کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 102
قال الزمخشري: لكن الحمل على الابتداء و الخبر أوقع في المعنى، لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم، و أثبت لموافقة قراءة العامة. انتهى.
و: لو، هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، و جوابها محذوف، و مفعول: تود، محذوف، و التقدير: تود تباعد ما بينهما لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا لسرت بذلك، و هذا الإعراب و التقدير هو على المشهور في: لو، و: أن، و ما بعدها في موضع مبتدأ على مذهب سيبويه، و في موضع فاعل على مذهب أبي العباس.
و أمّا على قول من يذهب إلى أن: لو، بمعنى: أن، و أنها مصدرية فهو بعيد هنا لولايتها أن و أن مصدرية، و لا يباشر حرف مصدري حرفا مصدريا إلّا قليلا، كقوله تعالى مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ «1» و الذي يقتضيه المعنى أن: لو أن، و ما يليها هو معمول: لتودّ، في موضع المفعول به. قال الحسن: يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا، ذلك معناه.
و معنى أمدا بعيدا: غاية طويلة، و قيل: مقدار أجله، و قيل: قدر ما بين المشرق و المغرب.
وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ . كرر التحذير للتوكيد و التحريض على الخوف من اللّه بحيث يكونون ممتثلي أمره و نهيه.
وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ لما ذكر صفة التخويف و كررها، كان ذلك مزعجا للقلوب، و منبها على إيقاع المحذور مع ما قرن بذلك من اطلاعه على خفايا الأعمال و احضاره لها يوم الحساب، و هذا هو الاتصاف بالعلم و القدرة اللذين يجب أن يحذر لأجلهما، فذكر صفة الرحمة ليطمع في إحسانه، و ليبسط الرجاء في أفضاله، فيكون ذلك من باب ما إذا ذكر ما يدل على شدّة الأمر، ذكر ما يدل على سعة الرحمة، كقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «2» و تكون هذه الجملة أبلغ في الوصف من جملة التخويف، لأن جملة التخويف جاءت بالفعل الذي يقتضي المطلق و لم يتكرر فيها اسم اللّه، و جاء المحذر مخصوصا بالمخاطب فقط، و هذه الجملة جاءت اسمية، فتكرر فيها اسم اللّه، إذ الوصف محتمل ضميره تعالى، و جاء المحكوم به على وزن فعول المقتضي للمبالغة و التكثير، و جاء بأخص ألفاظ الرحمة و هو: رؤوف، و جاء متعلقه عاما ليشمل المخاطب
(1) سورة الذاريات: 51/ 23.
(2) سورة الأنعام: 6/ 165 و الأعراف: 7/ 167.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 103
و غيره، و بلفظ العباد ليدل على الإحسان التام، لأن المالك محسن لعبده و ناظر له أحسن نظر، إذ هو ملكه.
قالوا: و يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير، أي: أن تحذيره نفسه و تعريفه حالها من العلم و القدرة من الرأفة العظيمة بالعباد، لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة و حذروا دعاهم ذلك إلى طلب رضاه و اجتناب سخطه. و عن الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه، و قال الحوفي: جعل تحذيرهم نفسه إياه، و تخويفهم عقابه رأفة بهم، و لم يجعلهم في عمى من أمرهم. و روي عن ابن عباس هذا المعنى أيضا، و الكلام محتمل لذلك، لكن الأظهر الأول، و هو أن يكون ابتداء إعلامه بهذه الصفة على سبيل التأنيس و الإطماع لئلا يفرط الوعيد على قلب المؤمن.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . نزلت في اليهود، قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ «1» أو: في قول المشركين ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «2» قالوا ذلك، و قد نصبت قريش أصنامها يسجدون لها،
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «يا معشر قريش! لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم»
و كلا هذين القولين عن ابن عباس.
و قال الحسن، و ابن جريج: في قوم قالوا: إنا لنحب ربنا حبا شديدا. و قال محمد بن جعفر بن الزبير: في وفد نجران حيث قالوا: إنا نعظم المسيح حبا للّه. انتهى.
