کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البرهان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

1 - باب في فضل العالم و المتعلم 2 - باب في فضل القرآن 3 - باب في الثقلين 4 - باب في أن ما من شي‏ء يحتاج إليه العباد إلا و هو في القرآن، و فيه تبيان كل شي‏ء 5 - باب في أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا الأئمة(عليهم السلام)، و عندهم تأويله 6 - باب في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، و النهي عن الجدال فيه 7 - باب في أن القرآن له ظهر و بطن، و عام و خاص، و محكم و متشابه، و ناسخ و منسوخ، و النبي(صلى الله عليه و آله) و أهل بيته(عليهم السلام) يعلمون ذلك، و هم الراسخون في العلم 8 - باب في ما نزل عليه القرآن من الأقسام 9 - باب في أن القرآن نزل ب(إياك أعني و اسمعي يا جارة) 10 - باب في ما عنى به الأئمة(عليهم السلام) في القرآن 11 - باب آخر 12 - باب في معنى الثقلين و الخليفتين من طريق المخالفين 13 - باب في العلة التي من أجلها أتى القرآن باللسان العربي، و أن المعجزة في نظمه، و لم صار جديدا على مر الأزمان؟ 14 - باب أن كل حديث لا يوافق القرآن فهو مردود 15 - باب في أول سورة نزلت و آخر سورة 16 - باب في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب 17 - باب في ما ذكره الشيخ علي بن إبراهيم في مطلع تفسيره
المستدرك(سورة آل عمران) فهرس محتويات الكتاب

الجزء الخامس

فهرس محتويات الكتاب فهرس المصادر و المراجع

البرهان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 305

قال: تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية، و ثمانمائة «1» ألف درهم، فخذها.

فقال الأعرابي: كيف أصنع؟ قد سمع هذا من الضب جماعات الحاضرين هاهنا، و أنا تعب، فإن من‏ «2» هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه.

فقال الضب: يا أخا العرب، إن الله قد جعله لك عوضا مني، فما كان ليترك أحدا يسبقك إليه، و لا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله.

و كان الأعرابي تعبا فمشى قليلا، و سبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا فخرجت عليهم أفعى عظيمة، فلسعتهم و قتلتهم، و وقفت حتى حضر الأعرابي، فنادته: يا أخا العرب، انظر إلى هؤلاء، كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك، الذي هو عوض ضبك، و جعلني حافظته، فتناوله.

فاستخرج الأعرابي الدراهم و الدنانير، فلم يطق احتمالها، فنادته الأفعى: خذ الحبل الذي في وسطك، و شده بالكيسين، ثم شد الحبل في ذنبي فإني سأجره لك إلى منزلك، و أنا فيه خادمك‏ «3» و حارسة مالك‏ «4» ، فجاءت الأفعى، فما زالت تحرسه و المال إلى أن فرقه الأعرابي في ضياع و عقار و بساتين اشتراها، ثم انصرفت الأفعى».

قوله تعالى:

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ [109]

580/ «1» - قال الإمام الحسن بن علي العسكري أبو القائم (عليهما السلام) ، في قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً . «بما يوردونه عليكم من الشبهة حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ‏ لكم،

(1)- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 515/ 315.

(1) في المصدر: و ثلاثمائة.

(2) في المصدر: متعب فلن آمن ممّن.

(3) في المصدر، و في «ط» نسخة بدل: حارسك.

(4) في المصدر زيادة: هذا.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 306

بأن أكرمكم بمحمد و علي و آلهما الطيبين‏ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ‏ المعجزات‏ «1» الدالات على صدق محمد (صلى الله عليه و آله)، و فضل علي (عليه السلام) و آلهما «2» .

فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا عن جهلهم و قابلوهم بحجج الله، و ادفعوا بها باطلهم‏ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‏ فيهم بالقتل يوم فتح مكة، فحينئذ تحولونهم عن بلد مكة و عن‏ «3» جزيرة العرب، و لا تقرون بها كافرا.

إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و لقدرته على الأشياء، قدر ما هو أصلح لكم في تعبده إياكم من مداراتهم و مقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن».

