کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مواهب الرحمان في تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة

سورة البقرة

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

الجزء الرابع

تتمة سورة البقرة

الجزء الخامس

سورة آل عمران

الجزء السادس

تتمة سورة آل عمران

الفهرس

الجزء السابع

تتمة تفسير سورة آل عمران

(4) سورة النساء

الفهرس

الجزء الثامن

تتمة سورة النساء

الجزء التاسع

تتمة تفسير سورة النساء

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 76]

التفسير

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم. قوله تعالى: فانفروا ثبات أو انفروا جميعا. قوله تعالى: و إن منكم لمن ليبطئن. قوله تعالى: فإن أصابتكم مصيبة. قوله تعالى: قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا. قوله تعالى: و لئن أصابكم فضل من الله. قوله تعالى: ليقولن كأن لم تكن بينكم و بينه مودة. قوله تعالى: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. قوله تعالى: فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة. قوله تعالى: و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب. قوله تعالى: فسوف نؤتيه أجرا عظيما. قوله تعالى: و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله. قوله تعالى: و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان. قوله تعالى: الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها. قوله تعالى: و اجعل لنا من لدنك وليا. قوله تعالى: و اجعل لنا من لدنك نصيرا. قوله تعالى: الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله. قوله تعالى: و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. قوله تعالى: فقاتلوا أولياء الشيطان. قوله تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفا.

[سورة النساء(4): الآيات 77 الى 80]

[سورة النساء(4): الآيات 81 الى 84]

[سورة النساء(4): الآيات 88 الى 91]

التفسير

قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين. قوله تعالى: و الله أركسهم بما كسبوا. قوله تعالى: أ تريدون أن تهدوا من أضل الله. قوله تعالى: و من يضلل الله فلن تجد له سبيلا. قوله تعالى: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء. قوله تعالى: فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله. قوله تعالى: فإن تولوا فخذوهم و اقتلوهم حيث وجدتموهم. قوله تعالى: و لا تتخذوا منهم وليا و لا نصيرا. قوله تعالى: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق. قوله تعالى: أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم. قوله تعالى: و لو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم. قوله تعالى: فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم و ألقوا إليكم السلم. قوله تعالى: فما جعل الله لكم عليهم سبيلا. قوله تعالى: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم و يأمنوا قومهم. قوله تعالى: كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها. قوله تعالى: فإن لم يعتزلوكم و يلقوا إليكم السلم و يكفوا أيديهم. قوله تعالى: و أولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا.

[سورة النساء(4): الآيات 92 الى 94]

[سورة النساء(4): الآيات 95 الى 100]

التفسير

قوله تعالى: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر. قوله تعالى: و المجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم. قوله تعالى: فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة. قوله تعالى: و كلا وعد الله الحسنى. قوله تعالى: و فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. قوله تعالى: درجات منه و مغفرة و رحمة. قوله تعالى: و كان الله غفورا رحيما. قوله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قوله تعالى: فيم كنتم. قوله تعالى: قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قوله تعالى: قالوا أ لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها. قوله تعالى: فأولئك مأواهم جهنم. قوله تعالى: و ساءت مصيرا. قوله تعالى: إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان. قوله تعالى: لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا. قوله تعالى: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم. قوله تعالى: و كان الله عفوا غفورا. قوله تعالى: و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا و سعة. قوله تعالى: و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت. قوله تعالى: فقد وقع أجره على الله. قوله تعالى: و كان الله غفورا رحيما.

