کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 27

السجع و القرآن. المعنى صحيح، و اللفظ فصيح، و كانوا قبل المبعث في ضلالة، فكانوا كالعمي، و طريقهم الظلمة. فلما جاء الرسول، و اهتدى به قوم، صاروا بصيرين، و طريقهم النور، و قدّم ما كان متقدّما من المتصف بالكفر، و طريقته على ما كان متأخرا من المتصف بالإيمان و طريقته. ثم لما ذكر المآل و المرجع، قدّم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب، كما جاء: سبقت رحمتي غضبي، فقدّم الظل على الحرور.

ثم إن الكافر المصر بعد البعثة صار أضل من الأعمى، و شابه الأموات في عدم إدراك الحق فقال: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ : الذين آمنوا بما أنزل اللّه، وَ لَا الْأَمْواتُ‏ : الذين تليت عليهم الآيات البينات، و لم ينتفعوا بها. و هؤلاء كانوا بعد إيمان من آمن، فأخرهم لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافر. و أفرد الأعمى و البصير، لأنه قابل الجنس بالجنس، إذ قد يوجد في أفراد العميان ما يساوي به بعض أفراد البصراء، كأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البصير البليد. فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به، لا بين الأفراد. و جمعت الظلمات، لأن طرق الكفر متعدّدة؛ و أفرد النور، لأن التوحيد و الحق واحد، و التفاوت بين كل فرد من تلك الأفراد و بين هذا الواحد فقال: الظلمات لا تجد فيها ما يساوي هذا النور.

و أما الأحياء و الأموات، فالتفاوت بينهما أكثر، إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حيا، فذكر أن الأحياء لا يساوون الأموات، سواء قابلت الجنس بالجنس، أم قابلت الفرد بالفرد.

انتهى. من كلام أبي عبد اللّه الرازي، و فيه بعض تلخيص.

ثم سلى رسوله بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ : أي إسماع هؤلاء منوط بمشيئتنا، و كنى بالإسماع عن الذي تكون عنه الإجابة للإيمان. و لما ذكر أنه‏ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ‏ ، قال: وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ : أي هؤلاء، من عدم إصغائهم إلى سماع الحق، بمنزلة من هم قد ماتوا فأقاموا في قبورهم. فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق، فكذلك هؤلاء، لأنهم أموات القلوب. و قرأ الأشهب، و الحسن بمسمع من، على الإضافة؛ و الجمهور: بالتنوين. إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ : أي ما عليك إلا أن تبلغ و تنذر. فإن كان المنذر ممن أراد اللّه هدايته سمع و اهتدى، و إن كان ممن أراد اللّه ضلاله فما عليك، لأنه تعالى هو الذي يهدي و يضل. و بِالْحَقِ‏ : حال من الفاعل، أي محق. أو من المفعول، أي محقا، أو صفة لمصدر محذوف، أي إرسالا بالحق، أي مصحوبا. قال الزمخشري: أو صلة بشير و نذير، فنذير على بشير بالوعد الحق؛ و نذير بالوعيد. انتهى. و لا يمكن أن يتعلق بالحق هذا بشير و نذير معا، بل ينبغي أن يتأول كلامه‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 28

على أنه أراد أن ثم محذوفا، و التقدير: بالوعد الحق بشيرا، و بالوعيد الحق نذيرا، فحذف المقابل لدلالة مقابله عليه.

وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ، الأمة: الجماعة الكثيرة، و المعنى: أن الدعاء إلى اللّه لم ينقطع عن كل أمة. أما بمباشرة من أنبيائهم و ما ينقل إلى وقت بعثه محمد صلى اللّه عليه و سلّم، و الآيات التي تدل على أن قريشا ما جاءهم نذير معناه لم يباشرهم و لا آباؤهم القريبين، و أما أن النذارة انقطعت فلا. و لما شرعت آثار النذرات تندرس، بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و سلّم. و ما ذكره أهل علم الكلام من حال أهل الفترات، فإن ذلك على حسب العرض لأنه واقع، و لا توجد أمة على وجه الأرض إلا و قد علمت الدعوة إلى اللّه و عبارته. و اكتفى بذكر نذير عن بشير، لأنها مشفوعة بها في قوله: بَشِيراً وَ نَذِيراً ، فدل ذلك على أنه مراد، و حذف للدلالة عليه. وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ‏ : مسلاة للرسول صلى اللّه عليه و سلم، و تقدّم الكلام على نظير هذه الجمل في أواخر آل عمران. و قوله: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ، توعد لقريش بما جرى لمكذبي رسلهم.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ. وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ، إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ، وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ‏ .

