کتابخانه تفاسیر
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 30
استحقاقه تعالى للحمد هو كونه رب العالمين.
قوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : تقدم تفسيرهما. و إنما كرر سبحانه و تعالى: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» هنا، بناء على جزئيّة البسملة للفاتحة، كما هو الحق عند المسلمين، لأنّ الرحمن الرحيم، لوحظا في البسملة بالعنوان العام من كونهما من صفات الذات الأقدس بلا إضافة إلى شيء، و في الفاتحة لوحظا باعتبار منشأ استحقاقه تعالى للحمد، فهذه الخصوصية توجب الاختلاف في الجملة، و بها يرتفع التكرار.
قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . هذه المادة (المالك) بأي هيئة استعملت تكون بمعنى الاستيلاء و الإحاطة و الاحتواء سواء أ كان بالنسبة إلى الخلق و الإيجاد أو بالنسبة إلى النظم أو الانتظام. نعم؛ هي في المخلوق محدودة لفرض محدودية ذاته و صفاته و في الخالق لا وجه للتحديد فيه بوجه من الوجوه، و ذكر يوم الدين من باب ذكر بعض المصاديق لنكتة لا للانحصار كما ستعرف.
نعم؛ مالكية يوم الدين تستلزم مالكيته لجميع العوالم السابقة عليه نحو استلزام النتيجة للمقدمات كما أن مالكية الدنيا ملازمة لمالكية يوم الدين كاستلزام المقدمات للنتيجة المنطوية فيها، مع أن قوله تعالى: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [سورة تبارك، الآية: 1]، و قوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ [سورة التغابن، الآية: 1]، و قوله تعالى: بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [سورة المؤمنون، الآية: 88] عام يشمل جميع العوالم و مالكيته لها بالدلالة المطابقية.
ثم إنه وردت هذه المادة بأغلب مشتقاتها في القرآن الكريم فقد أطلق فيه الملك (بفتح الميم و كسر اللام) بالنسبة إليه تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ [سورة الحشر، الآية: 23] و قال تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُ [سورة طه، الآية: 114]، و قال تعالى: مَلِكِ النَّاسِ [سورة الناس، الآية: 2] كما ورد الملك (بضم الميم و سكون اللام) مضافا إليه تعالى كثيرا قال تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [سورة الحديد، الآية:
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 31
2]، و قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [سورة فاطر، الآية: 13]، و قال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [سورة آل عمران، الآية: 26]. و قد ورد المالك، قال تعالى: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [سورة آل عمران، الآية: 26]. كما ورد المليك أيضا، قال تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [سورة القمر، الآية: 55] و لم يرد الملك (بكسر الميم و سكون اللام) لإغناء الملك (بضم الميم) عن ذلك بالأتم و الأكمل، و لعل عدم وروده في القرآن لأنه غالبا يستعمل في الأمور الزائلة و هو تعالى منزه عن إضافة مثله إليه.
هذا و قرئ (ملك) لأن كل ملك يستلزم المالك و لا عكس. و الظاهر أنه لا فرق بالنسبة إليه تعالى لكونه مالكا في عين ملكيته تعالى و بالعكس فكما أنه تعالى رب العالمين بالنسبة إلى جميع الموجودات كذلك ملك و مالك بالنسبة إلى جميعها أيضا.
و قد يرجح قراءة (مالك)، لأن المالكية تشمل ملكية الأجزاء و الجزئيات بخلاف (ملك)، فإن الملكية هي التسطير على الكل. هذا بحسب اللغة.
و أما بالنسبة إليه تعالى فقد قلنا: إنه لا وجه لذلك، كما تقدم، و ان كان قراءة (مالك) أوفق بالعرف.
يَوْمِ : المراد به هو الوقت، و ان كان إطلاقه على الزمان الذي لا ظلام فيه بالطبع إطلاقا شائعا و لكن ليس بحسب ذاته و من مقوماته فهو غير محدود بحد معين بل هو بالنسبة إلى هذا العالم الذي نحن فيه المقدر فيه الليل و النهار لأجل دوران الكرة الأرضية لا بالنسبة إلى جميع العوالم، و لذا لم يذكر اليوم في القرآن في مقابل الليل و إنما ذكر النّهار في مقابله.
و مما يدل على عدم التحديد فيه قوله تعالى: إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ [سورة الحج، الآية: 47]، و قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [سورة الأعراف، الآية: 54]، و قوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ [سورة فصلت، الآية: 12] بناء على أن اليوم المعهود
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 32
لدينا إنما حدث بعد خلق السموات و الأرض و لا وجه لأخذ الحد الخاص الحاصل من خصوصيات عالم معين في معنى الكلمة الذي هو عام و شامل لجميع العوالم إلّا إذا كانت هناك قرائن معتبرة خارجية تدل على خصوصية معينة و حد خاص.
الدِّينِ : هو الجزاء و يوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال و حسابها، كما في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [سورة غافر، الآية: 17]، و قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الجاثية، الآية: 28]. الى غير ذلك من الآيات المباركة.
