کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 32
الخلاف خلاف آخر، و هو أن صفات اللّه تعالى الذاتية و الفعلية أ هي قديمة أم صفات الذات قديمة و صفات الفعل محدثة قولان؟ و أما الرحمة التي من العباد فقيل هي رقة تحدث في القلب، و قيل هي قصد الخير أو دفع الشر، لأن الإنسان قد يدفع الشر عمن لا يرق عليه، و يوصل الخير إلى من لا يرق عليه.
و في البسملة من ضروب البلاغة نوعان:
أحدهما: الحذف، و هو ما يتعلق به الباء في بسم، و قد مر ذكره، و الحذف قيل لتخفيف اللفظ، كقولهم بالرفاء و البنين، باليمن و البركة، فقلت إلى الطعام، و قوله تعالى في تسع آيات أي أعرست و هلموا و اذهب، قال أبو القاسم السهيلي: و ليس كما زعموا، إذ لو كان كذلك كان إظهاره و إضماره في كل ما يحذف تخفيفا، و لكن في حذفه فائدة، و ذلك أنه موطن ينبغي أن لا يقدم فيه سوى ذكر اللّه تعالى، فلو ذكر الفعل، و هو لا يستغني عن فاعله، لم يكن ذكر اللّه مقدما، و كان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى، كما تقول في الصلاة اللّه أكبر، و معناه من كل شيء، و لكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود القلب، و هو أن لا يكون في القلب ذكر إلا اللّه عز و جل. و من الحذف أيضا حذف الألف في بسم اللّه و في الرحمن في الخط، و ذلك لكثرة الاستعمال.
النوع الثاني: التكرار في الوصف، و يكون إما لتعظيم الموصوف، أو للتأكيد، ليتقرر في النفس. و قد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة، و ذكروا اختلاف العلماء في ذلك، و أطالوا التفاريع في ذلك، و كذلك فعلوا في غير ما آية و موضوع، هذا كتب الفقه، و كذلك تكلم بعضهم على التعوذ، و على حكمه، و ليس من القرآن بإجماع.
و نحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي، إلا إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك الحكم، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الاستنباطات. و اختلف في وصل الرحيم بالحمد، فقرأ قوم من الكوفيين بسكون الميم، و يقفون عليها و يبتدئون بهمزة مقطوعة، و الجمهور على جر الميم و وصل الألف من الحمد. و حكى الكسائي عن بعض العرب أنه يقرأ الرحيم الحمد بفتح الميم و صلة الألف، كأنك سكنت الميم و قطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم و حذفت و لم تر، و هذه قراءة عن أحد.
الْحَمْدُ الثناء على الجميل من نعمة أو غيرها باللسان وحده، و نقيضه الذم، و ليس مقلوب مدح، خلافا لابن الأنباري، إذ هما في التصريفات متساويان، و إذ قد يتعلق
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 33
المدح بالجماد، فتمدح جوهرة و لا يقال تحمد، و الحمد و الشكر بمعنى واحد، أو الحمد أعم، و الشكر ثناء على اللّه تعالى بأفعاله، و الحمد ثناء بأوصافه ثلاثة أقوال، أصحها أنه أعم، فالحامد قسمان: شاكر و مثن بالصفات.
لِلَّهِ اللام: للملك و شبهه، و للتمليك و شبهه، و للاستحقاق، و للنسب، و للتعليل، و للتبليغ، و للتعجب، و للتبيين، و للصيرورة، و للظرفية بمعنى في أو عند أو بعد، و للإنتهاء، و للإستعلاء مثل: ذلك المال لزيد، أدوم لك ما تدوم لي، و وهبت لك دينارا، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً* «1» ، الجلباب للجارية، لزيد عم، لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ «2» ، قلت لك، و للّه عينا، من رأى، من تفوق، هَيْتَ ، لَكَ «3» ، لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً «4» ، الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ «5» ، كتب لخمس خلون، لدلوك الشمس، سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ «6» ، يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ* «7» .
