کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن

مقدمة المؤلف سورة الفاتحة سورة البقرة (سورة آل عمران) سورة النساء (سورة المائدة) سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة ابراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة الفاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبإ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الإنشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن، ص: 1

[مقدمة المؤلف‏]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا، و صلواته التامات الزاكيات على محمد المبعوث على العالمين صلى اللّه عليه و على آله الطاهرين و صحبه الميامين.

و بعد ف " إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً" (17: 9).

لقد عمل الاستعمار غاية الشيطنة لحد فصل المسلمين عن حق القرآن و حاقّه، بل و عن ترجمته البسيطة تطبيقا فضلا عن معانيه العالية تحقيقا، فأصبحوا بين يديه أيادي سبا، فعزلهم عن كونهم عواما فضلا عن كيانهم أن يصبحوا على ضوء القرآن من الخواص أو الأولياء في معارف القرآن الكريم، و قد يروى عن الإمام على عليه السّلام:

«إن كتاب اللّه- القرآن- على أربعة أشياء: على العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق، فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء» و العبارة هي الألفاظ المعبّرة عن معانيها الأولية، و لمكان" الإشارة" و هي بعد المعنى. ثم الإشارة هي ناتجة عن العبارة، و اللطائف عن الإشارة، و الحقائق عن اللطائف.

و لقد وفّقني ربّي لتأليف" الفرقان": في تفسير القرآن بالقرآن و السنة، ببصائر إسلامية سليمة يفرضها القرآن المتحللة عن الطائفيات و التحميلات التي يرفضها القرآن، و هي في ثلاثين مجلدا، أصبحت حقلا موسّعا معمّقا للأخصّاء، و الذين يهدفون إلى تفهم القرآن لحد بالغ، ثم طلب مني- و كما أنا نويت و حويت- تأليف ترجمة تفسيرية عن القرآن اختصارا عن" الفرقان" و لكي يكفي لإيصال المسلمين إلى حد العوام و الخواص في حديث الإمام عليّ عليه السلام، و لكي يكون نبراسا ينير الدرب على سالكي قبسات النور، و متراسا يعني احتجاجا بالقرآن على من يحاجه في حق الإسلام و حاقه، و مما لا بد من ذكراه هنا باختصار يناسب تلك الترجمة البسيطة، أن أقوى التواترات المقبولة للمسلمين كافة هو المتواتر القرآني السامي، دون أن يساميه فضلا عن أن يساويه أو يعارضه سائر القراآت و الروايات، فإن ما بين أيدى المسلمين من القرآن العظيم هو أروى الروايات و أقوى التواترات المصدقة على راويه العظيم محمد الرسول صلى اللّه عليه و آله فلا يصدّق على هذا القرآن إلا نفسه تفسيرا أو نسخا و ما أشبه" فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع، و ما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار، و هو الدليل يدل على خير سبيل، و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل، و هو الفصل ليس بالهزل .. ظاهره أنيق و باطنه عميق، له نجوم تخوم و على نجومه تخومه نجوم" تخوم" لا تحصى عجائبه و لا تحصى غرائبه، فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة، و دليل المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره، و ليبلغ الصفة نظره ينج من عطب، و يتخلص من نشب، فإن التفكير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص، و قلة التربص" «1» " فإن هذا القرآن هو النور المبين، و الحبل المتين، و العروة الوثقى، و الدرجة العليا، و الشفاء الأشفى، و الفضيلة الكبرى، و السعادة العظمى، من استضاء به نوّره، و من عقد به أموره عصمه اللّه، و من تمسك به أنقذه اللّه، و من لم يفارق أحكامه رفعه اللّه، و من استشفى به شفاه اللّه، و من آثره على سواه هداه اللّه، و من طلب الهدى في غيره أضله اللّه، و من جعله شعاره و دثاره أسعده اللّه، و من جعله إمامه الذي يقتدي به، و معوّله الذي ينتهي إليه أدّاه اللّه إلى جنات النعيم و العيش السليم" «2» .

و هو" نور لا تطفأ مصابيحه، و سراج لا يخبؤ توقّده، و بحر لا يدرك عمقه، و منهاج لا يضل نهجه، و شعاع لا يظلم ضوءه، و فرقان لا يخمد برهانه، و بنيان لا تهدم أركانه، و شفاء لا تخشى أسقامه، و عزّ لا تهدم أنصاره، و حق لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان و بحبوحته، و ينابيع العلم و بحوره، و رياض العدل و غدرانه، و أثا فيّ الإسلام و بنيانه، و أودية الحق و غيطانه، و بحر لا ينزفه المنتزفون، و عيون لا ينضبها الماتحون، و مناهل لا يفيضها الواردون، و منازل لا يضل نهجها المسافرون، و أعلام لا يعمى عنها السائرون، و آكام لا يجوز عنها القاصدون، جعله اللّه ريّا لعطش العلماء، و ربيعا لقلوب الفقهاء، و محاجا لطرق الصلحاء، و دواء ليس بعده داء، و نورا ليس معه ظلمة، و حبلا وثيقا عروته، و معقلا منيعا ذروته، و عزا لمن تولاه، و سلما لمن دخله، و هدى لمن ائتم به، و عذرا لمن انتحله، و برهانا لمن تكلم به، و شاهدا لمن خاصم به، و فلجا لمن حاج به، و حاملا لمن حمله، و آية لمن توسّم، و جنّة لمن استلأم، و علما لمن وعى، و حديثا لمن روى، و حكما لمن قضى" «3» " بقية استخلفها عليكم كتاب اللّه الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلى الرضوان إتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنل حجج اللّه المنورة، و عزائمه المفسّرة، و محارمه المخدّرة، و بيناته الجالية، و براهينه الكافية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرايعه المكتوبة" «4» ف" من قرأ القرآن و لم يخضع له، و لم يرق قلبه عليه، و لم يغش حزنا أو وجلا في سره، فقد استهان بعظم شأن اللّه، و خسر خسرانا مبينا، فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، و بدن فارغ، و موضع خال، فإذا خشع للّه قلبه فر منه الشيطان الرجيم، و إذا تفرغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة، فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن و فوائده، و إذا اتخذ مجلسا خاليا، و اعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين استأنس روحه و سره باللّه، و وجد حلاوة مخاطبات اللّه عباده الصالحين، و علم لطفه بهم، و مقام اختصاصه لهم، بقبول كراماته، و بدائع إشاراته، فإذا شرب كأسا من هذا المشرب، فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا، و على ذلك الوقت وقتا، بل يؤثره على كل طاعة و عباده، لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة، فانظر كيف تقرأ كتاب ربك، و منشور ولايتك، و كيف تجيب أوامره و نواهيه، و كيف تمتثل حدوده، " وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" ، فرتّله ترتيلا، وقف عند وعده و وعيده، و تفكر في أمثاله و مواعظه، و احذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده" «5» .

بلى‏ " وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ" (7: 17 «6» «7» ) فالكتاب: القرآن، هو الذي تمسّك به كافة النواميس، كأصل أصيل يرجع إليه كل وارد و شارد، و يميز به كل غثّ عن سمين، و كل خائن عن أمين، حتى يعرف الأصيل عن الفصيل.

