کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 241

قريت، و أخطيت، و توضيت، قال: و ربما حولوه إلى الواو، و هو قليل، نحو: رفوت، و الجيد: رفأت، و لم أسمع: رفيت. انتهى كلام الأخفش. و دل ذلك على أنه ليس من ضرائر الشعر، كما ذكر أبو الفتح، و هو قوله تعالى: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ‏ . و قوله: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ‏ : جملة محذوفة، التقدير: فأنبئهم بها، فلما أنبأهم حذفت لفهم المعنى، و في قوله: أنبئوني، فلما أنبأهم تنبيه على إعلام اللّه أنه قد أعلم اللّه أنه قد أعلم آدم من أحوالهم ما لم يعلمهم من حاله، لأنهم رأوه قبل النفخ مصورا، فلم يعلموا ما هو، و على أنه رفع درجة آدم عندهم، لكونه قد علم لآدم ما لم يعلمهم، و على إقامته مقام المفيد المعلم، و إقامتهم مقام المستفيدين منه، لأنه أمره أن يعلمهم أسماء الذين عرضهم عليهم و على أدبهم على ترك الأدب من حيث قالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها ، فإن الطواعية المحضة أن يكونوا مع عدم العلم بالحكمة فيما أمروا به، و عدم الاطلاع على ذلك الأمر و مصلحته و مفسدته كهم مع العلم و الاطلاع. و كان الامتثال و التسليم، بغير تعجب و لا استفهام، أليق بمقامهم لطهارة ذواتهم و كمال صفاتهم.

و في كتاب بعض من عاصرناه، قالت المعتزلة: ظهر من آدم عليه السلام في علمه بالأسماء معجزة دالة على نبوته في ذلك الوقت، و الأقرب أنه كان مبعوثا إلى حواء، و لا يبعد أن يكون أيضا مبعوثا إلى من توجه التحدي إليهم من الملائكة، لأن جميعهم، و إن كانوا رسلا، فقد يجوز الإرسال إلى الرسول، كبعثه إبراهيم عليه السلام إلى لوط عليه السلام، و احتجوا بكونه ناقضا للعادة. و لقائل أن يقول: حصول العلم باللغة لمن علمه اللّه و عدم حصوله لمن لم يعلم ليس بناقض للعادة. و أيضا، فالملائكة أما إن علموا وضع تلك الأسماء للمسميات فلا مزية أو لا، فكيف علموا إصابته في ذلك؟ و الجواب من وجهين:

أحدهما: أنه ربما يكون لكل صنف منهم لغة، ثم حضر جميعهم فعرف كل صنف إصابته في تلك اللغة، إلا أنهم بأسرهم عجزوا عن معرفتها بأسرها. الثاني: أن اللّه عرفهم الدليل على صدقه، و لم لا يكون من باب الكرامات أو من باب الإرهاص؟ و احتج من قال: لم يكن نبيا، بوجوه: أحدها: صدور المعصية عنه بعد، و ذلك غير جائز على النبي.

و ثانيها: أنه لو كان مبعوثا لكان إلى أحد، لأن المقصود منه التبليغ، و ذلك لا يكون الملائكة، لأنهم أفضل، و لا حوّاء، لأنها مخاطبة بلا واسطة بقوله: وَ لا تَقْرَبا ، و لا الجن، لأنهم لم يكونوا في السماء. و ثالثها: قوله: ثُمَّ اجْتَباهُ‏ ، و هذا يدل على أن الاجتباء كان بعد الزلة، و النبي لا بد أن يكون مجتبى وقت كونه نبيا.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 242

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ‏ ؛ جواب فلما، و قد تقدّم ذكر الخلاف في لما المقتضية للجواب، أ هي حرف أم ظرف؟ و رجحنا الأول و ذكرنا أنه مذهب سيبويه. و ألم: أقل تقرير، لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان الكلام في كثير من المواضع تقريرا نحو قوله تعالى:

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ‏ «1» ؟ أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏ «2» ؟ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً «3» ؟ و لذلك جاز العطف على جملة إثباتية نحو: و وضعنا، و لبثت، و لكم فيه، تنبيههم بالخطاب و هزهم لسماع المقول، نحو قوله: أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً «4» نبهه في الثانية بالخطاب. و قد تقدم أن اللام في نحو: قلت لك، أو لزيد، للتبليغ، و هو أحد المعاني التي ذكرناها فيها. إِنِّي أَعْلَمُ‏ : ياء المتكلم المتحرك ما قبلها، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة، جاز فيها وجهان: التحريك و الإسكان، و قرى‏ء بالوجهين في السبعة، على اختلاف بينهم في بعض ذلك، و تفصيل ذلك مذكور في كتب القراءات. و سكنوا في السبعة إجماعا: تفتني ألا، أَرِنِي أَنْظُرْ «5» ، فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ‏ «6» وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ‏ «7» ، و لا يظهر بشي‏ء من اختلافهم و اتفاقهم علة إلا اتباع الرواية. و الخلاف الذي تقدم في أعلم من كونه منصوبا أو مجرورا جار هنا، و قد تقدم إيضاحه هناك فلا نعيده هنا.

و قد حكى ابن عطية عن المهدوي ما نصه: قال المهدوي: و يجوز أن يكون قوله:

أعلم اسما بمعنى التفضيل في العلم، فتكون ما في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية: و إذا قدر الأول اسما، فلا بد بعده من إضمار فعل ينصب غيب، تقديره: إني أعلم من كل أعلم غيب، و كونها في الموضعين فعلا مضارعا أخصر و أبلغ. انتهى. و ما نقله ابن عطية عن المهدوي و هم. و الذي ذكر المهدوي في تفسيره ما نصه: وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ‏ ، يجوز أن ينتصب ما بأعلم على أنه فعل، و يجوز أن يكون بمعنى عالم، أو يكون ما جرا بالإضافة، و يجوز أن يقدر التنوين في أعلم إذا قدرته بمعنى عالم و تنصب ما به، فيكون بمعنى حواج بيت اللّه، انتهى. فأنت ترى أنه لم يذهب إلى أن أفعل للتفضيل و أنه لم يجز الجر في ما و النصب، و تكون أفعل اسما إلا إذا كان بمعنى فاعل لا أفعل تفضيل، و لا

(1) سورة الأعراف: 7/ 172.

(2) سورة الشرح: 94/ 1.

(3) سورة الشعراء: 26/ 18.

(4) سورة الكهف: 18/ 75.

(5) سورة الأعراف: 7/ 141.

(6) سورة مريم: 19/ 43.

(7) سورة هود: 11/ 47.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 243

يمكن أن يقال ما نقله ابن عطية عن المهدوي من جواز أن يكون أعلم أفعل بمعنى التفضيل، و خفض ما بالإضافة البتة.

غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ : تقدم الكلام على هذه الألفاظ الثلاثة، و اختلف في الغيب هنا، فقيل: غيب السموات: أكل آدم و حواء من الشجرة، لأنها أول معصية وقعت في السماء، و غيب الأرض: قتل قابيل هابيل، لأنها أول معصية كانت في الأرض. و قيل:

غيب السموات ما قضاه من أمور خلقه، و غيب الأرض ما فعلوه فيها بعد القضاء. و قيل:

غيب السموات ما غاب عن ملائكته المقربين و حملة عرشه مما استأثر به تعالى من أسرار الملكوت الأعلى، و غيب الأرض ما أخفاه عن أنبيائه و أصفيائه من أسرار ملكوته الأدنى و أمور الآخرة الأولى.

وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏

قال علي و ابن مسعود و ابن عباس، رضوان اللّه عليهم أجمعين: ما تبدون: الضمير للملائكة، و ما كنتم تكتمون: يعني إبليس.

فيكون من خطاب الجمع، و يراد به الواحد نحو: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ‏ «1» . و

روي‏ أن إبليس مرّ على جسد آدم بين مكة و الطائف قبل أن ينفخ فيه الروح فقال: لأمر ما خلق هذا، ثم دخل من فيه و خرج من دبره و قال: إنه خلق لا يتمالك لأنه أجوف، ثم قال للملائكة الذين معه:

أرأيتم إن فضل هذا عليكم و أمرتم بطاعته ما تصنعون؟ قالوا: نطيع اللّه، فقال إبليس في نفسه: و اللّه لئن سلّطت عليه لأهلكنه، و لئن سلّط عليّ لأعصينه‏

، فهذا قوله تعالى:

وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ‏ الآية، يعني: من قول الملائكة و كتم إبليس. و قال الحسن و قتادة: ما أبدوه هو قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها ، و ما كتموه قولهم: لن يخلق اللّه أكرم عليه منا، و قيل: ما أبدوه قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها ، و ما كتموه أضمروه من الطاعة للّه و السجود لآدم. و قيل: ما أبدوه هو الإقرار بالعجز، و ما كتموه الكراهية لاستخلاف آدم عليه السلام. و قيل: هو عام فيما أبدوه و ما كتموه من كل أمورهم، و هذا هو الظاهر. و أبرز الفعل في قوله: وَ أَعْلَمُ‏ ليكون متعلقه جملة مقصودة بالعامل، فلا يكون معمولها مندرجا تحت الجملة الأولى، و هو يدل على الاهتمام بالإخبار، إذ جعل مفردا بعامل غير العامل، و عطف قوله‏ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏ هو من باب الترقي في الإخبار، لأن علم اللّه تعالى واحد لا تفاوت فيه بالنسبة إلى شي‏ء من معلوماته، جهرا كان أو سرا، و وصل ما بكنتم يدل على أن الكتم وقع فيما

(1) سورة الحجرات: 49/ 4.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 244

مضى، و ليس المعنى أنهم كتموا عن اللّه لأن الملائكة أعرف باللّه و أعلم، فلا يكتمون اللّه شيئا، و إنما المعنى أنه هجس في أنفسهم شي‏ء لم يظهره بعضهم لبعض، و لا أطلعه عليه، و إن كان المعنى إبليس، فقد تقدم أنه قال في نفسه: ما حكيناه قبل عنه، فكتم ذلك عن الملائكة. و قد تضمن آخر هذه الآية من علم البديع الطباق و هو قوله: ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏ قوله:

[سورة البقرة (2): آية 34]

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)

السجود: التذلل و الخضوع، و قال ابن السكيت: هو الميل، و قال بعضهم: سجد وضع جبهته بالأرض، و أسجد: ميل رأسه و انحنى، و قال الشاعر:

ترى ألا كم فيها سجدا للحوافر يريد أن الحوافر تطأ الأكم، فجعل تأثر الأكم للحوافر سجودا مجازا، و قال آخر:

كما سجدت نصرانة لم تحنف و قال آخر:

سجود النصارى لأحبارها يريد الانحناء.

إبليس: اسم أعجميّ منع الصرف للعجمة و العلمية، قال الزجاج: و وزنه فعليل، و أبعد أبو عبيدة و غيره في زعمه أنه مشتق من الإبلاس، و هو الإبعاد من الخير، و وزنه على هذا، أفعيل، لأنه قد تقرر في علم التصريف أن الاشتقاق العربي لا يدخل في الأسماء الأعجمية، و اعتذر من قال بالاشتقاق فيه عن منع الصرف بأنه لا نظير له في الأسماء، و ردّنا: غريض، و إزميل، و إخريط، و إجفيل، و إعليط، و إصليت، و إحليل، و إكليل، و إحريض. و قد قيل: شبه بالأسماء الأعجمية، فامتنع الصرف للعلمية، و شبه العجمة، و شبه العجمة هو أنه و إن كان مشتقا من الإبلاس فإنه لم يسم به أحد من العرب، فصار خاصا بمن أطلقه اللّه عليه، فكأنه دليل في لسانهم، و هو علم مرتجل. و قد روي اشتقاقه من الإبلاس عن ابن عباس و السدي، و ما إخاله يصح. الإباء: الامتناع، قال الشاعر:

و أما أن تقولوا قد أبينا

فشرّ مواطن الحسب الإباء

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 245

و الفعل منه: أبى يأبى، و لما جاء مضارعه على يفعل بفتح العين و ليس بقياس أحرى، كأنه مضارع فعل بكسر العين، فقالوا فيه: يئبى بكسر حرف المضارعة، و قد سمع فيه أبي بكسر العين فيكون يأبى على هذه اللغة قياسا، و وافق من قال أبى بفتح العين على هذه اللغة. و قد زعم أبو القاسم السعدي أن أبي يأتي بفتح العين لا خلاف فيه، و ليس بصحيح، فقد حكى أبي بكسر العين صاحب المحكم. و قد جاء يفعل في أربعة عشر فعلا و ماضيها فعل، و ليست عينه و لا لامه حرف حلق. و في بعضها سمع أيضا فعل بكسر العين، و في بعض مضارعها سمع أيضا يفعل و يفعل بكسر العين و ضمها، ذكرها التصريفيون.

