کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج2، ص: 5
الجزء الثاني
[تتمة سورة البقرة]
[سورة البقرة (2): الآيات 142 الى 157]
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
البحر المحيط فى التفسير، ج2، ص: 6
القبلة: الجهة التي يستقبلها الإنسان، و هي من المقابلة. و قال قطرب: يقولون في كلامهم ليس له قبلة، أي جهة يأوي إليها. و قال غيره: إذا تقابل رجلان، فكل واحد منهما قبلة الآخر. و جاءت القبلة، و إن أريد بها الجهة، على وزن الهيئات، كالقعدة و الجلسة.
الوسط: اسم لما بين الطرفين وصف به، فأطلق على الخيار من الشيء، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل، و لكونه اسما كان للواحد و الجمع و المذكر و المؤنث بلفظ واحد. و قال حبيب: كانت هي الوسط المحمّي، فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا. و وسط الوادي: خير موضع فيه، و أكثره كلأ و ماء. و يقال: فلان من أوسط قومه، و أنه لواسطة قومه، و وسط قومه: أي من خيارهم، و أهل الحسب فيهم. و قال زهير:
و هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
و قد وسط سطة و وساطة، و قال :
و كن من الناس جميعا وسطا
و أما وسط، بسكون السين، فهو طرف المكان، و له أحكام مذكورة في النحو. أضاع
البحر المحيط فى التفسير، ج2، ص: 7
الرجل الشيء: أهمله و لم يحفظه، و الهمزة فيه للنقل من ضاع يضيع ضياعا، وضاع المسك يضوع: فاح. الانقلاب: الانصراف و الارتجاع، و هو للمطاوعة، قلبته فانقلب.
عقب الرجل: معروف، و العقب: النسل، و يقال: عقب، بسكون القاف. الرأفة و الرحمة:
متقاربان في المعنى. و قيل: الرأفة أشد الرحمة، و اسم الفاعل جاء للمبالغة على فعول، كضروب، و جاء على فعل، كحذر، و جاء على فعل، كندس، و جاء على فعل، كصعب.
التقلب: التردّد، و هو للمطاوعة، قلبته فتقلب. الشطر: النصف، و الجزء من الشيء و الجهة، قال الشاعر:
ألا من مبلغ عني رسولا
و ما تغني الرسالة شطر عمرو
أي نحوه، و قال الشاعر:
أقول لأمّ زنباع أقيمي
صدور العيس شطر بني تميم
و قال:
و قد أظلكم من شطر ثغركم
هول له ظلم يغشاكم قطعا
و قال ابن أحمر:
تعدو بنا شطر نجد و هي عاقدة
قد كارب العقد من إيقاده الحقبا
و قال آخر:
و أظعن بالقوم شطر الملوك أي نحوهم، و قال:
إن العشير بها داء مخامرها
و شطرها نظر العينين مسجور
و يقال: شطر عنه: بعد، و شطر إليه: أقبل، و الشاطر من الشباب: البعيد من الجيران، الغائب عن منزله. يقال: شطر شطورا، و الشطير: البعيد، منزل شطير: أي بعيد. الحرام و الحرم و الحرم: الممتنع، و قد تقدّم الكلام في ذلك في قوله: وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ «1» الامتراء: افتعال من المرية، و هي الشك. امترى في الشيء: شك فيه، و منه المراء. ماريته أي جادلته و شاككته فيما يدعيه. و افتعل: بمعنى تفاعل. تقول:
(1) سورة البقرة: 2/ 85.
البحر المحيط فى التفسير، ج2، ص: 8
تمارينا و امترينا فيه، كقولك: تحاورنا و احتورنا. وجهة، قال قوم، منهم المازني و المبرد و الفارسي: إن وجهة اسم للمكان المتوجه إليه، فعلى هذا يكون إثبات الواو أصلا، إذ هو اسم غير مصدر. قال سيبويه: و لو بنيت فعلة من الوعد لقلت وعدة، و لو بنيت مصدرا لقلت عدة. و ذهب قوم، منهم المازني، فيما نقل المهدوي إلى أنه مصدر، و هو الذي يظهر من كلام سيبويه. قال، بعد ما ذكر حذف الواو من المصادر، و قد أثبتوا فقالوا: وجهة في الجهة، فعلى هذا يكون إثبات الواو شاذا، منبهة على الأصل المتروك في المصادر.
و الذي سوّغ عندي إقرار الواو، و إن كان مصدرا، أنه مصدر ليس بجار على فعله، إذ لا يحفظ وجه يجه، فيكون المصدر جهة. قالوا: وعد يعد عدة، إذ الموجب لحذف الواو من عدة هو الحمل على المضارع، لأن حذفها في المضارع لعلة مفقودة في المصدر. و لما فقد يجه، و لم يسمع، لم يحذف من وجهة، و إن كان مصدرا، لأنه ليس مصدرا ليجه، و إنما هو مصدر على حذف الزوائد، لأن الفعل منه: توجه و اتجه. فالمصدر الجاري هو التوجه و الاتجاه، و إطلاقه على المكان المتوجه إليه هو من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول.
الاستباق: افتعال من السبق، و هو الوصول إلى الشيء أولا، و يكون افتعل منه، إما لموافقة المجرد، فيكون معناه و معنى سبق واحدا، أو لموافقة تفاعل، فيكون استبق و تسابق بمعنى واحد. الخيرات: جمع خيرة، و يحتمل أن يكون بناء على فعلة، أو بناء على فيعلة، فحذف منه، كالميتة و اللينة. و قد تقدّم القول في هذا الحذف، قالوا: رجل خير، و امرأة خيرة، كما قالوا: رجل شر، و امرأة شرّة، و لا يكونان إذ ذاك أفعل التفضيل. الجوع:
القحط، و أما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها: الغرث. يقال: غرث يغرث غرثا، فهو غرث و غرثان، قال:
مغرّثة زرقا كأن عيونها
من الذمر و الإيحاء نوّار عضرس
و قد استعمل المحدثون في الغرث: الجوع اتساعا.
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها : سبب نزول هذه الآية ما
رواه البخاري، عن البراء بن عازب قال: لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا. و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية.