کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 32

تثبّت في أمرك. و قد جاء أنّ التبين من اللّه، و العجلة من الشيطان، و مقابلة العجلة بالتبين دلالة على تقارب اللفظين.

و الأكثرون على أنّ القاتل هو محلم، و المقتول عامر كما ذكرنا، و كذا هو في سير ابن إسحاق، و مصنف أبي داود، و في الاستيعاب. و قيل: المقتول مرداس، و قاتله أسامة.

و قيل: قاتله غالب بن فضالة الليثي. و قيل: القاتل أبو الدرداء. و قيل: أبو قتادة.

و قرأ عاصم، و أبو عمرو، و ابن كثير، و الكسائي، و حفص، السلام بألف. قال الزجاج: يجوز أن يكون بمعنى التسليم، و يجوز أن يكون بمعنى الاستسلام. و قرأ نافع، و ابن عامر، و حمزة، و ابن كثير. من بعض طرقه، و جبلة عن المفضل عن عاصم: بفتح السين و اللام من غير ألف، و هو من الاستسلام. و قرأ أبان بن زيد، عن عاصم: بكسر السين و إسكان اللام، و هو الانقياد و الطاعة. قال ابن عطية: و يحتمل أن يراد بالسلام الانحياز و الترك، قال الأخفش: يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا. قال أبو عبد اللّه الرازي: أي لا تقولوا لمن اعتزلكم و لم يقاتلكم لست مؤمنا، و أصله من السلامة، لأن المعتزل عن الناس طالب للسلامة. و قرأ الجحدري: بفتح السين و سكون اللام. و قرأ أبو جعفر: مأمنا بفتح الميم أي: لا نؤمنك في نفسك، و هي قراءة: عليّ، و ابن عباس، و عكرمة، و أبي العالية، و يحيى بن يعمر. و معنى قراءة الجمهور ليس لإيمانك حقيقة أنك أسلمت خوفا من القتل. قال أبو بكر الرازي: حكم تعالى بصحة إسلام من أظهر الإسلام، و أمر بإجرائه على أحكام المسلمين، و إن كان في الغيب على خلافه. و هذا مما يحتج به على توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام، فهو مسلم انتهى. و الغرض هنا هو ما كان مع المقتول من غنيمة، أو من حمل، و متاع، على الخلاف الذي في سبب النزول. و المعنى: تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع الزوال. و تبتغون في موضع نصب على الحال من ضمير: و لا تقولوا، و في ذلك إشعار بأن الداعي إلى ترك التثبت أو التبين هو طلبكم عرض الدنيا، فعند اللّه مغانم كثيرة هذه عدة بما يسني اللّه تعالى لهم من الغنائم على وجهها من حل دون ارتكاب محظور بشبهة و غير تثبت، قاله الجمهور. و قال مقاتل: أراد ما أعده تعالى لهم في الآخرة من جزيل الثواب و النعيم الدائم الذي هو أجلّ المغانم.

كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا قال ابن جبير: معناه كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم، خائفين منهم على أنفسكم، فمنّ اللّه عليكم بإعزاز دينكم، فهم‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 33

الآن كذلك كل منهم خائف في قومه، متربص أن يصل إليكم، فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره.