الاستكبار و التكبر: و هو مما جاء فيه استفعل بمعنى تفعل، و هو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها استفعل، و هي مذكورة في شرح نستعين.

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ‏ لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي، و مناسبة هذه الآية لما قبلها أن اللّه تعالى لما شرف آدم بفضيلة العلم و جعله معلما للملائكة و هم مستفيدون منه مع قولهم السابق:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ . أراد اللّه أن يكرم هذا الذي استخلفه بأن يسجد له ملائكته، ليظهر بذلك مزية العلم على مزية العبادة. قال الطبري: قصة إبليس تقريع لمن أشبهه من بني آدم، و هم اليهود الذين كفروا بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، مع علمهم بنبوته، و مع قدم نعم اللّه عليهم و على أسلافهم. و إذ: ظرف كما سبق فقيل بزيادتها. و قيل:

العامل فيها فعل مضمر يشيرون إلى ادكر. و قيل: هي معطوفة على ما قبلها، يعني قوله:

وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ‏ ، و يضعف الأول بأن الأسماء لا تزاد، و الثاني أنها لازم ظرفيتها، و الثالث لاختلاف الزمانين فيستحيل وقوع العامل الذي اخترناه في إذ الأولى في إذ هذه. و قيل:

العامل فيها أبى، و يحتمل عندي أن يكون العامل في إذ محذوف دل عليه قوله:

فَسَجَدُوا ، تقديره: انقادوا و أطاعوا، لأن السجود كان ناشئا عن الانقياد للأمر. و في قوله: قُلْنا التفات، و هو من أنواع البديع، إذ كان ما قبل هذه الآية قد أخبر عن اللّه بصورة الغائب، ثم انتقل إلى ضمير المتكلم، و أتى بنا التي تدل على التعظيم و علوّ القدر و تنزيله منزلة الجمع، لتعدد صفاته الحميدة و مواهبه الجزيلة.

و حكمة هذا الالتفات و كونه بنون المعظم نفسه أنه صدر منه الأمر للملائكة بالسجود، و وجب عليهم الامتثال، فناسب أن يكون الأمر في غاية من التعظيم، لأنه متى كان كذلك كان أدعى لامتثال المأمور فعل ما أمر به من غير بطء و لا تأول لشغل خاطره بورود ما صدر

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 246

من المعظم. و قد جاء في القرآن نظائر لهذا، منها: وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ‏ «1» ، وَ قُلْنَا اهْبِطُوا «2» ، قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً «3» ، و قلنا من بعده لبني إسرائيل: اسْكُنُوا الْأَرْضَ‏ «4» ، وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ‏ «5» ، وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا «6» . فأنت ترى هذا الأمر و هذا النهي كيف تقدّمهما الفعل المسند إلى المتكلم المعظم نفسه، لأن الآمر اقتضى الاستعلاء على المأمور، فظهر للمأمور بصفة العظمة، و لا أعظم من اللّه تعالى، و المأمورون بالسجود، قال السدي: عامة الملائكة. و قال ابن عباس: الملائكة الذين يحكمون في الأرض. و قرأ الجمهور: للملائكة بجر التاء. و قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع و سليمان بن مهران: بضم التاء، اتباعا لحركة الجيم و نقل أنها لغة أزدشنوءة. قال الزجاج: هذا غلط من أبي جعفر، و قال الفارسي: هذا خطأ، و قال ابن جني: لأن كسرة التاء كسرة إعراب، و إنما يجوز هذا الذي ذهب إليه أبو جعفر، إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا صحيحا نحو:

وَ قالَتِ اخْرُجْ‏ «7» . و قال الزمخشري: لا يجوز لاستهلاك الحركة الإعرابية بحركة الاتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ* ، انتهى كلامه. و إذا كان ذلك في لغة ضعيفة، و قد نقل أنها لغة أزدشنوءة، فلا ينبغي أن يخطأ القارئ بها و لا يغلط، و القارئ بها أبو جعفر، أحد القراء المشاهير الذين أخذوا القرآن عرضا عن عبد اللّه بن عباس و غيره من الصحابة، و هو شيخ نافع بن أبي نعيم، أحد القراء السبعة، و قد علل ضم التاء لشبهها بألف الوصل، و وجه الشبه أن الهمزة تسقط في الدرج لكونها ليست بأصل، و التاء في الملائكة تسقط أيضا لأنها ليست بأصل. ألا تراهم قالوا: الملائك؟ و قيل: ضمت لأن العرب تكره الضمة بعد الكسرة لثقلها.

