کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 140
لا تلمني إنها من نسوة
رقد الصيف مقاليت نزر
كبنات البحر يمأدن كما
أنبت الصيف عساليج الخضر
و قد أبدلوا الباء ميما فقالوا: بنات المحر، كما قالوا: رأيته من كثب و من كثم.
و ظلمات: مرتفع بالجار و المجرور على الفاعلية، لأنه قد اعتمد إذا وقع صفة، و يجوز أن تكون فيه في موضع الحال من النكرة المخصصة بقوله: مِنَ السَّماءِ ، إما تخصيص العمل، و إما تخصيص الصفة على ما قدمناه من الوجهين في إعراب من السماء، و أجازوا أن يكون ظلمات مرفوعا بالابتداء، و فيه في موضع الخبر. و الجملة في موضع الصفة، و لا حاجة إلى هذا لأنه إذا دار الأمر بين أن تكون الصفة من قبيل المفرد، و بين أن تكون من قبيل الجمل، كأن الأولى جعلها من قبيل المفرد و جمع الظلمات، لأنه حصلت أنواع من الظلمة. فإن كان الصيب هو المطر، فظلماته ظلمة تكاثفه و انتساجه و تتابع قطره، و ظلمة:
ظلال غمامه مع ظلمة الليل. و إن كان الصيب هو السحاب، فظلمة سجمته و ظلمة تطبيقه مع ظلمة الليل. و الضمير في فيه عائد على الصيب، فإذا فسر بالمطر، فكان ذلك السحاب، لكنه لما كان الرعد و البرق ملتبسين بالمطر جعلا فيه على طريق التجوّز، و لم يجمع الرعد و البرق، و إن كان قد جمعت في لسان العرب، لأن المراد بذلك المصدر كأنه قيل: و إرعاد و إبراق، و إن أريد العينان فلأنهما لما كانا مصدرين في الأصل، إذ يقال:
رعدت السماء رعدا و برقت برقا، روعي حكم أصلهما و إن كان المعنى على الجمع، كما قالوا: رجل خصم، و نكرت ظلمات و رعد و برق، لأن المقصود ليس العموم، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات و رعد و برق.
و الضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به، لأنه إذا حذف، فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكورا، و تارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه. فمن الأول هذه الآية و قوله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ «1» ، التقدير، أو كذي ظلمات، و لذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله: يغشاه. و مما اجتمع فيه الالتفات و الاطراح قوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ «2» المعنى من أهل قرية فقال: فجاءها، فأطرح المحذوف و قال: أو هم، فالتفت إلى المحذوف. و الجملة من قوله: يجعلون لا موضع لها من
(1) سورة النور: 24/ 40.
(2) سورة الأعراف: 7/ 4.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 141
الإعراب، لأنها جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل:
يجعلون، و قيل: الجملة لها موضع من الإعراب و هو الجر لأنها في موضع الصفة لذوي المحذوف، كأنه قيل: جاعلين، و أجاز بعضهم أن تكون في موضع نصب على الحال من الضمير الذي هو الهاء في فيه. و الراجع على ذي الحال محذوف نابت الألف و اللام عنه التقدير من صواعقه.
و أراد بالأصابع بعضها، لأن الأصبع كلها لا تجعل في الأذن، إنما تجعل فيها الأنملة، لكن هذا من الاتساع، و هو إطلاق كل على بعض، و لأن هؤلاء لفرط ما يهولهم من إزعاج الصواعق كأنهم لا يكتفون بالأنملة، بل لو أمكنهم السد بالأصبع كلها لفعلوا، و عدل عن الاسم الخاص لما يوضع في الأذن إلى الاسم العام، و هو الأصبع، لما في ترك لفظ السبابة من حسن أدب القرآن، و كون الكنايات فيه تكون بأحسن لفظ، لذلك ما عدل عن لفظ السبابة إلى المسبحة و المهللة و غيرها من الألفاظ المستحسنة، و لم تأت بلفظ المسبحة و نحوها لأنها ألفاظ مستحدثة، لم يتعارفها الناس في ذلك العهد، و إنما أحدثت بعدا.