لما قرر تعالى وحدانيته بأدلة قربها و أمثال ضربها، أتبعها بأدلة سماوية و أرضية فقال:

أَ لَمْ تَرَ ، و هذا الاستفهام تقريري، و لا يكون إلا في الشي‏ء الظاهر جدا. و الخطاب للسامع، و تر من رؤية القلب، لأن إسناد إنزاله تعالى لا يستدل عليه إلا بالعقل الموافق للنقل، و إن كان إنزال المطر مشاهدا بالعين، لكن رؤية القلب قد تكون مسندة لرؤية البصر و لغيرها. و خرج من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم في قوله: فَأَخْرَجْنا ، لما في ذلك من الفخامة، إذ هو مسند للمعظم المتكلم. و لأن نعمة الإخراج أتم من نعمة الإنزال لفائدة

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 29

الإخراج، فأسند الأتم إلى ذاته بضمير المتكلم، و ما دونه بضمير الغائب. و الظاهر أن الألوان، إن أريد بها ما يتبادر إليه الذهن من الحمرة و الصفرة و الخضرة و السواد و غير ذلك، و الألوان بهذا المعنى أوسع و أكثر من الألوان بمعنى الأصباغ. و قرأ الجمهور: مُخْتَلِفاً أَلْوانُها ، على حد اختلف ألوانها. و قرأ زيد بن علي: مختلفة ألوانها، على حد اختلفت ألوانها، و جمع التكسير يجوز فيه أن تلحق التاء، و أن لا تلحق. و قرأ الجمهور: جُدَدٌ ، بضم الجيم و فتح الدال، جمع جدة. قال ابن بحر: قطع من قولك: جددت الشي‏ء:

قطعته. و قرأ الزهري: كقراءة الجمهور. قال صاحب اللوامح: جمع جدة، و هي ما تخالف من الطريق في الجبال لون ما يليها. و عنه أيضا، بضم الجيم و الدال: جمع جديدة و جدد و جدائد، كما يقال في الاسم: سفينة و سفن و سفائن. قال أبو ذؤيب:

جون السراة أم جدائد أربع و عنه أيضا: بفتح الجيم و الدال، و لم يجزه أبو حاتم في المعنى، و لا صححه أثرا.

و قال غيره: هو الطريق الواضح المبين، وضعه موضع الطرائق و الخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. و قال أبو عبيدة: يقال جدد في جمع جديد، و لا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية. و قال صاحب اللوامح: جدد جمع جديد بمعنى: آثار جديدة واضحة الألوان. انتهى. و قال: مختلف ألوانها، لأن البياض و الحمرة تتفاوت بالشدة و الضعف، فأبيض لا يشبه أبيض، و أحمر لا يشبه أحمر، و إن اشتركا في القدر المشترك، لكنه مشكل. و الظاهر عطف‏ وَ غَرابِيبُ‏ على‏ حُمْرٌ ، عطف ذي لون على ذي لون.

و قال الزمخشري: معطوف على‏ بِيضٌ‏ أو على‏ جُدَدٌ ، كأنه قيل: و من الجبال مخطط ذو جدد، و منها ما هو على لون واحد. و قال بعد ذلك: و لا بد من تقدير حذف المضاف في قوله: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ ، بمعنى: ذو جدد بيض و حمر و سود، حتى تؤول إلى قولك:

و من الجبال مختلف ألوانه، كما قال: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها . وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ‏ يعني: و منهم بعض مختلف ألوانه. و قرأ ابن السميفع: ألوانها.

انتهى.