رَبِّ الْعالَمِينَ الرب: السيد، و المالك، و الثابت، و المعبود، و المصلح، و زاد بعضهم بمعنى الصاحب، مستدلا بقوله:
فدنا له رب الكلاب بكفه
بيض رهاف ريشهن مقزع
و بعضهم بمعنى الخالق العالم لا مفرد له، كالأنام، و اشتقاقه من العلم أو العلامة، و مدلوله كل ذي روح، قاله ابن عباس، أو الناس، قاله البجلي، أو الإنس و الجن و الملائكة، قاله أيضا ابن عباس، أو الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين، قاله أبو عبيدة و الفراء، أو الثقلان، قاله ابن عطية، أو بنو آدم، قاله أبو معاذ، أو أهل الجنة و النار، قاله الصادق، أو المرتزقون، قاله عبد الرحمن بن زيد، أو كل مصنوع، قاله الحسن و قتادة، أو الروحانيون، قاله بعضهم، و نقل عن المتقدمين أعداد مختلفة في العالمين و في مقارها، اللّه أعلم بالصحيح. و الجمهور قرأوا بضم دال الحمد، و أتبع ابراهيم بن أبي عبلة ميمه لام الجر لضمة الدال، كما أتبع الحسن و زيد بن علي كسرة الدال لكسرة اللام، و هي أغرب، لأن فيه إتباع حركة معرب لحركة غير إعراب، و الأول بالعكس. و في قراءة الحسن احتمال أن يكون الإتباع في مرفوع أو منصوب، و يكون الإعراب إذ ذاك على التقديرين مقدرا منع من
(1) سورة النمل: 16/ 72.
(2) سورة النساء: 4/ 105.
(3) سورة يوسف: 12/ 23.
(4) سورة القصص: 28/ 8.
(5) سورة الأنبياء: 21/ 47.
(6) سورة الأعراف: 7/ 57.
(7) سورة الإسراء: 17/ 107.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 34
ظهوره شغل الكلمة بحركة الإتباع، كما في المحكي و المدغم. و قرأ هارون العتكي، و رؤبة، و سفيان بن عيينة الحمد بالنصب. و الحمد مصدر معرف بأل، إما للعهد، أي الحمد المعروف بينكم للّه، أو لتعريف الماهية، كالدينار خير من الدرهم، أي: أي دينار كان فهو خير من أي درهم كان، فيستلزم إذ ذاك الأحمدة كلها، أو لتعريف الجنس، فيدل على استغراق الأحمدة كلها بالمطابقة. و الأصل في الحمد لا يجمع، لأنه مصدر. و حكى ابن الأعرابي: جمعه على أحمد كأنه راعى فيه جامعه اختلاف الأنواع، قال:
و أبلج محمود الثناء خصصته
بأفضل أقوالي و أفضل أحمدي
و قراءة الرفع أمكن في المعنى، و لهذا أجمع عليها السبعة، لأنها تدل على ثبوت الحمد و استقراره للّه تعالى، فيكون قد أخبر بأن الحمد مستقر للّه تعالى، أي حمده و حمد غيره. و معنى اللام في للّه الاستحقاق، و من نصب، فلا بد من عامل تقديره أحمد اللّه أو حمدت اللّه، فيتخصص الحمد بتخصيص فاعله، و أشعر بالتجدد و الحدوث، و يكون في حالة النصب من المصادر التي حذفت أفعالها، و أقيمت مقامها، و ذلك في الأخبار، نحو شكرا لا كفرا. و قدر بعضهم العامل للنصب فعلا غير مشتق من الحمد، أي أقول الحمد للّه، أو الزموا الحمد للّه، كما حذفوه من نحو اللهم ضبعا و ذئبا، و الأول هو الصحيح لدلالة اللفظ عليه. و في قراءة النصب، اللام للتبيين، كما قال أعني للّه، و لا تكون مقوية للتعدية، فيكون للّه في موضع نصب بالمصدر لامتناع عمله فيه. قالوا سقيا لزيد، و لم يقولوا سقيا زيدا، فيعملونه فيه، فدل على أنه ليس من معمول المصدر، بل صار على عامل آخر.