و قرأ الحسن: من الصواقع، و قد تقدم أنها لغة تميم، و أخبرنا أنها ليست من المقلوب، و الجعل هنا بمعنى الإلقاء و الوضع كأنه قال: يضعون أصابعهم، و من تتعلق بقوله يجعلون، و هي سببية، أي من أجل الصواعق و حذر الموت مفعول من أجله، و شروط المفعول من أجله موجودة فيه، إذ هو مصدر متحد بالعامل فاعلا و زمانا، هكذا أعربوه، و فيه نظر لأن قوله: من الصواعق هو في المعنى مفعول من أجله، و لو كان معطوفا لجاز، كقول اللّه تعالى: ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ* «1» و تثبيتا من أنفسهم، و قول الراجز:
يركب كل عاقر جمهور
مخافة و زعل المحبور
و الهول من تهول الهبور و قالوا أيضا: يجوز أن يكون مصدرا، أي يحذرون حذر الموت، و هو مضاف للمفعول. و قرأ قتادة، و الضحاك بن مزاحم، و ابن أبي ليلى: حذار الموت، و هو مصدر حاذر، قالوا و انتصابه على أنه مفعول له.
الإحاطة هنا: كناية عن كونه تعالى لا يفوتونه، كما لا يفوت المحاط المحيط به، فقيل: بالعلم، و قيل: بالقدرة، و قيل: بالإهلاك. و هذه الجملة اعتراضية لأنها دخلت بين
(1) سورة البقرة: 2/ 207 و 265.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 142
هاتين الجملتين اللتين هما: يجعلون أصابعهم، و يَكادُ الْبَرْقُ «1» ، و هما من قصة واحدة.
و قد تقدم لنا أن هذا التمثيل من التمثيلات المركبة، و هو الذي تشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور، و إن لم يكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى، فيكون المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدين و الدنيا بحيرة من انطفأت ناره بعد إيقادها، و بحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد و برق. و هذا الذي سبق أنه المختار. و قالوا أيضا: يكون من التشبيه المفرق، و هو أن يكون المثل مركبا من أمور، و الممثل يكون مركبا أيضا، و كل واحد من المثل مشبه لكل واحد من الممثل.
و قد تقدم قولان من جعل هذا المثل من التمثيل المفرق. و الثالث: أن الصيب مثل للإسلام و الظلمات، مثل لما في قلوبهم من النفاق و الرعد و البرق، مثلان لما يخوفون به.
و الرابع: البرق مثل للإسلام و الظلمات، مثل للفتنة و البلاء. و الخامس: الصيب: الغيث الذي فيه الحياة مثل للإسلام و الظلمات، مثل لإسلام المنافقين و ما فيه من إبطان الكفر، و الرعد مثل لما في الإسلام من حقن الدماء و الاختلاط بالمسلمين في المناكحة و الموازنة، و البرق و ما فيه من الصواعق مثل لما في الإسلام من الزجر بالعقاب في العاجل و الآجل، و يروى معنى هذا عن الحسن. و السادس: أن الصيب و الظلمات و الرعد و البرق و الصواعق كانت حقيقة أصابت بعض اليهود، فضرب اللّه مثلا بقصتهم لبقيتهم، و روي في ذلك حديث عن ابن مسعود، و ابن عباس. السابع: أنه مثل ضربه اللّه للخير و الشر الذي أصاب المنافقين، فكأنهم كانوا إذا كثرت أموالهم و ولدهم الغلمان، أو أصابوا غنيمة أو فتحا قالوا: دين محمد صدق، فاستقاموا عليه، و إذا هلكت أموالهم و أولادهم و أصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد، فارتدوا كفارا. الثامن: أنه مثل الدنيا و ما فيها من الشدة و الرخاء و النعمة و البلاء بالصيب الذي يجمع نفعا بإحيائه الأرض و إنباته النبات و إحياء كل دابة و الانتفاع به للتطهير و غيره من المنافع، و ضرا بما يحصل به من الإغراق و الإشراق، و ما تقدمه من الظلمات و الصواعق بالإرعاد و الإبراق، و أن المنافق يدفع آجلا بطلب عاجل النفع، فيبيع آخرته و ما أعد اللّه له فيها من النعيم بالدنيا التي صفوها كدر و مآله بعد إلى سقر. التاسع: أنه مثل للقيامة لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم و ما فيه من البرق، بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم، و مثل ما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل و الآجل. العاشر: ضرب الصيب مثل لما أظهر المنافقون
(1) سورة البقرة: 2/ 20.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 143
من الإيمان و الظلمات بضلالهم و كفرهم الذي أبطنوه، و ما فيه من البرق بما علاهم من خير الإسلام و علتهم من بركته، و اهتدائهم به إلى منافعهم الدنيوية، و أمنهم على أنفسهم و أموالهم و ما فيه من الصواعق، بما اقتضاه نفاقهم و ما هم صائرون إليه من الهلاك الدنيوي و الأخروي.