[سورة النساء(4): الآيات 101 الى 104]

التفسير

قوله تعالى: و إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة. قوله تعالى: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا. قوله تعالى: إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. قوله تعالى: و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. قوله تعالى: فلتقم طائفة منهم معك. قوله تعالى: فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم. قوله تعالى: و لتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك. قوله تعالى: و ليأخذوا حذرهم و أسلحتهم. قوله تعالى: ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم و أمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة. قوله تعالى: و لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم. قوله تعالى: و خذوا حذركم. قوله تعالى: إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا. قوله تعالى: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما و قعودا و على جنوبكم. قوله تعالى: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة. قوله تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. قوله تعالى: و لا تهنوا في ابتغاء القوم. قوله تعالى: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. قوله تعالى: و ترجون من الله ما لا يرجون. قوله تعالى: و كان الله عليما حكيما.

[سورة النساء(4): الآيات 105 الى 115]

التفسير

قوله تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله. قوله تعالى: و لا تكن للخائنين خصيما. قوله تعالى: و استغفر الله. قوله تعالى: إن الله كان غفورا رحيما. قوله تعالى: و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم. قوله تعالى: إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما. قوله تعالى: يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله. قوله تعالى: و هو معهم. قوله تعالى: إذ يبيتون ما لا يرضى من القول. قوله تعالى: و كان الله بما يعملون محيطا. قوله تعالى: ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا. قوله تعالى: فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة. قوله تعالى: أم من يكون عليهم وكيلا. قوله تعالى: و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه. قوله تعالى: ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. قوله تعالى: و من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه. قوله تعالى: و كان الله عليما حكيما. قوله تعالى: و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا. قوله تعالى: فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا. قوله تعالى: و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك. قوله تعالى: و ما يضلون إلا أنفسهم. قوله تعالى: و ما يضرونك من شي‏ء. قوله تعالى: و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم. قوله تعالى: و كان فضل الله عليك عظيما. قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم. قوله تعالى: إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس قوله تعالى: و من يفعل ذلك. قوله تعالى: ابتغاء مرضات الله. قوله تعالى: فسوف نؤتيه أجرا عظيما. قوله تعالى: و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى. قوله تعالى: و يتبع غير سبيل المؤمنين. قوله تعالى: نوله ما تولى. قوله تعالى: و نصله جهنم و ساءت مصيرا.

[سورة النساء(4): الآيات 116 الى 122]

[سورة النساء(4): الآيات 127 الى 134]

التفسير

قوله تعالى: و يستفتونك في النساء. قوله تعالى: قل الله يفتيكم فيهن. قوله تعالى: و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن. قوله تعالى: و المستضعفين من الولدان. قوله تعالى: و أن تقوموا لليتامى بالقسط. قوله تعالى: و ما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما. قوله تعالى: و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا. قوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا. قوله تعالى: و الصلح خير. قوله تعالى: و أحضرت الأنفس الشح. قوله تعالى: و إن تحسنوا و تتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. قوله تعالى: و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم. قوله تعالى: فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة. قوله تعالى: و إن تصلحوا و تتقوا فإن الله كان غفورا رحيما. قوله تعالى: و إن يتفرقا يغن الله كلا من سعته. قوله تعالى: و كان الله واسعا حكيما. قوله تعالى: و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله. قوله تعالى: و إن تكفروا فإن لله ما في السماوات و ما في الأرض. قوله تعالى: و كان الله غنيا حميدا. قوله تعالى: و لله ما في السماوات و ما في الأرض و كفى بالله وكيلا. قوله تعالى: إن يشأ يذهبكم أيها الناس و يأت بآخرين. قوله تعالى: و كان الله على ذلك قديرا. قوله تعالى: من كان يريد ثواب الدنيا. قوله تعالى: فعند الله ثواب الدنيا و الآخرة. قوله تعالى: و كان الله سميعا بصيرا.
الفهرس

