کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 536
الثواب، و لم يعلموا استحقاق العذاب. و جواب لو محذوف تقديره: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ .
ذمّ ذلك لما باعوا أنفسهم.
وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا : قد تقدّم الكلام في لو و أقسامها، و هي هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، و يأتي الكلام على جوابها إن شاء اللّه. و قال الزمخشري: و يجوز أن يكون قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا تمنيا لإيمانهم، على سبيل المجاز، عن إرادة اللّه، إيمانهم و اختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدئ: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ، انتهى.
فعلى هذا لا يكون للو جواب لازم، لأنها قد تجاب إذا كانت للتمني بالفاء، كما يجاب ليت. إلا أن الزمخشري دس في كلامه هذا، و يحرجه مذهبه الاعتزالي، حيث جعل التمني كناية عن إرادة اللّه، فيكون المعنى: أن اللّه أراد إيمانهم، فلم يقع مراده، و هذا هو عين مذهب الاعتزال، و الطائفة الذين سموا أنفسهم عدلية:
قالوا يريد و لا يكون مراده
عدلوا و لكن عن طريق المعرفة
و أنهم آمنوا، يتقدّر بمصدر كأنه قيل: و لو إيمانهم، و هو مرفوع. فقال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء، أي و لو إيمانهم ثابت. و قال المبرد: هو مرفوع على الفاعلية، أي و لو ثبت إيمانهم. ففي كل من المذهبين حذف للمسند، و إبقاء المسند إليه. و الترجيح بين المذهبين مذكور في علم النحو، و الضمير في أنهم لليهود، أو الذين يعلمون السحر، قولان. و الإيمان و التقوى: الإيمان التام، و التقوى الجامعة لضروبها، أو الإيمان بمحمد و بما جاء به، و تقوى الكفر و السحر، قولان متقاربان.
لَمَثُوبَةٌ : اللام لام الابتداء، لا الواقعة في جواب لو، و جواب لو محذوف لفهم المعنى، أي لا ثيبوا، ثم ابتدأ على طريق الإخبار الاستئنافي، لا على طريق تعليقه بإيمانهم و تقواهم، و ترتبه عليهما، هذا قول الأخفش، أعني أن الجواب محذوف. و قيل:
اللام هي الواقعة في جواب لو، و الجواب: هو قوله: لَمَثُوبَةٌ ، أي الجملة الاسمية.
و الأول اختيار الراغب، و الثاني اختيار الزمخشري. قال: أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو، لما في ذلك من الدلالة على ثبوت المثوبة و استقرارها، كما عدل عن النصب إلى الرفع في: سلام عليكم لذلك، انتهى كلامه. و مختاره غير مختار، لأنه لم يعهد في لسان العرب وقوع الجملة الابتدائية جوابا للو، إنما جاء هذا المختلف في تخريجه. و لا تثبت القواعد الكلية بالمحتمل، و ليس مثل سلام عليكم، لثبوت رفع سلام
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 537
عليكم من لسان العرب. و وجه من أجاز ذلك قوله: بأن مثوبة مصدر يقع للماضي و الاستقبال، فصلح لذلك من حيث وقوعه للمضي. و قد تكلمنا على هذه المسألة في (كتاب التكميل) من تأليفنا، بأشبع من هذا. و قرأ الجمهور: لمثوبة بضم الثاء، كالمشورة.
و قرأ قتادة و أبو السمال و عبد اللّه بن بريدة: بسكون الثاء، كمشورة. و معنى قوله: لمثوبة، أي لثواب، و هو الجزاء و الأجر على الإيمان و التقوى بأنواع الإحسان. و قيل: لمثوبة:
لرجعة إلى اللّه خير.
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ : هذا الجار و المجرور في موضع الصفة، أي كائنة من عند اللّه.
و هذا الوصف هو المسوّغ لجواز الابتداء بالنكرة. و في وصف المثوبة بكونها من عند اللّه، تفخيم و تعظيم لها، و لمناسبة الإيمان و التقوى. لذلك، كان المعنى: أن الذي آمنتم به و اتقيتم محارمه، هو الذي ثوابكم منه على ذلك، فهو المتكفل بذلك لكم. و اكتفى بالتنكير في ذلك، إذ المعنى لشيء من الثواب.
قليلك لا يقال له قليل خَيْرٌ خبر لقوله: لمثوبة، و ليس خير هنا أفعل تفضيل، بل هي للتفضيل، لا للأفضلية. فهي كقوله: أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ ، و خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا .
فشركما لخيركما الفداء لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ : جواب لو محذوف: التقدير: لو كانوا يعلمون لكان تحصيل المثوبة خيرا، و يعني سبب المثوبة، و هو الإيمان و التقوى. و لذلك قدّره بعضهم لآمنوا، لأن من كان ذا علم و بصيرة، لم يخف عليه الحق، فهو يسارع إلى اتباعه، و لا الباطل، فهو يبالغ في اجتنابه. و مفعول يعلمون محذوف اقتصارا، فالمعنى: لو كانوا من ذوي العلم، أو اختصارا، فقدره بعضهم: لو كانوا يعلمون التفضيل في ذلك، و قدره بعضهم: لو كانوا يعلمون أن ما عند اللّه خير و أبقى. و قيل: العلم هنا كناية عن العمل، أي لو كانوا يعلمون بعلمهم، و لما انتفت ثمرة العلم الذي هو العمل، جعل العلم منتفيا.
و قد تضمنت هذه الآيات الشريفة ما كان عليه اليهود من خبث السريرة، و عدم التوفيق و الطواعية لأنبياء اللّه، و نصب المعاداة لهم، حتى انتهى ذلك إلى عداوتهم من لا يلحقه
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 538
ضرر عداوتهم، و هو من لا ينبغي أن يعادى، لأنه السفير بين اللّه و بين خلقه، و هو جبريل.
أتى بالقرآن المصدّق لكتابهم، و المشتمل على الهدى و البشارة لمن آمن به، فكان ينبغي المبادرة إلى ولائه و محبته. ثم أعقب ذلك بأن من كان عدوّا للّه، أي مخالفا لأمره و ملائكته و رسله، أي مبغضا لهم، فاللّه عدوّه، أي معامله بما يناسب فعله القبيح. ثم التفت إلى رسوله بالخطاب، فأخبره بأنه أنزل عليه آيات واضحات، و أنها لوضوحها، لا يكفر بها إلا متمرد في فسقه. ثم أخذ يسليه بأن عادة هؤلاء نكث عهودهم، فلا تبال بمن طريقته هذه، و أنهم سلكوا هذه الطريقة معك، إذ أتيتهم من عند اللّه تعالى بالرسالة، فنبذوا كتابه تعالى وراء ظهورهم، بحيث صاروا لا ينظرون فيه، و لا يلتفتون لما انطوى عليه من التبشير بك، و إلزامهم اتباعك، حتى كأنهم لم يطلعوا على الكتاب، و لا سبق لهم بك علم منه. ثم ذكر من مخازيهم أنهم تركوا كتاب اللّه و اتبعوا ما ألقت إليهم الشياطين من كتب السحر على عهد سليمان. ثم نزه نبيه سليمان عن الكفر، و أن الشياطين هم الذين كفروا. ثم استطرد في أخبار هاروت و ماروت، و أنهما لا يعلمان أحدا حتى ينصحاه بأنهما جعلا ابتلاء و اختبارا، و أنهما لمبالغتهما في النصيحة ينهيان عن الكفر. ثم ذكر أن قصارى ما يتعلمون منهما هو تفريق بين المرء و زوجه. ثم ذكر أن ضرر ذلك لا يكون إلا بإذن من اللّه تعالى، لأنه تعالى هو الضار النافع. ثم أثبت أن ما يتعلمون هو ضرر لملابسه و متعلمه. ثم أخبر أنهم قد علموا بحقيقة الضرر، و أن متعاطي ذلك لا نصيب له في الآخرة. ثم بالغ في ذم ما باعوا به أنفسهم، إذ ما تعوضوه مآله إلى الخسران.
ثم ختم ذلك بما لو سلكوه، و هو الإيمان و التقوى، لحصل لهم من اللّه الثواب الجزيل على ذلك، و أن جميع ما اجترموه من المآثم، و اكتسبوه من الجرائم، يعفى على آثاره جرّ ذيل الإيمان، و يبدّل بالإساءة جميل الإحسان. و لما كانت الآيات السابقة فيها ما يتضمن الوعيد من قوله: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ، و قوله: وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ ، و ذكر نبذ العهود، و نبذ كتاب اللّه، و اتباع الشياطين، و تعلم ما يضر و لا ينفع، و الإخبار عنهم بأنهم علموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة، أتبع ذلك بآية تتضمن الوعد الجميل لمن آمن و اتقى. فجمعت هذه الآيات بين الوعيد و الوعد، و الترغيب و الترهيب، و الإنذار و التبشير، و صار فيها استطراد من شيء إلى شيء، و إخبار بمغيب بعد مغيب، متناسقا تناسق اللآلئ في عقودها، متضحة اتضاح الدراري في مطالع سعودها، معلمة صدق من أتى بها، و هو ما قرأ الكتب، و لا دارس، و لا رحل، و لا عاشر الأخبار، و لا مارس
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 539
وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى «1» صلى اللّه عليه و أوصل أزكى تحية إليه.
[سورة البقرة (2): الآيات 104 الى 113]
(1) سورة النجم: 53/ 3- 5.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 540
الرعاية و المراعاة: النظر في مصالح الإنسان و تدبير أموره. و الرعونة و الرعن: الجهل و الهوج. ذو: يكون بمعنى صاحب، و تثنى، و تجمع، و تؤنث، و تلزم الإضافة لاسم جنس ظاهر. و في إضافتها إلى ضمير الجنس خلاف، المشهور: المنع، و لا خلاف أنه مسموع، لكن من منع ذلك خصه بالضرورة. و إضافته إلى العلم المقرون به في الوضع، أو الذي لا يقرن به في أول الوضع مسموع. فمن الأول قولهم: ذو يزن، و ذو جدن، و ذو رعين، و ذو الكلاع. فتجب الإضافة إذ ذاك. و من الثاني قولهم: في تبوك، و عمرو، و قطرى: ذو تبوك، و ذو عمرو، و ذو قطرى. و الأكثر أن لا يعتد بلفظ ذو، بل ينطق بالاسم عاريا من ذو. و ما جاء من إضافته لضمير العلم، أو لضمير مخاطب لا ينقاس، كقولهم: اللهم صل على محمد و على ذويه، و قول الشاعر:
و إنا لنرجو عاجلا منك مثل ما
رجوناه قدما من ذويك الأفاضل
و مذهب سيبويه: أن وزنه فعل، بفتح العين، و مذهب الخليل: أن وزنه فعل، بسكونها. و اتفقوا على أنه يجمع في التكسير على أفعال. قالوا: أذواء و ذو من الأسماء الستة التي تكون في الرفع بالواو، و في النصب بالألف، و في الجر بالياء. و إعراب ذو كذا لازم بخلاف غيرها من تلك الأسماء، فذلك على جهة الجوار. و فيما أعربت به هذه الأسماء عشرة مذاهب ذكرت في النحو، و قد جاءت ذو أيضا موصولة، و ذلك في لغة طيء، و لها أحكام، و لم تقع في القرآن. النسخ: إزالة الشيء بغير بدل يعقبه، نحو: نسخت الشمس الظل، و نسخت الريح الأثر. أو نقل الشيء من غير إزالة نحو: نسخت الكتاب، إذا نقلت ما فيه إلى مكان آخر. النسيئة: التأخير، نسأ ينسأ، و يأتي نسأ: بمعنى أمضى الشيء، قال الشاعر:
لمؤن كألواح الأران نسأتها
على لاحب كأنه ظهر برجد
الولي: فعيل للمبالغة، من ولي الشيء: جاوره و لصق به. الحسد: تمني زوال النعمة عن الإنسان، حسد يحسد حسدا و حسادة. الصفح: قريب معناه من العفو، و هو الإعراض عن المؤاخذة على الذنب، مأخوذ من تولية صفحة الوجه إعراضا. و قيل: هو التجاوز من قولك، تصفحت الورقة، أي تجاوزت عما فيها. و الصفوح، قيل: من أسماء اللّه، و الصفوح: المرأة تستر بعض وجهها إعراضا، قال:
صفوح فما تلقاك إلا بخيلة
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملت
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 541
تلك: من أسماء الإشارة، يطلق على المؤنثة في حالة البعد، و يقال: تلك و تيلك و تالك، بفتح التاء و سكون اللام، و بكسرها و ياء بعدها، و كسر اللام و بفتحها، و ألف بعدها و كسر اللام، قال:
إلى الجودي حتى صار حجرا
و حان لتالك الغمر انحسارا
هاتوا: معناه أحضروا، و الهاء أصلية لا بدل من همزة أتي، لتعديها إلى واحد لا يحفظ هاتي الجواب، و للزوم الألف، إذ لو كانت همزة لظهرت، إذ أزال موجب إبدالها، و هو الهمزة قبلها، فليس وزنها أفعل، خلافا لمن زعم ذلك، بل وزنها فاعل كرام. و هي فعل، خلافا لمن زعم أنها اسم فعل، و الدليل على فعليتها اتصال الضمائر بها. و لمن زعم أنها صوت بمنزلة هاء في معنى أحضر، و هو الزمخشري، و هو أمر و فعله متصرف. تقول:
هاتي يهاتي مهاتاة، و ليس من الأفعال التي أميت تصريف لفظه إلا الأمر منه، خلافا لمن زعم ذلك. و ليست ها للتنبيه دخلت على أتى فألزمت همزة أتى الحذف، لأن الأصل أن لا حذف، و لأن معنى هات و معنى ائت مختلفان. فمعنى هات أحضر، و معنى ائت أحضر.