و قد ذكروا أيضا أقوالا كلها ترجع إلى التمثيل التركيبي: الأول: شبه حال المنافقين بالذين اجتمعت لهم ظلمة السحاب مع هذه الأمور، فكان ذلك أشد لحيرتهم، إذ لا يرون طريقا، و لا من أضاء له البرق ثم ذهب كانت الظلمة عنده أشد منها لو لم يكن فيها برق.
الثاني: أن المطر، و إن كان نافعا إلا أنه لما ظهر في هذه الصورة صار النفع به زائلا، كذلك إظهار الإيمان نافع للمنافق لو وافقه الباطن، و أما مع عدم الموافقة فهو ضر. الثالث:
أنه مثل حال المنافقين في ظنهم أن ما أظهروه نافعهم و ليس بنافعهم بمن نزلت به هذه الأمور مع الصواعق، فإنه يظن أن المخلص له منها جعل أصابعه في أذانه و هو لا ينجيه ذلك مما يريد اللّه به من موت أو غيره. الرابع: أنه مثل لتأخر المنافق عن الجهاد فرارا من الموت بمن أراد دفع هذه الأمور بجعل أصابعهم في آذانهم. الخامس: أنه مثل لعدم إخلاص المنافق من عذاب اللّه بالجاعلين أصابعهم في آذانهم، فإنهم و إن تخلصوا عن الموت في تلك الساعة، فإن الموت من ورائهم.
[سورة البقرة (2): آية 20]
يكاد: مضارع كاد التي هي من أفعال المقاربة، و وزنها فعل يفعل، نحو خاف يخاف، منقلبة عن واو، و فيها لغتان: فعل كما ذكرناه، و فعل، و لذلك إذا اتصل بها ضمير الرفع لمتكلم أو مخاطب أو نون إناث ضموا الكاف فقالوا: كدت، و كدت، و كدن، و سمع نقل كسر الواو إلى الكاف، مع ما إسناده لغير ما ذكر قول الشاعر:
و كيدت ضباع القف يأكلن جثتي
و كيد خراش عند ذلك ييتم
يريد، و كادت، و كاد، و ليس، من أفعال المقاربة ما يستعمل منها مضارع إلا: كاد، و أوشك. و هذه الأفعال هي من باب كان، ترفع الاسم و تنصب الخبر، إلا أن خبرها لا يكون إلا مضارعا، و لها باب معقود في النحو، و هي نحو من ثلاثين فعلا ذكرها أبو
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 144
إسحاق البهاري في كتابه (شرح جمل الزجاجي). و قال بعض المفسرين: يكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه و يوجبه مع النفي، و قد أنشدوا في ذلك شعرا يلغز فيه بها، و هذا الذي ذكر هذا المفسر هو مذهب أبي الفتح و غيره، و الصحيح عند أصحابنا أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي و إيجابها إيجاب، و الاحتجاج للمذهبين مذكور في كتب النحو. الخطف:
أخذ الشيء بسرعة. كل: للعموم، و هو اسم جمع لازم للإضافة، إلا أن ما أضيف إليه يجوز حذفه و يعوض منه التنوين، و قيل: هو تنوين الصرف، و إذا كان المحذوف معرفة بقيت كل على تعريفها بالإضافة، فيجيء منها الحال، و لا تعرف باللام عند الأكثرين، و أجاز ذلك الأخفش، و الفارسي، و ربما انتصب حالا، و الأصل فيها أن تتبع توكيدا كأجمع، و تستعمل مبتدأ، و كونها كذلك أحسن من كونها مفعولا، و ليس ذلك بمقصور على السماع و لا مختصا بالشعر خلافا لزاعمه. و إذا أضيفت كل إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العوامل اللفظية، و إذا ابتدئ بها مضافة لفظا إلى نكرة طابقت الأخبار و غيرها ما تضاف إليه و إلى معرفة، فالافصح إفراد العائد أو معنى لا لفظا، فالأصل، و قد يحسن الإفراد و أحكام كل كثيرة. و قد ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير الذي سميناه بالتذكرة، و سردنا منها جملة لينتفع بها، فإنها تكررت في القرآن كثيرا.