و الظاهر أنه لما ذكر الغرابيب، و هو الشديد السواد، لم يذكر فيه مختلف ألوانه، لأنه من حيث جعله شديد السواد، و هو المبالغ في غاية السواد، لم يكن له ألوان، بل هذا لون واحد، بخلاف البيض و الحمر، فإنها مختلفة. و الظاهر أن قوله: بِيضٌ وَ حُمْرٌ ليسا مجموعين بجدة واحدة، بل المعنى: جدد بيض، و جدد حمر، و جدد غرابيب. و يقال:

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 30

أسود حلكوك، و أسود غربيب، و من حق الواضح الغاية في ذلك اللون أن يكون تابعا. فقال ابن عطية: قدم الوصف الأبلغ، و كان حقه أن يتأخر، و كذلك هو في المعنى، لكن كلام العرب الفصيح يأتي كثيرا على هذا. و قال الزمخشري: الغربيب تأكيد للاسود، و من حق التوكيد أن يتبع المؤكد، كقولك: أصفر فاقع، و أبيض يقق، و ما أشبه ذلك؛ و وجهه أن يظهر المؤكد قبله، فيكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر، كقول النابغة:

و المؤمن العائذات الطير و إنما يفعل لزيادة التوكيد، حيث يدل على المعنى الواحد من طريق الإظهار و الإضمار جميعا. انتهى. و هذا لا يصح إلا على مذهب من يجيز حذف المؤكد. و من النحاة من منع ذلك، و هو اختيار ابن مالك. و قيل: هو على التقديم و التأخير، أي سود غرابيب. و قيل: سود بدل من غرابيب، و هذا أحسن، و يحسنه كون غرابيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيدا، و منه ما جاء

في الحديث: «أن اللّه يبغض الشيخ الغريب»

، يعني الذي يخضب بالسواد، و قال الشاعر:

العين طامحة و اليد سابحة

و الرجل لائحة و الوجه غربيب‏

و قال آخر:

و من تعاجيب خلق اللّه غالية

البعض منها ملاحيّ و غربيب‏

و قرأ الجمهور: وَ الدَّوَابِ‏ ، مشدد الباء؛ و الزهري: بتخفيفها، كراهية التضعيف، إذ فيه التقاء الساكنين. كما همز بعضهم‏ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ «1» ، فرارا من التقاء الساكنين، فحذف هنا آخر المضعفين و حرك أول الساكنين. و مختلفة، صفة لمحذوف، أي خلق مختلف ألوانه كذلك، أي كاختلاف الثمرات و الجبال؛ فهذا التشبيه من تمام الكلام قبله، و الوقف عليه حسن. قال ابن عطية: و يحتمل أن يكون من الكلام الثاني يخرج مخرج السبب، كأنه قال: كما جاءت القدرة في هذا كله.

إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ : أي المخلصون لهذه العبر، الناظرون فيها.

انتهى. و هذا الاحتمال لا يصح، لأن ما بعد إنما لا يمكن أن يتعلق بهذا المجرور قبلها، و لو خرج مخرج السبب، لكان التركيب: كذلك يخشى اللّه من عباده، أي لذلك الاعتبار،

(1) سورة الفاتحة: 1/ 7.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 31

و النظر في مخلوقات اللّه و اختلاف ألوانها يخشى اللّه. و لكن التركيب جاء بإنما، و هي تقطع هذا المجرور عما بعدها، و العلماء هم الذين علموه بصفاته و توحيده و ما يجوز عليه و ما يجب له و ما يستحيل عليه، فعظموه و قدروه حق قدره، و خشوه حق خشيته، و من ازداد به علما ازداد منه خوفا، و من كان علمه به أقل كان آمن، و قد وردت أحاديث و آثار في الخشية. و قيل: نزلت في أبي بكر الصديق، و قد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه.

و من ادعى أن إنما للحصر قال: المعنى ما يخشى اللّه إلا العلماء، فغيرهم لا يخشاه، و هو قول الزمخشري. و قال ابن عطية: و إنما في هذه الآية تخصيص العلماء لا الحصر، و هي لفظة تصلح للحصر و تأتي أيضا دونه، و إنما ذلك بحسب المعنى الذي جاءت فيه. انتهى.