يجد القارئ في هذا" البلاغ" ترجمة تفسيرية عن الذكر الحكيم، و هي على اختصارها بيان عن تفاصيل معانيه، محكمات جميلة، فاصحة واضحة، دون تحميل على القرآن، و لا تجميل أو توجيه، فإنه بنفسه جميل وجيه، تجد فيها مختصرا غير محتصر عما فصلناه في" تفسير الفرقان" إضافة إلى استدراكات، ثم لا تجد فيها أي تفسير للقرآن إلا بالقرآن، لغات و كلمات و جملات، مما يدل على أن فيه نفسه كفاية لمن ألقى السمع و هو شهيد، فالحقّ أقول:

إن القرآن لأنه بيان و نور و تبيان لا يحتاج في نفسه إلى تفسير من غيره، اللهم إلا أن نفسر أنفسنا، كشفا عن غشاوات فطرية- عقلية- علمية- اجتهادية- تقليدية، أماهيه من عوامل داخلية أو خارجية، نفسر أنفسنا لنستفسر القرآن، بما يستكشف معانيه و مغازيه، من لغة و أدب و تدبر صالح في آياته البينات، نظرا في الآية نفسها، كما تهدي إليه لغتها المستفادة من القرآن نفسه، ثم إلى آيات قبلها و بعدها، حيث التأليف مقصود رباني من اللّه بوحيه، ثم إلى سائر الآيات التي تنحوا منحاها، و إلى سبح طويل بصالح التقوى، بعيدا عن كل طغوى، متوسلا بوسائل وصائل، استنباطا لمعانيه كما يريد اللّه، و اللّه هو الهادي إلى سبيله، نعم المولى و نعم النصير، لكل بصير حسير غير حصير.

قم المشرّفة: محمّد الصّادقي الطّهراني.

تليفون- 934425

سورة الفاتحة

سورة هي صورة مصغّرة عن تفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين، و قد افتتح بها القرآن تنزيلا و تأليفا، و هي سبع من المثاني أمام القرآن العظيم، فالبسمله آية منها و من القرآن كله، إلا البرائة حيث تفقدها، و إلا النمل فإنها بعض آية منها، مما يدل على أنها من القرآن ككل، أو أن الفاتحة هي ستّ من المثاني لو لم تكن البسملة منها!.

1- بِسْمِ اللَّهِ‏ : الاسم الأعظم الظاهر، كما أن" هو" هو الاسم الأعظم الباطن‏ الرَّحْمنِ‏ هي أعمّ الصفات الفعلية مطلقا و الرَّحِيمِ‏ :

بعدها إذ تخص بعض الخلق مهما شملتا النشآت الثلاث و هما تعمّان كافة صفاته تعالى‏

2- الْحَمْدُ : كله مستغرقة لِلَّهِ‏ لا سواه، و لأنه (ربّ العالمين) جمع العالم العاقل، فهو جمع ذوي العقول من الإنس و الجن و الملائكة و من لا نعرفهم، ف " وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلى‏ جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ" (42: 29) لمكان" هم" فيها.

3- الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : قد تعنيانهما في الأخرى كما هما الأوليان في الأولى، أو أن لكلّ حقله، لاستقلال كلّ أمام الآخر، فالبسمله بسملة و الحمد حمد على أية حال.

4- مالِكِ‏ : دون ملك، حسب نصّ المتواترة القرآنية العليا يَوْمِ الدِّينِ‏ : الطاعة، إذ تبرز فيها صورة و سيرة حزاء وفاقا، و هو مالك يوم الدنيا دون بروز للكل.

5- إِيَّاكَ‏ : لا سواك‏ نَعْبُدُ عبادة و عبودة وَ إِيَّاكَ‏ لا سواك‏ نَسْتَعِينُ‏ فأنت أنت المعبود المستعان، مهما يستعان إليك بمن ترضاه و ما ترضاه: " وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" (5: 35) " أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى‏ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. " (17: 57).

و هنا " إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" تعني أولا إعانته في" كيف نعبد" تشريعا، ثم توفيقنا فيها تكوينيا و من ثم سائر الإعانات، و الأوليان تخصانه حصرا، و الأخيرة كما يرضاها من وسائل اليه سبحانه‏

6- اهْدِنَا : دلالة و إيصالا بتوفيقك‏ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ دون" إلى" أو" ل" بل نفس" الصراط المستقيم" لتشمل كافة المستهدين و دون صراط الجحيم، و لا متفرق السبل: " وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" (6: 153).

7- صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ : من‏ " النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً" (4: 69) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ المضلّين: مشركين أو هودا أو نصارى أو مسلمين‏ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ المضلّين الذين ضلوا عن صراطك، فهم بعد المغضوب عليهم، أيّا كانوا، فالصراط ثلاثة: صراط المنعم عليهم، و يقابله صراط المغضوب عليهم، و بينهما صراط الضالين الذين ليس لهم صراط إلا الحيرة، ذلك، و هذه السورة لا تنوب عنها سورة أخرى في الصلاة، فهي كلها تأتي بعدها إلا ما فيها السجدة، و لكي يجمع في الصلاة بين مختصر القرآن و مفصله، و لأنها عمود الدين و عماد اليقين، فالصلاة: الصّلات، هي عبادة و قرآن، قرآن و عبادة.

(1). عن الكافي (2: 552) عن الامام الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم‏

(2). تفسير الإمام الحسن العسكري (ع) عن الرسول (ص).

(3). نهج البلاغة عن الإمام امير المؤمنين علي عليه السّلام‏

(4). من خطبة الصديقة الزهراء بنت الرسول (ص) على حشد من المسلمين بمسجد النبي (ص).

(5). مصباح الشريعة عن الإمام الصادق عليه السّلام.

(6). رقم السّورة

(7). رقم الآية

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن، ص: 2

سورة البقرة

1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الم‏ : من الحروف الرمزية بين اللّه و رسوله، و هي مفاتيح كنوز القرآن، مهما كانت لها إشارات أخرى بدلالاتها كتابا و سنة، و هي بمفتتح مدنيات خمس و مكيات في ثلاث و عشرين سورة، مما يطرد احتمال أنها لإسكات و ما أشبه، بين محتملات عشر.

2- ذلِكَ الْكِتابُ‏ : مبتدأ بخبره، أو إشاره بمشار إليه و ما أشبه، و الكتاب هو القرآن‏ لا رَيْبَ فِيهِ‏ : شكا مسنودا إلى برهان، مهما شك فيه دون برهان بما يريبهم، دون ريب و ارتياب‏ " إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ"* (34: 54) " بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ" (44: 9) .. و لا ريب فيه أنه‏ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ مهما لا يهتدي به الطاغون، فهم من إذا وقي قبل الوقاية، متقين المحاظير مهما كانوا في شك مقدس متحيّز عن الحق المرام، و التقوى درجات، كما الطغوى دركات.

3- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏ : كأولى خطوة إلى الحق قضية تقوى ما، دون إخلاد إلى المحسوس‏ وَ من ثم‏ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ للّه الغيب، ثم‏ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ‏ صلة بخلق اللّه بعد صلاتهم باللّه، و" ما رزقناهم" تعم كافة النعم الربانية الممكنة الإنفاق، كما الإنفاق هو أن لا تبغى فيه إلا مرضات اللّه، و مما ينفقون أعضاء من أبدانهم وصية لما بعد موتهم للمحتاجين إليها لحياة سليمة، أو ذودا عن الممات.

ذلك، و من الإنفاق‏ " مِمَّا رَزَقْناهُمْ" هو أنفسهم بدمائهم جهادا في سبيل اللّه، فإنها من عطياته تعالى: " الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏" (20: 50) و كما عليهم الإنفاق من هداهم قدر الحل المستطاع.

4- وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ : كتابا و سنّة وَ كذلك‏ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏ إيمانا بوحيه، مهما نسخ منه ما نسخ‏ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ‏ لا سواهم‏ يُوقِنُونَ‏ فلا يؤمن بها إلا الدارج هذه الدرجات، فهم يوقنون على درجاته قضية هذه الدرجات.

