوا باب جهنّم [قالَ لَهُمْ] ملائكة العذاب [أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ] أي من جنسكم [يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ] يقرءون عليكم آيات ربّكم و حجج ربّكم و ما يدلّكم على معرفته و بيان عبادته و يخوّفونكم من مشاهدة هذا اليوم و عذابه.
[قالُوا بَلى] فيقول الكفّار: قد جاءتنا و خوّفونا [وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ] أي وجب العقاب على من كفر باللّه لأنّه أخبر بذلك فلم يكن يقع منه على خلاف ما أخبر به فصار كوننا في جهنّم موافقا لخبره سبحانه و الكلمة قوله تعالى لإبليس «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» «3» و قد كنّا ممّن تبعه و كذّبنا الرسل.
له: [قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها] فتقول الخزنة لهم: ادخلوا أبواب جهنّم و أنتم مخلّدون و مؤبّدون فيها و إبهام القائل لتهويل المقول [فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ] أي بئس موضع المتكبّرين عن الحقّ و هذا الكلام لبيان أنّ ورودهم في النار بناء على
(1) بل هو الحث على السير.
(2) الطور: 13.
(3) ص: 85.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 234
كفرهم و تكبّرهم عن عبادة اللّه و هذا العذاب إنّما أوردوه على أنفسهم بكفرهم على سبيل الاختيار حيث لم يعتنوا بدلائل التوحيد و لم يقبلوا قول الرسل.
[وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً] فبيّن حال أهل الثواب و الّذين لم يتكبّروا عن أمره و خافوا عن مخالفة اللّه و رسله.
فإن قيل: السوق في أهل النار للعذاب معقول لأنّهم لا بدّ و أن يساقوا إليه لأنّهم ذهبوا إليه عنفا و كرها و لكن أيّ حاجة لأهل الكرامة بالسوق؟
فالجواب أنّه إنّما ذكر السوق على وجه المقابلة لسوق الكافرين كلفظ البشارة في قوله: «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»* «1» و إنّما البشارة للخير و مثل قوله: «وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ» .
و قيل وجه آخر و هو أنّ المحبّة و الصداقة باقية بين المتّقين فإذا قيل لواحد منهم: اذهب إلى الجنّة فيقول: لا أدخلها حتّى يدخلها أصدقائي فيتأخّرون لهذا السبب فحينئذ يحتاجون إلى السوق إلى الجنّة.
و قيل أيضا وجه آخر: أنّ المؤمنين الماحضين قد عبدوا اللّه مخلصا لا للجنّة و لا للنار فتصير شدّة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال و الجمال مانعة لهم من الرغبة في الجنّة فلا جرم يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنّة.
و قيل: إنّ أهل الجنّة و أهل النار يساقون إلّا أنّ المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان و العنف كما يفعل بالأسير إذا سيق إلى الحبس و المراد بسوق أهل الجنّة سوق مراكبهم لأنّه لا يذهب بهم إلّا راكبين فالمراد إسراعهم إلى دار الكرامة و الرضوان كما يفعل بمن يكرم و يشرف من الوافدين على الملوك شتّان ما بين السوقين! ثمّ قال تعالى: [حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها] فإن قيل:
قال تعالى في أهل النار: «فُتِحَتْ أَبْوابُها» بغير الواو و قال هاهنا بالواو فما الفرق؟ و الفرق أنّ أبواب جهنّم لا تفتّح إلّا عند دخول أهلها فيها فأمّا أبواب الجنّة ففتحها يكون متقدّما على وصولهم إليها بدليل قوله: «جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ» «2» فلذلك جيء
(1) آل عمران: 21.
(2) ص: 51.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 235
بالواو كأنّه قيل: حتّى إذا جاءوها و قد فتحت أبوابها و الواو واو حال و قيل: الواو واو الثمانية قال المبرّد: الواو زائدة و أنكر قول من قال: إنّها واو الثمانية و أنشد لامرئ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ و انتحى
بنا بطن جنب ذي حقاف عقنقل
قال: و المعنى فلمّا أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا.
و بالجملة فجواب إذا في صفة أهل الجنّة محذوف و تقديره: حتّى إذا جاءوها و فتحت أبوابها فازوا و نالوا و كانوا كيت و كيت كما أنّ في بيت امرئ القيس الجواب محذوف و التقدير: فلمّا أجزنا ساحة الحيّ و انتحى بنا خلونا و نعمنا.