قال أبو عبد اللّه الرازي: و هذا فيه إشكال، لأنّ إخفاء الإيمان ما كان عاما فيهم انتهى. و لا إشكال فيه، لأن المسلمين كانوا أول الإسلام يحبون دينهم، فالتشبيه وقع بتلك الحال الأولى، و على تقدير تسليم أنّ إخفاء الإيمان ما كان عاما فيهم، لا إشكال أيضا لأنه ينسب إلى الجملة ما وجد من بعضهم. و قال ابن زيد: كذلك كنتم كفرة فمنّ اللّه عليكم بأن أسلمتم، فلا تنكروا أن يكون هو كافرا ثم يسلم لحينه حين لقيكم، فيجب أن يتثبت في أمره، و قال الأكثرون: المعنى أنكم قبل الهجرة حين كنتم فيما بين الكفار تؤمنون بكلمة لا إله إلا اللّه، فاقبلوا منهم ذلك. و قال أبو عبد اللّه الرازي: فيه إشكال لأنّ لهم أن يقولوا ما كان إيماننا مثل إيمانهم، لأنا آمنا اختيارا، و هؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السيوف انتهى. و لا إشكال في ذلك، لأنه لا يلزم أن يكون التشبيه من كل الوجوه إذ كان يكون المشبه هو المشبه به، و ذلك محال، و لا من معظم الوجوه. و التشبيه هنا وقع في بعض الوجوه، و هو: أن الدخول في الإسلام هو كان بكلمة الشهادة، و قد حسن الزمخشري هذا القول و طوله جدا. فقال: أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة، فحصنت دماءكم و أموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم، فمنّ اللّه عليكم بالاستقامة و الاشتهار بالإيمان و التقدم، و إن صرتم أعلاما فيه فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم، و أن تعتبروا ظاهر الإسلام في الكافة، و لا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل، لا لصدق النية، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه و ماله، و قد حرمهما اللّه تعالى انتهى.

قال أبو عبد اللّه الرازي: و الأقرب عندي أن يقال: إنّ من ينتقل عن دين إلى دين، ففي أول الأمر يحدث له ميل بسبب ضعيف، ثم لا يزال ذلك الميل يتأكد و يتقوى إلى أن يكمل و يستحكم و يحصل الانتقال، فكأنه قيل لهم: كنتم في أول الإسلام إنما حدث فيكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام، ثم منّ اللّه عليكم بتقوية ذلك الميل و تأكيد النفرة عن الكفر، فكذلك هؤلاء لما حدث فيهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف فاقبلوا منهم هذا الإيمان، فإنّ اللّه يؤكد حلاوة الإيمان في قلوبهم، و يقوي تلك الرغبة في صدورهم انتهى كلامه. و ليس كل من آمن من الصحابة كان ميله أولا إلى الإسلام ميلا ضعيفا ثم يقوى، بل من الصحابة من استبصر بأول وهلة دعاء الرسول، أو رأى الرسول صلى اللّه عليه و سلم‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 34

كأبي بكر و أبي ذر و عبد اللّه بن سلام و أمثالهم ممن كان مستبصرا منتظرا. قال ابن عطية:

و يحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال في جاهليتكم لا تثبتون، حتى جاء الإسلام و منّ اللّه عليكم انتهى. و الظاهر أنّ قوله: فمنّ اللّه عليكم، هو من تمام كذلك كنتم من قبل. و قيل: من تمام تبتغون عرض الحياة الدنيا و ما قبله، فالمعنى: منّ عليكم بأن قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر قاله: أبو عبد اللّه الرازي، فتبينوا: تقدّم أنه قرئ فتثبتوا، و يحتمل أن يكون هذا تأكيدا للأول، و يحتمل أن يكون فتبينوا في قراءة من جعله من التبين، أن لا يكون تأكيد الاختلاف متعلق التبين.

فالمعنى في الأول: فتبينوا أمر من تقدمون على قتله، و في الثاني: فتبينوا نعمة اللّه عليكم بالإسلام.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي خبيرا بنياتكم و طلباتكم، فكونوا محتاطين فيما تقصدونه، متوخين أمر اللّه تعالى. و هذا فيه تحذير، فاحفظوا أنفسكم من موارد الزلل. و قرأ الجمهور: إنّ بكسر الهمزة على الاستئناف، و قرئ بفتحها على أن تكون معمولة لقوله:

فَتَبَيَّنُوا «1» .

لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ‏ قال أبو سليمان الدمشقي: نزلت من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود و التخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و أما غير أولي الضرر فسببها قول ابن أم مكتوم: كيف من لا يستطيع الجهاد؟.

و مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما رغب المؤمنين في القتال في سبيل اللّه أعداء اللّه الكفار، و استطرد من ذلك إلى قتل المؤمن خطأ و عمدا بغير تأويل و بتأويل، فنهى أن يقدم على قتله بتأويل أمر يحمله على الإسلام إذا كان ظاهره يدل على ذلك، ذكر بيان فضل المجاهد على القاعد، و بيان تفاوتهما، و أن ذلك لا يمنع منه كون الجهاد، مظنة أن يصيب المجاهد مؤمنا خطأ، أو من يلقي السلم فيقتله بتأويل فيتقاعسن عن الجهاد لهذه الشبهة، فأتى عقيب ذلك بفضل الجهاد و فوزه بما ذكر في الآية من الدرجات و المغفرة و الرحمة و الأجر العظيم، دفعا لهذه الشبهة.

و يستوي هنا من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد، و إثباته لا يدل على عموم‏

(1) سورة النساء: 4/ 94.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 35

المساواة، و كذلك نفيه. و إنما عنى نفي المساواة في الفضل، و في ذلك إبهام على السامع، و هو أبلغ من تحرير المنزلة التي بين القاعد و المجاهد. فالمتأمل يبقى مع فكره، و لا يزال يتخيل الدرجات بينهما، و القاعد هو المتخلف عن الجهاد، و عبر عن ذلك بالقعود، لأن القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الأغلب. و أولوا الضرر هم من لا يقدر على الجهاد لعمى، أو مرض، أو عرج، أو فقد أهبة. و المعنى: لا يستوي القاعدون القادرون على الغزو و المجاهدون. و قرأ ابن كثير، و أبو عمرو، و حمزة: غير برفع الراء. و نافع، و ابن عامر، و الكسائي: بالنصب، و رويا عن عاصم. و قرأ الأعمش و أبو حيوة: بكسرها. فأما قراءة الرفع فوجهها الأكثرون على الصفة، و هو قول سيبويه، كما هي عنده صفة في‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ «1» و مثله قول لبيد:

و إذا جوزيت قرضا فاجزه‏

إنما يجزي الفتى غير الجمل‏

كذا ذكره أبو عليّ، و يروى: ليس الجمل. و أجاز بعض النحويين فيه البدل. قيل:

و هو إعراب ظاهر، لأنه جاء بعد نفي، و هو أولى من الصفة لوجهين: أحدهما: أنهم نصوا على أنّ الأفصح في النفي البدل، ثم النصب على الاستثناء، ثم الوصف في رتبة ثالثة.

الثاني: أنه قد تقرر أنّ غيرا نكرة في أصل الوضع و إن أضيفت إلى معرفة هذا، هو المشهور، و مذهب سيبويه. و إن كانت قد تتعرف في بعض المواضع، فجعلها هنا صفة يخرجها عن أصل وضعها إما باعتقاد التعريف فيها، و إما باعتقاد أنّ القاعدين لما لم يكونوا ناسا معينين، كانت الألف و اللام فيه جنسية، فأجرى مجرى النكرات حتى وصف بالنكرة، و هذا كله ضعيف. و أما قراءة النصب فهي على الاستثناء من القاعدين. و قيل: استثناء من المؤمنين، و الأول أظهر لأنه المحدث عنه. و قيل: انتصب على الحال من القاعدين. و أما قراءة الجر فعلى الصفة للمؤمنين، كتخريج من خرج غير المغضوب عليهم على الصفة من‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ «2» و من المؤمنين في موضع الحال من قوله: القاعدون. أي:

كائنين من المؤمنين.

و اختلفوا: هل أولوا الضرر يساوون المجاهدين أم لا؟ فإن اعتبرنا مفهوم الصفة، أو قلنا بالأرجح من أنّ الاستثناء من النفي إثبات، لزمت المساواة. و قال ابن عطية: و هذا مردود، لأن أولي الضرر لا يساوون المجاهدين، و غايتهم إن خرجوا من التوبيخ و المذمة

(1) سورة الفاتحة: 1/ 7.