و جاءت هذه الجملة بعد قوله: أَ لَمْ تَرَ ، إذ ظاهره خطاب للرسول، حيث عدد آياته و أعلام قدرته و آثار صنعته، و ما خلق من الفطر المختلفة الأجناس، و ما يستدل به عليه و على صفاته، فكأنه قال: إنما يخشاه مثلك و من على صفتك ممن عرفه حق معرفته. و قرأ الجمهور: بنصب الجلالة و رفع العلماء. و روي عن عمر بن عبد العزيز و أبي حنيفة عكس ذلك، و تؤولت هذه القراءة على أن الخشية استعارة للتعظيم، لأن من خشي وهاب أجل و عظم من خشيه وهاب، و لعل ذلك لا يصح عنهما. و قد رأينا كتبا في الشواذ، و لم يذكروا هذه القراءة، و إنما ذكرها الزمخشري، و ذكرها عن أبي حيوة أبو القاسم يوسف بن جبارة في كتابه الكامل. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ : تعليل للخشية، إذ العزة تدل على عقوبة العصاة و قهرهم، و المغفرة على إنابة الطائعين و العفو عنهم.

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ‏ : ظاهره يقرأون، كِتابَ اللَّهِ‏ : أي يداومون تلاوته. و قال مطرف بن عبد اللّه بن الشخير: هذه آية القراء، و يتبعون كتاب اللّه، فيعملون بما فيه؛ و عن الكلبي: يأخذون بما فيه. و قال السدي: هم أصحاب الرسول صلى اللّه عليه و سلّم، و رضي عنهم و قال:

«عطاءهم المؤمنون». و لما ذكر تعالى وصفهم بالخشية، و هي عمل القلب، ذكر أنهم يتلون كتاب اللّه، و هو عمل اللسان. وَ أَقامُوا الصَّلاةَ : و هو عمل الجوارح، و ينفقون: و هو العمل المالي. و إقامة الصلاة و الإنفاق: يقصدون بذلك وجه اللّه، لا للرياء و السمعة.

تِجارَةً لَنْ تَبُورَ : لن تكسد، و لا يتعذر الربح فيها، بل ينفق عند اللّه. لِيُوَفِّيَهُمْ‏ :

متعلق بيرجون، أو بلن تبور، أو بمضمر تقديره: فعلوا ذلك، أقوال. و قال الزمخشري:

و إن شئت فقلت: يرجون في موضع الحال على و أنفقوا راجين ليوفيهم، أي فعلوا جميع ذلك لهذا الغرض. و خبر إن قوله: إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ لأعمالهم، و الشكر مجاز عن‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 32

الإثابة. انتهى. و أجورهم هي التي رتبها تعالى على أعمالهم، و زيادته من فضله. قال أبو وائل: بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم. و قال الضحاك: بتفسيح القلوب، و

في الحديث: «بتضعيف حسناتهم».

و قيل: بالنظر إلى وجهه. و الكتاب: هو القرآن، و من: للتبيين أو الجنس أو التبعيض، تخريجات للزمخشري. و مُصَدِّقاً : حال مؤكدة لما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ من الكتب الإلهية: التوراة و الإنجيل و الزبور و غيره، و فيه إشارة إلى كونه و حيا، لأنه عليه السلام لم يكن قارئا كاتبا، و أتى ببيان ما في كتب اللّه، و لا يكون ذلك إلا من اللّه تعالى.

إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ : عالم بدقائق الأشياء و بواطنها، بصير بما ظهر منها، و حيث أهلك لوحيه، و اختارك برسالته و كتابه، اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ‏ ، و ثم قيل: بمعنى الواو، و قيل: للمهلة، إما في الزمان، و إما في الإخبار على ما يأتي بيانه. و الكتاب فيه قولان، أحدهما: أن المعنى: أنزلنا الكتب الإلهية، و الكتاب على هذا اسم جنس. و المصطفون، على ما يأتي بيانه أن المعنى:

الأنبياء و أتباعهم، قاله الحسن. و قال ابن عباس: هم هذه الأمة، أورثت أمة محمد صلى اللّه عليه و سلّم، كل كتاب أنزله اللّه. و قال ابن جرير: أورثهم الإيمان، فالكتب تأمر باتباع القرآن، فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها، يدل عليه: وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُ‏ ، ثم أتبعه بقوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ‏ ، فعلمنا أنهم أمة محمد صلى اللّه عليه و سلّم، إذ كان معنى الميراث:

انتقال شي‏ء من قوم إلى قوم، و لم تكن أمة انتقل إليها كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته.

