کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 290

لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك، فقيل في ذلك: فَارْهَبُونِ‏ ، و قيل في هذا: فَاتَّقُونِ‏ ، أي اتخذوا وقاية من عذاب اللّه إن لم تمتثلوا ما أمرتكم به. و الأحسن أن لا يقيد ارهبون و اتّقون بشي‏ء، بل ذلك أمر بخوف اللّه و اتقائه، و لكن يدخل فيه ما سيق الأمر عقيبه دخولا واضحا، فكان المعنى: ارهبون، إن لم تذكروا نعمتي و لم توفوا بعهدي، و اتقون، إن لم تؤمنوا بما أنزلت و إن اشتريتم بآياتي ثمنا قليلا.

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏ : أي الصدق بالكذب، قاله ابن عباس، أو اليهودية و النصرانية بالإسلام، قاله مجاهد، أو التوراة بما كتبوه بأيديهم فيها من غيرها، أو بما بدلوا فيها من ذكر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، قاله ابن زيد، أو الأمانة بالخيانة لأنهم ائتمنوا على إبداء ما في التوراة، فخانوا في ذلك بكتمانه و تبديله، أو الإقرار بنبوّة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى غيرهم و جحدهم أنه ما بعث إليهم، قاله أبو العالية، أو إيمان منافقي اليهود بإبطان كفرهم، أو صفة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بصفة الدجال. و ظاهر هذا التركيب أن الباء في قوله بالباطل للإلصاق، كقولك: خلطت الماء باللبن، فكأنهم نهوا عن أن يخلطوا الحق بالباطل، فلا يتيمز الحق من الباطل، و جوز الزمخشري أن تكون الباء للاستعانة، كهي في كتبت بالقلم، قال: كان المعنى: و لا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم، و هذا فيه بعد عن هذا التركيب، و صرف عن الظاهر بغير ضرورة تدعو إلى ذلك.

وَ تَكْتُمُوا الْحَقَ‏ : مجزوم عطفا على تلبسوا، و المعنى: النهي عن كل واحد من الفعلين، كما قالوا: لا تأكل السمك و تشرب اللبن، بالجزم نهيا عن كل واحد من الفعلين، و جوزوا أن يكون منصوبا على إضمار أن، و هو عند البصريين عطف على مصدر متوهم، و يسمى عند الكوفيين النصب على الصرف. و الجرمي يرى أن النصب بنفس الواو، و هذا مذكور في علم النحو. و ما جوزوه ليس بظاهر، لأنه إذ ذاك يكون النهي منسحبا على الجمع بين الفعلين، كما إذا قلت: لا تأكل السمك و تشرب اللبن، معناه: النهي عن الجمع بينهما، و يكون بالمفهوم يدل على جواز الالتباس بواحد منهما، و ذلك منهي عنه، فلذلك رجح الجزم.

و قرأ عبد اللّه: وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَ‏ ، و خرج على أنها جملة في موضع الحال، و قدره الزمخشري: كاتمين، و هو تقدير معنى لا تقدير إعراب، لأن الجملة المثبتة المصدّرة بمضارع، إذا وقعت حالا لا تدخل عليها الواو، و التقدير الإعرابي هو أن تضمر قبل‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 291

المضارع هنا مبتدأ تقديره: و أنتم تكتمون الحق، و لا يظهر تخريج هذه القراءة على الحال، لأن الحال قيد في الجملة السابقة، و هم قد نهوا عن لبس الحق بالباطل، على كل حال فلا يناسب ذلك التقييد بالحال إلا أن تكون الحال لازمة، و ذلك أن يقال: لا يقع لبس الحق بالباطل إلا و يكون الحق مكتوما، و يمكن تخريج هذه القراءة على وجه آخر، و هو أن يكون اللّه قد نعى عليهم كتمهم الحق مع علمهم أنه حق، فتكون الجملة الخبرية عطفت على جملة النهي، على من يرى جواز ذلك، و هو سيبويه و جماعة، و لا يشترط التناسب في عطف الجمل، و كلا التخريجين تخريج شذوذ. و الحق الذي كتموه هو أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، قاله ابن عباس، و مجاهد، و قتادة، و أبو العالية، و السدّي، و مقاتل، أو الإسلام، قاله الحسن، أو يكون الحق عامّا فيندرج فيه أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن، و ما جاء به صلّى اللّه عليه و سلّم و كتمانه أنهم كانوا يعلمون ذلك و يظهرون خلافه.

وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ جملة حالية، و مفعول تعلمون محذوف اقتصارا، إذ المقصود:

و أنتم من ذوي العلم، فلا يناسب من كان عالما أن يكتم الحق و يلبسه بالباطل، و قد قدروا حذفه حذف اختصار، و فيه أقاويل ستة: أحدها: و أنتم تعلمون أنه مذكور هو و صفته في التوراة صلّى اللّه عليه و سلّم. الثاني: و أنتم تعلمون البعث و الجزاء. الثالث: و أنتم تعلمون أنه نبي مرسل للناس قاطبة. الرابع: و أنتم تعلمون الحق من الباطل. و قال الزمخشري: و أنتم تعلمون في حال علمكم أنكم لابسون كاتمون، فجعل مفعول العلم اللبس و الكتم المفهومين من الفعلين السابقين، قال: و هو أقبح، لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه، انتهى. فكان ما قدّره هو على حذف مضاف، أي و أنتم تعلمون قبح أو تحريم اللبس و الكتم، و قال ابن عطية: و أنتم تعلمون، جملة في موضع الحال و لم يشهد تعالى لهم بعلم، و إنما نهاهم عن كتمان ما علموا، انتهى.

و مفهوم كلامه أن مفعول تعلمون هو الحق، كأنه قال: و لا تكتموا الحق و أنتم تعلمونه، لأن المكتوم قد يكون حقا و غير حق، فإذا كان حقا و علم أنه حق، كان كتمانه له أشد معصية و أعظم ذنبا، لأن العاصي على علم أعصى من الجاهل العاصي. قال ابن عطية: و يحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و لم يشهد لهم بعلم على الإطلاق، قال:

و لا تكون الجملة على هذا في موضع الحال، انتهى. يعني أن الجملة تكون معطوفة، و إن كانت ثبوتية على ما قبلها من جملة النهي، و إن لم تكن مناسبة في الإخبار على ما قررناه من الكلام في تخريجنا لقراءة عبد اللّه: و تكتمون.

و الأظهر من هذه الأقاويل ما قدّمناه أوّلا من كون العلم حذف مفعوله حذف اقتصار،

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 292

إذ المقصود أن من كان من أهل العلم و الاطلاع على ما جاءت به الرسل، لا يصلح له لبس الحق بالباطل و لا كتمانه. و هذه الحال، و إن كان ظاهرها أنها قيد في النهي عن اللبس و الكتم، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس و الكتم حالة الجهل، لأن الجاهل بحال الشي‏ء لا يدري كونه حقا أو باطلا، و إنما فائدتها: أن الإقدام على الأشياء القبيحة مع العلم بها أفحش من الإقدام عليها مع الجهل بها. و قال القشيري: لا تتوهموا، إن يلتئم لكم جمع الضدّين و الكون في حالة واحدة في محلين، فإما مبسوطة بحق، و إما مربوطة بحط، وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏ ، تدليس، وَ تَكْتُمُوا الْحَقَ‏ تلبيس، وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ أن حق الحق تقديس، انتهى. و في هذه الآية دليل أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره، و يحرم عليه كتمانه.

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ : تقدّم الكلام على مثل هذا في أوّل السورة في قوله: وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ «1» ، و يعني بذلك صلاة المسلمين و زكاتهم، فقيل: هي الصلاة المفروضة، و قيل: جنس الصلاة و الزكاة. قيل: أراد المفروضة، و قيل:

صدقة الفطر، و هو خطاب لليهود، فدل ذلك على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. قال القشيري: و أقيموا الصلاة: احفظوا أدب الحضرة، فحفظ الأدب للخدمة من الخدمة، و آتوا الزكاة، زكاة الهمم، كما تؤدى زكاة النعم، قال قائلهم:

كلّ شي‏ء له زكاة تؤدّى‏

و زكاة الجمال رحمة مثلي .

وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏ : خطاب لليهود، و يحتمل أن يراد بالركوع: الانقياد و الخضوع، و يحتمل أن يراد به: الركوع المعروف في الصلاة، و أمروا بذلك و إن كان الركوع مندرجا في الصلاة التي أمروا بإقامتها، لأنه ركوع في صلاتهم، فنبه بالأمر به، على أن ذلك مطلوب في صلاة المسلمين. و قيل: كنى بالركوع عن الصلاة: أي وصلوا مع المصلين، كما يكنى عنها بالسجدة تسمية للكلّ بالجزء، و يكون في قوله مع دلالة على إيقاعها في جماعة، لأن الأمر بإقامة الصلاة أوّلا لم يكن فيها إيقاعها في جماعة.

و الراكعون: قيل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه، و قيل: أراد الجنس من الراكعين.

و في هذه الجمل، و إن كانت معطوفات بالواو التي لا تقتضي في الوضع ترتيبا ترتيب‏

(1) سورة التوبة: 9/ 71.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 293

عجيب، من حيث الفصاحة و بناء الكلام بعضه على بعض، و ذلك أنه تعالى أمرهم أوّلا بذكر النعمة التي أنعمها عليهم، إذ في ذلك ما يدعو إلى محبة المنعم و وجوب إطاعته، ثم أمرهم بإيفاء العهد الذي التزموه للمنعم، ثم رغبهم بترتيب إيفائه هو تعالى بعهدهم في الإيفاء بالعهد، ثم أمرهم بالخوف من نقماته إن لم يوفوا، فاكتنف الأمر بالإيفاء أمر بذكر النعمة و الإحسان، و أمر بالخوف من العصيان، ثم أعقب ذلك بالأمر بإيمان خاص، و هو ما أنزل من القرآن، و رغب في ذلك بأنه مصدّق لما معهم، فليس أمرا مخالفا لما في أيديهم، لأن الانتقال إلى الموافق أقرب من الانتقال إلى المخالف. ثم نهاهم عن استبدال الخسيس بالنفيس، ثم أمرهم تعالى باتقائه، ثم أعقب ذلك بالنهي عن لبس الحق بالباطل، و عن كتمان الحق، فكان الأمر بالإيمان أمرا بترك الضلال، و النهي عن لبس الحق بالباطل، و كتمان الحق تركا للإضلال. و لما كان الضلال ناشئا عن أمرين: إما تمويه الباطل حقا إن كانت الدلائل قد بلغت المستتبع، و إما عن كتمان الدلائل إن كانت لم تبلغه، أشار إلى الأمرين بلا تلبسوا و تكتموا، ثم قبح عليهم هذين الوصفين مع وجود العلم، ثم أمرهم بعد تحصيل الإيمان و إظهار الحق بإقام الصلاة و إيتاء الزكاة، إذ الصلاة آكد العبادات البدنية، و الزكاة آكد العبادات المالية. ثم ختم ذلك بالأمر بالانقياد و الخضوع له تعالى مع جملة الخاضعين الطائعين.

فكان افتتاح هذه الآيات بذكر النعم و اختتامها بالانقياد للمنعم، و ما بينهما تكاليف اعتقادية و أفعال بدنية و مالية. و بنحو ما تضمنته هذه الآيات من الافتتاح و الإرداف و الاختتام يظهر فضل كلام اللّه على سائر الكلام، و هذه الأوامر و النواهي، و إن كانت خاصة في الصورة ببني إسرائيل، فإنهم هم المخاطبون بها هي عامة في المعنى، فيجب على كل مكلف ذكر نعمة اللّه، و الإيفاء بالعهد و سائر التكاليف المذكورة بعد هذا.

[سورة البقرة (2): الآيات 44 الى 46]

أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (44) وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46)

الأمر: طلب إيجاد الفعل، و يطلق على الشأن، و الفعل منه: أمر يأمر، على:

فعل يفعل، و تحذف فاؤه في الأمر منه بغير لام، فتقول: مر زيدا و إتمامه قليل، أو مر زيدا،

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 294

فإن تقدم الأمر واو أو فاء، فإثبات الهمزة أجود، و هو مما يتعدّى إلى مفعولين: أحدهما بنفسه، و الآخر بحرف جر. و يجوز حذف ذلك الحرف، و هو من أفعال محصورة تحذف من ثاني مفعوليها حرف الجر جوازا تحفظ و لا يقاس عليها. البر: الصلة، و أيضا: الطاعة.