و قرأ زيد بن علي و طائفة رَبِّ الْعالَمِينَ بالنصب على المدح، و هي فصيحة لو لا خفض الصفات بعدها، و ضعفت إذ ذاك. على أن الأهوازي حكى في قراءة زيد بن علي أنه قرأ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بنصب الثلاثة، فلا ضعف إذ ذاك، و إنما تضعف قراءة نصب رب، و خفض الصفات بعدها لأنهم نصوا أنه لا اتباع بعد القطع في النعوت، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلا، و لا سيما على مذهب الأعلم، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة، و حسن ذلك على مذهب غيره، كونه وصفا خاصا، و كون البدل على نية تكرار العامل، فكأنه مستأنف من جملة أخرى، فحسن النصب. و قول من زعم أنه نصب رب بفعل دل عليه الكلام قبله، كأنه قيل نحمد اللّه رب العالمين، ضعيف، لأنه مراعاة التوهم، و هو من خصائص العطف، و لا ينقاس فيه. و من زعم أنه
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 35
نصبه على البدل فضعيف للفصل بقوله الرحمن الرحيم، و رب مصدر وصف به على أحد وجوه الوصف بالمصدر، أو اسم فاعل حذفت ألفه، فأصله راب، كما قالوا رجل بار و بر، و أطلقوا الرب على اللّه وحده، و في غيره قيد بالإضافة نحو رب الدار. و أل في العالمين للاستغراق، و جمع العالم شاذ لأنه اسم جمع، و جمعه بالواو و النون أشذ للإخلال ببعض الشروط التي لهذا الجمع، و الذي أختاره أنه ينطلق على المكلفين لقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ «1» ، و قراءة حفص بكسر اللام توضح ذلك.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تقدم الكلام عليهما في البسملة، و هما مع قوله رَبِّ الْعالَمِينَ صفات مدح، لأن ما قبلهما علم لم يعرض في التسمية به اشتراك فيخصص، و بدأ أولا بالوصف بالربوبية، فإن كان الرب بمعنى السيد، أو بمعنى المالك، أو بمعنى المعبود، كان صفة فعل للموصوف بها التصريف في المسود و المملوك و العابد بما أراد من الخير و الشر، فناسب ذلك الوصف بالرحمانية و الرحيمية، لينبسط أمل العبد في العفو إن زل، و يقوى رجاؤه إن هفا، و لا يصح أن يكون الرب بمعنى الثابت، و لا بمعنى الصاحب، لامتناع إضافته إلى العالمين، و إن كان بمعنى المصلح، كان الوصف بالرحمة مشعرا بقلة الإصلاح، لأن الحامل للشخص على إصلاح حال الشخص رحمته له. و مضمون الجملة و الوصف أن من كان موصوفا بالربوبية و الرحمة للمربوبين كان مستحقا للحمد. و خفض الرحمن الرحيم الجمهور، و نصبهما أبو العالية و ابن السميفع و عيسى بن عمرو، و رفعهما أبو رزين العقيلي و الربيع بن خيثم و أبو عمران الجوني، فالخفض على النعت، و قيل في الخفض إنه بدل أو عطف بيان، و تقدم شيء من هذا. و النصب و الرفع للقطع. و في تكرار الرحمن الرحيم أن كانت التسمية آية من الفاتحة تنبيه على عظم قدر هاتين الصفتين و تأكيد أمرهما، و جعل مكي تكرارها دليلا على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة، قال: إذ لو كانت آية لكنا قد أتينا بآيتين متجاورتين بمعنى واحد، و هذا لا يوجد إلا بفواصل تفصل بين الأولى و الثانية. قال: و الفصل بينهما بالحمد للّه رب العالمين كلا فصل، قال: لأنه مؤخر يراد به التقديم تقديره الحمد للّه، الرحمن الرحيم، رب العالمين، و إنما قلنا بالتقديم لأن مجاورة الرحمة بالحمد أولى، و مجاورة الملك بالملك أولى. قال: و التقديم و التأخير كثير في القرآن، و كلام مكي مدخول من غير وجه، و لو لا جلالة قائله نزهت كتابي هذا عن ذكره. و الترتيب القرآني جاء في غاية الفصاحة لأنه تعالى وصف نفسه بصفة الربوبية و صفة
(1) سورة الروم: 30/ 22.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 36
الرحمة، ثم ذكر شيئين، أحدهما ملكه يوم الجزاء، و الثاني العبادة. فناسب الربوبية للملك، و الرحمة العبادة. فكان الأول للأول، و الثاني للثاني. و قد ذكر المفسرون في علم التفسير الوقف، و قد اختلف في أقسامه، فقيل تام و كاف و قبيح و غير ذلك. و قد صنف الناس في ذلك كتبا مرتبة على السور، ككتاب أبي عمر، و الداني، و كتاب الكرماني و غيرهما، و من كان عنده حظ في علم العربية استغنى عن ذلك.
