کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مواهب الرحمان في تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة

سورة البقرة

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

الجزء الرابع

تتمة سورة البقرة

الجزء الخامس

سورة آل عمران

الجزء السادس

تتمة سورة آل عمران

الفهرس

الجزء السابع

تتمة تفسير سورة آل عمران

(4) سورة النساء

الفهرس

الجزء الثامن

تتمة سورة النساء

الجزء التاسع

تتمة تفسير سورة النساء

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 76]

التفسير

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم. قوله تعالى: فانفروا ثبات أو انفروا جميعا. قوله تعالى: و إن منكم لمن ليبطئن. قوله تعالى: فإن أصابتكم مصيبة. قوله تعالى: قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا. قوله تعالى: و لئن أصابكم فضل من الله. قوله تعالى: ليقولن كأن لم تكن بينكم و بينه مودة. قوله تعالى: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. قوله تعالى: فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة. قوله تعالى: و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب. قوله تعالى: فسوف نؤتيه أجرا عظيما. قوله تعالى: و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله. قوله تعالى: و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان. قوله تعالى: الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها. قوله تعالى: و اجعل لنا من لدنك وليا. قوله تعالى: و اجعل لنا من لدنك نصيرا. قوله تعالى: الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله. قوله تعالى: و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. قوله تعالى: فقاتلوا أولياء الشيطان. قوله تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفا.

[سورة النساء(4): الآيات 77 الى 80]

[سورة النساء(4): الآيات 81 الى 84]

[سورة النساء(4): الآيات 88 الى 91]

التفسير

قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين. قوله تعالى: و الله أركسهم بما كسبوا. قوله تعالى: أ تريدون أن تهدوا من أضل الله. قوله تعالى: و من يضلل الله فلن تجد له سبيلا. قوله تعالى: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء. قوله تعالى: فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله. قوله تعالى: فإن تولوا فخذوهم و اقتلوهم حيث وجدتموهم. قوله تعالى: و لا تتخذوا منهم وليا و لا نصيرا. قوله تعالى: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق. قوله تعالى: أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم. قوله تعالى: و لو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم. قوله تعالى: فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم و ألقوا إليكم السلم. قوله تعالى: فما جعل الله لكم عليهم سبيلا. قوله تعالى: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم و يأمنوا قومهم. قوله تعالى: كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها. قوله تعالى: فإن لم يعتزلوكم و يلقوا إليكم السلم و يكفوا أيديهم. قوله تعالى: و أولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا.

[سورة النساء(4): الآيات 92 الى 94]

[سورة النساء(4): الآيات 95 الى 100]

التفسير

قوله تعالى: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر. قوله تعالى: و المجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم. قوله تعالى: فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة. قوله تعالى: و كلا وعد الله الحسنى. قوله تعالى: و فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. قوله تعالى: درجات منه و مغفرة و رحمة. قوله تعالى: و كان الله غفورا رحيما. قوله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قوله تعالى: فيم كنتم. قوله تعالى: قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قوله تعالى: قالوا أ لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها. قوله تعالى: فأولئك مأواهم جهنم. قوله تعالى: و ساءت مصيرا. قوله تعالى: إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان. قوله تعالى: لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا. قوله تعالى: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم. قوله تعالى: و كان الله عفوا غفورا. قوله تعالى: و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا و سعة. قوله تعالى: و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت. قوله تعالى: فقد وقع أجره على الله. قوله تعالى: و كان الله غفورا رحيما.

[سورة النساء(4): الآيات 101 الى 104]

التفسير

قوله تعالى: و إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة. قوله تعالى: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا. قوله تعالى: إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. قوله تعالى: و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. قوله تعالى: فلتقم طائفة منهم معك. قوله تعالى: فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم. قوله تعالى: و لتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك. قوله تعالى: و ليأخذوا حذرهم و أسلحتهم. قوله تعالى: ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم و أمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة. قوله تعالى: و لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم. قوله تعالى: و خذوا حذركم. قوله تعالى: إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا. قوله تعالى: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما و قعودا و على جنوبكم. قوله تعالى: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة. قوله تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. قوله تعالى: و لا تهنوا في ابتغاء القوم. قوله تعالى: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. قوله تعالى: و ترجون من الله ما لا يرجون. قوله تعالى: و كان الله عليما حكيما.

