کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج11، ص: 12
/ 15 سورة فاطر
[سورة فاطر (35): الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
/ 16
[اللغة]
1 [فاطر]: الفطر الشق عن الشيء بإظهاره للحس، و فاطر السماوات خالقها.
3 [فأنى تؤفكون]: أي كيف تصرفون عن طريق الحق إلى الضلال، من أفك بمعنى انصرف، و منه يسمى الإفك إفكا لأنّه صرف للكلام عن الحقيقة إلى خلاف الواقع.
من هدى القرآن، ج11، ص: 14
الملائكة رسل اللّه
هدى من الآيات:
عند ما نتذكر أنّ ربّنا حميد- بكل المحامد الكريمة- أو ليس قد فطر السموات و الأرض، و استوى على عرش القدرة حيث جعل الملائكة رسلا (لتدبير الأمور) عندئذ يهدينا الرب إلى أنّ مقاليد الأمور بيده، فإذا فتح للناس رحمة/ 17 فلا أحد يمسكها، و إذا أمسكها فلا أحد يرسلها، فهو العزيز الحكيم، و هو الذي يرزق الناس من السموات و الأرض، و من نعمه الظاهرة رسالاته التي يكذّب بها الناس عادة، و لكنّ الأمور ترجع إلى اللّه سبحانه فلا يجوز أن نغترّ بزينة الدنيا أو بتضليل الغرور، و يحذرنا الربّ من الشيطان، و يدعونا إلى عداوته، لأنّه يدعو حزبه إلى عذاب السعير.
هكذا نتلوا في الدرس الأوّل من سورة فاطر التذكرة بالأصول الثلاثة:
التوحيد، و الرسالة، و اليوم الآخر.
من هدى القرآن، ج11، ص: 15
بينات من الآيات:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نزلت البسملة مع جبرئيل كلّما نزلت سورة، و كان الأصحاب يعلمون نهاية السورة إذا نزلت البسملة.
و قد أكدنا: ان اسم اللّه يعني الصفات الجلالية و الجمالية التي يذكر بها، كصفة العزة، و القدرة، و العظمة من الصفات الجلالية، و صفة الرحمة، و الغفران، و الخلق، و الرزق من الصفات الجمالية، و لقد خلق ربّنا بهذه و تلك الخليقة، فلو لا رحمة اللّه، و قدرته، و علمه ما وجدت.
فلو كان ربنا مقتدرا، و لم يكن رحيما، لم يكن ليخلق الخلق، و لماذا يخلقه؟
بلى. لقد خلقنا برحمته/ 18 فقال تعالى: « وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ». «1»
و في الحديث عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن الآية فقال:
«خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمة اللّه فيرحمهم
» «2» و هكذا على البشر التوسل الى اللّه بأسمائه الحسنى، و البسملة أعظمها، فبرحمته التي وسعت كلّ شيء (الرحمن) و برحمته الدائمة التي لا تزول (الرحيم) نستعين في أعمالنا.
(1) هود/ (118- 119).
(2) نور الثقلين/ ج (2) ص (404).
من هدى القرآن، ج11، ص: 16
لا حمد لأحد، إلّا مجازا، اما الحمد حقّا فهو للّه، الخالق الرازق.
و قد يفتتن الإنسان بحمد ما سواه، لأنّه تسبّب في وصول نعمة إليه، و يغفل عن حمد ربه الذي وهب له الكينونة الأولى، و لا تزال نعمه تترى عليه بما لا يحصيها العادّون.
أمّا الذاكرون ربّهم فيقولون: الحمد للّه بجميع محامدة كلّها على جميع نعمه كلّها، و الحمد للّه كما هو أهله، و يستحقه حمدا كثيرا كما/ 19 يحبّ ربّنا و يرضى.
و أوّل ما نحمد ربّنا عليه أنّه خلقنا، و خلق السموات و الأرض.
فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الفطر في اللغة هو الانشقاق، و قد قال ربنا في سورة (الملك): « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ».
و فطر اللّه السموات و الأرض من العدم، و أنشأهما من غير مثال يحتذي به، أو خلق يخلق على شاكلته. لقد انشقّ جدار الظلام الأبدي بإذن اللّه عن هذه الخلائق التي لا تحصى و لا تحد. و لعل الكلمة توحي بمعنى الإبداع، و الإنشاء، و التكوّن من دون أصل سابق، أو مادة قديمة، حسبما ذكر بعض المفسرين.
و قد جاء في هذا المعنى
عن أمير المؤمنين (ع) انه قال :
«أنشأ الخلق إنشاء، و ابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، و لا تجربة استفادها، و لا حركة أحدثها، و لا همامة نفس/ 20 اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها، و لأم بين مختلفاتها، و غرّز غرائزها، و ألزمها أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا
من هدى القرآن، ج11، ص: 17
بحدودها و انتهائها، عارفا بقرائنها و أحنائها، ثم انشأ- سبحانه- فتق الأجواء، و شقّ الأرجاء، و سكائك الهواء
» «3» و ربما توحي الكلمة أيضا: بان اللّه فتق السموات بعد أن كانت رتقا، أي كانت كتلة متراصة، فحدث فيها انفجار عظيم من هيبة اللّه، يعبر عنه- سبحانه- بقوله: « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » «4» فكانت السموات و الأرض، و لعلّ الآية التالية تشير إلى ذلك: « أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ». «5» و تقول بعض النظريات العلمية الحديثة: إنّ الكون كان سديما «6» ، فتكونت منه الشموس بما لا يعلمون.
جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا الملائكة: هي القوى العالمة، الشاعرة، المطيعة للّه، و بعضهم موكّلون بالخليقة، فللسماء ملك، و للشمس ملك، و للبحر ملك، و للريح ملك، و للمطر ملك، و للإنسان ملائكة حفظة و كتبة.
و بما أنّ هذه السورة تذكّرنا بتدبير اللّه- سبحانه و تعالى-/ 21 للسموات و الأرض كان مناسبا الإشارة إلى الملائكة الموكلين به، لكي لا يزعم البعض أنّ الملائكة قوى مستقلة فيعبدوهم من دون اللّه، كما عبد بعضهم الشمس، و بعض القمر، و بعض النجوم، و .. و ...
(3) نهج البلاغة/ خ (1) ص (40).
(4) فصلت/ (11).
(5) الأنبياء/ (30).
(6) السديم: هو الغبار الكثيف.
من هدى القرآن، ج11، ص: 18
هكذا نستوحي من كلمة «رسلا» انهم مجرد حملة للأوامر إلى حيث يجري تنفيذها بإذن اللّه و بحوله و قوته.
و كلمة «رسلا» لا تعني الاختصاص بالرسالة التشريعية، التي منها (التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و قرآن محمد) و لكنّ الملائكة تتنزل بإذن ربها من كلّ أمر، في سائر شؤون الخليقة.
أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ
جاء في الأثر عن طلحة باسناده، يرفعه إلى النبي- صلّى اللّه عليه و آله- قال :
«الملائكة على ثلاثة أجزاء، فجزء لهم جناحان، و جزء لهم ثلاثة أجنحة، و جزء لهم أربعة أجنحة
» «7» و لبعض الملائكة أكثر من ذلك بكثير،
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الملائكة :
«ان للّه تبارك و تعالى ملائكة لو أنّ ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته، لعظم خلقته، و كثرة أجنحته، و منهم من لو كلّفت الجنّ و الانس أن يصفوه ما وصفوه، لبعد ما بين مفاصله، و حسن تركيب صورته، و كيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبه و شحمة أذنيه، و منهم من حدّ الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه
» «8» / 22 يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ
(7) تفسير نور الثقلين/ ج (4) ص (346).