(2) سورة الفاتحة: 1/ 6.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 36

التي لزمت القاعدين من غير عذر، و كذا قال ابن جريج: الاستثناء لرفع العقاب، لا لنيل الثواب. المعذور يستوي في الأجر مع الذي خرج إلى الجهاد، إذ كان يتمنى لو كان قادرا لخرج. قال: استثنى المعذور من القاعدين، و الاستثناء من النفي إثبات، فثبت الاستواء بين المجاهد و القاعد المعذور انتهى. و إنما نفي الاستواء فيما علم أنه منتف ضرورة لإذكاره ما بين القاعد بغير عذر، و المجاهد من التفاوت العظيم، فيأنف القاعد من انحطاط منزلته فيهتز للجهاد و يرغب فيه. و مثله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ «1» أريد به التحريك من حمية الجاهل و أنفته لينهضم إلى التعلم، و يرتقي عن حضيض الجهل إلى شرف العلم.

قال بعض العلماء: كان نزول هذه الآية في الوقت الذي كان الجهاد فيه تطوعا، و إلا لم يكن لقوله: لا يستوي معنى، لأن من ترك الفرض لا يقال: إنه لا يستوي هو و الآتي به، بل يلحق الوعيد بالتارك، و يرغب الآتي به في الثواب. و قال الماتريدي: نفي التساوي بين فاعل الجهاد و تاركه، لا يدلّ على أنّ الجهاد ما كان فرضا في ذلك الوقت. ألا ترى أن قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ‏ «2» نفى المساواة بين المؤمن و الفاسق، و الإيمان فرض. و قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ‏ «3» الآية و قال: هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون، و العلم في كثير من الأشياء فرض. و إذ جاز نفي الاستواء بين فاعل التطوع و تاركه، فلأن يجوز بين فاعل الفرض و تاركه بطريق الأولى، و إنما لم يلحق الإثم تاركه لأنه فرض كفاية انتهى. و الظاهر أنّ نفي هذا الاستواء ليس مخصوصا بقاعدة عن جهاد مخصوص، و لا مجاهد جهادا مخصوصا بل ذلك عام.

و عن ابن عابس: لا يستوي القاعدون عن بدر و الخارجون إليها. و عن مقاتل: إلى تبوك. و قال ابن عباس و غيره: أولوا الضرر هم أهل الأعذار. إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. و

في الحديث: «لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر»

و جاء هنا تقديم الأموال على الأنفس. و في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ‏ «4» تقديم الأنفس على الأموال لتباين الغرضين، لأن المجاهد بائع، فأخر ذكرها تنبيها على أنّ المضايقة فيها أشد، فلا يرضى ببذلها إلا في آخر

(1) سورة الزمر: 39/ 9.

(2) سورة السجدة: 32/ 18.

(3) سورة الجاثية: 45/ 21.

(4) سورة التوبة: 9/ 111.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 37

المراتب. و المشتري قدمت له النفس تنبيها على أنّ الرغبة فيها أشد، و إنما يرعب أولا في الأنفس الغالي.

فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً الظاهر: أن المفضل عليهم هم القاعدون غير أولي الضرر، لأنهم هم الذين نفى التسوية بينهم، فذكر ما امتازوا به عليهم، و هو تفضيلهم عليهم بدرجة، فهذه الجملة بيان للجملة الأولى جواب سؤال مقدر، كان قائلا قال: ما لهم لا يستوون؟ فقيل: فضل اللّه المجاهدين، و المفضل عليهم هنا درجة هم المفضل عليهم آخرا درجات، و ما بعدها و هم القاعدون غير أولي الضرر. و تكرر التفضيلان باعتبار متعلقهما، فالتفضيل الأول بالدرجة هو ما يؤتى في الدنيا من الغنيمة، و التفضيل الثاني هو ما يخولهم في الآخرة، فنبه بإفراد الأول، و جمع الثاني على أنّ ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير. و قيل: المجاهدون تتساوى رتبهم في الدنيا بالنسبة إلى أحوالهم، كتساوي القاتلين بالنسبة إلى أخذ سلب من قتلوه و تساوي نصيب كل واحد من الفرسان و نصيب كل واحد من الرجال، و هم في الآخرة متفاوتون بحسب إيمانهم، فلهم درجات بحسب استحقاقهم، فمنهم من يكون له الغفران، و منهم من يكون له الرحمة فقط. فكان الرحمة أدنى المنازل، و المغفرة فوق الرحمة، ثم بعد الدرجات على الطبقات، و على هذا نبه بقوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏ «1» و منازل الآخرة تتفاوت. و قيل: الدرجة المدح و التعظيم، و الدرجات منازل الجنة. و قيل: المفضل عليهم أولا غير المفضل عليهم ثانيا. فالأول هم القاعدون بعذر، و الثاني هم القاعدون بغير عذر، و لذلك اختلف المفضل به: ففي الأول درجة، و في الثاني درجات، و إلى هذا ذهب ابن جريج، و هو من لا يستوي عنده أولوا الضرر و المجاهدون.

