کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 654

مبالغة في الشقاق الحاصل لهم بالتولي، و هذا كقوله: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ «1» ، إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ «2» ، هو أبلغ من قولك: زيد مشاق لعمرو، و زيد ضال، و بكر سفيه. و الشقاق هنا: الخلاف، قاله ابن عباس، أو العداوة، أو الفراق، أو المنازعة، قاله زيد بن أسلم، أو المجادلة، أو الضلال و الاختلاف، أو خلع الطاعة، قاله الكسائي؛ أو البعاد و الفراق إلى يوم القيامة. و هذه تفاسير للشقاق متقاربة المعنى. و قد ذكرنا مدار ذلك في المفردات على معنيين: إما من المشقة، و إما أن يصير في شق و صاحبه في شق، أي يقع بينهم خلاف. قال القاضي: و لا يكاد يقال في العداوة على وجه الحق شقاق، لأن الشقاق في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة اللّه و غضبه، و هذا وعيد لهم. انتهى.

فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ‏ : لما ذكر أن توليهم يترتب عليه الشقاق، و هو العداوة العظيمة، أخبر تعالى أن تلك العداوة لا يصلون إليك بشي‏ء منها، لأنه تعالى قد كفاه شرهم. و هذا الإخبار ضمان من اللّه لرسوله، كفايته و منعه منهم، و يضمن ذلك إظهاره على أعدائه، و غلبته إياهم، لأن من كان مشاقا لك غاية الشقاق هو مجتهد في أذاك، إذا لم يتوصل إلى ذلك، فإنما ذلك لظهورك عليه و قوّة منعتك منه، و هذا نظير قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ «3» . و كفاه اللّه أمرهم بالسبي و القتل في قريظة و بني قينقاع، و النفي في بني النضير، و الجزية في نصارى نجران. و عطف الجملة بالفاء مشعر بتعقب الكفاية عقيب شقاقهم، و المجي‏ء بالسين يدل على قرب الاستقبال، إذ السين في وضعها أقرب في التنفيس من سوف، و الذوات ليست المكفية، فهو على حذف مضاف، أي فسيكفيك شقاقهم، و المكفي به محذوف، أي بمن يهديه اللّه من المؤمنين، أو بتفريق كلمة المشاقين، أو بإهلاك أعيانهم و إذلال باقيهم بالسبي و النفي و الجزية، كما بيناه.

وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ ، مناسبة هاتين الصفتين: أن كلا من الإيمان و ضدّه مشتمل على أقوال و أفعال، و على عقائد ينشأ عنها تلك الأقوال و الأفعال، فناسب أن يختتم ذلك بهما، أي و هو السميع لأقوالكم، العليم بنياتكم و اعتقادكم. و لما كانت الأقوال هي الظاهرة لنا الدالة على ما في الباطن، قدّمت صفة السميع على العليم، و لأن العليم فاصلة أيضا.

و تضمنت هاتان الصفتان الوعيد، لأن المعنى، و هو السميع العليم، فيجازيكم بما يصدر منكم.

(1) سورة الأعراف: 7/ 60.

(2) سورة الأعراف: 7/ 66.

(3) سورة المائدة: 5/ 67.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 655

صِبْغَةَ اللَّهِ‏ : أي دين اللّه، قاله ابن عباس و سمي صبغة لظهور أثر الدين على صاحبه، كظهور أثر الصبغ على الثوب، و لأنه يلزمه و لا يفارقه، كالصبغ في الثوب، أو فطرة اللّه، قاله مجاهد و مقاتل؛ أو خلقة اللّه، قاله الزجاج و أبو عبيد؛ أو سنة اللّه، قاله أبو عبيدة؛ أو الإسلام، قاله مجاهد أيضا؛ أو جهة اللّه يعني القبلة، قاله ابن كيسان؛ أو حجة اللّه على عباده، قاله الأصم: أو الختان، لأنه يصبغ صاحبه بالدم. و النصارى إذا ولد لهم مولود غمسوه في السابع في ماء يقال له المعمودية، فيتطهر عندهم و يصير نصرانيا. استغنوا به عن الختان، فردّ اللّه عليهم بقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ‏ ، أو الاغتسال للدّخول في الإسلام عوضا عن ماء المعمودية، حكاه الماوردي؛ أو القربة إلى اللّه، حكاه ابن فارس في المجمل؛ أو التلقين، يقال: فلان يصبغ فلانا في الشي‏ء، أي يدخله فيه و يلزمه إياه، كما يجعل الصبغ لازما للثوب. و هذه أقوال متقاربة، و الأقرب منها هو الدين و الملة، لأن قبله:

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا الآية. و قد تضمنت هذه الآية أصل الدين الحنيفي، فكنى بالصبغة عنه، و مجازه ظهور الأثر، أو ملازمته لمن ينتحله. فهو كالصبغ في هذين الوصفين، كما قال. و كذلك الإيمان، حين تخالط بشاشة القلوب. و العرب تسمي ديانة الشخص لشي‏ء، و اتصافه به صبغة. قال بعض شعراء ملوكهم:

و كل أناس لهم صبغة

و صبغة همدان خير الصبغ‏

صبغنا على ذاك أبناءنا

فأكرم بصبغتنا في الصبغ‏

و قد روي عن ابن عباس أن الأصل في تسمية الدين صبغة: أن عيسى حين قصد يحيى بن زكريا فقال: جئت لأصبغ منك، و أغتسل في نهر الأردن. فلما خرج، نزل عليه روح القدس، فصارت النصارى يفعلون ذلك بأولادهم في كنائسهم، تشبيها بعيسى، و يقولون: الآن صار نصرانيا حقا. و زعموا أن في الإنجيل ذكر عيسى بأنه الصابغ.

و يسمون الماء الذي يغمسون فيه أولادهم: المعمودية، بالدال، و يقال: المعمورية بالراء.

قال: و يسمون ذلك الفعل التغميس، و منهم من يسميه الصبغ، فردّ اللّه ذلك بقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ‏ . و قال الراغب: الصبغة إشارة إلى ما أوجده في الناس من بدائه العقول التي ميزنا بها عن البهائم، و رشحنا بها لمعرفته و معرفة طلب الحق، و هو المشار إليه بالفطرة. و سمي ذلك بالصبغة من حيث أن قوى الإنسان، إذا اعتبرت، جرت مجرى الصبغة في المصبوغ، و لما كانت النصارى، إذا لقنوا أولادهم النصرانية يقولون: نصرناه، فقال: إن الإيمان بمثل ما آمنتم به صبغة اللّه.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 656

و قرأ الجمهور: صبغة اللّه بالنصب، و من قرأ برفع ملة، قرأ برفع صبغة، قاله الطبري. و قد تقدّم أن تلك قراءة الأعرج و ابن أبي عبلة. فأما النصب، فوجه على أوجه، أظهرها أنه منصوب انتصاب المصدر المؤكد عن قوله: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ‏ . و قيل: عن قوله: وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏ . و قيل: عن قوله: فَقَدِ اهْتَدَوْا و قيل: هو نصب على الإغراء، أي الزموا صبغة اللّه. و قيل: بدل من قوله: مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏ ، أما الإغراء فتنافره آخر الآية و هو قوله: وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ‏ ، إلا إن قدر هناك قول، و هو إضمار، لا حاجة تدعو إليه، و لا دليل من الكلام عليه. و أما البدل، فهو بعيد، و قد طال بين المبدل منه و البدل بجمل، و مثل ذلك لا يجوز. و الأحسن أن يكون منتصبا انتصاب المصدر المؤكد عن قوله: قُولُوا آمَنَّا ، فإن كان الأمر للمؤمنين، كان المعنى: صبغنا اللّه بالإيمان صبغة، و لم يصبغ صبغتكم. و إن كان الأمر لليهود و النصارى، فالمعنى: صبغنا اللّه بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا، و طهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا. و نظير نصب هذا المصدر نصب قوله:

صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ «1» ، إذ قبله: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ‏ «2» ، معناه: صنع اللّه ذلك صنعه، و إنما جي‏ء بلفظ الصبغة على طريق المشاكلة، كما تقول لرجل يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، يريد رجلا يصطنع الكرم. و أما قراءة الرفع، فذلك خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك الإيمان صبغة اللّه.

وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً : هذا استفهام و معناه: النفي، أي و لا أحد أحسن من اللّه صبغة. و أحسن هنا لا يراد بها حقيقة التفضيل، إذ صبغة غير اللّه منتف عنها الحسن، أو يراد التفضيل، باعتبار من يظن أن في صبغة غير اللّه حسنا، لا أن ذلك بالنسبة إلى حقيقة الشي‏ء. و انتصاب صبغة هنا على التمييز، و هو من التمييز المنقول من المبتدأ. و قد ذكرنا أن ذلك غريب، أعني نص النحويين على أن من التمييز المنقول تمييزا نقل من المبتدأ، و التقدير: و من صبغته أحسن من صبغة اللّه. فالتفضيل إنما يجري بين الصبغتين، لا بين الصابغين.

وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ‏ : متصل بقوله: آمَنَّا بِاللَّهِ‏ ، و معطوف عليه. قال الزمخشري: و هذا العطف يرد قول من زعم أن صبغة اللّه بدل من ملة، أو نصب على الإغراء، بمعنى: عليكم صبغة اللّه، لما فيه من فك النظم و إخراج الكلام عن التئامه‏

(1) سورة النمل: 27/ 88.

(2) سورة النمل: 27/ 88.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 657

و اتساقه. و انتصابها يعني: صبغة اللّه على أنها مصدر مؤكد، هو الذي ذكره سيبويه، و القول ما قالت حذام. انتهى. و تقديره: في الإغراء عليكم صبغة اللّه ليس بجيد، لأن الإغراء، إذا كان بالظرف و المجرور، لا يجوز حذف ذلك الظرف و لا المجرور، و لذلك حين ذكرنا وجه الإغراء قدرناه بألزموا صبغة اللّه. و تقدم الكلام على العبادة في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ «1» ، و أما هنا فقيل: عابدون موحدون، و منه: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏ «2» ، أي ليوحدون. و قيل: مطيعون متبعون ملة إبراهيم و صبغة اللّه. و قيل:

خاضعون مستكينون في اتباع ملة إبراهيم، غير مستكبرين، و هذه أقوال متقاربة.

قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ‏ : سبب النزول، قيل: إن اليهود و النصارى قالوا: يا محمد! إن الأنبياء كانوا منا، و على ديننا، و لم تكن من العرب، و لو كنت نبيا، لكنت منا و على ديننا. و قيل: حاجوا المسلمين فقالوا: نحن أبناء اللّه و أحباؤه و أصحاب الكتاب الأول، و قبلتنا أقدم، فنحن أولى باللّه منكم، فأنزلت. قرأ الجمهور: أ تحاجوننا بنونين، إحداهما نون الرفع، و الأخرى الضمير؟ و قرأ زيد بن ثابت، و الحسن، و الأعمش، و ابن محيصن: بإدغام النون في النون، و أجاز بعضهم حذف النون. أما قراءة الجمهور فظاهرة، و أما قراءة زيد و من ذكر معه، فوجهها أنه لما التقى مثلان، و كان قبل الأول حرف مدّ و لين، جاز الإدغام كقولك: هذه دار راشد، لأن المد يقوم مقام الحركة في نحو: جعل لك. و أما جواز حذف النون الأولى، فوجهه من أجاز ذلك على قراءة من قرأ: فبم تبشرون، بكسر النون، و أنشدوا:

تراه كالثغام يعل مسكا

يسوء الفاليات إذا قليني‏

يريد: قلينني. و الخطاب بقوله: قل للرسول، أو للسامع، و الهمزة للاستفهام مصحوبا بالإنكار عليهم، و الواو ضمير اليهود و النصارى. و قيل: مشركو العرب، إذ قالوا:

لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. و قيل: ضمير اليهود و النصارى و المشركين. و المحاجة هنا: المجادلة. و المعنى: أ تجادلوننا في شأن اللّه و اصطفائه النبي من العرب دونكم، و تقولون لو أنزل اللّه على أحد لأنزل علينا، و ترونكم أحق بالنبوّة منا؟

وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ‏ : جملة حالية، يعني أنه مالكهم كلهم، فهم مشتركون في العبودية، فله أن يخص من شاء بما شاء من الكرامة. و المعنى: أنه مع اعترافنا كلنا أنا مربوبون لرب‏

(1) سورة الفاتحة: 1/ 5.