مالِكِ قرأ مالك على وزن فاعل بالخفض، عاصم، و الكسائي، و خلف في اختياره، و يعقوب، و هي قراءة العشرة إلا طلحة، و الزبير، و قراءة كثير من الصحابة منهم:
أبي، و ابن مسعود، و معاذ، و ابن عباس، و التابعين منهم: قتادة و الأعمش. و قرأ ملك على وزن فعل بالخفض باقي السبعة، و زيد، و أبو الدرداء، و ابن عمر، و المسور، و كثير من الصحابة و التابعين. و قرأ ملك على وزن سهل أبو هريرة، و عاصم الجحدري، و رواها الجعفي، و عبد الوارث، عن أبي عمرو، و هي لغة بكر بن وائل. و قرأ ملكي بإشباع كسرة الكاف أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع. و قرأ ملك على وزن عجل أبو عثمان النهدي، و الشعبي، و عطية، و نسبها ابن عطية إلى أبي حياة. و قال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك، و أبو نوفل عمر بن مسلم بن أبي عدي ملك يوم الدين، بنصب الكاف من غير ألف، و جاء كذلك عن أبي حياة، انتهى. و قرأ كذلك، إلا أنه رفع الكاف سعد بن أبي وقاص، و عائشة، و مورق العجلي. و قرأ ملك فعلا ماضيا أبو حياة، و أبو حنيفة، و جبير بن مطعم، و أبو عاصم عبيد بن عمير الليثي، و أبو المحشر عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون اليوم. و ذكر ابن عطية أن هذه قراءة يحيى بن يعمر، و الحسن و علي بن أبي طالب. و قرأ مالك بنصب الكاف الأعمش، و ابن السميفع، و عثمان بن أبي سليمان، و عبد الملك قاضي الهند. و ذكر ابن عطية أنها قراءة عمر بن عبد العزيز، و أبي صالح السمان، و أبي عبد الملك الشامي. و روى ابن أبي عاصم عن اليمان ملكا بالنصب و التنوين. و قرأ مالك برفع الكاف و التنوين عون العقيلي، و رويت عن خلف بن هشام و أبي عبيد و أبي حاتم، و بنصب اليوم. و قرأ مالك يوم بالرفع و الإضافة أبو هريرة، و أبو حياة، و عمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، و نسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح عون بن أبي شداد العقيلي، ساكن البصرة. و قرأ مليك على وزن فعيل أبي، و أبو هريرة، و أبو رجاء العطاردي. و قرأ مالك بالإمالة البليغة يحيى بن يعمر، و أيوب السختياني، و بين بين قتيبة بن مهران، عن الكسائي. و جهل النقل، أعني في قراءة الإمالة، أبو علي الفارسي
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 37
فقال: لم يمل أحد من القراء ألف مالك، و ذلك جائز، إلا أنه لا يقرأ بما يجوز إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض. و ذكر أيضا أنه قرىء في الشاذ ملاك بالألف و التشديد للام و كسر الكاف. فهذه ثلاث عشرة قراءة، بعضها راجع إلى الملك، و بعضها إلى الملك، قال اللغويون: و هما راجعان إلى الملك، و هو الربط، و منه ملك العجين. و قال قيس بن الخطيم:
ملكت بها كفي فانهرت فتقها
يرى قائما من دونها ما وراءها
و الأملاك ربط عقد النكاح، و من ملح هذه المادة أن جميع تقاليبها الستة مستعملة في اللسان، و كلها راجع إلى معنى القوة و الشدة، فبينها كلها قدر مشترك، و هذا يسمى بالاشتقاق الأكبر، و لم يذهب إليه غير أبي الفتح. و كان أبو علي الفارسي يأنس به في بعض المواضع و تلك التقاليب: ملك، مكل، كمكل، لكم، كمل، كلم. و زعم الفخر الرازي أن تقليب كمكل مهمل و ليس بصحيح، بل هو مستعمل بدليل ما أنشد الفراء من قول الشاعر:
فلما رآني قد حممت ارتحاله
تملك لو يجدي عليه التملك
و الملك هو القهر و التسليط على من تتأتى منه الطاعة، و يكون ذلك باستحقاق و بغير استحقاق. و الملك هو القهر على من تتأتى منه الطاعة، و من لا تتأتى منه، و يكون ذلك منه باستحقاق، فبينهما عموم و خصوص من وجه. و قال الأخفش: يقال ملك من الملك، بضم الميم، و مالك من الملك، بكسر الميم و فتحها، و زعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى. و روي عن بعض البغداديين لي في هذا الوادي ملك و ملك بمعنى واحد.