و بالجملة فالمعنى: حتّى إذا جاءوها و قد فتحت لهم أبواب الجنّة و قال لهم خزنتها:
[سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ] الخزنة يذكرون لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث أوّلها يبشّرونهم بالسلامة من كلّ الآفات فتقول الملائكة عند استقبالهم: سلامة من اللّه عليكم و يحيّونهم ليزدادوا بذلك سرورا «طِبْتُمْ» بالعمل الصالح في الدنيا و طابت و زكت أعمالكم أو المعنى: طابت أنفسكم بدخول الجنّة و قيل: إنّهم طيّبوا قبل دخول الجنّة بالمغفرة و قيل: طبتم أي طاب لكم المقام و قيل: إنّهم إذا قربوا من الجنّة يردون إلى عين من الماء فيغتسلون بها و يشربون منها فيطهّر اللّه أجوافهم فلا يكون بعد ذلك منهم حدث و أذى و لا يتغيّر ألوانهم فحينئذ تقول الملائكة لهم: طبتم فادخلوها خالدين مؤبّدين و الفاء في قوله: «فَادْخُلُوها» يدلّ على كون ذلك الدخول معلّلا و متعاقبا بالطيب و الطهارة.
قالت المعتزلة: هذا يدلّ على أنّ أحدا لا يدخلها إلّا إذا كان طاهرا عن كلّ المعاصي، قال الرازيّ: و هذا القول ضعيف لأنّه يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات فحينئذ يصيرون طيّبين طاهرين.
و عن سهل بن سعد الساعديّ أنّ رسول اللّه قال: إنّ للجنّة ثمانية أبواب منها باب يسمّى الريّان لا يدخلها إلّا الصائمون.
[وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ] قال المتّقون عند ذلك: الحمد للّه الذي صدقنا وعده الّذي وعدنا على ألسنة الرسل في قوله: «أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 236
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» .
[وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ] و المراد بالأرض أرض الجنّة و عبّر عنه بالإرث لأنّ الجنّة كانت في أوّل الأمر لآدم فلمّا عادت إلى أولاده كان ذلك سببا لتسميتها بالإرث أو لأنّ الوارث يتصرّف فيما يرثه كما يشاء من غير منازع و لا مدافع فكذلك هؤلاء يتصرّفون في الجنّة كيف شاءوا و المشابهة علّة لحسن المجاز.
قوله تعالى: [نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ] أي نأخذ منها مأوى و مبوّء [حَيْثُ نَشاءُ] و هذا إشارة إلى كثرة قصورهم و منازلهم وسعة نعمتهم [فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ] أي نعم ثواب المحسنين الجنّة قال مقاتل: إنّ هذا الكلام من قول اللّه و ليس من كلام أهل الجنّة.
قوله: [وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ] لمّا بيّن ثواب أهل الإيمان ذكر عقيبه ثواب الملائكة فقال: كما أنّ ثواب المتّقين الجنّة فكذلك دار ثواب الملائكة جوانب العرش و أطرافه أي محدقين بالعرش و يطوفون حوله [يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ] ينزّهون اللّه عمّا لا يليق به و يذكرونه بصفاته الّتي هو عليها و قيل: يحمدون اللّه حيث دخل الموحّدون الجنّة و تسبيحهم في ذلك الوقت على سبيل التلذّذ و التنعّم لا على وجه التعبّد إذ ليس هناك تكليف.
ثمّ قال سبحانه: [وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ] بإدخال بعضهم النار و بعضهم الجنّة أو المعنى: قضي بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم [وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ] أي على ما قضي بيننا بالحقّ و لمّا كان تقرير المؤمنين بقولهم: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ» و بيّن أنّهم اشتغلوا بهذا التحميد تلذّذا لا تكليفا فكذلك الملائكة متوافقين على الاستغراق في التحميد تلذّذا و كان ذلك سببا لمزيد التذاذهم و قيل: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» من كلام أهل الجنّة شكرا و قيل: إنّه من كلام اللّه تعالى فقال في ابتداء الخلق: الحمد للّه الّذي خلق السماوات و الأرض و قال بعد بعثهم و استقرارهم في منازلهم: الحمد للّه و هذا أدب أدّب اللّه العباد بأنّه يجب الأخذ بأدبه في ابتداء كلّ أمر و ختم كلّ أمر.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 237
سورة المؤمن
مكّيّة إلّا آيتين منها نزلتا بالمدينة «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ» إلى قوله:
«لا يَعْلَمُونَ» و قيل: إلّا قوله تعالى: «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ» يعني بذلك صلاة الفجر و المغرب و قد ثبت أنّ فرض الصلاة نزل بالمدينة.
فضل قراءة الحواميم كثير و فضلها خصوصا روى أبو بردة الأسلميّ (أو بريدة) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من أحبّ أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم في صلاة الليل و عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: الحواميم ديباج القرآن و عن ابن عبّاس قال:
لكلّ شيء لباب و لباب القرآن الحواميم قال ابن مسعود: إذا وقعت في قراءة الحواميم وقعت في روضات دمثات أتأنّق فيهنّ.
و عن ابيّ بن كعب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: و من قرأ سورة حم المؤمن لم يبق روح نبيّ و لا صدّيق و لا مؤمن إلّا صلّوا عليه و استغفروا له و روى أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال:
الحواميم ريحان القرآن فاحمدوا اللّه و اشكروه بحفظها و تلاوتها و إنّ العبد ليقوم يقرء الحواميم فيخرج من فيه ريح أطيب من المسك الأزفر و العنبر و إنّ اللّه ليرحم تاليها و قاريها و يرحم جيرانه و أصدقاء و كلّ حميم أو قريب له و إنّه في القيامة يستغفر له العرش و الكرسيّ و ملائكة اللّه المقرّبون.
و روى أبو الصباح عن الباقر عليه السّلام قال: من قرأ حم المؤمن في كلّ ثلاث غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر و ألزمه التقوى و جعل الآخرة خيرا له من الدنيا.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 238
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة غافر (40): الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
و قرئ بكسر الحاء و بعض بين الفتح و الكسر قال صاحب الكشّاف: بفتح الميم و تسكينها و وجّه الفتح لالتقاء الساكنين و إيثار الفتح للخفّة نحو أين و كيف أو النصب بإضمار اقرء و منع الصرف للتعريف و التأنيث لأنّها اسم للسورة و أمّا السكون لأنّ الأسماء المجرّدة تذكر موقوفة الأواخر.
و بالجملة قال الرازيّ الأقرب أن يقال: «حم» اسم للسورة فقوله: [حم] مبتدأ و قوله: [تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ] خبره و التقدير: إنّ هذه السورة المسمّاة بحم تنزيل الكتاب و تنزيل مصدر لكنّ المراد منه المنزل. و قوله: من اللّه بيان أنّه تعالى هو المنزل و وصف نفسه بالغالب العليم. و الفائدة في ذكر [الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ] بيان أنّه تعالى بقدرته و علمه أنزل القرآن على هذا الحدّ الّذي يتضمّن المصالح في عموم التكليف و الإعجاز لقدرته و علمه.
ثمّ وصف نفسه بما يجمع الوعد و الوعيد و الترهيب و الترغيب فقال سبحانه: [غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ] فهذه ستّة أنواع من الصفات:
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج9، ص: 239
الاولى: غافر الذنب قال الجبّائيّ: معناه أنّه غافر الذنب إذا استحقّ المذنب غفرانه إمّا بتوبة أو طاعة أعظم من الذنب و مراده أنّ فاعل المعصية إمّا أن يقال: إنّه كان قد أتى قبل ذلك بطاعة كان ثوابها أعظم من عقاب هذه المعصية أو ما كان الأمر كذلك فإن كان الأوّل كانت هذه المعصية صغيرة فيحبط عقابها و إن كان الثاني كانت هذه المعصية كبيرة فلا يزول عقابها إلّا بالتوبة انتهى كلام الجبّائيّ.
قال الرازيّ: و مذهب أصحابنا أنّ اللّه تعالى قد يعفو عن الكبائر بدون التوبة و الآية تدلّ على ذلك لأنّ الغفر معناه الستر و معنى الغفر إنّما يعقل في الشيء الّذي يكون باقيا موجودا فيستر و الصغيرة تحبط بسبب كثرة ثواب فاعليها فمعنى الغفر فيها غير معقول.
و لا يمكن حمل قوله: غافر الذنب على الكبيرة بعد التوبة لأنّ معنى كونه قابلا للتوبة ليس إلّا ذلك و إنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب و توسيط الواو بين الأوّلين لإفادة الجمع بين محو الذنوب و قبول التوبة أو تغاير الوصفين فثبت أنّ كونه غافر الذنب يفيد كونه غافرا للذنوب الكبائر قبل التوبة على أنّ الكلام مذكور في معرض المدح العظيم فحمله على ما يفيد أعظم أنواع المدح أليق انتهى كلامه و فيه نظر.
الصفة الثانية: قوله تعالى: «قابِلِ التَّوْبِ» و في لفظ التوب قال أبو عبيدة: هو مصدر و قال الأخفش: إنّه جماعة التوبة و قال المبرّد: إنّه مصدر تاب يتوب توبا مثل «قَوْلًا»* قالت الأشاعرة: إنّ قبول التوبة من المذنب يقع على سبيل التفضّل و ليس بواجب على اللّه و قالت المعتزلة: إنّه واجب على اللّه.
الصفة الثالثة: قوله: «شَدِيدِ الْعِقابِ» فلو قيل: إن قوله: «شَدِيدِ الْعِقابِ» و هي صفة للمعرفة و هو اللّه و لا يصلح أن يوصف المعرفة بالنكرة كما أنّه يقال: مررت برجل شديد البطش و لا يقال: مررت بعبد اللّه شديد البطش فأجيب بأنّ هذه الصفة و إن كانت نكرة إلّا أنّها لمّا ذكرت مع سائر الصفات الّتي هي معارف فحسن ذكرها مثل قوله: «وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» «1» و أجاب الزجّاج أنّ خفض شديد