و لفظ الآية يعم كل من ادّعى محبة اللّه، فمحبة العبد للّه عبارة عن ميل قلبه إلى ما حدّه له تعالى و أمره به، و العمل به و اختصاصه إياه بالعبادة، و محبته تعالى للعبد تقدّم الكلام عليها، و هل هي من صفات الذات أم من صفات الفعل، فأغنى عن إعادته. رتب تعالى على محبتهم له اتباع رسوله محبته لهم، و ذلك أن الطريق الموصل إلى رضاه تعالى إنما هو مستفاد من نبيه، فإنه هو المبين عن اللّه، إذ لا يهتدي لعقل إلى معرفة أحكام اللّه في العبادات، و لا في غيرها، بل رسوله صلّى اللّه عليه و سلم هو الموضح لذلك، فكان اتباعه فيما أتى به احتماء لمن يحب أن يعمل بطاعة اللّه تعالى.
و قرأ الجمهور: تحبون، و يحببكم، من أحب. و قرأ أبو رجاء العطاردي: تحبون و يحببكم، بفتح التاء و الياء من حب، و هما لغتان و قد تقدّم ذكرهما. و ذكر الزمخشري أنه قرىء: يحبكم، بفتح الياء و الإدغام.
(1) سورة المائدة: 5/ 18.
(2) سورة الزمر: 39/ 3.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 104
و قرأ الزهري: فاتبعوني، بتشديد النون، ألحق فعل الأمر نون التوكيد و أدغمها في نون الوقاية، و لم يحذف الواو شبها: بأتحاجوني، و هذا توجيه شذوذ. قال الزمخشري:
أراد أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل، فمن ادّعى محبته و خالف سنة رسوله فهو كذاب، و كتاب اللّه يكذبه.
ثم ذكر من يذكر محبة اللّه، و يصفق بيديه مع ذكرها، و يطرب و ينعر و يصفق، و قبح من فعله هذا، وزري على فاعل ذلك بما يوقف عليه في كتابه.
و روي عن أبي عمرو إدغام: راء، و: يغفر لكم، في لام: لكم، و ذكر ابن عطية عن الزجاج أن ذلك خطأ و غلط ممن رواها عن أبي عمرو، و قد تقدّم لنا الكلام على ذلك، و ذكرنا أن رؤساء الكوفة: أبا جعفر الرؤاسي، و الكسائي، و الفراء رووا ذلك عن العرب، و رأسان من البصريين و هما: أبو عمرو، و يعقوب قرآ بذلك و روياه، فلا التفات لمن خالف في ذلك.
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ هذا توكيد لقوله: فاتبعوني، و
روي عن ابن عباس أنه لما نزل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ قال عبد اللّه بن أبي لاصحابه: إن محمدا يجعل طاعته كطاعة اللّه، و يأمر بأن نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم، فنزل قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ .
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ يحتمل أن يكون: تولوا، ماضيا. و يحتمل أن يكون مضارعا حذفت منه التاء، أي: فإن تتولوا، و المعنى: فإن تولوا عما أمروا به من اتباعه و طاعته فإن اللّه لا يحب من كان كافرا. و جعل من لم يتبعه و لم يطعه كافرا، و تقييد انتفاء محبة اللّه بهذا الوصف الذي هو الكفر مشعر بالعلية، فالمؤمن العاصي لا يندرج في ذلك.
قيل: و في هذه الآيات من ضروب الفصاحة و فنون البلاغة الخطاب العام الذي سببه خاص. في قوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ و التكرار، في قوله: المؤمنون من دون المؤمنين، و في قوله: من اللّه، و يحذركم اللّه نفسه، و إلى اللّه، و في: يعلمه اللّه، و يعلم، و في قوله: يعلمه اللّه، و اللّه على، و في قوله: ما عملت، و ما عملت، و في قوله: اللّه نفسه، و اللّه، و في قوله: و يحذركم اللّه، و اللّه رؤوف، و في قوله: تحبون اللّه، يحببكم اللّه، و اللّه غفور، قل أطيعوا اللّه، فإن اللّه.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 105
و التجنيس المماثل في: تحبون و يحببكم، و التجنيس المغاير، في: تتقوا منهم تقاه، و في يغفر لكم و غفور.