[سورة النساء(4): الآيات 105 الى 115]

التفسير

قوله تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله. قوله تعالى: و لا تكن للخائنين خصيما. قوله تعالى: و استغفر الله. قوله تعالى: إن الله كان غفورا رحيما. قوله تعالى: و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم. قوله تعالى: إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما. قوله تعالى: يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله. قوله تعالى: و هو معهم. قوله تعالى: إذ يبيتون ما لا يرضى من القول. قوله تعالى: و كان الله بما يعملون محيطا. قوله تعالى: ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا. قوله تعالى: فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة. قوله تعالى: أم من يكون عليهم وكيلا. قوله تعالى: و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه. قوله تعالى: ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. قوله تعالى: و من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه. قوله تعالى: و كان الله عليما حكيما. قوله تعالى: و من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا. قوله تعالى: فقد احتمل بهتانا و إثما مبينا. قوله تعالى: و لو لا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك. قوله تعالى: و ما يضلون إلا أنفسهم. قوله تعالى: و ما يضرونك من شي‏ء. قوله تعالى: و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم. قوله تعالى: و كان فضل الله عليك عظيما. قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم. قوله تعالى: إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس قوله تعالى: و من يفعل ذلك. قوله تعالى: ابتغاء مرضات الله. قوله تعالى: فسوف نؤتيه أجرا عظيما. قوله تعالى: و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى. قوله تعالى: و يتبع غير سبيل المؤمنين. قوله تعالى: نوله ما تولى. قوله تعالى: و نصله جهنم و ساءت مصيرا.

[سورة النساء(4): الآيات 116 الى 122]

[سورة النساء(4): الآيات 127 الى 134]

التفسير

قوله تعالى: و يستفتونك في النساء. قوله تعالى: قل الله يفتيكم فيهن. قوله تعالى: و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن. قوله تعالى: و المستضعفين من الولدان. قوله تعالى: و أن تقوموا لليتامى بالقسط. قوله تعالى: و ما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما. قوله تعالى: و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا. قوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا. قوله تعالى: و الصلح خير. قوله تعالى: و أحضرت الأنفس الشح. قوله تعالى: و إن تحسنوا و تتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. قوله تعالى: و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم. قوله تعالى: فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة. قوله تعالى: و إن تصلحوا و تتقوا فإن الله كان غفورا رحيما. قوله تعالى: و إن يتفرقا يغن الله كلا من سعته. قوله تعالى: و كان الله واسعا حكيما. قوله تعالى: و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله. قوله تعالى: و إن تكفروا فإن لله ما في السماوات و ما في الأرض. قوله تعالى: و كان الله غنيا حميدا. قوله تعالى: و لله ما في السماوات و ما في الأرض و كفى بالله وكيلا. قوله تعالى: إن يشأ يذهبكم أيها الناس و يأت بآخرين. قوله تعالى: و كان الله على ذلك قديرا. قوله تعالى: من كان يريد ثواب الدنيا. قوله تعالى: فعند الله ثواب الدنيا و الآخرة. قوله تعالى: و كان الله سميعا بصيرا.
الفهرس

الجزء العاشر

تتمة سورة النساء

الفهرس

الجزء الحادي عشر

الفهرس

مواهب الرحمان في تفسير القرآن


صفحه قبل

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 38

المصلين، أو باعتبار من معه في الاعتقاد رجاء أن يكون فيهم من يقبل عمله فيقبل منه أيضا، و لأجل تصغير ما يصدر عنه من العمل فإذا التفت إلى أن الكل يعبدونه و يستعينون به عزّ و جل فلا يغتر به و لا يحسب لنفسه وزنا.

و الأولى أن يقال: إن لفظ الجمع فيهما للتحريض إلى حفظ وحدة المجتمع الذين يعبدونه تعالى و يستعينون به فكما انهم مجتمعون في وحدة المعبود و العبادة و المستعان به لا بد أن يكونوا كذلك في جميع شؤونهم كما تدل عليه آيات كثيرة، و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

و إنما كرر لفظ «إياك» لتأكيد الحصر و تشديده في كل واحد من العبادة و الاستعانة، و إطلاقها و حصرها فيه تعالى يقتضي الاستعانة به في جميع الأمور مطلقا، و هي عبارة أخرى عن الاعتقاد ب «لا حول و لا قوة إلّا باللّه» و العمل بمقتضاه في جميع الأحوال.

قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ . هذا هو ثمرة العبادة و الغرض الأقصى من الاستعانة و أعلى المقامات الإنسانية. و هي الأمانة التي عرضت‏ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ [سورة الأحزاب، الآية: 72].

و الهداية: الدلالة سواء كانت إلى الحق أو الباطل، و كثيرا ما تستعمل في القرآن في الأول، و من الثاني قوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [سورة البلد، الآية: 10]، و قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [سورة الصافات، الآية: 23].

و للهداية مراتب كثيرة متفاوتة يصح تعلق الطلب بجميع مراتبها كما يصح تعلقه بالمراتب الراقية و ان كان الشخص واجدا لها بالنسبة إلى المراتب السابقة، ففي كل مرتبة منها تطلب المرتبة الأرقى منها، فلا وجه للإشكال بأن الشخص إذا كان واجدا للهداية لا يصح أن يطلبها من اللّه تعالى ثانيا لأن إبقاء ما يكون واجدا له و تكميل مراتبه و طلب ما فوقه كلها من اللّه تعالى.

و الهداية من أفعاله تعالى و هي من صفات الفعل لا صفة الذات و قد

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 39

اضطربت كلمات الفلاسفة المتألهين في الفرق بين ما هو صفة ذاته تعالى و ما هو صفة فعله فجعلوا بعض ما هو صفة الفعل صفة لذاته عزّ و جل و بذلك عسر الجواب عنه و لم ينهضوا بدليل يحسم الاشكال. لكن المستفاد من الآيات الشريفة- على ما سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى- و السنة المقدسة قاعدة كلية و هي: كل ما يصح توصيف اللّه تعالى به و بنقيضه أو ضده فهو من صفة الفعل و كل ما لا يصح ذلك فيه فهو من صفة الذات.

و الأول- كالإرادة، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سورة البقرة، الآية: 185]، و قال تعالى: يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة المدثر، الآية: 31].

و الثاني- كالحياة و البقاء و العلم مثل: السميع و البصير و القدير، و سيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن الهداية إما تكوينية أو تشريعية:

و الأولى: ما يعم جميع ما سواه تعالى من المجردات و الماديات و يدل على ذلك قوله تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [سورة طه، الآية: 50] فالبلوغ إلى مرتبة الكمال في كل موجود هداية بالنسبة إليه.

و الثانية: تخص المؤمن و يطلبها منه عزّ و جل و قد جمعت في الإنسان الهدايتان التكوينية و التشريعية و هو يطلبهما معا أما الأولى بالاستعداد كما في سائر الموجودات و الثانية بالطلب الذي يختص به و أما الكافر فله الهداية التكوينية فقط كالنباتات و الحيوانات و إنما ترك الهداية التشريعية باختياره بعد ما تمت الحجة عليه.

الصراط: و هو الطريق المؤدي إلى المطلوب. و الاستقامة هي الاستواء في مقابل الانحراف و الاعوجاج. و إنّها تعم الجميع من الاعتقادات و الملكات بل و الخواطر النفسانية و أعمال الجوارح من العبادات و المعاملات و المجاملات فإنها إن تطابقت مع رضاء اللّه تبارك و تعالى كانت مستقيمة و إلّا فهي منحرفة قال تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [سورة آل عمران، الآية: 101] فبين تعالى معنى الهداية و الصراط المستقيم بل يتحقق‏

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 40

الصراط المستقيم في جميع الموجودات فإنّها إن طابقت مع ما جعله اللّه تعالى لها في النظام الأحسن كانت على الصراط المستقيم و إلّا خرجت عنه بعدم بلوغها الى غاياتها للحوادث الطارئة.

فالهداية الى الصراط المستقيم متقومة بطرفين: المفيض و هو اللّه تعالى، و المستفيض و هو ما سواه تعالى، لأنّ جميع الموجودات في طريق الاستكمال الذي أعده الحكيم جل شأنه.

ثم إنّ الصراط المستقيم كلي واقعي له أنواع كثيرة متفاوتة في التجرد و التعلق بالمادة و غير ذلك و يتحد مع الجميع اتحاد الجنس مع أنواعه فالمجرد منه كالعقل الكلي و المتعلق بالمادة منه كنفوس الأنبياء و الأوصياء، و الأولياء و العرضية منه كالكتب السماوية و التشريعات الإلهية.