و تقول: هات هاتي هاتيا هاتوا هاتين، تصرفها كرامي. البرهان: الدليل على صحة الدعوى، قيل: هو مأخوذ من البرة، و هو القطع، فتكون النون زائدة. و قيل: من البرهنة، و هي البيان، قالوا: برهن إذا بين، فتكون النون زائدة لفقدان فعلن و وجود فعلل، فينبني على هذا الاشتقاق. التسمية ببرهان، هل ينصرف أو لا ينصرف؟ الوجه: معروف، و يجمع قلة على أوجه، و كثرة على وجوه، فينقاس أفعل في فعل الاسم الصحيح العين، و ينقاس فعول في فعل الاسم ليس عينه واوا. اليهود: ملة معروفة، و الياء أصلية، فليست مادة الكلمة مادة هود من قوله: هُوداً أَوْ نَصارى* ، لثبوتها في التصريف يهده. و أما هوّده فمن مادة هود. قال الأستاذ أبو عليّ الشلوبين، و هو الإمام الذي انتهى إليه علم اللسان في زمانه: يهود فيها وجهان، أحدهما: أن تكون جمع يهودي، فتكون نكرة مصروفة. و الثاني:
أن تكون علما لهذه القبيلة، فتكون ممنوعة الصرف. انتهى كلامه. و على الوجه الأول دخلته الألف و اللام فقالوا: اليهود، إذ لو كان علما لما دخلته، و على الثاني قال الشاعر:
أولئك أولى من يهود بمدحة
إذا أنت يوما قلتها لم تؤنب
ليس: فعل ماض، خلافا لأبي بكر بن شقير، و للفارسي في أحد قوليه، إذ زعما أنها حرف نفي مثل ما، و وزنها فعل بكسر العين. و من قال: لست بضم اللام، فوزنها عنده
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 542
فعل بضم العين، و هو بناء نادر في الثلاثي اليائي العين، لم يسمع منه إلا قولهم: هيؤ الرجل، فهو هيىء، إذا حسنت هيئته. و أحكام ليس كثيرة مشروحة في كتب النحو.
الحكم: الفصل، و منه سمي القاضي: الحاكم، لأنه يفصل بين الخصمين. الاختلاف:
ضد الاتفاق.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : هذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة، بالنداء الدال على الإقبال عليهم، و ذلك أن أول نداء جاء أتى عامّا: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ «1» ، و ثاني نداء أتى خاصا: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا* «2» ، و هي الطائفة العظيمة التي اشتملت على الملتين: اليهودية و النصرانية، و ثالث نداء لأمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم المؤمنين.
فكان أول نداء عامّا، أمروا فيه بأصل الإسلام، و هو عبادة اللّه. و ثاني نداء، ذكروا فيه بالنعم الجزيلة، و تعبدوا بالتكاليف الجليلة، و خوّفوا من حلول النقم الوبيلة و ثالث نداء:
علموا فيه أدبا من آداب الشريعة مع نبيهم، إذ قد حصلت لهم عبادة اللّه، و التذكير بالنعم، و التخويف من النقم، و الاتعاظ بمن سبق من الأمم، فلم يبق إلا ما أمروا به على سبيل التكميل، من تعظيم من كانت هدايتهم على يديه. و التبجيل و الخطاب بيا أيها الذين آمنوا متوجه إلى من بالمدينة من المؤمنين، قيل: و يحتمل أن يكون إلى كل مؤمن في عصره.
و روي عن ابن عباس: أنه حيث جاء هذا الخطاب، فالمراد به أهل المدينة، و حيث ورد يا أيها الناس، فالمراد أهل مكة.
لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا : بدىء بالنهي، لأنه من باب التروك، فهو أسهل.
ثم أتى بالأمر بعده الذي هو أشق لحصول الاستئناس، قبل بالنهي. ثم لم يكن نهيا عن شيء سبق تحريمه، و لكن لما كانت لفظة المفاعلة تقتضي الاشتراك غالبا، فصار المعنى:
ليقع منك رعي لنا و منا رعي لك، و هذا فيه ما لا يخفى مع من يعظم نهوا عن هذه اللفظة لهذه العلة، و أمروا بأن يقولوا: انظرنا، إذ هو فعل من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، لا مشاركة لهم فيه معه.
و قراءة الجمهور: راعنا. و في مصحف عبد اللّه و قراءته، و قراءة أبي: راعونا، على إسناد الفعل لضمير الجمع. و ذكر أيضا أن في مصحف عبد اللّه: ارعونا. خاطبوه بذلك إكبارا و تعظيما، إذ أقاموه مقام الجمع. و تضمن هذا النهي، النهي عن كل ما يكون فيه استواء مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. و قرأ الحسن، و ابن أبي ليلى، و أبو حيوة، و ابن محيصن: راعنا بالتنوين، جعله
(1) سورة البقرة: 2/ 21.