و الطباق في: تخفوا و تبدوه، و في: من خير و من سوء، و في: محضرا و بعيدا.
التعبير بالمحل عن الشيء في قوله: ما في صدوركم، عبر بها عن القلوب، قال تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ «1» الآية.
و الإشارة في قوله: و من يفعل ذلك، الآية. أشار إلى انسلاخهم من ولاية اللّه.
و الاختصاص في قوله: ما في صدوركم، و في قوله: ما في السموات و ما في الأرض.
و التأنيس بعد الإيحاش في قوله: و اللّه رؤوف بالعباد.
و الحذف في عدة مواضع تقدم ذكرها في التفسير.
[سورة آلعمران (3): الآيات 33 الى 41]
(1) سورة الحج: 22/ 46.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 106
نوح: اسم أعجمي مصروف عند الجمهور و إن كان فيه ما كان يقتضي منع صرفه و هو: العلمية و العجمة الشخصية، و ذلك لخفة البناء بكونه ثلاثيا ساكن الوسط لم يضف إليه سبب آخر، و من جوز فيه الوجهين فبالقياس على هذا لا بالسماع، و من ذهب إلى أنه مشتق من النواح فقوله ضعيف، لأن العجمة لا يدخل فيها الاشتقاق العربي إلّا إن ادعى أنه مما اتفقت فيه لغة العرب و لغة العجم، فيمكن ذلك. و يسمى: آدم الثاني و اسمه السكن، قاله غير واحد، و هو ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ بن سارد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم.
عمران: اسم أعجمي ممنوع الصرف للعلمية و العجمة، و لو كان عربيا لا متنع أيضا للعلمية، و زيادة الألف و النون إذ كان يكون اشتقاقه من العمر واضحا.
محررا: اسم مفعول من حرر، و يأتي اختلاف المفسرين في مدلوله في الآية، و التحرير: العتق، و هو تصيير المملوك حرا.
الوضع: الحط و الإلقاء، تقول: وضع يضع وضعا وضعة، و منه الموضع.
الأنثى و الذكر: معروفان، و ألف أنثى للتأنيث، و جمعت على إناث، كربى و رباب، و قياس الجمع: أناثى، كحبلى و حبالى. و جمع الذكر: ذكور و ذكران.
مريم: اسم عبراني، و قيل عربي جاء شاذا: كمدين، و قياسه: مرام كمنال، و معناه في العربية التي تغازل الفتيان، قال الراجز:
قلت لزيد لم تصله مريمه عاذ بكذا: اعتصم به، عوذا و عياذا و معاذا و معاذة و معناه: التجأ و اعتصم و قيل:
اشتقاقه من العوذ و هو: عوذ يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 107
رجم: رمى و قذف، و منه رَجْماً بِالْغَيْبِ «1» أي: رميا به من غير تيقن، و الحديث المرجم هو: المظنون ليس فيه يقين.
و الرجيم: يحمل أن يكون للمبالغة من فاعل، أي إنه يرمي و يقذف بالشر و العصيان في قلب ابن آدم، و يحتمل أن يكون بمعنى: مرجوم، أي يرجم بالشهب أو يبعد و يطرد.
الكفالة: الضمان، يقال: كفل يكفل فهو كافل و كفيل، هذا أصله ثم يستعار للضم و القيام على الشيء.
زكريا: أعجمي شبه بما فيه الألف الممدودة و الألف المقصورة فهو ممدود و مقصور، و لذلك يمتنع صرفه نكرة، و هاتان اللغتان فيه عند أهل الحجاز، و لو كان امتناعه للعلمية و العجمة انصرف نكرة. و قد ذهب إلى ذلك أبو حاتم، و هو غلط منه، و يقال: ذكرى بحذف الألف، و في آخره ياء كياء بحتى، منونة فهو منصرف، و هي لغة نجد، و وجهه فيما قال أبو علي: إنه حذف ياءي الممدود و المقصور، و ألحقه ياءي النسب يدل على ذلك صرفه، و لو كانت الياءان هما اللتين كانتا في زكريا لوجب أن لا يصرف للعجمة و التعريف.