قوله تعالى:

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [110]

581/ «1» - قال الإمام العسكري (عليه السلام): « أَقِيمُوا الصَّلاةَ بإتمام وضوئها و تكبيراتها و قيامها و قراءتها و ركوعها و سجودها و حدودها وَ آتُوا الزَّكاةَ مستحقيها، لا تؤتوها كافرا و لا منافقا «4» ، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله.

وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ من مال تنفقونه في طاعة الله، فإن لم يكن لكم مال، فمن جاهكم تبذلونه لإخوانكم المؤمنين، تجرون به إليهم المنافع، و تدفعون به عنهم المضار تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ‏ ينفعكم الله تعالى بجاه محمد و علي و آلهما الطيبين يوم القيامة، فيحط به عن سيئاتكم، و يضاعف به حسناتكم، و يرفع به درجاتكم.

إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ عالم ليس يخفى عليه ظاهر بطن، و لا باطن ظهر «5» ، فهو يجازيكم على حسب اعتقاداتكم و نياتكم، و ليس هو كملوك الدنيا الذين يلبس‏ «6» على بعضهم، فينسب فعل بعض‏ «7» إلى غير

(1)- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 520/ 318.

(1) في المصدر: بالمعجزات.

(2) في المصدر زيادة: الطّيبين من بعده.

(3) في المصدر: فحينئذ تجلونهم من بلد مكّة و من.

(4) في المصدر: و لا مناصبا.

(5) في المصدر: يخفى عليه شي‏ء، ظاهر فعل، و لا باطن ضمير.

(6) في المصدر: يلتبس.

(7) في المصدر: بعضهم.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 307

فاعله، و جناية بعض‏ «1» إلى غير جانيه، فيقع ثوابه و عقابه- بجهله بما لبس عليه- بغير مستحقه.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): مفتاح الصلاة الطهور، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم، و لا يقبل الله الصلاة بغير طهور، و لا صدقة من غلول‏ «2» ، و إن أعظم طهور الصلاة الذي لا تقبل الصلاة إلا به، و لا شي‏ء من الطاعات مع فقده، موالاة محمد، و أنه سيد المرسلين و موالاة علي، و أنه سيد الوصيين، و موالاة أوليائهما، و معاداة أعدائهما».

قوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [111] بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [112]

582/ «1» - قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وَ قالُوا يعني اليهود و النصارى، قالت اليهود: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ، و قوله: أَوْ نَصارى‏ يعني و قالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): و قد قال غيرهم، قالت الدهرية: الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة، و من خالفنا في هذا فهو ضال مخطئ مضل. و قالت الثنوية: النور و الظلمة هما المدبران، و من خالفنا في هذا فقد ضل. و قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل. فقال الله تعالى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ‏ التي يتمنونها قُلْ‏ لهم: هاتُوا بُرْهانَكُمْ‏ على مقالتكم‏ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

و قال الصادق (عليه السلام)، و قد ذكر عنده الجدال في الدين، و أن رسول الله و الأئمة (صلوات الله عليهم) قد نهوا عنه، فقال الصادق (عليه السلام): لم ينه عنه مطلقا، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله عز و جل يقول: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ «3» و قوله تعالى: ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ «4» .

(1)- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 526/ 321 و 322 و: 543/ 324.

(1) في المصدر: بعضهم.

(2) الغلول: الخيانة، و كلّ من خان في شي‏ء خفية فقد غلّ. «النهاية- غلل- 3: 380».

(3) العنكبوت 29: 46.

(4) النّحل 16: 125.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 308

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، و الجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، و كيف يحرم الله الجدال جملة، و هو يقول: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ و قال الله تعالى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ ؟ فجعل الله علم الصدق و الإيمان بالبرهان، [و هل يؤتى بالبرهان‏] إلا في الجدال بالتي هي أحسن.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأصحابه: قولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ «1» أي نعبد واحدا، لا نقول كما قالت الدهرية:

إن الأشياء لا بدء لها و هي دائمة، و لا كما قالت الثنوية الذين قالوا: إن النور و الظلمة هما المدبران، و لا كما قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، و لا ندعو من دونك إلها، كما يقول هؤلاء الكفار، و لا نقول كما قالت اليهود و النصارى: إن لك ولدا، تعاليت عن ذلك [علوا كبيرا]».

