کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 481
و هو أب لهم، فأقسم تعالى به و بأمته بعد أن أقسم ببلده، مبالغة في شرفه عليه الصلاة و السلام. و قال الزمخشري: فإن قلت: ما المراد بوالد و ما ولد؟ قلت: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و من ولده. أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه، و حرم أبيه إبراهيم، و منشأ أبيه إسماعيل عليهما الصلاة و السلام، و بمن ولده و به. فإن قلت: لم نكر؟ قلت: للإبهام المستقل بالمدح و التعجب. فإن قلت: هلا قيل: و من ولد؟ قلت: فيه ما في قوله: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ «1» : أي بأي شيء وضعت، يعني موضوعا عجيب الشأن. انتهى. و قال الفراء:
و صلح ما للناس، كقوله: ما طابَ لَكُمْ «2» ، وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى «3» ، و هو الخالق للذكر و الأنثى. انتهى. و قال ابن عباس و عكرمة و ابن جبير: المراد بالوالد الذي يولد له، و بما ولد العاقر الذي لا يولد له. جعلوا ما نافية، فتحتاج إلى تقدير موصول يصح به هذا المعنى، كأنه قال: و والد و الذي ما ولد، و إضمار الموصول لا يجوز عند البصريين.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ : هذه الجملة المقسم عليها. و الجمهور: على أن الإنسان اسم جنس، و في كبد: يكابد مشاق الدنيا و الآخرة، و مشاقه لا تكاد تنحصر من أول قطع سرته إلى أن يستقر قراره، إما في جنة فتزول عنه المشقات؛ و إما في نار فتتضاعف مشقاته و شدائده. و قال ابن عباس و عبد اللّه بن شداد و أبو صالح و الضحاك و مجاهد: فِي كَبَدٍ معناه: منتصب القامة واقفا، و لم يخلق منكبا على وجهه، و هذا امتنان عليه. و قال ابن كيسان: منتصبا رأسه في بطن أمه، فإذا أذن له بالخروج، قلب رأسه إلى قدمي أمه.
و عن ابن عمر: يكابد الشكر على السرّاء، و يكابد الصبر على الضراء. و قال ابن زيد:
الْإِنْسانَ : آدم، فِي كَبَدٍ : في السماء، سماها كبدا، و هذه الأقوال ضعيفة، و الأول هو الظاهر. و الظاهر أن الضمير في أَ يَحْسَبُ عائد على الْإِنْسانَ ، أي هو لشدة شكيمته و عزته و قوته يحسب أن لا يقاومه أحد، و لا يقدر عليه أحد لاستعصامه بعدده و عدده. يقول على سبيل الفخر: أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً : أي في المكارم و ما يحصل به الثناء، أ يحسب أن أعماله تخفى، و أنه لا يراه أحد، و لا يطلع عليه في إنفاقه و مقصد ما يبتغيه مما ليس لوجه اللّه منه شيء؟ بل عليه حفظة يكتبون ما يصدر منه من عمل في حياته و يحصونه إلى يوم الجزاء. و قيل: الضمير في أَ يَحْسَبُ لبعض صناديد قريش. و قيل:
هو أبو الأسد أسيد بن كلدة، كان يبسط له الأديم العكاظي، فيقوم عليه و يقول: من أزالني
(1) سورة آل عمران: 3/ 36.
(2) سورة النساء: 4/ 3.
(3) سورة الليل: 92/ 3.
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 482
عنه فله كذا، فلا ينزع إلا قطعا، و يبقى موضع قدميه. و قيل: الوليد بن المغيرة. و
قيل: الحرث بن عامر بن نوفل، و كان إذا أذنب استفتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فيأمره بالكفارة، فقال: لقد أهلكت مالا لبدا في الكفارات و التبعات منذ تبعت محمدا صلّى اللّه عليه و سلم.
و قرأ الجمهور: لبدا، بضم اللام و فتح الباء؛ و أبو جعفر: بشدّ الباء؛ و عنه و عن زيد بن علي: لبدا بسكون الباء، و مجاهد و ابن أبي الزناد: بضمهما.