انتهى كلامه. و قد حكي: ذكر على وزن: عمر، و حكاها الأخفش.
المحراب: قال أبو عبيدة: سيد المجالس و أشرفها و مقدمها، و كذلك هو من المسجد، و قال الاصمعي: الغرفة و قال:
و ماذا عليه إن ذكرت أوانسا
كغزلان رمل في محاريب أقيال
شرحه الشراح في غرف أقيال. و قال الزجاج: الموضع العالي الشريف. و قال أبو عمرو بن العلاء: القصر، لشرفه و علوه. و قيل: المسجد. و قيل: محرابه المعهود سمي بذلك لتحارب الناس عليه و تنافسهم فيه، و هو مقام الإمام من المسجد.
هنا: اسم إشارة للمكان القريب، و التزم فيه الظرفية إلّا أنه يجر بحرف الجر، فإن ألحقته كاف الخطاب دل على المكان البعيد. و بنو تميم تقول: هناك، و يصح دخول حرف التنبيه عليه إذا لم تكن فيه اللام، و قد يراد بها ظرف الزمان.
النداء: رفع الصوت، و فلان أندى صوتا، أي أرفع، و دار الندوة لأنهم كانوا ترتفع أصواتهم بها، و المنتدى و النادي مجتمع القوم منه، و يقال: نادى مناداة و نداء و نداء، بكسر النون و ضمها. قيل: فبالكسر المصدر، و بالضم اسم، و أكثر ما جاءت الأصوات على
(1) سورة الكهف: 18/ 22.
البحر المحيط فى التفسير، ج3، ص: 108
الضم: كالدعاء و الرغاء و الصراخ. و قال يعقوب: يمد مع كسر النون، و يقصر مع ضمها.
و الندى: المطر، يقال منه ندى يندى ندى.
يحيى: اسم أعجمي امتنع الصرف للعجمة و العلمية، و قيل: هو عربي، و هو فعل مضارع من: حيى، سمي به فامتنع الصرف للعلمية و وزن الفعل، و على القولين يجمع على: يحيون، بحذف الألف و فتح ما قبلها على مذهب الخليل، و سيبويه و نقل عن الكوفيين: إن كان عربيا فتحت الياء، و إن كان أعجميا ضمت الياء.
سيد: فيعل من: ساد، أي: فاق في الشرف، و تقدم الكلام في نظير هذا، و جمعه على: فعلة، فقالوا: سادة، شاذ. و قال الراغب: هو السايس بسواد الناس، أي: معظمهم، و لهذا يقال: سيد العبد، و لا يقال سيد الثوب. انتهى.
الحصور: فعول من الحصر، و هو للمبالغة من حاصر و قيل: فعول بمعنى مفعول، أي محصور، و هو في الآية بمعنى الذي لا يأتي النساء.
الغلام: الشاب من الناس، و هو الذي طرّ شاربه، و يطلق على الطفل على سبيل التفاؤل، و على الكهل. و منه قول ليلى الأخيلية:
شفاها من الداء العضال الذي بها
غلام إذا هز القناة سقاها
تسمية بما كان عليه قبل الكهولة، و هو من الغلمة و الاغتلام، و ذلك شدة طلب النكاح.
و يقال: اغتلم الفحل: هاج من شدة شهوة الضراب، و اغتلم البحر: هاج و تلاطمت أمواجه، و جمعه على: غلمة، شاذ و قياسه في القلة: أغلمة، و جمع في الكثرة على:
غلمان، و هو قياسه.
الكبر، مصدر: كبر يكبر من السن قال:
صغيرين نرعى البهم يا ليت إننا
إلى اليوم لم نكبر و لم تكبر البهم
العاقر: من لا يولد له من رجل أو امرأة، و فعله لازم، و العاقر اسم فاعل من عقر أي: قتل، و هو متعد.
الرمز: الإشارة باليد أو بالرأس أو بغيرهما، و أصله التحرك يقال ارتمز تحرك و منه قيل للبحر الراموز.