5- أُولئِكَ‏ لا سواهم‏ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ‏ حيث يهديهم اللّه كما اهتدوا و زيادة، مسيطرين على هداه‏ وَ أُولئِكَ‏ لا سواهم‏ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ حيث يفلحون المعارك الحيوية، فيفلحون عراقيلها بتلك الهدى، و هذه أبواب ثمان- كما الجنّة- جنة التقوى عن الطغوى، و التقوى درجات كما الطغوى دركات، على مراحلهما.

و هنا ندرس أصل التقوى بأصالتها، محلّقة على كافة التكاليف، سلبية و إيجابية في كافة الحقول الحيوية، في مثلث: قبول الحق على بيّناته تفتيشا عنه، ثم وصولا إليه عند حصولهم عليه، و من ثم الانسلاك في درجاته، و ذلك في كافة النواميس الخمس، خروجا عن كافة العراقيل: عنصرية- قومية- طائفية أماهيه من موانع تقبّل الحق، حيث الحق واحد من إله واحد مهما اختلفت طقوس للوصول إليه، ف " لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً ... لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ" (5: 48).

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن، ص: 3

6- و يتلوها ثالوث الكفر الساحق الماحق‏ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما يؤمن به المتقون، حيث ستروا أنفسهم عن الحقّ كما ستروه عنها، فسدّت عنهم منافذ الهدى، ثم هم لا يؤمنون، سَواءٌ عَلَيْهِمْ‏ لا عليك، فأنت في القمّة من‏ " عُذْراً أَوْ نُذْراً" (72: 6) أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ رغم إمكانيته لهم، و لكنّهم عمدوا إلى تركه، و اللّه يخبر به عنهم كملحمة غيبية، و لو أنهم يؤمنون قبل موتهم لأخبر به دون عدمه، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الإختيار، و قد اختاروا عدم الإيمان حتى موتهم فامتنع إيمانهم باختيارهم فأخبر عن عدمه.

7- ذلك لأنه‏ خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ بما ختموا عليها " فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" (61: 5) وَ لانّهم‏ عَلى‏ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ بما غشوا عليهما فغشت على قلوبهم، فإنهما بابان للقلوب في حق أو باطل: " وَ قالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ" (67: 10) وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ عظم ما غشوا و ختموا جزاء وفاقا.

8- و من ثم مواصفات سبع للمنافقين كدركات الجحيم السبع:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ‏ بأفواههم‏ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏ بقلوبهم، قضية نفاقهم العارم، مهما أضافوا إلى قول الإيمان عمله.

9- يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بفارق أن اللّه لن يخدع مهما خدع بعض المؤمنين‏ وَ لكن‏ ما يَخْدَعُونَ‏ كواقع منه ضارّ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏ حيث يقعون في فخّهم أنفسهم مطلقا، مهما انضرّ به بعض المؤمنين هنا وَ لكنهم‏ ما يَشْعُرُونَ‏ خلفية خداعهم، تقصيرا منهم في هذه اللاشعورية.

10- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏ : الكفر المنافق لألسنتهم‏ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً على مرضهم في نشآتهم‏ " فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" (61: 5) وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‏ نفاقا عارما على مضاعف كفرهم.

11- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ‏ بالنفاق المخادع الخالع‏ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ‏ مصلحية الحفاظ على الحياة الدنيا، إذ " يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ" (30: 7) لذلك يحصرون الإصلاح في أنفسهم المفسدة، غفلة معمّدة.

12- أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ‏ : إفسادهم و كأنه إصلاحهم: " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً" (18: 103) فكأنما انحصر الإفساد فيهم لمضاعف كفرهم.

13- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا حقا كَما آمَنَ النَّاسُ‏ دون النسناس المتخلفين عن شرعة الناس‏ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ :

أخفّة العقول إذ آمنوا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ‏ إذ مسخت عقولهم فانقلبت عليهم أمورهم.

14- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا : بما آمنتم به بل و زيادة وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ‏ كافرين و منافقين، تخفّيا عن المؤمنين‏ قالُوا لهم‏ إِنَّا مَعَكُمْ‏ في الكفر، و إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ‏ بهم في لقاءهم ليظنوا أننا معهم.

15- اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ‏ : جزاء وفاقا وَ هكذا يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ و كأنهم على شي‏ء مما كسبوا، مدا بمدّ " جَزاءً وِفاقاً" و في الآخرة أنكي.

16- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ : البعيدة عن فطرهم و عقولهم كما خلقتا بِالْهُدى‏ المنذعمة فيهما، المهدية بشرعة اللّه‏ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‏ بل هي خاسرة حاسرة متحسرة وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ‏ إلى صراط الحياة الحقة بما قصّروا.

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن، ص: 4

17- مَثَلُهُمْ‏ الواقع مثال حق واقع‏ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً استنارة بها و إحراقا فإنه مثل النفاق‏ فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ‏ بغية النفاق‏ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ‏ من تلك النار وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ‏ باقية من نارهم‏ لا يُبْصِرُونَ‏ بغيتهم، فهم في جحيم النار دون نور، و هكذا نار النفاق، فهم في النار في دار الفرار و دار القرار.

18- صُمٌ‏ لا يتكلمون‏ بُكْمٌ‏ لا يسمعون‏ عُمْيٌ‏ لا يبصرون‏ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ‏ إلى الحق المرام، إذ سدوا على أنفسهم منافذ البصيرة.

19- أَوْ كَصَيِّبٍ‏ يصيبهم‏ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ‏ كتلك النار النور، و لكنهم‏ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ‏ بذلك الصيب‏ وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ‏ لا يذرهم كما يعنون إلا عناء.

20- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ‏ الكليلة الحيوانية، و كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ‏ إلى بغيتهم‏ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا عنه، كما المنافق المستفيد من ضوء الإسلام، المدبر عن مشاقّه‏ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ‏ حتى لا يستفيدوا من ضوءه، تاركا إياهم في مقام الظلام دون أي ضوء، و لكنه لليوم الآخر الجزاء، و هنا الابتلاء إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ .

21- يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ كأصل في الخطاب، و معكم سائر المكلفين‏ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ‏ حيث يربيكم بخلق و تكميل، فإنه‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏ اعبدوا " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" و " خَلَقَكُمْ .."" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" فالتقوى هي غاية العبادة و الخلق، أضلاع ثلاثة لهندسة الإنسانية العليا، فالعبادة هي قاعدة الحياة الإيمانية غاية لخلقكم، تنتج تقوى قدرها، فأنتم المحتاجون إليها دون اللّه.

22- الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً على حراكها المعتدلة المعدّلة، إذ " جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا" (67: 15) بعد شماس‏ وَ جعل لكم‏ السَّماءَ بِناءً لا تسقط عليكم، فهما مأمن لكم أمين‏ " رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها" (13: 2) فثمّ عمد و لكن لا ترونها وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً قدر الحاجة الأرضية مهما يتداول من الأرض إليها و منها إليها فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ‏ بعضا، و كلها في الجنة رِزْقاً لَكُمْ‏ في الحياة الدنيا البلية فبعد هذه النعم الناعمة فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً له أضدادا في العبودية و سائر شئون الألوهية وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ أنه- فقط- ربكم‏ " وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (29: 61).

23- ثم‏ وَ بعد هذه البراهين التوحيدية، و برهنة القرآن نفسه على نزوله منه‏ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا في الخطوة الأخيرة من خطا التبيّن عن كونه وحيا من اللّه، فإن القرآن نفسه و كتب الوحي قبله، و رسول القرآن نفسه، شهود ثلاثة قبلها، دليلا على وحيه: " أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى‏ إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ .. " (11: 17) فَأْتُوا بِسُورَةٍ كلمة تامة طامة مِنْ مِثْلِهِ‏ : مثل ما نزلنا من سائر الوحي، و مثل عبدنا من سائر العباد، ثم‏ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ في تكذيبكم وحيه، ريبتكم فيه.

صفحه بعد