الجزء العاشر

تتمة سورة النساء

الفهرس

الجزء الحادي عشر

الفهرس

مواهب الرحمان في تفسير القرآن


صفحه قبل

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 34

نَعْبُدُ العبادة: الطاعة و أصل المادة تنبئ عن الذل و الخضوع و الاستكانة و الانقهار في أي هيئة استعملت و منها العبد و المملوك. فالمادة تشمل العبودية التسخيرية، و العبودية الاختيارية و الواقعية و العبادات الباطلة الاعتقادية، كما في قوله تعالى: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ‏ [سورة يس، الآية: 60]. و قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ‏ [سورة الأنبياء، الآية: 98]، و قوله تعالى: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً [سورة العنكبوت، الآية: 17]، و العبادة: خضوع خاص ناشئ عن الإعتقاد بأن للمعبود عظمة، و لا يحيط بها العقل في المعبود الحقيقي، لعدم وصول الإدراك الى عظمته فضلا عن ذاته، و ان كان مدركا بالآثار، كما عرفت فإنه أعلى و أجلّ من أن يرقى إليه إدراك أحد، و لذا لا تصدق العبادة على الخضوع بالنسبة إلى غيره تعالى.

و قد تطابق العقل و النقل على عدم جوازها لغيره تعالى لأن حقيقتها الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال بحيث لا كمال فوقه و هو منحصر باللّه تعالى، و في قوله تعالى: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (*) وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ‏ [سورة الصافات، الآية: 95- 96] إشارة إلى ذلك، و أنه لا تكون العبادة الا للخالق و مفيض الحياة و الإطلاق بالنسبة إلى غيره تعالى اعتقادي باطل لا واقعي حقيقي.

و العناوين الشايعة ثلاثة: العبادة، و الطاعة، و الانقياد.

و الأول- عبارة عن إتيان العمل بقصد التقرب إلى اللّه تعالى سواء كانت صحة العمل في حد نفسه متوقفة على قصد القربة- كالصّلاة و الصوم و الحج و غيرها من سائر العبادات، فإذا أتى بها من دون قصد القربة يبطل أصل العمل، أو لم تكن كذلك، كقضاء حوائج الإخوان و أداء حقوق النّاس، أو مثل النظافة فإذا كان للّه تعالى يثاب عليه مع حصول الطاعة و إذا لم يكن له تعالى تحصل الإطاعة دون الثواب، فالإطاعة أعم من العبادة، كما أنّ الانقياد أعم من كل منهما لإطلاقه عليهما و على إتيان ما يحتمل أنه محبوب للّه تعالى و ترك ما يحتمل انه مبغوض له عزّ و جل و إن لم يكن أمر و نهي منه تعالى، و قد فصلنا

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 35

الكلام في كتابنا [مهذب الأحكام‏].

و قد وردت الإطاعة في كثير من مشتقاتها في القرآن الكريم؛ قال تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [سورة الأحزاب، الآية:

71]، و قال تعالى: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ [سورة الأنفال، الآية: 46]، و قال تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ‏ [سورة البقرة، الآية: 184]، و قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ‏ [سورة النساء، الآية: 64] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

ثم إنّ العبادة هي التوجه إلى المعبود في القيام بما جعله من الوظيفة و إتيان المطلوب الذي أراده من العبد و حيث إنّ اللّه تعالى يطّلع على النوايا كاطّلاعه على الأعمال فلا بد أن تكون النوايا القلبية متوجهة إليه تعالى و منحصرة في العبودية له تعالى.

و بعبارة أخرى كما أنّ العابد حاضر لدى اللّه تعالى و لا يخفى منه على اللّه شي‏ء و هو عالم السر و الخفيات، بل‏ وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ‏ [سورة الحديد، الآية: 4]، يعلم خطرات القلوب و حركات الجوارح و لحظات العيون فلا بد و أن يكون توجه العابد إلى مثل هذا المعبود كاملا و كذا في قلبه تاما بحيث لا يخطر في قلبه غيره فإن ذلك يوجب النقص في العبادة و العبودية بل قد يوجب الطرد و الهجران و الإثم و العصيان،

و قد قال علي (عليه السّلام) في معنى العبادة: «أن تعبد اللّه كأنك تراه و ان لم تكن تراه فإنه يراك».

و يأتي التفصيل في قوله تعالى: وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ [سورة الأعراف، الآية:

29].