فإذا قلنا: هم الأنبياء و أتباعهم، كان المعنى: أورثنا كل كتاب أنزل على نبي، ذلك النبي و أتباعه. و القول الثاني: أن الكتاب هو القرآن، و المصطفون أمة الرسول، و معنى أورثنا، قال مجاهد: أعطينا، لأن الميراث عطاء. ثم قسم الوارثين إلى هذه الأقسام الثلاثة، قال مكي: فقيل هم المذكورون في الواقعة. فالسابق بالخيرات هو المقرب، و المقتصد أصحاب الميمنة، و الظالم لنفسه أصحاب المشأمة، و هو قول يروى معناه عن عكرمة و الحسن و قتادة، قالوا: الضمير في منهم عائد على العباد. فالظالم لنفسه الكافر و المنافق، و المقتصد المؤمن العاصي، و السابق التقي على الإطلاق، و قالوا: هو نظير ما في الواقعة.

و الأكثرون على أن هؤلاء الثلاثة هم في أمة الرسول، و من كان من أصحاب المشأمة مكذبا ضالا لا يورث الكتاب و لا اصطفاه اللّه، و إنما الذي في الواقعة أصناف الخلق من الأولين و الآخرين. قال عثمان بن عفان: سابقنا أهل جهاد، و مقتصدنا أهل حضرنا، و ظالمنا أهل بدونا، لا يشهدون جمعة و لا جماعة. و قال معاذ: الظالم لنفسه: الذي مات على كبيرة لم‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏9، ص: 33

يتب منها، و المقتصد: من مات على صغيرة و لم يصب كبيرة لم يتب منها، و السابق: من مات نائبا عن كبيرة أو صغيرة أو لم يصب ذلك. و قيل: الظالم لنفسه: العاصي المسرف، و المقتصد: متقي الكبائر، و السابق: المتقي على الإطلاق. و قال الحسن: الظالم: من خفت حسناته، و المقتصد: من استوت، و السابق: من رجحت. و قال الزمخشري: قسمهم إلى ظالم مجرم، و هو المرجأ لأمر اللّه، و مقتصد، و هو الذي خلط عملا صالحا و آخر سيئا؛ و سابق، من السابقين. انتهى. و ذكر في التجريد ثلاثة و أربعين قولا في هؤلاء الأصناف الثلاثة. و قرأ أبو عمران الحوفي، و عمر بن أبي شجاع، و يعقوب في رواية، و القراءة عن أبي عمرو: سباق؛ و الجمهور. سابق، قيل: و قدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة اللّه.

و قال الزمخشري: للإيذان بكثرة الفاسقين منهم و غلبتهم، و أن المقتصد قليل بالإضافة إليهم، و السابقون أقل من القليل. انتهى. بِإِذْنِ اللَّهِ‏ : بتيسيره و تمكينه، أي أن سبقه ليس من جهة ذاته، بل ذلك منه تعالى. و الظاهر أن الإشارة بذلك الى إيراث الكتاب و اصطفاء هذه الأمة.

و جَنَّاتُ‏ على هذا مبتدأ، و يَدْخُلُونَها الخبر. و جنات، قرأة الجمهور جمعا بالرفع، و يكون ذلك إخبارا بمقدار أولئك المصطفين. و قال الزمخشري، و ابن عطية:

جَنَّاتُ‏ بدل من‏ الْفَضْلُ‏ . قال الزمخشري: فإن قلت: فكيف جعلت‏ جَنَّاتُ عَدْنٍ‏ بدلا من‏ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك؟ قلت: لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب، فأبدلت عنه جنات عدن.

انتهى. و يدل على أنه مبتدأ قراءة الجحدري و هارون، عن عاصم. جنات، منصوبا على الاشتغال، أي يدخلون جنات عدن يدخلونها. و قرأ رزين، و حبيش، و الزهري: جنة على الأفراد. و قرأ أبو عمرو: يدخلونها مبنيا للمفعول، و رويت عن ابن كثير و الجمهور مبنيا للفاعل.

و الظاهر أن الضمير المرفوع في يدخلونها عائدا على الأصناف الثلاثة، و هو قول عبد اللّه بن مسعود، و عمر بن الخطاب، و عثمان بن عفان، و أبي الدرداء، و عقبة بن عامر، و أبي سعيد، و عائشة، و محمد بن الحنيفة، و جعفر الصادق‏

، و أبي إسحاق السبيعي، و كعب الأحبار. و قرأ عمر هذه الآية، ثم‏

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم: «سابقنا سابق، و مقتصدنا ناج، و ظالمنا مغفور له».

صفحه بعد