قال: «فذلك قوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ و قال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى: يا محمد تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ‏ التي يتمنونها بلا حجة قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ‏ حجتكم على دعواكم‏ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.

ثم قال: بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ‏ يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله (صلى الله عليه و آله) لما سمعوا براهينه و حججه‏ وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏ في عمله لله‏ فَلَهُ أَجْرُهُ‏ ثوابه‏ عِنْدَ رَبِّهِ‏ يوم فصل القضاء وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏ حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العذاب‏ «2» وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ عند الموت، لأن البشارة بالجنان تأتيهم».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- معنى الجدال بالتي هي أحسن في تفسير قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ من سورة النحل عن الصادق (عليه السلام) «3» و الحديث طويل مذكور في تفسير العسكري (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ اختصرناه مخافة الإطالة.

قوله تعالى:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى‏ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَ قالَتِ النَّصارى‏ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [113]

(1) الفاتحة 1: 5.

(2) في المصدر: العقاب.

(3) يأتي في الحديث (3) من تفسير الآية (125) من سورة النحل.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 309

583/ «1» - قال الإمام العسكري (عليه السلام): «قال الله عز و جل: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى‏ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ من الدين، بل دينهم باطل و كفر وَ قالَتِ النَّصارى‏ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ من الدين، بل دينهم باطل و كفر وَ هُمْ‏ اليهود يَتْلُونَ الْكِتابَ‏ التوراة».

فقال: «هؤلاء و هؤلاء مقلدون بلا حجة، و هم يتلون الكتاب فلا يتأملونه، ليعملوا بما يوجبه فيتخلصوا من الضلالة، ثم قال: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ الحق، و لم ينظروا فيه من حيث أمرهم الله، فقال بعضهم لبعض و هم مختلفون، كقول اليهود و النصارى بعضهم لبعض، هؤلاء يكفر هؤلاء، و هؤلاء يكفر هؤلاء.

ثم قال الله تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ في الدنيا يبين ضلالتهم و فسقهم، و يجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه.

و قال الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): إنما أنزلت الآية لأن قوما من اليهود، و قوما من النصارى جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا محمد، اقض بيننا. فقال (صلى الله عليه و آله): قصوا علي قصتكم.

فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم و أوليائه، و ليست النصارى على شي‏ء من الدين و الحق.

و قالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم و أوليائه، و ليست اليهود على شي‏ء من الدين و الحق.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كلكم مخطئون مبطلون، فاسقون عن دين الله و أمره.

فقالت اليهود: كيف نكون كافرين و فينا كتاب الله التوراة نقرؤه؟

و قالت النصارى: كيف نكون كافرين و لنا كتاب الله الإنجيل نقرؤه؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنكم خالفتم- أيها اليهود و النصارى- كتاب الله و لم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة، لأن كتب الله أنزلها شفاء من العمى، و بيانا من الضلالة، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم، و كتاب الله إذا لم تعملوا به‏ «1» كان وبالا عليكم، و حجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين، و لسخطه متعرضين.

ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على اليهود، فقال: احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله و بخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ‏ «2» و أمروا بأن يقولوه.

قال الله تعالى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ « «3»» عذابا من السماء، طاعونا نزل بهم فمات‏

(1)- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 544/ 325 و 326.

(1) في «ط» نسخة بدل: ما فيه.

(2، 3) البقرة 2: 59.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 310

منهم مائة و عشرون ألفا، ثم أخذهم بعد ذلك‏ «1» فمات منهم مائة و عشرون ألفا أيضا، و كان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا، فقالوا: ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا، ظننا أنه باب منحط «2» لا بد من الركوع فيه، و هذا باب مرتفع، إلى متى يسخر بنا هؤلاء؟- يعنون موسى و يوشع بن نون- و يسجدوننا في الأباطيل، و جعلوا أستاههم نحو الباب، و قالوا بدل قولهم: حطة، الذي أمروا به: هطا سمقانا- يعنون حنطة حمراء- فذلك تبديلهم.