و الدواعي للعبادة كثيرة حتّى عند شخص واحد فربما يختلف دواعيه لها في حالة عن حالة أخرى و كلما كانت العبادة مجردة عن الدواعي الشخصية و المادية كانت العبادة أشد خلوصا للّه تبارك و تعالى و لذا

ورد عن علي (عليه السّلام): «أن قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار»

و نسب إليه (عليه السّلام): «ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك بل وجدتك‏

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 36

أهلا للعبادة فعبدتك»

، و عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السّلام): «العباد ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ و جل خوفا، فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء. و قوم عبدوا اللّه عزّ و جل حبا له، فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة».

و لا شك في أن عبادته لحبه تعالى، كما في هذه الرواية من أفضل أنحاء العبادات لخلوصها حتّى عن المسألة عنه تعالى و إضافة شي‏ء إليه عزّ و جل خارجا عن ذاته، و لكن في بعض الروايات‏

عن علي (عليه السّلام) كما تقدم‏ «أن قوما عبدوا اللّه شكرا، فتلك عبادة الأحرار»

و هي من أفضلها أيضا و لكن لا تصل إلى مرتبة المحبة، لأن المحبة قد تصل إلى مرتبة الفناء في المحبوب فلا يرى شيئا آخر أبدا وراء أهلية المحبوب و الشكر هو لحاظ شي‏ء آخر وراء ذات المحبوب و سيأتي تفصيل هذه المباحث في محالها إن شاء اللّه تعالى.

و إذا تحققت العبادة الواقعية بحيث لا يشوبها شي‏ء كانت ثمرتها عظيمة لا يمكن حدها، و قد ورد في ذلك ما يوجب التحير منه،

فعن أبي جعفر (عليه السّلام): «إن اللّه جل جلاله قال: ما يتقرب إليّ عبد من عبادي بشي‏ء أحب إليّ مما افترضت عليه، و إنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه- الحديث-»

فإن محبته تعالى لعبده من أجلّ مراتب الكمال و توجب وصوله إلى مقامات عالية لاستلزام الانقياد و العبودية التامة من العابد الإفاضة المطلقة بالنسبة إليه و يستفاد ذلك من كثير من الروايات، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و عن المحقق الطوسي أن العبادة أقسام ثلاثة: قلبي كالعقائد الحسنة و بدني كالأعمال الحسنة، و اجتماعي كالمعاملات الشرعية و الأخلاق الحسنة مع النّاس و سيأتي في الآيات المباركة المناسبة لها تفصيل الكلام.

قوله تعالى: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ : الاستعانة طلب العون، و الحصر هنا كالحصر في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» لفظي و سياقي و حالي، لأن الغني المطلق من كل جهة، لا بد و أن تنحصر الاستعانة به، و الاستعانة بما سواه ان رجعت إليه تكون الاستعانة به، و الا تكون شركا من هذه الجهة، فيكون المعنى هنا مشتملا على النفي و الإثبات، أي: لا نستعين بغيرك و نستعين بك فقط.

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 37

ثم إنّ الاستعانة باللّه تعالى إما اختيارية أو تكوينية بلسان الحال و الاستعداد، و الثانية من لوازم الإمكان لا تنفك عنه في جميع العوالم فإن المخلوق محتاج في حدوثه و بقائه إلى الخالق و مستعين به بل كل معلول مستعين كذلك من علته، كما ثبت بالبراهين العقلية و النقلية أن مناط الحاجة الإمكان دون الحدوث فجميع ما سواه مستعين به ذاتا و قد تجتمع الاستعانتان، كما في المؤمنين باللّه تعالى فإن فيهم الاستعانة التكوينية و الاختيارية، و كل ما تجلت عظمة المستعان في قلوبهم اشتدت استعانتهم به فالاستعانة به تعالى تتفاوت شدة و ضعفا.

و تأخير العبادة و الاستعانة عن‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» نحو تأخير المعلول عن العلة يعني: من كان رب العالمين و مالك يوم الدين لا بد و ان يكون معبودا و مستعانا به. كما أن في تقديم العبادة على الاستعانة اعتراف بالمسكنة و الخضوع بألطف وجه في أن يعتني الغني المطلق باستعانته، و من ثم قيل: نعم الشي‏ء الهدية أمام الحاجة مع أنه من قبيل تقديم الغاية على ذيها لكثرة أهمية الغاية فإن غاية الاستعانة باللّه انما هي استعانته في عبادته و ان ما سواها أمور زائلة و حقيرة، و العاقل لا يستعين باللّه تعالى في أمور زائلة غير دائمة إلّا إذا رجعت إلى ما هو دائم يبقى.

بل إن عبادته تعالى و الاستعانة منه عزّ و جل متلازمتان فعبادته استعانة به كما أنّ نفس الاستعانة عبادة له فيكون مثل قول القائل: أديت ديني فقضيت حاجتي أو قوله قضيت حاجتي أديت ديني. و في ذلك إشارة إلى أن لا ينسب العبد الى نفسه شيئا فانه خلاف أدب العبودية.

و جملة «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» دليل واضح على إبطال الجبر و التفويض و إثبات الأمر بين الأمرين، كما ذكره الأئمة الهداة (عليهم السّلام) على ما يأتي بيان هذا المبحث الشريف مفصلا في الآيات المناسبة له إن شاء اللّه تعالى.

و إنما ذكر «نعبد» و «نستعين» بلفظ الجمع إما باعتبار القارئ و من معه من الملائكة الحفظة، أو باعتبار من معه في صلاة الجماعة، أو من‏

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 38

المصلين، أو باعتبار من معه في الاعتقاد رجاء أن يكون فيهم من يقبل عمله فيقبل منه أيضا، و لأجل تصغير ما يصدر عنه من العمل فإذا التفت إلى أن الكل يعبدونه و يستعينون به عزّ و جل فلا يغتر به و لا يحسب لنفسه وزنا.

و الأولى أن يقال: إن لفظ الجمع فيهما للتحريض إلى حفظ وحدة المجتمع الذين يعبدونه تعالى و يستعينون به فكما انهم مجتمعون في وحدة المعبود و العبادة و المستعان به لا بد أن يكونوا كذلك في جميع شؤونهم كما تدل عليه آيات كثيرة، و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

و إنما كرر لفظ «إياك» لتأكيد الحصر و تشديده في كل واحد من العبادة و الاستعانة، و إطلاقها و حصرها فيه تعالى يقتضي الاستعانة به في جميع الأمور مطلقا، و هي عبارة أخرى عن الاعتقاد ب «لا حول و لا قوة إلّا باللّه» و العمل بمقتضاه في جميع الأحوال.

قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ . هذا هو ثمرة العبادة و الغرض الأقصى من الاستعانة و أعلى المقامات الإنسانية. و هي الأمانة التي عرضت‏ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ [سورة الأحزاب، الآية: 72].

و الهداية: الدلالة سواء كانت إلى الحق أو الباطل، و كثيرا ما تستعمل في القرآن في الأول، و من الثاني قوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [سورة البلد، الآية: 10]، و قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [سورة الصافات، الآية: 23].

و للهداية مراتب كثيرة متفاوتة يصح تعلق الطلب بجميع مراتبها كما يصح تعلقه بالمراتب الراقية و ان كان الشخص واجدا لها بالنسبة إلى المراتب السابقة، ففي كل مرتبة منها تطلب المرتبة الأرقى منها، فلا وجه للإشكال بأن الشخص إذا كان واجدا للهداية لا يصح أن يطلبها من اللّه تعالى ثانيا لأن إبقاء ما يكون واجدا له و تكميل مراتبه و طلب ما فوقه كلها من اللّه تعالى.