ثم عدّد تعالى على الإنسان نعمه فقال: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما، وَ لِساناً يفصح عما في باطنه، وَ شَفَتَيْنِ يطبقهما على فيه و يستعين بهما على الأكل و الشرب و النفخ و غير ذلك. وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ، قال ابن مسعود و ابن عباس و الجمهور:
طريق الخير و الشر. و قال ابن عباس أيضا،
و عليّ و ابن المسيب و الضحاك: الثديين
، لأنهما كالطريقين لحياة الولد و رزقه. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ : أي لم يشكر تلك النعم السابقة، و العقبة استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال، تشبيه بعقبة الجبل، و هو ما صعب منه، و كان صعودا، فإنه يلحقه مشقة في سلوكها. و اقتحمها: دخلها بسرعة و ضغط و شدّة، و القحمة: الشدّة و السنة الشديدة. و يقال: قحم في الأمر قحوما:
رمى نفسه فيه من غير روية. و الظاهر أن لا للنفي، و هو قول أبي عبيدة و الفرّاء و الزجاج، كأنه قال: وهبنا له الجوارح و دللناه على السبيل، فما فعل خيرا، أي فلم يقتحم. قال الفرّاء و الزجاج: ذكر لا مرة واحدة، و العرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيد، كقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى «1» ، و إنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكون قوله: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ، قائما مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة و لا آمن. و قيل: هو جار مجرى الدعاء، كقوله: لا نجا و لا سلم، دعاء عليه أن لا يفعل خيرا. و قيل: هو تحضيض بألا، و لا نعرف أن لا وحدها تكون للتحضيض، و ليس معها الهمزة. و قيل: العقبة: جهنم، لا ينجي منها إلا هذه الأعمال، قاله الحسن.
و قال ابن عباس و مجاهد و كعب: جبل في جهنم. و قال الزمخشري، بعد أن تنحل مقالة الفرّاء و الزجاج: هي بمعنى لا متكررة في المعنى، لأن معنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ : فلا فك رقبة و لا أطعم مسكينا. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك؟ انتهى، و لا يتم له هذا إلا على قراءة من قرأ فك فعلا ماضيا.
(1) سورة القيامة: 75/ 31.
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 483
و قرأ ابن كثير و النحويان: فك فعلا ماضيا، رقبة نصب، أو أطعم فعلا ماضيا؛ و باقي السبعة: فك مرفوعا، رقبة مجرورا، و إطعام مصدر منون معطوف على فك. و
قرأ عليّ و أبو رجاء كقراءة ابن كثير، إلا أنهما قرأ: ذا مسغبة بالألف.
و قرأ الحسن و أبو رجاء أيضا: أو إطعام في يوم ذا بالألف، و نصب ذا على المفعول، أي إنسانا ذا مسغبة، و يتيما بدل منه أو صفة. و قرأ بعض التابعين: فك رقبة بالإضافة، أو أطعم فعلا ماضيا. و من قرأ فك بالرفع، فهو تفسير لاقتحام العقبة، و التقدير: و ما أدراك ما اقتحام العقبة. و من قرأ فعلا ماضيا، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها، و يجيء فك بدلا من اقتحم، قاله ابن عطية. و فك الرقبة: تخليصها من الأسر و الرق. ذا مَقْرَبَةٍ : ليجتمع صدقة و صلة، و أو هنا للتنويع، و وصف يوم بذي مسغبة على الاتساع. ذا مَتْرَبَةٍ ، قال: هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب، لا بيوت لهم. و قال ابن عباس: هو الذي يخرج من بيته، ثم يقلب وجهه إليه مستيقنا أنه ليس فيه إلا التراب.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا : هذا معطوف على قوله: فَلَا اقْتَحَمَ ؛ و دخلت ثم لتراخي الإيمان و الفضيلة، لا للتراخي في الزمان، لأنه لا بد أن يسبق تلك الأعمال الحسنة الإيمان، إذ هو شرط في صحة وقوعها من الطائع، أو يكون المعنى: ثم كان في عاقبة أمره من الذين وافوا الموت على الإيمان، إذ الموافاة عليه شرط في الانتفاع بالطاعات، أو يكون التراخي في الذكر كأنه قيل: ثم اذكر أنه كان من الذين آمنوا. وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ : أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على الإيمان و الطاعات و عن المعاصي، وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ : أي بالتعاطف و التراحم، أو بما يؤدي إلى رحمة اللّه. و الميمنة و المشأمة تقدّم القول فيهما في الواقعة. و قرأ أبو عمرو و حمزة و حفص: مُؤْصَدَةٌ بالهمز هنا و في الهمزة، فيظهر أنه من آصدت قيل: و يجوز أن يكون من أوصدت، و همز على حد من قرأ بالسؤق مهموزا. و قرأ باقي السبعة بغير همز، فيظهر أنه من أوصدت. و قيل: يجوز أن يكون من آصدت، و سهل الهمزة، و قال الشاعر:
قوما تعالج قملا أبناءهم
و سلاسلا حلقا و بابا مؤصدا
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 484
سورة الشمس
[سورة الشمس (91): الآيات 1 الى 15]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طحا و دحا بمعنى واحد، أي بسط و وطأ، و يأتي طحا بمعنى ذهب. قال علقمة:
طحا بك قلب في الحسان طروب و يقال: ما أدري أين طحا: أي ذهب، قاله أبو عمرو، و في أيمان العرب لا، و القمر الطاحي: أي المشرق المرتفع، و يقال: طحا يطحو طحوا، و يطحى طحوا. التدسية:
الإخفاء، و أصله دسس فأبدل من ثالث المضاعفات حرف علة، كما قالوا في نقصص نقص، قال الشاعر:
و أنت الذي دسست عمرا فأصبحت
حلائله منه أرامل صيعا
و ينشد أيضا:
و دسست عمرا في التراب
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 485
دمدم عليه القبر: أطبقه. و قال مؤرج: الدمدمة: إهلاك باستئصال. و قال في الصحاح: دمدمت الشيء: ألزقته بالأرض و طحطحته.
هذه السورة مكية. و لما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة و ما بعدها، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي و العالم و السفلي، و بما هو آلة التفكر في ذلك، و هو النفس. و كان آخر ما قبلها مختتما بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا، و في ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار، و في الدنيا إلى الهلاك المستأصل. و تقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله: وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «1» . و قال مجاهد:
هو ارتفاع الضوء و كماله. و قال مقاتل: حرها لقوله وَ لا تَضْحى «2» . و قال قتادة: هو النهار كله، و هذا ليس بجيد، لأنه قد أقسم بالنهار. و المعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلا، فإذا زاد فهو الضحاء، بالمد و فتح الضاد إلى الزوال، و قول مقاتل تفسير باللازم. و ما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح، و هو نور الشمس، و الألف مقلوبة من الحاء الثانية؛ و كذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية لعله مختلق عليه، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا، و هذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى.
وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها ، قال الحسن و الفراء: تلاها معناه تبعها دأبا في كل وقت، لأنه يستضيء منها، فهو يتلوها لذلك. و قال ابن زيد: يتلوها في الشهر كله، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع، و في الآخر بالغروب. و قال ابن سلام: في النصف الأول من الشهر، و ذلك لأنه يأخذ موضعها و يسير خلفها، إذا غابت يتبعها القمر طالعا. و قال قتادة:
إنما ذلك البدر، تغيب هي فيطلع هو. و قال الزجاج و غيره: تلاها معناه: امتلأ و استدار، و كان لها تابعا للمنزل من الضياء و القدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا
(1) سورة طه: 20/ 59.
(2) سورة طه: 20/ 116.
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 486
المعنى غير القمر. و قيل: من أول الشهر إلى نصفه، في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو؛ و في النصف الآخر يتحاوران، و هو أن تغرب هي فيطلع هو. و قال الزمخشري: تلاها طالعا عند غروبها أخذا من نورها و ذلك في النصف الأول من الشهر.
وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها : الظاهر أن مفعول جلاها هو الضمير عائد على الشمس، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الانجلاء. و قيل: يعود على الظلمة. و قيل: على الأرض. و قيل: على الدنيا، و الذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار، فإنه و إن لم تطلع الشمس لا تبقى الظلمة، و الفاعل بجلاها ضمير النهار. قيل:
و يحتمل أن يكون عائدا على اللّه تعالى، كأنه قال: و النهار إذا جلى اللّه الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته.
وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها : أي يغشى الشمس، فبدخوله تغيب و تظلم الآفاق، و نسبة ذلك إلى الليل مجاز. و قيل: الضمير عائد على الأرض، و الذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله: يَغْشاها عائدة على الشمس. و كما أن النهار جلاها، كان النهار هو الذي يغشاها. و لما كانت الفواصل ترتبت على ألف و هاء المؤنث، أتى وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها بالمضارع، لأنه الذي ترتب فيه. و لو أتى بالماضي، كالذي قبله و بعده، كان يكون التركيب إذا غشيها، فتفوت الفاصلة، و هي مقصودة. و قال القفال ما ملخصه: هذه الأقسام بالشمس في الحقيقة بحسب أوصاف أربعة: ضوءها عند ارتفاع النهار وقت انتشار الحيوان، و طلب المعاش، و تلو القمر لها بأخذه الضوء، و تكامل طلوعها و بروزها و غيبوبتها بمجيء الليل. و ما في قوله: وَ ما بَناها ، و ما طَحاها ، و ما سَوَّاها ، بمعنى الذي، قاله الحسن و مجاهد و أبو عبيدة، و اختاره الطبري، قالوا: لأن ما تقع على أولي العلم و غيرهم.
و قيل: مصدرية، قاله قتادة و المبرد و الزجاج، و هذا قول من ذهب إلى أن ما لا تقع على آحاد أولي العلم.
و قال الزمخشري: جعلت مصدرية، و ليس بالوجه لقوله: فَأَلْهَمَها ، و ما يؤدي إليه من فساد النظم و الوجه أن تكون موصولة، و إنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل: و السماء و القادر العظيم الذي بناها، و نفس و الحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، و في كلامهم سبحان من سخركن لنا، انتهى.
أما قوله: و ليس بالوجه لقوله: فَأَلْهَمَها ، يعني من عود الضمير في فَأَلْهَمَها على اللّه تعالى، فيكون قد عاد على مذكور، و هو ما المراد به الذي، و لا يلزم ذلك لأنا إذا
البحر المحيط فى التفسير، ج10، ص: 487
جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام؛ ففي بناها ضمير عائد على اللّه تعالى، أي و بناها هو، أي اللّه تعالى، كما إذا رأيت زيدا قد ضرب عمرا فقلت:
عجبت مما ضرب عمرا تقديره: من ضرب عمر؟ و هو كان حسنا فصيحا جائزا، و عود الضمير على ما يفهم من سياق الكلام كثير، و قوله: و ما يؤدي إليه من فساد النظم ليس كذلك، و لا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر، و قوله إنما أوثرت إلخ لا يراد بما و لا بمن الموصولتين معنى الوصفية، لأنهما لا يوصف بهما، بخلاف الذي، فاشتراكهما في أنهما لا يؤديان معنى الوصفية موجود فيهما، فلا ينفرد به ما دون من، و قوله: و في كلامهم إلخ.
تأوله أصحابنا على أن سبحان علم و ما مصدرية ظرفية.
و قال الزمخشري: فإن قلت: الأمر في نصب إذا معضل، لأنك إما أن تجعل الواوات عاطفة فتنصب بها و تجر، فتقع في العطف على عاملين، و في نحو قولك: مررت أمس بزيد و اليوم عمرو؛ و أما أن تجعلهن للقسم، فتقع فيما اتفق الخليل و سيبويه على استكراهه. قلت: الجواب فيه أن واو القسم مطرح معه إبراز الفعل إطراحا كليا، فكان لها شأن خلاف شأن الباء، حيث أبرز معها الفعل و أضمر، فكانت الواو قائمة مقام الفعل، و الباء سادة مسدهما معا، و الواوات العواطف نوائب عن هذه، فحقهن أن يكن عوامل على الفعل و الجار جميعا، كما تقول؛ ضرب زيد عمرا و بكر خالدا، فترفع بالواو و تنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما، انتهى. أما قوله في واوات العطف فتنصب بها و تجر فليس هذا بالمختار، أعني أن يكون حرف العطف عاملا لقيامه مقام العامل، بل المختار أن العمل إنما هو للعامل في المعطوف عليه، تم إنا لإنشاء حجة في ذلك. و قوله: فتقع في العطف على عاملين، ليس ما في الآية من العطف على عاملين، و إنما هو من باب عطف اسمين مجرور و منصوب على اسمين مجرور و منصوب، فحرف العطف لم ينب مناب عاملين، و ذلك نحو قولك: امرر بزيد قائما و عمرو جالسا؟ و قد أنشد سيبويه في كتابه:
فليس بمعروف لنا أن نردها
صحاحا و لا مستنكران تعقرا