و المستفاد من مجموع الآيات أنّ الإنسان من بدء حدوثه إلى خلوده هو في يومين: يوم العمل الذي يعبّر عنه ب (الدنيا) و يوم الجزاء المعبّر عنه ب (الآخرة)، أو يوم القيامة، أو غير ذلك.
و قد وصف اللّه تعالى هذا اليوم بأوصاف شتى كالعظيم، قال تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة مريم، الآية: 37]؛ و المحيط كقوله تعالى: وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ [سورة هود، الآية: 84]، و بأنواع الحوادث العظيمة الهائلة قال تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى [سورة الحج، الآية: 2].
و كل ذلك لأجل بيان نهاية عظمة اليوم؛ و قد لخصها اللّه تعالى في سورة الإنفطار بأحسن تلخيص و أكمل بيان و أتم دهشة، و في المقام مباحث تأتي في مواضعها المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.
و إنما ذكر اللّه عزّ و جل «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» مع أنه تعالى مالك لجميع ما سواه و لم يخرج عن ملكه شيء لأن يوم الدين مظهر ثبوت الوحدانية المطلقة و الربوبية العظمى الإلهية عند الكل و انقهار الجميع تحت قهاريته و هو يوم ظهور فساد الشرك الذي توهمه النّاس بزعمهم و خيالهم فيوم الدين يوم يظهر فيه التوحيد الحقيقي و العدل الإلهي.
و إنما ذكر «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» بعد «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ترغيبا لعباده
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 33
و حنانا عليهم بأن لا تغلبهم دهشة اليوم، فإن الرحمن الرّحيم معهم في أي عالم وردوا عليه و حاضر فيهم في ما إذا أحاطت بهم الدهشة.
و هذا من لطيف المعاتبة بين المالك الحكيم الغني و المملوك المحتاج فيدفع بيد و يجذب بالأخرى و قد جمع اللّه تعالى بين الترغيب و الترهيب.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 5 الى 6]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ : لفظ الخطاب [إياك] استعمل هنا في مقام الحصر، و قد أطلق عليه تعالى في القرآن بضمير الغيبة و ضمير المتكلم مع إفادتهما الحصر أيضا، قال تعالى: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [سورة يوسف، الآية: 40]، و قال تعالى: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [سورة العنكبوت، الآية: 56].
و يستفاد الحصر في المقام من أمرين:
أحدهما: سياق الآية المباركة لأن من كان «رَبِّ الْعالَمِينَ» و «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» و «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» لا وجه لعبادة غيره فإنّ غيره مطلقا مملوك له تعالى و محتاج إليه و لا وجه أن يدع من له تلك الصّفات في عبادته و يعبد غيره، و منه يظهر سر
قولهم (عليهم السّلام): «العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان»
و كثرة إطلاق الجهل على المشركين في الكتاب و السنة.
الثاني: استفادة الحصر من انفصال الضمير و تقديمه و ينحل الحصر الى النفي و الإثبات كأنه قال: لا نعبد غيرك و نعبدك، كما في لا إله إلّا اللّه. و سائر موارد الحصر.
و في الآية المباركة التفات من الغيبة إلى الخطاب لأنه بعد إقرار العبد بالالوهية و الاعتراف بالربوبية و انه مالك يوم الجزاء صار لائقا بالمخاطبة الحضورية معه تعالى فارتقى العبد من الغيبة الى الحضور لارتقاء مقام قلبه عن الغفلة إلى التوجه و الحضور.
و للتوجه من الغيبة الى الحضور مراتب بحسب مراتب المعرفة و الطاعة في العبد، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 34
نَعْبُدُ العبادة: الطاعة و أصل المادة تنبئ عن الذل و الخضوع و الاستكانة و الانقهار في أي هيئة استعملت و منها العبد و المملوك. فالمادة تشمل العبودية التسخيرية، و العبودية الاختيارية و الواقعية و العبادات الباطلة الاعتقادية، كما في قوله تعالى: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [سورة يس، الآية: 60]. و قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء، الآية: 98]، و قوله تعالى: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً [سورة العنكبوت، الآية: 17]، و العبادة: خضوع خاص ناشئ عن الإعتقاد بأن للمعبود عظمة، و لا يحيط بها العقل في المعبود الحقيقي، لعدم وصول الإدراك الى عظمته فضلا عن ذاته، و ان كان مدركا بالآثار، كما عرفت فإنه أعلى و أجلّ من أن يرقى إليه إدراك أحد، و لذا لا تصدق العبادة على الخضوع بالنسبة إلى غيره تعالى.
و قد تطابق العقل و النقل على عدم جوازها لغيره تعالى لأن حقيقتها الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال بحيث لا كمال فوقه و هو منحصر باللّه تعالى، و في قوله تعالى: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (*) وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ [سورة الصافات، الآية: 95- 96] إشارة إلى ذلك، و أنه لا تكون العبادة الا للخالق و مفيض الحياة و الإطلاق بالنسبة إلى غيره تعالى اعتقادي باطل لا واقعي حقيقي.