المشي: الحركة المعروفة. لو: عبارة سيبويه، إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، و هو أحسن من قول النحويين إنها حرف امتناع لامتناع لاطراد تفسير سيبويه، رحمه اللّه، في كل مكان جاءت فيه لو، و انخرام تفسيرهم في نحو: لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا، إذ على تفسير الإمام يكون المعنى ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية، إذ الأخص مستلزم الأعم، و على تفسيرهم ينخرم ذلك، إذ يكون المعنى ممتنع الحيوانية لأجل امتناع الإنسانية، و ليس بصحيح، إذ لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية، إذ توجد الحيوانية و لا إنسانية. و تكون لو أيضا شرطا في المستقبل بمعنى أن، و لا يجوز الجزم بها خلافا لقوم، قال الشاعر:
لا يلفك الراجوك إلا مظهرا
خلق الكرام و لو تكون عديما
و تشرب لو معنى التمني، و سيأتي الكلام على ذلك عند قوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ «1» ، إن شاء اللّه تعالى، و لا تكون موصولة بمعنى أن خلافا لزاعم ذلك. شاء:
(1) سورة البقرة: 2/ 167.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 145
بمعنى أراد، و حذف مفعولها جائز لفهم المعنى، و أكثر ما يحذف مع لو، لدلالة الجواب عليه. قال الزمخشري: و لقد تكاثر هذا الحذف في شاء و أراد، يعني حذف مفعوليهما، قال: لا يكادون يبرزون هذا المفعول إلا في الشيء المستغرب، نحو قوله:
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته و قوله تعالى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ «1» ، و لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى «2» ، انتهى كلامه. قال صاحب التبيان، و ذلك بعد أن أنشد قوله:
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته
عليه و لكن ساحة الصبر أوسع
متى كان مفعول المشيئة عظيما أو غريبا، كان الأحسن أن يذكر نحو: لو شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، و سر ذكره أن السامع منكر لذلك، أو كالمنكر، فأنت تقصد إلى إثباته عنده، فإن لم يكن منكرا فالحذف نحو: لو شئت قمت. و في التنزيل: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا «3» ، انتهى. و هو موافق لكلام الزمخشري. و ليس ذلك عندي على ما ذهبنا إليه من أنه إذا كان في مفعول المشيئة غرابة حسن ذكره، و إنما حسن ذكره في الآية و البيت من حيث عود الضمير، إذ لو لم يذكر لم يكن للضمير ما يعود عليه، فهما تركيبان فصيحان، و إن كان أحدهما أكثر. فأحدهما الحذف و دلالة الجواب على المحذوف، إذ يكون المحذوف مصدرا دل عليه الجواب، و إذا كانوا قد حذفوا أحد جزأي الإسناد، و هو الخبر في نحو: لو لا زيد لأكرمتك، للطول بالجواب، و إن كان المحذوف من غير جنس المثبت فلأن يحذف المفعول الذي هو فضلة لدلالة الجواب عليه، إذ هو مقدر من جنس المثبت أولى. و الثاني: أن يذكر مفعول المشيئة فيحتاج أن يكون في الجواب ضمير يعود على ما قبله، نحو قوله تعالى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ ، و قول الشاعر:
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته و أما إذا لم يدل على حذفه دليل فلا يحذف، نحو قوله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ و لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ . الشيء: ما صح أن يعلم من وجه و يخبر عنه، قال سيبويه، رحمه اللّه، و إنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى؟ و الشيء مذكر، و هو عندنا مرادف للموجود،
(1) سورة الأنبياء: 2/ 17.