و قد بين اللّه تعالى معنى الصراط المستقيم الذي يطلبه الإنسان في عدة آيات، منها قوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [سورة الأنعام، الآية: 161]، فجعل الدين هو الصراط المستقيم، و منها قوله تعالى: وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [سورة الزخرف، الآية: 61]، فجعل اتباع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) هو الصراط المستقيم، و كذا في قوله تعالى:

وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ‏ [سورة المؤمنون، الآية: 74]، و منها قوله تعالى: وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [سورة يس، الآية: 61]، و جميع هذه الآيات المباركة بيان لأمر واحد و هو الدين الذي أراده اللّه تعالى لخلقه و عبّر عنه بالنور في الآيات الكثيرة كما سيأتي بيانها.

و الانحراف عن الصراط المستقيم وقوع في الظلمات التي لها أنواع كثيرة يجمعها قوله تعالى: «المغضوب عليهم و الضالين» على ما سيأتي، و ذكره تعالى المغضوب عليهم و الضالين بعنوان الجمع اشارة الى التعدد و الاختلاف و عدم الوحدة فيه بخلاف الصراط المستقيم فإنه واحد لا تعدد فيه بوجه و هو النور الذي لم يستعمل في القرآن إلّا مفردا بخلاف‏

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 41

الظلمات، قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ‏ [سورة البقرة، الآية: 257] و قوله تعالى: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [سورة النور، الآية: 35] فالنور و الصراط المستقيم لا يعقل التعدد فيه لأن مبدأه منه تعالى كما أن بقاءه به و منتهاه إليه بخلاف الظلمات فإنها مختلفة حسب الإعتقادات و الأهواء الباطلة قال تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ‏ [سورة الأعراف، الآية: 16].

نعم المستفاد من مجموع الآيات و الروايات أن الظلم و الشرك من الشيطان فهما حقيقة واحدة لها مراتب كثيرة و مظاهر متفاوتة و الاختلاف في التعبير دون الحقيقة و سيأتي تفصيل ذلك في بيان حقيقة الشيطان إن شاء اللّه تعالى.

[سورة الفاتحة (1): آية 7]

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ . بيان للصراط المستقيم و إنما كرر لفظ «الصراط»، لأهمية الموضوع و أنّ المطلوب ليس مجرد حدوث الهداية فقط بل بقاؤها و إبقاؤها؛ و قد بيّن تعالى الصراط المستقيم بنفسه، لأن صراطا يكون مبدؤه من اللّه تعالى و منتهاه اليه كيف يمكن وصفه و بأي وجه يتحقق نعته؟!! فلا يقدر المخلوق أن يصفه إلّا بما وصفه الخالق بالقول الجامع في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ فمن يقدر أن يحد هذه النعمة العظمى التي هي أجلّ مواهب اللّه تعالى في الدنيا و الآخرة و أعلى الكمالات الإنسانية في ما يرد عليه من العوالم كلها و أنّى للممكن المتناهي من كل جهة أن يحيط بحقيقة ما يكون كله منه تبارك و تعالى.

و عن جمع من اللغويين أن استعمال النعمة يختص بذوي العقول فلا يستعمل في غيرهم إلّا بالعناية و له وجه إن أريد منه أن الغاية من خلق النّعم هو الإنسان، كما في قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [سورة

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 42

البقرة، الآية: 29]. و أما لو أريد ملاحظة الوسائط بعضها مع البعض فلا كلية له، قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ‏ [سورة لقمان، الآية: 31].

و إنما اطلق لفظ النعمة في الآية المباركة، ليفيد التعميم من كل جهة تتصور من النّعم الظاهرية و الباطنية، قال تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [سورة لقمان، الآية: 20].

كما بين تعالى بعض مصاديق نعمه في الآية المباركة: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ‏ [سورة النساء، الآية: 69] فإنهم نعم مطلقا و ان النّعم الواردة من المبدأ غير محدودة بحد خاص، قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [سورة إبراهيم، الآية: 34].

ثم إنّ مادة (نعم) استعملت في القرآن العظيم بهيآت مختلفة كلها تشعر بالحنان و الرأفة و العطف و الرحمة قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ [سورة الغاشية، الآية: 8]، و قال تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ‏ [سورة البقرة، الآية: 47]، و قال تعالى: وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ‏ [سورة الدخان، الآية: 27] إلى غير ذلك من الآيات المباركة الدالة على ما ذكرنا.

