کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 443

على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في غالب الأحوال في صورة دحية، و تارة ظهر له و للصحابة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه أحد من الصحابة، و

في الحديث: «و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا»

، و كما تصوّر جبريل لمريم بشرا سويا و الملائكة أضياف إبراهيم و أضياف لوط و متسوّر و المحراب، فإنهم ظهروا بصورة البشر و إنما كان يكون بصورة رجل، لأن الناس لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته قاله ابن عباس و مجاهد و قتادة و ابن زيد، و يؤيده هلاك الذي سمع صوت ملك في السحاب يقول: أقدم حيزوم فمات لسماع صوته فكيف لو رآه في خلقته. قال ابن عطية: و لا يعارض هذا برؤية النبي صلى اللّه عليه و سلم لجبريل و غيره في صورهم، لأنه عليه السّلام أعطى قوة يعني غير قوى البشر و جاء بلفظ رجل ردّا على المخاطبين بهذا، إذ كانوا يزعمون أن الملائكة إناث. و قال القرطبي: لو جعل اللّه الرسول إلى البشر ملكا لفروا من مقاربته و ما أنسوا به، و لداخلهم من الرعب من كلامه ما يلكنهم عن كلامه و يمنعهم عن سؤاله، فلا تعم المصلحة و لو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم لقالوا: لست ملكا و إنما أنت بشر فلا نؤمن بك و عادوا إلى مثل حالهم؛ انتهى. و هو جمع كلام من قبله من المفسرين، و في هذه الآية دليل على من أنكر نزول الملائكة إلى الأرض و قالوا: هي أجسام لطيفة ليس فيها ما يقتضي انحطاطها و نزولها إلى الأرض، ورد ذلك عليهم بأنه تعالى قادر أن يودع أجسامها ثقلا يكون سببا لنزولها إلى الأرض ثم يزيل ذلك، فتعود إلى ما كانت عليه من اللطافة و الخفة فيكون ذلك سببا لارتفاعها؛ انتهى. هذا الردّ و الذي نقول إن القدرة الإلهية تنزل الخفيف و تصعد الكثيف من غير أن يجعل في الخفيف ثقلا و في الكثيف خفة و ليس هذا بالمستحيل، فيتكلف أن يودع في الخفيف ثقلا و في الكثيف خفة، و في الآية دليل على إمكان تمثيل الملائكة بصورة البشر و هو صحيح واقع بالنقل المتواتر.

وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ‏ أي و لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان و ليس بملك، فإني أستدل بأني جئت بالقرآن المعجز و فيه أني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا الرسل فخذلوا كما هم مخذولون، و يجوز أن يكون المعنى‏ وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ‏ حينئذ مثل‏ ما يَلْبِسُونَ‏ على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات اللّه قاله الزمخشري و فيه بعض تلخيص. و قال ابن عطية:

و لخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم و ضعفتهم، أي: لفعلنا لهم في ذلك تلبسا يطرّق لهم إلى أن يلبسوا به و ذلك لا يحسن، و يحتمل الكلام مقصدا آخر أي‏ لَلَبَسْنا

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 444

نحن‏ عَلَيْهِمْ‏ كما يلبسون هم على ضعفتهم، فكنا ننهاهم عن التلبيس و نفعله نحن؛ انتهى. و قال قوم: كان يحصل التلبيس لاعتقادهم أن الملائكة إناث فلو رأوه في صورة رجل حصل التلبيس عليهم كما حصل منهم التلبيس على غيرهم. و قال قوم منهم الضحاك: الآية نزلت في اليهود و النصارى في دينهم و كتبهم حرفوها و كذبوا رسلهم، فالمعنى في اللبس زدناهم ضلالا على ضلالهم. و قال ابن عباس: لبس اللّه عليهم ما لبسوا على أنفسهم بتحريف الكلام عن مواضعه، و ما مصدرية و أضاف اللبس إليه تعالى على جهة الخلق، و إليهم على جهة الاكتساب. و قرأ ابن محيصن: و لبسنا بلام واحدة و الزهري‏ وَ لَلَبَسْنا بتشديد الباء.

وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ . هذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ما كان يلقى من قومه و تأسّ بمن سبق من الرسل و هو نظير و إن يكذبوك فقد كذب رسل من قبلك لأن ما كان مشتركا من ما لا يليق أهون على النفس مما يكون فيه الانفراد و في التسلية و التأسي من التخفيف ما لا يخفى.