و العناوين الشايعة ثلاثة: العبادة، و الطاعة، و الانقياد.
و الأول- عبارة عن إتيان العمل بقصد التقرب إلى اللّه تعالى سواء كانت صحة العمل في حد نفسه متوقفة على قصد القربة- كالصّلاة و الصوم و الحج و غيرها من سائر العبادات، فإذا أتى بها من دون قصد القربة يبطل أصل العمل، أو لم تكن كذلك، كقضاء حوائج الإخوان و أداء حقوق النّاس، أو مثل النظافة فإذا كان للّه تعالى يثاب عليه مع حصول الطاعة و إذا لم يكن له تعالى تحصل الإطاعة دون الثواب، فالإطاعة أعم من العبادة، كما أنّ الانقياد أعم من كل منهما لإطلاقه عليهما و على إتيان ما يحتمل أنه محبوب للّه تعالى و ترك ما يحتمل انه مبغوض له عزّ و جل و إن لم يكن أمر و نهي منه تعالى، و قد فصلنا
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 35
الكلام في كتابنا [مهذب الأحكام].
و قد وردت الإطاعة في كثير من مشتقاتها في القرآن الكريم؛ قال تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [سورة الأحزاب، الآية:
71]، و قال تعالى: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ [سورة الأنفال، الآية: 46]، و قال تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [سورة البقرة، الآية: 184]، و قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ [سورة النساء، الآية: 64] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
ثم إنّ العبادة هي التوجه إلى المعبود في القيام بما جعله من الوظيفة و إتيان المطلوب الذي أراده من العبد و حيث إنّ اللّه تعالى يطّلع على النوايا كاطّلاعه على الأعمال فلا بد أن تكون النوايا القلبية متوجهة إليه تعالى و منحصرة في العبودية له تعالى.
و بعبارة أخرى كما أنّ العابد حاضر لدى اللّه تعالى و لا يخفى منه على اللّه شيء و هو عالم السر و الخفيات، بل وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [سورة الحديد، الآية: 4]، يعلم خطرات القلوب و حركات الجوارح و لحظات العيون فلا بد و أن يكون توجه العابد إلى مثل هذا المعبود كاملا و كذا في قلبه تاما بحيث لا يخطر في قلبه غيره فإن ذلك يوجب النقص في العبادة و العبودية بل قد يوجب الطرد و الهجران و الإثم و العصيان،
و قد قال علي (عليه السّلام) في معنى العبادة: «أن تعبد اللّه كأنك تراه و ان لم تكن تراه فإنه يراك».
و يأتي التفصيل في قوله تعالى: وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [سورة الأعراف، الآية:
29].
و الدواعي للعبادة كثيرة حتّى عند شخص واحد فربما يختلف دواعيه لها في حالة عن حالة أخرى و كلما كانت العبادة مجردة عن الدواعي الشخصية و المادية كانت العبادة أشد خلوصا للّه تبارك و تعالى و لذا
ورد عن علي (عليه السّلام): «أن قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار»
و نسب إليه (عليه السّلام): «ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك بل وجدتك
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج1، ص: 36
أهلا للعبادة فعبدتك»
، و عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السّلام): «العباد ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ و جل خوفا، فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء. و قوم عبدوا اللّه عزّ و جل حبا له، فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة».
و لا شك في أن عبادته لحبه تعالى، كما في هذه الرواية من أفضل أنحاء العبادات لخلوصها حتّى عن المسألة عنه تعالى و إضافة شيء إليه عزّ و جل خارجا عن ذاته، و لكن في بعض الروايات
عن علي (عليه السّلام) كما تقدم «أن قوما عبدوا اللّه شكرا، فتلك عبادة الأحرار»
و هي من أفضلها أيضا و لكن لا تصل إلى مرتبة المحبة، لأن المحبة قد تصل إلى مرتبة الفناء في المحبوب فلا يرى شيئا آخر أبدا وراء أهلية المحبوب و الشكر هو لحاظ شيء آخر وراء ذات المحبوب و سيأتي تفصيل هذه المباحث في محالها إن شاء اللّه تعالى.
و إذا تحققت العبادة الواقعية بحيث لا يشوبها شيء كانت ثمرتها عظيمة لا يمكن حدها، و قد ورد في ذلك ما يوجب التحير منه،
فعن أبي جعفر (عليه السّلام): «إن اللّه جل جلاله قال: ما يتقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، و إنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه- الحديث-»
فإن محبته تعالى لعبده من أجلّ مراتب الكمال و توجب وصوله إلى مقامات عالية لاستلزام الانقياد و العبودية التامة من العابد الإفاضة المطلقة بالنسبة إليه و يستفاد ذلك من كثير من الروايات، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و عن المحقق الطوسي أن العبادة أقسام ثلاثة: قلبي كالعقائد الحسنة و بدني كالأعمال الحسنة، و اجتماعي كالمعاملات الشرعية و الأخلاق الحسنة مع النّاس و سيأتي في الآيات المباركة المناسبة لها تفصيل الكلام.