کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التبيان فى اعراب القرآن

خطبة الكتاب إعراب الاستعاذة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح عليه السلام سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس المحتويات

التبيان فى اعراب القرآن


صفحه قبل

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 6

ترجمة المصنّف‏

هو العلّامة النحويّ، البارع، محبّ الدين أبو البقاء عبد اللّه بن الحسين بن أبي البقاء عبد اللّه بن الحسين العكبريّ، ثمّ البغداديّ الأزجيّ، الضرير النحويّ الحنبليّ الفرضيّ، صاحب التصانيف.

ولد سنة ثمان و ثلاثين و خمس مئة ببغداد. و ينسب إلى عكبرا، و هي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ، خرج منها جماعة من العلماء.

قال ابن النجار: كان أضرّ في صباه بجدريّ لحقه، و كان يحبّ الاشتغال ليلا و نهارا، ما يمضي عليه ساعة إلّا و أحد يقرأ عليه أو يطالع، حتى إنّه بالليل تقرأ له زوجته في كتب الأدب و غيرها.

بقي مدة من عمره فقيد النظير، متوحدا في فنونه التي جمعها من علوم الشريعة و الآداب و الحساب في سائر البلاد.

و كان ثقة متدينا، حسن الأخلاق متواضعا، كثير المحفوظ.

قرأ القرآن بالروايات على عليّ بن عساكر البطائحيّ.

و قرأ الحديث و سمعه من أبي الحسن بن البطّي، و أبي زرعة المقدسيّ، و أبي بكر بن النقور، و ابن هبيرة الوزير.

و قرأ الفقه على القاضي أبي يعلى الصغير، و أبي حكيم النهرواني حتى برع فيه.

و أخذ النحو من أبي محمد بن الخشّاب، و أبي البركات بن نجاح.

و أخذ اللغة من ابن القصّاب، و مكي بن ريّان الماكسيني الموصلي، و أبي محمد عبد المنعم بن صالح التميميّ النحويّ.

و أفاد منه ابن الدّبيثي، و ابن النجّار، و الضياء المقدسي، و الجمال بن الصّيرفيّ، و علي بن عدلان بن حماد النحوي الموصلي، و ياقوت الحموي، و عبد العظيم المنذري، و أبو الفرج بن الحنبلي، و الكمال البزار البغدادي.

قال أبو الفرج بن الحنبلي: قرأت عليه كتاب «الفصيح» لثعلب، من حفظي، و قرأت عليه بعض كتاب «التصريف» لابن جني.

و قال المنذري: لنا منه إجازة كتبت لنا عنه غير مرة، منها ما هو في شوّال سنة ثمان و ستّ مئة.

كان معيدا للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في المدرسة.

و كان بارعا في فقه الإمام أحمد بن حنبل، و قد جاء إليه مرة جماعة من الشافعية، فقالوا: انتقل إلى مذهبنا، و نعطيك تدريس النحو و اللغة بالنظامية، فأقسم و قال: لو أقمتموني و صببتم عليّ الذهب حتى أتوارى ما رجعت عن مذهبي.

و كان أبو البقاء إذا أراد أن يصنّف كتابا، أحضرت له عدة مصنفات في ذلك الفنّ، و قرئت عليه، فإذا حصّله في خاطره أملاه. فكان بعض الفضلاء يقول: أبو البقاء تلميذ تلامذته، يعني: هو تبع لهم فيما يلقونه عليه.

و قال الشعر، و من شعره في الوزير ناصر بن مهدي العلويّ:

بك أضحى جيد الزمان محلّى‏

بعد أن كان من حلاه مخلّى‏

لا يجاريك في نجاريك خلق‏

أنت أعلى قدرا و أعلى محلّا

دمت تحيي ما قد أميت من الفض

ل و تنفي فقرا و تطرد محلا

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 7

و ذكر ابن الشعّار أيضا أبياتا له في جواب سائل عن الحساب، و أنشد ابن القطيعي له أبياتا نقلها ابن رجب في «الذيل». و ادّعى ابن الساعي أنّ أبا البقاء لم يعمل من الأبيات سوى الأبيات في الوزير ناصر العلوي.

توفي أبو البقاء ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة و ست مئة، و دفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب. رحمه اللّه.

كتبه:

1- «تفسير القرآن»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار، و الذهبي، و ابن رجب، و حاجي خليفة، و السيوطي.

2- «إعراب القرآن»: ذكره الصفدي، و أبو شامة، و الذهبي، و المنذري، و ابن رجب، و ابن خلكان.

و ذكره باسم: «إعراب القرآن و القراءات»: القفطي.

و ذكره باسم: «البيان في إعراب القرآن»: ابن الشعار، و حاجي خليفة.

و هو الكتاب الذي نحن بصدده.

3- «إعراب الشواذّ من القراءات»: ذكره الصفدي، و الذهبي، و ابن الشعار.

4- «متشابه القرآن»: ذكره الصفدي، و الذهبي.

5- «عدد آي القرآن»: ذكره الصفدي، و الذهبي، و ابن الشعار.

6- «إعراب الحديث»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و القفطي، و الذهبي، و المنذري، و ابن خلكان.

و هو مطبوع بتحقيق عبد الإله نبهان، و غيره.

7- «المرام في نهاية الأحكام»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و الذهبي، و ابن الشعار.

8- «الاعتراض على دليل التلازم و دليل التنافي»: ذكره ابن رجب. و سمّاه الصفدي: «الكلام على دليل التلازم».

9- «تعليق في الخلاف»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و الذهبي، و حاجي خليفة.