و قالت الخنساء:

و لولا كثرة الباكين حولي‏

على إخوانهم لقتلت نفسي‏

و ما يبكون مثل أخي و لكن‏

أسلي النفس عنه بالتأسي‏

و قال بعض المولدين:

و لا بد من شكوى إلى ذي مروءة

يواسيك أو يسليك أو يتوجع‏

و لما كان الكفار لا ينفعهم الاشتراك في العذاب و لا يتسلون بذلك، نفى ذلك تعالى عنهم فقال: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ‏ «1» قيل: كان قوم يقولون: يجب أن يكون ملكا من الملائكة على سبيل الاستهزاء، فيضيق قلب الرسول عند سماع ذلك فسلاه اللّه تعالى بإخباره أنه قد سبق للرسل قبلك استهزاء قومهم بهم ليكون سببا للتخفيف عن القلب، و في قوله تعالى: فَحاقَ‏ إلى آخره، إخبار بما جرى للمستهزئين بالرسل قبلك و وعيد متيقن لمن استهزأ بالرسول عليه السّلام و تثبيت للرسول على عدم اكتراثه بهم، لأن مآلهم إلى التلف و العقاب الشديد المرتب على الاستهزاء، و أنه تعالى يكفيه شرهم و إذايتهم كما قال تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ «2» و معنى‏

(1) سورة الزخرف: 43/ 39.

(2) سورة الحجر: 15/ 95.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 445

سَخِرُوا استهزؤوا إلا أن استهزأ تعدّى بالباء و سخر بمن كما قال: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ‏ «1» و بالباء تقول: سخرت به و تكرر الفعل هنا لخفة الثلاثي و لم يتكرر في‏ وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ‏ فكان يكون التركيب، فَحاقَ بِالَّذِينَ‏ استهزؤوا بهم لثقل استفعل، و الظاهر في‏ ما أن تكون بمعنى الذي و جوّزوا أن تكون‏ ما مصدرية، و الظاهر أن الضمير في‏ مِنْهُمْ‏ عائد على الرسل، أي‏ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا من الرسل و جوز الحوفي و أبو البقاء أن يكون عائدا على غير الرسل. قال الحوفي: في أمم الرسل. و قال أبو البقاء: على المستهزئين، و يكون‏ مِنْهُمْ‏ حالا من ضمير الفاعل في‏ سَخِرُوا و ما قالاه و جوزاه ليس بجيد، أما قول الحوفي فإن الضمير يعود على غير مذكور و هو خلاف الأصل، و أما قول أبي البقاء فهو أبعد لأنه يصير المعنى: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا كائنين من المستهزئين فلا حاجة لهذه الحال لأنها مفهومة من قوله‏ سَخِرُوا و قرأ عاصم و أبو عمرو و حمزة بكسر دال‏ وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ‏ على أصل التقاء الساكنين.

و قرأ باقي السبعة بالضم اتباعا و مراعاة لضم التاء إذ الحاجز بينهما ساكن، و هو حاجز غير حصين.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ لما ذكر تعالى ما حل بالمكذبين المستهزئين و كان المخاطبون بذلك أمّة أميّة، لم تدرس الكتب و لم تجالس العلماء فلها أن تظافر في الإخبار بهلاك من أهلك بذنوبهم أمروا بالسير في الأرض، و النظر فيما حل بالمكذبين ليعتبروا بذلك و تتظافر مع الأخبار الصادق الحس فللرؤية من مزيد الاعتبار ما لا يكون كما قال بعض العصريين:

لطائف معنى في العيان و لم تكن‏

لتدرك إلا بالتزاور و اللقا

و الظاهر أن السير المأمور به، هو الانتقال من مكان إلى مكان و إن النظر المأمور به، هو نظر العين و إن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم كأرض عاد و مدين و مدائن قوم لوط و ثمود. و قال قوم: السير و النظر هنا ليسا حسيين بل هما جولان الفكر و العقل في أحوال من مضى من الأمم التي كذبت رسلها، و لذلك قال الحسن: سيروا في الأرض لقراءة القرآن أي: اقرؤوا القرآن و انظروا ما آل إليه أمر المكذبين، و استعارة السير فِي الْأَرْضِ‏ لقراءة القرآن فيه بعد، و قال قوم: الْأَرْضِ‏ هنا عام، لأن في كل‏

(1) سورة هود: 11/ 38.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 446

قطر منها آثارا لهالكين و عبرا للناظرين و جاء هنا خاصة ثُمَّ انْظُرُوا بحرف المهلة و فيما سوى ذلك بالفاء التي هي للتعقيب. و قال الزمخشري: في الفرق جعل النظر متسببا عن السير فكان السير سببا للنظر، ثم قال: فكأنه قيل: سِيرُوا لأجل النظر و لا تسيروا سير الغافلين، و هنا معناه إباحة السير في الأرض للتجارة و غيرها من المنافع، و إيجاب النظر في آثار الهالكين و نبه على ذلك ب ثُمَ‏ لتباعد ما بين الواجب و المباح، انتهى.