تلخيص ما تقدم في أمور:

الأول- لا ريب في أنّ تشريع الأديان السماوية و إنزال الكتب الإلهية و تكميل النفوس الإنسانية بل و تنظيم العالمين- الدنيا و الآخرة- متقوّم بهدايته تبارك و تعالى و لكثرة أهمية ذلك صارت الهداية من شؤونه المختصة به، قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى‏ هُدَى اللَّهِ‏ [سورة آل عمران، الآية: 73] و قال جل شأنه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة القصص، الآية: 56] و كما تكون نفس الهداية من فعله تعالى كذلك تكون مراتبها و أقسامها لأنّه حكيم عليم بخصوصياتها و لكنّها في الإنسان بتوسط الإختيار دون غيره من سائر المخلوقات.

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 43

ثم إنّ هذه الهداية- بالمعنى الذي تقدم- واجبة في النظام عقلا لأنّ في تركها إهمالا للنفوس المستعدة و تضييعا لها و هما قبيحان عقلا و كل قبيح ممتنع بالنسبة إليه جل شأنه.

و سبل الهداية بالنسبة إلى اللّه تعالى كثيرة فكل ما يسوق العبد اليه عزّ و جل يكون من مظاهر هدايته و مصاديقها فالقرآن من هدايته تعالى لعباده قال تعالى: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ [سورة البقرة، الآية: 97]، و قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ‏ [سورة البقرة، الآية: 185]. و كذلك سائر الكتب السماوية، قال تعالى: وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏ [سورة المائدة، الآية: 46]، و قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ [سورة المائدة، الآية: 44]. و جعل الكعبة المشرفة أيضا من مظاهرها قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ‏ [سورة آل عمران، الآية: 96]. كما أن السنة الشريفة أيضا كذلك، لأنها أحسن سبيل لتكميل النفوس الإنسانية.

الثاني- إنّ هدايته جل شأنه لعباده على أنواع:

الأول: عام يشمل الجميع قال تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً [سورة الدهر، الآية: 3]، و قال تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [سورة البلد، الآية: 10]. و لا ريب في شمولها لجميع أفراد الإنسان كما يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة.

الثاني: الهداية الخاصة و هي تخص بجمع بذلوا وسعهم في العمل بالشريعة المقدسة فزادهم اللّه تعالى بذلك أنحاء الهداية لقوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [سورة العنكبوت، الآية: 69]، و قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [سورة السجدة، الآية: 24]، و قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ‏ [سورة الأنعام، الآية:

90] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏1، ص: 44

الثالث: ما هو أخص من الثاني كما ورد في شأن رسوله و حبيبه (صلى اللّه عليه و آله): لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الإسراء، الآية: 1]، و قال تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ‏ [سورة الأنعام، الآية: 75]. و غير ذلك مما ورد في شأن أنبيائه الكرام و هذا مقام عظيم لا يليق لأحد إلّا لهؤلاء (صلوات اللّه عليهم أجمعين). و لكل من هذه الأنواع مراتب كثيرة أيضا.

(الثالث): حيث إنّ منشأ الصراط المستقيم- بكلا معنييه- من علمه تعالى و إبداع حكمته التامة و إحاطته به من جميع الجهات فهو الأصل في الكمالات و ينبعث منه سائر الكمالات في المخلوقات، فيكون مبدؤه علمه تعالى و بقاؤه بديع حكمته جل شأنه و منتهاه الخلود في جنته و في مثل هذا الأمر- الذي لا يدرك عظمته- لا يتصور فيه نقص و ينطوي فيه جميع المعارف الإلهية، و ما يتصور فيه من الاشتداد و الضعف إنما هو من ناحية المتعلق و يأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

(الرابع): تقدم أن الصراط هو الطريق المؤدي إلى المطلوب و استعمل في القرآن الكريم موصوفا بالاستقامة و الإستواء غالبا، و قد أضيف اليه تعالى بأنحاء الإضافة كقوله تعالى: وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً [سورة الأنعام، الآية: 126]، و قوله تعالى: صِراطِ اللَّهِ‏ [سورة الشورى، الآية: 53] و قال اللّه تعالى: إِلى‏ صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سورة سبأ، الآية: 6].

و لم يضف الصراط الى غيره تعالى إلّا نادرا بخلاف السبيل فإنه أضيف إلى غيره تعالى كثيرا، كما أنّه ذكر بلفظ المفرد و الجمع، قال تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏ [سورة الأنعام، الآية: 153]، و قال تعالى: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [سورة العنكبوت، الآية: 69].

صفحه بعد