اسْجُدُوا : أمر، و تقتضي هذه الصيغة طلب إيقاع الفعل في الزمان المطلق استقباله، و لا تدل بالوضع على الفور، و هذا مذهب الشافعي و القاضي أبي بكر بن الطيب، و اختاره الغزالي و الرازي خلافا للمالكية من أهل بغداد، و أبي حنيفة و متبعيه. و هذه مسألة يبحث فيها في أصول الفقه، و هذ الخلاف إنما هو حيث لا تدل قرينة على فور أو تأخير.

و أما هنا فالعطف بالفاء يدل على تعقيب القول بالفعل من غير مهلة، فتكون الملائكة قد

(1) سورة البقرة: 2/ 35.

(2) سورة البقرة: 2/ 36.

(3) سورة الأنبياء: 21/ 69.

(4) سورة الإسراء: 17/ 104.

(5) سورة النساء: 4/ 150.

(6) سورة النساء: 4/ 154.

(7) سورة يوسف: 12/ 31.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 247

فهموا الفور من شي‏ء آخر غير موضوع اللفظ، فلذلك بادروا بالفعل و لم يتأخروا. و السجود المأمور به و المفعول إيماء و خضوع، قاله الجمهور، أو وضع الجبهة على الأرض مع التذلل، أو إقرارهم له بالفضل و اعترافهم له بالمزية، و هذا يرجع إلى معنى السجود اللغوي، قال: فإن من أقر لك بالفضل فقد خضع لك. لِآدَمَ‏ : من قال بالسجود الشرعي قال:

كان السجود تكرمة و تحية له، و هو قول الجمهور: علي‏

و ابن مسعود و ابن عباس، كسجود أبوي يوسف، لا سجود عبادة، أو للّه تعالى، و نصبه اللّه قبلة لسجودهم كالكعبة، فيكون المعنى إلى آدم، قاله الشعبي، أو للّه تعالى، فسجد و سجدوا مؤتمين به، و شرفه بأن جعله إماما يقتدون به. و المعنى في: لِآدَمَ‏ أي مع آدم. و قال قوم: إنما أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه، فالسجود امتثال لأمر اللّه، و السجود له، قاله مقاتل، و القرآن يرد هذا القول. و قال قوم: كان سجود الملائكة مرتين. قيل: و الإجماع يرد هذا القول، و الظاهر أن السجود هو بالجبهة لقوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* «1» . و قيل: لا دليل في ذلك، لأن الجاثي على ركبتيه واقع، و أن السجود كان لآدم على سبيل التكرمة، و قال بعضهم: السجود للّه بوضع الجبهة، و للبشر بالانحناء، انتهى. و يجوز أن يكون السجود في ذلك الوقت للبشر غير محرم، و قد نقل أن السجود كان في شريعة من قبلنا هو التحية، و نسخ ذلك في الإسلام. و قيل: كان السجود لغير اللّه جائزا إلى زمن يعقوب، ثم نسخ، و قال الأكثرون: لم ينسخ إلى عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. و

روي‏ أنه صلّى اللّه عليه و سلّم قال في حديث عرض عليه الصحابة أن يسجدوا له: «لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا للّه رب العالمين»

، و أن معاذا سجد للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم فنهاه عن ذلك. قال ابن عطاء: لما استعظموا تسبيحهم و تقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم بذلك استغناءه عنهم و عن عبادتهم.

فَسَجَدُوا ، ثم: محذوف تقديره: فسجدوا له، أي لآدم. دل عليه قول:

اسْجُدُوا لِآدَمَ‏ ، و اللام في لآدم للتبيين، و هو أحد المعاني السبعة عشر التي ذكرناها عند شرح‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ . إِلَّا إِبْلِيسَ‏ : هو مستثنى من الضمير في فسجدوا، و هو استثناء من موجب في نحو هذه المسألة فيترجح النصب، و هو استثناء متصل عند الجمهور: ابن مسعود و ابن عباس و ابن المسيب و قتادة و ابن جريج، و اختاره الشيخ أبو الحسن و الطبري، فعلى هذا يكون ملكا ثم أبلس و غضب عليه و لعن فصار شيطانا. و روى في ذلك آثار عن‏

صفحه بعد