و ما ذكره أولا متناقض لأنه جعل النظر متسببا عن السير، فكان السير سببا للنظر ثم قال: فكأنما قيل: سِيرُوا لأجل النظر فجعل السير معلولا بالنظر فالنظر سبب له فتناقضا، و دعوى أن الفاء تكون سببية لا دليل عليها و إنما معناها التعقيب فقط و أما مثل ضربت زيدا فبكى، وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فهم من مضمون الجملة لأن الفاء موضوعة له و إنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء و تعقيب الزنا بالرجم فقط، و على تسليم أن الفاء تفيد التسبيب فلم كان السير هنا سير إباحة و في غيره سير واجب؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع و بين تلك المواضع.

[سورة الأنعام (6): الآيات 12 الى 13]

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ‏ لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم، أمر نبيه صلى اللّه عليه و سلم بسؤالهم ذلك فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك للّه تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم، و هذا السؤال سؤال تبكيت و تقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك للّه تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك. و قيل: في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا قُلْ لِلَّهِ‏ و قال قوم: المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم‏ قُلْ لِلَّهِ‏ و للّه خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو للّه. كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد، و دل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته و إحسانه إلى الخلق و ظاهر كتب أنه بمعنى سطر و خط، و قال به قوم هنا و له أريد حقيقة الكتب و المعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ. و قيل: كَتَبَ‏ هنا بمعنى وعد بها فضلا و كرما. و قيل: بمعنى أخبر. و قيل: أوجب إيجاب فضل و كرم‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 447

لا إيجاب لزوم. و قيل: قضاها و أنفذها. و قال الزمخشري: أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، و نصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات و الأرض، انتهى. و الرَّحْمَةَ هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن و المسي‏ء في الدنيا، و هي عبارة عن الاتصال إليهم و الإحسان إليهم و لم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا. و قيل: الألف و اللام للعهد، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها اللّه تعالى من المائة الرَّحْمَةَ التي خلقها و أخر تسعة و تسعين يرحم بها عباده في الآخرة. و قال الزجاج: الرَّحْمَةَ إمهال الكفار و تعميرهم ليتوبوا، فلم يعاجلهم على كفرهم. و قيل:

الرَّحْمَةَ لمن آمن و صدق الرسل. و

في صحيح مسلم‏ لما قضى اللّه الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي.

لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ‏ لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر و أن فيه المجازاة على الخير و الشر، و هذه الجملة مقسم عليها و لا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب و إن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرناه. و حكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا: إنها تفسير للرحمة تقديره: أن يجمعكم، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من‏ الرَّحْمَةَ و هو مثل قوله‏ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ‏ «1» المعنى أن يسجنوه، و ردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال: و إنما تدخل في الأمر و النهي و باختصاص من الواجب في القسم، انتهى.

و هذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد، ألا ترى دخولها في الشرط و ليس واحدا مما ذكر نحو قوله تعالى: وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ* «2» و كذلك قوله: و باختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو و لهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه، فلذلك لحقت النون و إن كان المعنى على خلاف القسم و يبطل ما ذكروه، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب، فإذا قلت و اللّه لأضربنّ زيدا، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد و اللّه لأضربنه، كانت جملة القسم و المقسم عليه في موضع رفع و الجمع هنا قيل حقيقة أي‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ في القبور إلى يوم القيامة، و الظاهر أن‏ إِلى‏ للغاية و المعنى ليحشرنكم منتهين‏ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ و قيل: المعنى‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ في الدنيا يخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة و قد

(1) سورة يوسف: 12/ 35.

(2) سورة الأعراف: 7/ 200.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 448

تكون‏ إِلى‏ هنا بمعنى اللام أي ليوم القيامة، كقوله تعالى: إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ‏ «1» و أبعد من زعم أن‏ إِلى‏ بمعنى في أي في يوم القيامة و أبعد منه من ذهب إلى أنها صلة و التقدير لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ يوم القيامة، و الظاهر أن الضمير في‏ فِيهِ‏ عائد إلى يوم القيامة و فيه ردّ على من ارتاب في الحشر و يحتمل أن يعود على الجمع، و هو المصدر المفهوم من قولهم‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ .

الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ اختلف في إعراب‏ الَّذِينَ‏ فقال الأخفش: هو بدل من ضمير الخطاب في‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ و ردّه المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز، كما لا يجوز مررت بك زيد و ردّ رد المبرد ابن عطية. فقال: ما في الآية مخالف للمثال لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني، و إذا قلت مررت بك زيد فلا فائدة في الثاني، و قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال‏ الَّذِينَ‏ من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب و خصوا على جهة الوعيد، و يجي‏ء هذا بدل البعض من الكل، انتهى. و ما ذكره ابن عطية في هذا الردّ ليس بجيد، لأنه إذا جعلنا لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ يصلح لمخاطبة الناس كافة كان‏ الَّذِينَ‏ بدل بعض من كل، و يحتاج إذ ذاك إلى ضمير و يقدر الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ منهم و قوله فيفيدنا إبدال‏ الَّذِينَ‏ من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب، و خصوا على جهة الوعيد و هذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل فتناقض أول كلامه مع آخره لأنه من حيث الصلاحية، يكون بدل بعض من كل و من حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل، و المبدل منه متكلم أو مخاطب في جوازه خلاف مذهب الكوفيين و الأخفش، أنه يجوز و مذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز، و هذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد فإنه إذ ذاك يجوز، و هذا كله مقرر في علم النحو. و قال الزجاج: الَّذِينَ‏ مرفوع على الابتداء و الخبر قوله: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ و دخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط كأنه قيل: من يخسر نفسه فهو لا يؤمن، و من ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة و أجاز الزمخشري أن يكون‏ الَّذِينَ‏ منصوبا على الذمّ أي: أريد الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ ؛ انتهى و تقديره بأريد ليس بجيد إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم بأذم و أبعد من ذهب إلى أن موضع‏ الَّذِينَ‏ جر نعتا للمكذبين أو بدلا منهم.

(1) سورة آل عمران: 3/ 9.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏4، ص: 449

و قال الزمخشري (فإن قلت): كيف جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرهم و الأمر بالعكس؟ (قلت): معناه‏ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ في علم اللّه لاختيارهم الكفر فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ ؛ انتهى. و فيه دسيسة الاعتزال بقوله: لاختيارهم الكفر.

وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السموات و الأرض، ذكر ما حواه الزمان من الليل و النهار و إن كان كل واحد من الزمان و المكان يستلزم الآخر، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية و قدم المكان لأنه أقرب إلى العقول و الأفكار من الزمان و له قال الزمخشري و غيره، هو معطوف على قوله‏ لِلَّهِ‏ و الظاهر أنه استئناف إخبار و ليس مندرجا تحت قوله: قل، و سَكَنَ‏ هنا قال السدّي و غيره: من السكنى أي ما ثبت و تقرر، و لم يذكر الزمخشري غيره. قال: و تعديه ب فِي‏ كما في قوله: وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏ «1» و قالت فرقة: هو من السكون المقابل للحركة و اختلف هؤلاء. فقيل: ثم معطوف محذوف أي و ما تحرّك، و حذف كما حذف في قوله: تَقِيكُمُ الْحَرَّ «2» و البرد و قيل: لا محذوف هنا و اقتصر على الساكن لأن كل متحرك قد يسكن و ليس كل ما يسكن يتحرك. و قيل: لأن السكون أكثر وجودا من الحركة، و قال في قوله: وَ النَّهارِ لأن من المخلوقات ما يسكن بالنهار و ينتشر بالليل، قاله مقاتل، و رجح ابن عطية القول الأول. قال: و المقصد في الآية عموم كل شي‏ء و ذلك لا يترتب إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر و ثبت، و إلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى أن الفلك و الشمس و القمر و النجوم السائحة و الملائكة و أنواع الحيوان متحركة، و الليل و النهار حاصران للزمان؛ انتهى. و ليس بجيد لأنه قال لا يترتب العموم إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر و ثبت، و لا ينحصر فيما ذكر، ألا ترى أنه يترتب العموم على قول من جعله من السكون و جعل في الكلام معطوفا محذوفا أي و ما تحرك، و على قول من ادعى أن كل ما يتحرك قد يسكن و ليس كل ما يسكن يتحرك، فكل واحد من هذين القولين يترتب معه العموم فلم ينحصر العموم فيما ذكر ابن عطية.

وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ لما تقدم ذكر محاورات الكفار المكذبين و ذكر الحشر الذي فيه الجزاء، ناسب ذكر صفة السمع لما وقعت فيه المحاورة و صفة العلم لتضمنها معنى الجزاء، إذ ذلك يدل على الوعيد و التهديد.

(1) سورة إبراهيم: 14/ 13.

صفحه بعد