و الهداية من أفعاله تعالى و هي من صفات الفعل لا صفة الذات و قد

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 39

اضطربت كلمات الفلاسفة المتألهين في الفرق بين ما هو صفة ذاته تعالى و ما هو صفة فعله فجعلوا بعض ما هو صفة الفعل صفة لذاته عزّ و جل و بذلك عسر الجواب عنه و لم ينهضوا بدليل يحسم الاشكال. لكن المستفاد من الآيات الشريفة- على ما سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى- و السنة المقدسة قاعدة كلية و هي: كل ما يصح توصيف اللّه تعالى به و بنقيضه أو ضده فهو من صفة الفعل و كل ما لا يصح ذلك فيه فهو من صفة الذات.

و الأول- كالإرادة، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سورة البقرة، الآية: 185]، و قال تعالى: يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة المدثر، الآية: 31].

و الثاني- كالحياة و البقاء و العلم مثل: السميع و البصير و القدير، و سيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن الهداية إما تكوينية أو تشريعية:

و الأولى: ما يعم جميع ما سواه تعالى من المجردات و الماديات و يدل على ذلك قوله تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [سورة طه، الآية: 50] فالبلوغ إلى مرتبة الكمال في كل موجود هداية بالنسبة إليه.

و الثانية: تخص المؤمن و يطلبها منه عزّ و جل و قد جمعت في الإنسان الهدايتان التكوينية و التشريعية و هو يطلبهما معا أما الأولى بالاستعداد كما في سائر الموجودات و الثانية بالطلب الذي يختص به و أما الكافر فله الهداية التكوينية فقط كالنباتات و الحيوانات و إنما ترك الهداية التشريعية باختياره بعد ما تمت الحجة عليه.

الصراط: و هو الطريق المؤدي إلى المطلوب. و الاستقامة هي الاستواء في مقابل الانحراف و الاعوجاج. و إنّها تعم الجميع من الاعتقادات و الملكات بل و الخواطر النفسانية و أعمال الجوارح من العبادات و المعاملات و المجاملات فإنها إن تطابقت مع رضاء اللّه تبارك و تعالى كانت مستقيمة و إلّا فهي منحرفة قال تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [سورة آل عمران، الآية: 101] فبين تعالى معنى الهداية و الصراط المستقيم بل يتحقق‏

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 40

الصراط المستقيم في جميع الموجودات فإنّها إن طابقت مع ما جعله اللّه تعالى لها في النظام الأحسن كانت على الصراط المستقيم و إلّا خرجت عنه بعدم بلوغها الى غاياتها للحوادث الطارئة.

فالهداية الى الصراط المستقيم متقومة بطرفين: المفيض و هو اللّه تعالى، و المستفيض و هو ما سواه تعالى، لأنّ جميع الموجودات في طريق الاستكمال الذي أعده الحكيم جل شأنه.

ثم إنّ الصراط المستقيم كلي واقعي له أنواع كثيرة متفاوتة في التجرد و التعلق بالمادة و غير ذلك و يتحد مع الجميع اتحاد الجنس مع أنواعه فالمجرد منه كالعقل الكلي و المتعلق بالمادة منه كنفوس الأنبياء و الأوصياء، و الأولياء و العرضية منه كالكتب السماوية و التشريعات الإلهية.

و قد بين اللّه تعالى معنى الصراط المستقيم الذي يطلبه الإنسان في عدة آيات، منها قوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [سورة الأنعام، الآية: 161]، فجعل الدين هو الصراط المستقيم، و منها قوله تعالى: وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [سورة الزخرف، الآية: 61]، فجعل اتباع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) هو الصراط المستقيم، و كذا في قوله تعالى:

وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ‏ [سورة المؤمنون، الآية: 74]، و منها قوله تعالى: وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [سورة يس، الآية: 61]، و جميع هذه الآيات المباركة بيان لأمر واحد و هو الدين الذي أراده اللّه تعالى لخلقه و عبّر عنه بالنور في الآيات الكثيرة كما سيأتي بيانها.

صفحه بعد