(2) سورة الذاريات: 51/ 56.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 658

واحد، فلا يناسب الجدال فيما شاء من أفعاله، و ما خص به بعض مربوباته من الشرف و الزلفى، لأنه متصرف في كلهم تصرف المالك. و قيل المعنى: أ تجادلوننا في دين اللّه، و تقولون إن دينكم أفضل الأديان، و كتابكم أفضل الكتب؟ و الظاهر إنكار المجادلة في اللّه، حيث زعمت النصارى أن اللّه هو المسيح، و حيث زعم بعضهم أن اللّه ثالث ثلاثة، و حيث زعمت اليهود أن اللّه له ولد، و زعموا أنه شيخ أبيض الرأس و اللحية، إلى ما يدعونه فيه من سمات الحدوث و النقص، تعالى اللّه عن ذلك، فأنكر عليهم كيف يدعون ذلك، و الرب واحد لهم، فوجب أن يكون الاعتقاد فيه واحدا، و هو أن تثبت صفاته العلا، و ينزه عن الحدوث و النقص.

وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ‏ ، المعنى: و لنا جزاء أعمالنا، إن خيرا فخير، و إن شرا فشر. و المعنى: أن الرب واحد، و هو المجازي على الأعمال، فلا تنبغي المجادلة فيه و لا المنازعة. وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ‏ : و لما بين القدر المشترك من الربوبية و الجزاء، ذكر ما يميز به المؤمنون من الإخلاص للّه تعالى في العمل و الاعتقاد، و عدم الإشراك الذي هو موجود في النصارى و في اليهود، لأن من عبد موصوفا بصفات الحدوث و النقص، فقد أشرك مع اللّه إلها آخر. و المعنى: أنا لم نشب عقائدنا و أفعالنا بشي‏ء من الشرك، كما ادعت اليهود في العجل، و النصارى في عيسى. و هذه الجملة من باب التعريض بالذم، لأن ذكر المختص بعد ذكر المشترك نفي لذلك المختص عمن شارك في المشترك، و يناسب أن يكون استطرادا، و هو أن يذكر معنى يقتضي أن يكون مدحا لفاعله و ذما لتاركه، نحو قوله:

و أنا لقوم ما نرى القتل سبة

إذا ما رأته عامر و سلول‏

و هي منبهة على أن من أخلص للّه، كان حقيقا أن يكون منهم الأنبياء و أهل الكرامة، و قد كثرت أقوال أرباب المعاني في الإخلاص.

فروي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «سألت جبريل عن الإخلاص ما هو؟ فقال: سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ فقال: سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي».

و قال سعيد بن جبير: الإخلاص: أن لا يشرك في دينه، و لا يرائي في عمله أحدا. و قال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، و العمل من أجل الناس شرك، و الإخلاص أن يعافيك اللّه منهما. و قال ابن معاذ:

تمييزا لعمل من الذنوب، كتمييز اللبن من بين الفرث و الدم. و قال البوشنجي: هو معنى لا يكتبه الملكان، و لا يفسده الشيطان، و لا يطلع عليه الإنسان، أي لا يطلع عليه إلا اللّه.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 659

و قال رويم: هو ارتفاع عملك عن الرؤية. و قال حذيفة المرعشي: أن تستوي أفعال العبد في الظاهر و الباطن. و قال أبو يعقوب المكفوف: أن يكتم العبد حسناته، كما يكتم سيئاته.

و قال سهل: هو الإفلاس، و معناه أن يرجع إلى احتقار العمل. و قال أبو سليمان الداراني:

للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، و ينشط إذا كان في الناس، و يزيد في العمل إذا أثني عليه. و هذا القول الذي أمر به صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقوله على وجه الشفقة و النصيحة في الدين، لينبهوا على أن تلك المجادلة منكم ليست واقعة موقع الصحة، و لا هي مما ينبغي أن تكون. و ليس مقصودنا بهذا التنبيه دفع ضرر منكم، و إنما مقصودنا نصحكم و إرشادكم إلى تخليص اعتقادكم من الشرك، و أن تخلصوا كما أخلصنا، فنكون سواء في ذلك.

أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏ : قرأ ابن عامر، و حمزة، و الكسائي، و حفص: أم تقولون بالتاء، و قرأ الباقون بالياء. فأما قراءة التاء، فيحتمل أم فيه وجهين. أحدهما: أن تكون فيه أم متصلة، فالاستفهام عن وقوع أحد هذين الأمرين: المحاجة في اللّه، و الادعاء على إبراهيم و من ذكر معه، أنهم كانوا يهودا و نصارى، و هو استفهام صحبه الإنكار و التقريع و التوبيخ، لأن كلا من المستفهم عنه ليس بصحيح. الوجه الثاني: أن تكون أم فيه منقطعة، فتقدّر ببل و الهمزة، التقدير: بل أ تقولون، فأضرب عن الجملة السابقة، و انتقل إلى الاستفهام عن هذه الجملة اللاحقة، على سبيل الإنكار أيضا، أي أن نسبة اليهودية و النصرانية لإبراهيم و من ذكر معه، ليست بصحيحة، بشهادة القول الصدق الذي أتى به الصادق من قوله تعالى: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا «1» ، و بشهادة التوراة و الإنجيل على أنهم كانوا على التوحيد و الحنيفية، و بشهادة أن اليهودية و النصرانية لمن اقتفى طريقة عيسى، و بأن ما يدعونه من ذلك قول بلا برهان، فهو باطل. و أما قراءة الياء، فالظاهر أن أم فيها منقطعة.

و حكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عن بعض النحاة: أنها ليست بمنقطعة، لأنك إذا قلت: أتقوم أم يقوم عمرو؟ فالمعنى: أ يكون هذا أم هذا؟ و قال ابن عطية: هذا المثال يعني: أتقوم أم يقوم عمرو؟ غير جيد، لأن القائل فيه واحد، و المخاطب واحد، و القول في الآية من اثنين، و المخاطب اثنان غير أن، و إنما يتجه معادلة أم للألف على الحكم المعنوي، كان معنى قل أ تحاجوننا، أ يحاجون يا محمد، أم يقولون؟ انتهى. و معنى بقوله:

لأن القائل فيه واحد، يعني في المثال الذي هو: أ يقوم أم يقوم عمرو؟ فالناطق بهاتين‏

(1) سورة آل عمران: 3/ 67.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 660

الجملتين هو واحد، و قوله و المخاطب واحد، يعني الذي خوطب بهذا الكلام، و المعادلة وقعت بين قيام المواجه بالخطاب و بين قيام عمرو و قوله. و القول في الآية من اثنين، يعني أن أ تحاجوننا من قول الرسول، إذ أمر أن يخاطبهم بذلك، و أ تقولون بالتاء من قول اللّه تعالى. و قوله و المخاطب اثنان غير أن، أما الأول فقوله أ تحاجوننا، و أما الثاني فهو للرسول و أمته الذين خوطبوا بقوله: أم يقولون. و قال الزمخشري: و فيمن قرأ بالياء، لا تكون إلا منقطعة. انتهى. و يمكن الاتصال فيها مع قراءة التاء، و يكون ذلك من الالتفات، إذ صار فيه خروج من خطاب إلى غيبة، و الضمير لناس مخصوصين. و الأحسن أن تكون أم في القراءتين معا منقطعة، و كأنه أنكر عليهم محاجتهم في اللّه و نسبة أنبيائه لليهودية و النصرانية، و قد وقع منهم ما أنكر عليهم. ألا ترى إلى قوله تعالى: قل‏ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ‏ «1» الآيات. و إذا جعلناها متصلة، كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين، بل إحداهما، و صار السؤال عن تعيين إحداهما، و ليس الأمر كذلك، إذ وقعا معا. و القول في أو في قول: هُوداً أَوْ نَصارى‏ ، قد تقدّم في قوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ . و قوله: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏ ، و أنها للتفصيل، أي قالت اليهود: هم يهود، و قالت النصارى: هم نصارى.

قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ‏ : القول في القراءات في أ أنتم، كهو في قوله: أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ* «2» ، و قد توسط هنا المسئول عنه، و هو أحسن من تقدمه و تأخره، إذ يجوز في العربية أن يقول: أ أعلم أنتم أم اللّه؟ و يجوز: أ أنتم أم اللّه أعلم؟ و لا مشاركة بينهم و بين اللّه في العلم حتى يسأل: أهم أزيد علما أم اللّه؟ و لكن ذلك على سبيل التهكم بهم و الاستهزاء، و على تقدير أن يظن بهم علم، و هذا نظير قول حسان:

فشركما لخيركما الفداء و قد علم أن الذي هو خير كله، هو الرسول عليه السلام، و أن الذي هو شر كله، هو هاجيه. و في هذا ردّ على اليهود و النصارى، لأن اللّه قد أخبر بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ «3» ، و لأن اليهودية و النصرانية إنما حدثتا بعد إبراهيم، و لأنه أخبر في التوراة و الإنجيل أنهم كانوا مسلمين مميزين عن‏

(1) سورة آل عمران: 3/ 65.

(2) سورة البقرة: 2/ 6.

صفحه بعد