قال الراجز:

لا همّ ربّ إن بكرا دونكا

يبرك الناس و يفخرونكا

و البر: الفؤاد، و ولد الثعلب و الهرّ، و برّ والده: أجله و أعظمه. يبره: على وزن فعل يفعل، و رجل بارّ، و برّ، و برت يمينه، و برّ حجه: أجلها و جمع أنواعا من الخير، و البر سعة المعروف و الخير، و منه: البر و البريّة للسعة. و يتناول كل خير، و الإبرار: الغلبة، قال الشاعر:

و يبرّون على الآبي المبر النسيان: ضد الذكر، و هو السهو الحادث بعد حصول العلم، و يطلق أيضا على الترك، و ضده الفعل، و الفعل: نسي ينسى على فعل يفعل، و يتعدّى لواحد، و قد يعلق نسي حملا على علم، قال الشاعر:

و من أنتم إنا نسينا من أنتم‏

و ريحكم من أي ريح الأعاصر

و في البيت احتمال، التلاوة: القراءة، و سميت بها لأن الآيات أو الكلمات أو الحروف يتلو بعضها بعضا في الذكر. و التلو: التبع، و ناقة مثل: يتبعها ولدها. العقل:

الإدراك المانع من الخطأ، و منه عقال البعير، يمنعه من التصرف، و المعقل: مكان يمتنع فيه، و العقل: الدّية لأن جنسها إبل تعقل في فناء الولي، أو لأنها تمنع من قتل الجاني، و العقل: ثوب موشى، قال الشاعر:

عقلا و رقما تظل الطير تتبعه‏

كأنه من دم الأجواف مدموم‏

و العقال: زكاة العام، قال الشاعر:

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين‏

و رمل عقنقل: متماسك عن الانهيار. الصبر: حبس النفس على المكروه، و الفعل:

صبر يصبر على فعل يفعل، و أصله أن يتعدى لواحد. قال الشاعر:

فصبرت عارفة لذلك حرّة

ترسو إذا نفس الجبان تطلع‏

و قد كثر حذف مفعوله حتى صار كأنه غير متعدّ. الكبيرة: من كبر يكبر، و يكون ذلك‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 295

في الجرم و في القدر، و يقال: كبر عليّ كذا، أي شق، و كبر يكبر، فهو كبير من السنّ. قال الشاعر:

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا

إلى اليوم لم نكبر و لم يكبر البهم‏

الخشوع: قريب من الخضوع، و أصله: اللين و السهولة، و قيل: الاستكانة و التذلل.

و قال الليث: الخضوع في البدن، و الخشوع في البدن و البصر و الصوت، و الخشعة: الرّملة المتطامنة. و

في الحديث: «كانت الكعبة خشعة على الماء».

الظنّ: ترجيح أحد الجانبين، و هو الذي يعبر عنه النحويون بالشك، و قد يطلق على التيقن. و في كلا الاستعمالين يدخل على ما أصله المبتدأ و الخبر بالشروط التي ذكرت في النحو، خلافا لأبي زيد السهيلي، إذ زعم أنها ليست من نواسخ الابتداء. و الظنّ أيضا يستعمل بمعنى:

التهمة، فيتعدى إذ ذاك لواحد، قال الفراء: الظنّ يقع بمعنى الكذب، و البصريون لا يعرفون ذلك.

أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ الهمزة: للاستفهام وضعا، و شابها هنا التوبيخ و التقريع لأن المعنى: الإنكار، و عليهم توبيخهم على أن يأمر الشخص بخير، و يترك نفسه و نظيره في النهي، قول أبي الأسود:

لا تنه عن خلق و تأتي مثله‏

عار عليك إذا فعلت عظيم‏

و قول الآخر:

و ابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإن انتهت عنه فأنت حكيم‏

فيقبح في العقول أن يأمر الإنسان بخير و هو لا يأتيه، و أن ينهى عن سوء و هو يفعله.

و في تفسير البر هنا أقوال: الثبات على دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هم لا يتبعونه، أو اتباع التوراة و هم يخالفونها في جحدهم صفته. و روي عن قتادة و ابن جريج و السّدي: أو على الصدقة و يبخلون، أو على الصدق و هم لا يصدّقون، أو حض أصحابهم على الصلاة و الزكاة و لا يأتونهما. و قال السلمي: أ تطالبون الناس بحقائق المعاني و أنتم قلوبكم خالية عن ظواهر رسومها؟ و قال القشيري: أ تحرّضون الناس على البدار و ترضون بالتخلف؟ و قال: أ تدعون الخلق إلينا و تقعدون عنا؟ و ألفاظا من هذا المعنى. و أتى بالمضارع في: أ تأمرون، و إن كان قد وقع ذلك منهم لأنه يفهم منه في الاستعمال في كثير من المواضع: الديمومة و كثرة التلبس بالفعل، نحو قولهم: زيد يعطي و يمنع، و عبر عن ترك فعلهم بالنسيان مبالغة في‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 296

الترك، فكأنه لا يجري لهم على بال، و علق النساء بالأنفس توكيدا للمبالغة في الغفلة المفرطة.

وَ تَنْسَوْنَ‏ : معطوف على تأمرون، و المنعي عليهم جمعهم بين هاتين الحالتين من أمر الناس بالبر الذي في فعله النجاة الأبدية، و ترك فعله حتى صار نسيا منسيا بالنسبة إليهم. أَنْفُسَكُمْ‏ ، و الأنفس هنا: ذواتهم، و قيل: جماعتهم و أهل ملتهم، ثم قيد وقوع ذلك منهم بقوله: وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ‏ : أي أنكم مباشرو الكتاب و قارئوه، و عالمون بما انطوى عليه، فكيف امتثلتموه بالنسبة إلى غيركم؟ و خالفتموه أنفسكم؟ كقوله تعالى: وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ «1» . و الجملة حالية و لا يخفى ما في تصديرها بقوله: وَ أَنْتُمْ‏ ، من التبكيت لهم و التقريع و التوبيخ لأجل المخاطبة بخلافها لو كانت اسما مفردا. و الكتاب هنا: التوراة و الإنجيل، و فيهما النهي عن هذا الوصف الذميم، و هذا قول الجمهور. و قيل: الكتاب هنا القرآن، قالوا: و يكون قد انصرف من خطاب أهل الكتاب إلى خطاب المؤمنين، و يكون ذلك من تلوين الخطاب، مثل قوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ‏ «2» ، و في هذا القول بعد، إذ الظاهر أن هذا كله خطاب مع أهل الكتاب.

أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ : مذهب سيبويه و النحويين: أن أصل الكلام كان تقديم حرف العطف على الهمزة في مثل هذا و مثل‏ أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا* أثم إذا ما وقع، لكن لما كانت الهمزة لها صدر الكلام، قدمت على حرف العطف، و ذلك بخلاف هل. و زعم الزمخشري أن الواو و الفاء و ثم بعد الهمزة واقعة موقعها، و لا تقديم و لا تأخير، و يجعل بين الهمزة و حرف العطف جملة مقدرة يصح العطف عليها، و كأنه رأى أن الحذف أولى من التقديم و التأخير. و قد رجع عن هذا القول في بعض تصانيفه إلى قول الجماعة، و قد تكلمنا على هذه المسألة في شرحنا لكتاب التسهيل. فعلى قول الجماعة يكون التقدير: فألا تعقلون، و على قول الزمخشري يكون التقدير: أ تعقلون فلا تعقلون، أ مكثوا فلم يسيروا في الأرض، أو ما كان شبه هذا الفعل مما يصح أن يعطف عليه الجملة التي بعد حرف العطف، و نبههم بقوله: أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ ، على أن فيهم إدراكا شريفا يمنعهم من قبيح ما ارتكبوه من أمر غيرهم بالخير و نسيان أنفسهم عنه، و إن هذه حالة من سلب العقل، إذ العاقل ساع في‏

(1) سورة البقرة: 2/ 42.

صفحه بعد