(2) سورة الزمر: 39/ 4.
(3) سورة الأنفال: 8/ 31.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 146
و في إطلاقه على المعدوم بطريق الحقيقة خلاف، و من أطلق ذلك عليه فهو أنكر النكرات، إذ يطلق على الجسم و العرض و القديم و المعدوم و المستحيل. القدرة: القوة على الشيء و الاستطاعة له، و الفعل قدر و مصادره كثيرة: قدر، قدرة، و بتثليث القاف، و مقدرة، و بتثليث الدال: و قدر، أو قدر، أو قدر، أو قدار، أو قدار، أو قدرانا، و مقدرا، و مقدرا.
الجملة من قوله: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ لا موضع لها من الإعراب إذ هي مستأنفة جواب قائل قال: فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ ، و يحتمل أن تكون في موضع جر صفة لذوي المحذوفة التقدير كائد البرق يخطف أبصارهم، و الألف و اللام في البرق للعهد، إذ جرى ذكره نكرة في قوله: فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ ، فصار نظير: لقيت رجلا فضربت الرجل، و قوله تعالى: أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «1» . و قرأ مجاهد، و علي بن الحسين، و يحيى بن زيد: يخطف بسكون الخاء و كسر الطاء، قال ابن مجاهد: و أظنه غلطا و استدل على ذلك بأن أحدا لم يقرأ بالفتح إلا من خطف الخطفة. و قال الزمخشري: الفتح، يعني في المضارع أفصح، انتهى. و الكسر في طاء الماضي لغة قريش، و هي أفصح، و بعض العرب يقول: خطف بفتح الطاء، يخطف بالكسر. قال ابن عطية، و نسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن و أبي رجاء، و ذلك و هم. و قرأ علي، و ابن مسعود: يختطف. و قرأ أبي:
يتخطف. و قرأ الحسن أيضا: يخطف، بفتح الياء و الخاء و الطاء المشددة. و قرأ الحسن أيضا، و الجحدري، و ابن أبي إسحاق: يخطف، بفتح الياء و الخاء و تشديد الطاء المكسورة، و أصله يختطف. و قرأ الحسن أيضا، و أبو رجاء، و عاصم الجحدري، و قتادة:
يخطف، بفتح الياء و كسر الخاء و الطاء المشددة. و قرأ أيضا الحسن، و الأعمش: يخطف، بكسر الثلاثة و تشديد الطاء. و قرأ زيد بن علي: يخطف، بضم الياء و فتح الخاء و كسر الطاء المشددة من خطف، و هو تكثير مبالغة لا تعدية. و قرأ بعض أهل المدينة: يخطف، بفتح الياء و سكون الخاء و تشديد الطاء المكسورة، و التحقيق أنه اختلاس لفتحة الخاء لا إسكان، لأنه يؤدّي إلى التقاء الساكنين على غير حد التقائهما.
فهذا الحرف قرىء عشر قراءات: السبعة يخطف، و الشواذ: يخطف يختطف يتخطف يخطف و أصله يتخطف، فحذف التاء مع الياء شذوذا، كما حذفها مع التاء قياسا. يخطف