کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج1، ص: 82
و اختباره. و من ثم جزاءه على الحسنى أو السوء. فهو بالاضافة الى رحمته الواسعة و الدائمة، حكيم سريع الحساب شديد العقاب لا بد ان نخشاه و نتقي عذابه و نعمل بجد من أجل الحصول على مرضاته، لأنه.
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يوم الجزاء الأكبر. و حين يملك الله يوم الدين، يملك الجنة و النار و الميزان و الحكم بالجنة أو النار. و هذا التعبير يبدو أفضل من التعبير ب (ملك يوم الدين)، ذلك لان الملك قد لا يملك في دولته الا شيئا واحدا فقط هو الحكم و السلطة. بينما الله يملك السلطة و يملك كل الأشياء حتى الأشخاص الذين يحكم عليهم.
[5] و إذا كان الله رب العالمين، و الرحمن الرحيم، و مالك يوم الدين. فلا بد ان نخلص له العبادة و نتوجه اليه في كل صغيرة و كبيرة و تستعين به ..
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اي نعبدك وحدك و نستعين بك وحدك. و هذه الفكرة ذات اتجاهين (إيجابا و سلبا).
الاول: اننا نتوسل بالله و نوثق معه علاقاتنا و من أبرزها الاهتداء الى تنفيذ أوامره و تنفيذها، مما يساعدنا على تجاوز كل محنة و تحقيق التطلعات.
الثاني: اننا لا نتوسل بغير الله، حتى لا نصبح اتكاليين و ذيولا لآخرين تفرض علينا وصايتهم، و بالتالي يستعبدوننا.
و عند ما نتعمق قليلا في معنى هذه الآية نجدها تلخص فلسفة/ 93 الحرية الانسانية بصورة متينة.
من هدى القرآن، ج1، ص: 83
ما دام للّه الأسماء الحسنى و التي منها ضمان حرية الإنسان دعنا نترك إذا الأصنام التي تعبد من دون اللّه لأنها لا تتصف بشيء من تلك الصفات، فلا هي رب و لا رحمن و لا تملك جزاء.
[6] و حين نترك الأصنام الصامتة (كالحجارة) أو الناطقة (كالذين يعبدون من دون الله) آنئذ نكون على الصراط المستقيم.
و لكن ليس بهذه السهولة نستطيع ان نحقق الاستقامة، لان التخلص من الأصنام مهمة صعبة للغاية. و على الإنسان ان يضع امامه هدفا صعبا ليحققه في الحياة هو (الاستقامة) و يسعى من أجل تحقيقه بجد و مثابرة، و ذلك عبر ثلاثة مراحل:
المرحلة الاولى: التصميم على الاستقامة. و لن يكون التصميم على الاستقامة جادا الا إذا عرف الإنسان ان في الحياة طرقا شتى لا تؤدي به الى اهدافه المنشودة.
و ان هناك طريقا واحدا فقط هو الذي يوصله إليها. و عرف ان التعرف على هذا الطريق و السير فيه هو من واجباته التي عليه أن يسعى لتأديتها، و ليست من نعم الله الطبيعية عليه، ليست مثلا كنعمة البصر، حيث يولد الطفل بصيرا. و لهذا فاننا ندعوا الله ان يمنحنا الاستقامة و نقول:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ و هذا الدعاء دليل على ان الله لا يمنح الاستقامة الا لمن يطلبها منه.
[7] و قد لا تكون الاستقامة ابدية، إذ أن عواصف الشهوات و أمواج الضغوط الاجتماعية و الحواجز النفسية، و وساوس الشيطان، تلعب/ 94 بقلب الإنسان كما تلعب الأعاصير بريشة طائرة. من هنا على الإنسان ان ينتظر نعمة اللّه حتى تظل الاستقامة
من هدى القرآن، ج1، ص: 84
دائمة و من هنا قال اللّه:
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ اي بنعمة الهداية التي تؤدي طبيعيا الى الانتفاع بسائر نعم اللّه.
و ما دامت الاستقامة نعمة توهب و قد لا توهب للإنسان، فعليه ان يظل يقظا، كلما أبعدته عوامل الانحراف عن الخط، عاد اليه بفضل وعيه و ثقته بالله، و بتصميمه على الاستقامة في الحياة حتى يأتيه اليقين.
و علينا ان نعرف أن اللّه يجسد الصراط المستقيم في أشخاص، إذا ان الايمان لا بد ان يكون له رصيد واقعي لئلا يتحول الى أفكار مجردة، ربما لا تكون قابلة للتطبيق.
«صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.
اما المرحلة الثانية فهي تحديد دواعي الانحراف التي تضغط على الإنسان باتجاه الانحراف أو تضغط عليه لكي يختار بوعي و عمد طريق الانحراف.
مثل حب الشهوات من النساء و البنين و الكماليات و التفاخر و حب السلطة.
ان أكثر الناس ينحرفون عن الاستقامة بشهواتهم لأنهم يستسلمون لضغوط الشهوات. هؤلاء يغضب الله عليهم، و يسلب منهم نور الفطرة و وهج العقل،/ 95 فاذا بهم في ظلمات لا يبصرون، لذلك يدعو المؤمنون ان تدوم لهم نعمة الهداية فيكونوا مستقيمين.
«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»
من هدى القرآن، ج1، ص: 85
ممن تعمدوا الانحراف فسلب اللّه منهم نعمة الهداية فظلوا منحرفين الى الأبد.
المرحلة الثالثة: التخلص من عوامل الانحراف الجبرية التي تدفع الإنسان الى الانحراف من دون وعي و لا تصميم، و ذلك مثل الجهل و الغفلة و النسيان، حيث انها من عوامل الضلالة التي يجب التخلص منها هي الاخرى حتى تتم الاستقامة.
و كثير من الناس ينحرفون لجهلهم بالدين و بما فيه من سعادة و خير. مثل أكثر الشبيبة الذين ابتعدوا عن قيم الله، يمينا أو يسارا، و ضحّوا من أجل مبادئ فاسدة تضحية صادقة، هؤلاء هم الجهلاء لأنهم لو عرفوا الدين الصحيح لما توانوا عن التضحية من أجل المبادئ. كذلك المؤمنون الذين يقعون في الذنوب في ظروف معينة ثم يتوبون من قريب. هؤلاء تقودهم الغفلة و النسيان. لذلك يدعو المؤمنون الصادقون ان يهديهم الله الى الصراط المستقيم و لا يجعلهم من (الضالين).
«وَ لَا الضَّالِّينَ» ان التخلص من الضلالة اللاواعية لا يكون الا بعد التخلص من الانحراف الواعي، إذ أن نور الله لا يدخل قلبا متكبرا معاندا مصمما على الانحراف، لذلك نجد القرآن يأمر بالتخلص من غضب الله أولا، ثم يأمر بالتخلص من الضلالة.
/ 96 و كلمة اخيرة .. ان سورة الحمد بآياتها السبعة، هي خلاصة لرؤى الإسلام و بصائره في الحياة. و اما التفصيل فنجده في القرآن كله.
من هدى القرآن، ج1، ص: 87
/ 97