و قيل: اختلف الجهادان، فاختلف ما فضل به. و ذلك أن الجهاد جهادان: صغير، و كبير. فالصغير مجاهدة الكفار، و الكبير مجاهدة النفس. و على ذلك دل‏

قوله عليه السّلام: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»

و إنما كان مجاهدة النفس أعظم، لأنّ من جاهد نفسه فقد جاهد الدنيا، و من غلب الدنيا هانت عليه مجاهدة العدا، فخصّ مجاهدة النفس بالدرجات تعظيما لها. و قد تناقض الزمخشري في تفسير القاعدين فقال: فضل اللّه المجاهدين جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين و المجاهدين، كأنه قيل: ما لهم‏

(1) سورة آل عمران: 3/ 163.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 38

لا يستوون؟ فأجيب بذلك: و المعنى على القاعدين غير أولي الضرر، لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف. ثم قال: (فإن قلت): قد ذكر اللّه تعالى مفضلين درجة و مفضلين درجات من هم؟ (قلت): أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، و أما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الغزو فرض كفاية انتهى كلامه. فقال: أولا المعنى على القاعدين غير أولي الضرر، و قال في هذا الجواب: على القاعدين الأضراء، و هذا تناقض. و الظاهر أنّ قوله: درجات، لا يراد به عدد مخصوص، بل ذلك على حسب اختلاف المجاهدين. و قال ابن زيد: هي السبع المذكورة في براءة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ «1» الآيات. و قال ابن عطية: درجات الجهاد لو حصرت لكانت أكثر من هذه انتهى. و قال ابن محيريز: الدرجات في الجنة سبعون درجة، كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة، و إلى نحوه ذهب: مقاتل، و رجحه الطبري. و

في الحديث الصحيح: «أن في الجنة مائة درجة أعدها اللّه تعالى للمجاهدين في سبيله بين الدرجة و الدرجة كما بين السماء و الأرض»

و ذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله: و فضل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه، هو على سبيل التوكيد، لا أنّ مدلول درجة مخالف لمدلول درجات في المعنى، بل هما سواء في المعنى. قال تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ «2» لا يراد بها شي‏ء واحد، بل أشياء. و كرر التفضيل للتأكيد و الترغيب في أمر الجهاد، و إلى هذا ذهب الماتريدي قال: و في الآية دلالة على أنّ الجهاد فرض كفاية، حيث يسقط بقيام بعض، و إن كان خطاب قوله: و قاتلوا في سبيل اللّه يعم انتهى.

وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ أي و كلا من القاعدين و المجاهدين. و قيل: و كلا من القاعدين غير أولي الضرر، و أولي الضرر، و المجاهدين. و الحسنى هنا: الجنة باتفاق.

و قال عبد الجبار: هذا الوعد لا يليق بأمر الآخرة. و لما ذكر ما للمجاهدين من الحظ عاجلا جاز أن يتوهم أنه كما اختص بهذه النعم، فكذلك يختص بالثواب. فبيّن أنّ للقاعدين ما للمجاهدين من الحسنى في الوعد مع ذلك، ثم بيّن أنّ لهم فضل درجات، لأنه لو لم يذكر ذلك لأوهم أنّ حالهما في الوعد بالحسنى سواء انتهى. و انتصب كلا على أنه مفعول أوّل لوعد، و الثاني هو الحسنى. و قرئ: و كل بالرفع على الابتداء، و حذف العائد أي: و كلهم وعد اللّه.

(1) سورة التوبة: 9/ 120.

صفحه بعد