يَوْمِ ، اليوم هو المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و يطلق على مطلق الوقت، و تركيبه غريب، أعني وجود مادة تكون فاء الكلمة فيها ياء و عينها واوا لم يأت من ذلك سوى يوم و تصاريفه و يوح اسم للشمس، و بعضهم زعم أنه بوج بالباء، و المعجمة بواحدة من أسفل. الدِّينِ الجزاء دناهم كما دانوا، قاله قتادة، و الحساب ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ* «1» ، قاله ابن عباس و القضاء وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ «2» ، و الطاعة في دين عمرو، و حالت بيننا و بينك فدك، قاله أبو الفضل و العادة، كدينك من أم الحويرث
(1) سورة التوبة: 9/ 36، و سورة الروم: 30/ 30.
(2) سورة النور: 24/ 2.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 38
قبلها، و كنى بها هنا عن العمل، قاله الفراء و الملة، وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «1» إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «2» ، و القهر، و منه المدين للعبد، و المدينة للأمة، قاله يمان بن رئاب. و قال أبو عمرو الزاهد: و إن أطاع و عصى و ذل و عز و قهر و جار و ملك. و حكى أهل اللغة: دنته بفعله دينا و دينا بفتح الدال و كسرها جازيته. و قيل: الدين المصدر، و الدين بالكسر الاسم، و الدين السياسة، و الديان السايس. قال ذو الإصبع عنه: و لا أنت دياني فتخزوني، و الدين الحال. قال النضر بن شميل: سألت أعرابيا عن شيء، فقال: لو لقيتني على دين غير هذا لأخبرتك، و الدين الداء عن اللحياني و أنشد:
يا دين قلبك من سلمى و قد دينا و من قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانها، أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة، و إن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة، و يدل عليه قراءة من قرأ ملك يوم الدين فعلا ماضيا، و إن كان بمعنى الاستقبال، و هو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة، و إن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة و لا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. و حل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل، إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، جاز فيه وجهان: أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرف بما أضيف إليه، إذ يكون منويا فيه الانفصال من الإضافة، و لأنه عمل النصب لفظا. الثاني: أن يتعرف به إذا كان معرفة، فيلحظ فيه أن الموصوف صار معروفا بهذا الوصف، و كان تقييده بالزمان غير معتبر، و هذا الوجه غريب النقل، لا يعرفه إلا من له اطلاع على كتاب سيبويه و تنقيب عن لطائفه. قال سيبويه، رحمه اللّه تعالى، و زعم يونس و الخليل أن الصفات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة، و ذلك معروف في كلام العرب، انتهى. و استثنى من ذلك باب الصفة المشبهة فقط، فإنه لا يتعرف بالإضافة نحو حسن الوجه. و من رفع الكاف و نون أو لم ينون فعلى القطع إلى الرفع. و من نصب فعلى القطع إلى النصب، أو على النداء و القطع أغرب لتناسق الصفات، إذ لم يخرج بالقطع عنها. و من قرأ ملك فعلا ماضيا فجملة خبرية لا موضع لها من الإعراب، و من أشبع كسرة الكاف فقد قرأ بنادر أو بما ذكر أنه لا يجوز إلا في الشعر، و إضافة الملك أو الملك
(1) سورة المائدة: 5/ 3.