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة، و أنتم- يا معشر أمة محمد- نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد (عليه و عليهم السلام)، و أمرتم باتباع هداهم و لزوم طريقتهم، ليغفر لكم بذلك خطاياكم و ذنوبكم، و ليزداد المحسنون منكم، و باب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لأن ذلك كان باب خشب، و نحن الناطقون الصادقون المؤمنون‏ «3» الهادون الفاضلون، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن النجوم في السماء أمان من الغرق، و إن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون فيها ما دام فيهم من يتبعون هداه‏ «4» و سنته.

أما إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد قال: من أراد أن يحيا حياتي، و أن يموت مماتي، و أن يسكن جنة عدن‏ «5» التي و عدني ربي، و أن يمسك قضيبا غرسه بيده، و قال له: كن فكان، فليتول علي بن أبي طالب، و ليوال وليه، و ليعاد عدوه، و ليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، فرزقوا فهمي و علمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».

قوله تعالى:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى‏ فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [114]

584/ «1» - قال الإمام العسكري (عليه السلام): قال الحسن بن علي (عليهما السلام) «6» : لما بعث الله‏

(1)- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 554/ 329 و: 558/ 330.

(1) في المصدر: بعد قباع، و في «ط» زيادة: قباع.

(2) في المصدر: متطامن.

(3) في المصدر: المرتضون.

(4) في المصدر: هديه.

(5) في المصدر: الجنّة.

(6) في المصدر: عليّ بن الحسين.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 311

محمدا (صلى الله عليه و آله) بمكة و أظهر بها دعوته، و نشر بها كلمته، و عاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، و أخذوه و أساءوا معاشرته، و سعوا في خراب المساجد المبنية، كانت لقوم من خيار أصحاب محمد «1» (صلى الله عليه و آله) و شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، و أذى محمد (صلى الله عليه و آله) و سائر أصحابه، و ألجؤوه إلى الخروج من مكة نحو المدينة، التفت خلفه إليها، فقال: الله يعلم أني أحبك، و لولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، و لا ابتغيت عنك بدلا، و إني لمغتم على مفارقتك.

فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول: سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا، و ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ «2» يعني إلى مكة ظافرا غانما، و أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصحابه، فاتصل بأهل مكة، فسخروا منه.

فقال الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه و آله): سوف أظفرك‏ «3» بمكة، و أجري‏ «4» عليهم حكمي، و سوف أمنع من‏ «5» دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل.

فلما حتم قضاء الله بفتح مكة و استوسقت‏ «6» له، أمر عليهم عتاب بن أسيد «7» ، فلما اتصل بهم خبره، قالوا:

إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثماني عشرة سنة، و نحن مشايخ ذوو الأسنان، و خدام بيت الله الحرام، و جيران حرمه الآمن، و خير بقعة له على وجه الأرض.

و كتب رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعتاب بن أسيد عهدا على [أهل‏] مكة، و كتب في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى جيران بيت الله، و سكان حرم الله. أما بعد» و ذكر العهد و قرأه عتاب بن أسيد على أهل مكة.

ثم قال الإمام (عليه السلام) بعد ذلك: «ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة، و فيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين، و تحريم قرب مكة على المشركين، و أمر أبا بكر على الحج، ليحج بمن ضمه الموسم، و يقرأ الآيات عليهم، فلما صدر عنه أبو بكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول: يا محمد، إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فابعث عليا

(1) في المصدر زيادة: و شيعته.

(2) القصص 28: 85.

(3) في المصدر: أظهرك.

(4) في «ط»: يظفرك اللّه بمكّة و يجري.

(5) في المصدر: عن.

(6) استوسق لك الأمر: إذا أمكنك. «لسان العرب- وسق- 10: 380».

(7) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة، وال أموي من الصحابة، أسلم يوم فتح مكّة، و استعمله النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) عليها عند مخرجه إلى حنين في 8 ه، و أمّره أبو بكر، فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في 13 ه، و قيل في 23 ه. الكامل في التاريخ 2: 262، الاصابة 4:

صفحه بعد