10- «الملقّح في الخطل» في الجدل: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

11- «شرح الهداية لأبي الخطاب»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و الذهبي.

12- الناهض في علم الفرائض»: ذكره الصفدي، و الذهبي (لم يسمه)، و ابن رجب، و ابن الشعار.

13- «بلغة الرائض في علم الفرائض»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

14- «التلخيص في الفرائض»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

15- «الاستيعاب في أنواع الحساب»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

16- «مقدمة في الحساب»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

17- «شرح الفصيح»: ذكره الصفدي، و الذهبي، و حاجي خليفة.

18- «المشرف المعلم في ترتيب كتاب إصلاح المنطق على حروف المعجم» ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

19- «شرح الحماسة»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و الذهبي، و ابن الشعار. و قال حاجي خليفة:

هو مقتصر على إعرابه.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 8

20- «شرح المقامات الحريرية»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و أبو شامة، و الذهبي، و المنذري، و ابن الشعار، و حاجي خليفة. و قد حقّق القسم الأول منه في جامعة بغداد 1971 م باسم:

«شرح ما في المقامات الحريرية من الألفاظ اللغوية» تحقيق علي صائب حسون.

21- «شرح الخطب النباتية»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و الذهبي، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

22- «المصباح في شرح الإيضاح» لأبي علي الفارسي: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و القفطي، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

23- «التكملة»: ذكره الصفدي.

24- «المتبع في شرح اللمع»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و القفطي، و ابن الشعار، و حاجي خليفة. و منه نسخة خطية في مكتبة البلدية بالاسكندرية: 33 نحو.

25- «لباب الكتاب» (كتاب سيبويه): ذكره الصفدي، و حاجي خليفة.

26- «شرح أبيات كتاب سيبويه»: ذكره الصفدي، و زاد ابن الشعار: على حروف المعجم.

27- «إعراب الحماسة»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و القفطي، و ابن الشعار. قلت:

و كلام حاجي خليفة سابقا يشير أن شرح الحماسة هو إعرابه، لكن الصفدي و ابن الشعار فرّقا بينهما.

28- «الإفصاح عن معاني أبيات الإيضاح»: ذكره الصفدي و ابن الشعار.

29- «تلخيص أبيات الشعر لأبي علي»: ذكره الصفدي، و ابن رجب. و سمّاه ابن الشعار: «تلخيص كتاب الشعر».

30- «المحصل في إيضاح الفصل»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و أبو شامة، و القفطي، و ابن الشعار.

و سمّاه حاجي خليفة أيضا: الإيضاح في شرح المفصل. و قال ابن رجب:

تعليق على مفصل الزمخشري. و منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية رقم 292- الجزء الثاني.

31- «نزهة الطرف في إيضاح قانون الصّرف»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

32- «الترصيف في علم التصريف»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

33- «اللباب في علل البناء و الإعراب»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار، و حاجي خليفة. و سمّاه ابن خلّكان و القفطي: «اللباب في علل النحو». و سمّاه ابن رجب: «اللباب في البناء و الإعراب»، و «الإعراب عن علل الإعراب». و سماه أبو شامة:

«اللباب في النحو». و قد حققه خليل بنيان الحسون في جامعة القاهرة (رسالة دكتوراه) سنة 1976.

34- «الإشارة في النحو»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار، و حاجي خليفة.

35- «مقدمة في النحو»: ذكره الصفدي.

36- «أجوبة في المسائل الحلبيات»: ذكره الصفدي، و ابن رجب.

37- «التلخيص في النحو»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 9

38- «التلقين في النحو»: ذكره الصفديّ، و ابن رجب، و ابن الشعار.

39- «التهذيب في النحو»: ذكره الصفدي، و حاجي خليفة.

40- «شرح شعر المتنبي»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و القفطي، و أبو شامة، و المنذري، و ابن الشعار، و حاجي خليفة. و قد طبع مرات. و يرى الدكتور مصطفى جواد أنّ المطبوع ليس للعكبري. مجلة دمشق 22/ 1، 2.

41- «شرح بعض قصائد رؤبة»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار.

42- «مسائل في الخلاف في النحو»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار. و قد نشره محمد خير الحلواني، مكتبة الشهباء- حلب.

43- «تلخيص التنبيه لابن جني»: ذكره الصفدي، و سمّاه ابن الشعار: «تلخيص التنبيه في إعراب الحماسة لابن جني».

44- «العروض» (معلّل): ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

45- «العروض» (مختصر): ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

46- «مختصر أصول ابن السراج»: ذكره الصفدي.

47- «مسائل نحو مفردة»: ذكره الصفدي، و ابن رجب.

48- «مسألة في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: إنّما يرحم اللّه من عباده الرحماء». ذكره الصفدي.

49- «المنتخب من كتاب المحتسب»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار.

50- «لغة الفقه»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار. و قال ابن رجب: أملاه على ابن النجار الحافظ.

51- «مذاهب الفقهاء»: ذكره ابن رجب.

52- «تهذيب الإنسان بتقويم اللسان»: ذكره ابن رجب. و سمّاه ابن الشعار: «تهذيب اللسان».

53- «كتاب القوافي»: ذكره ابن الشعار.

54- «شرح سيبويه»: ذكره ابن الشعار.

55- «شرح البداية»: ذكره ابن الشعار، و قال: لم يتمّه.

56- «كتاب في الجبر و المقابلة»: ذكره ابن الشعار.

57- «شرح لامية العرب للشنفرى»: منه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية برقم 28 ش نحو، 87 ش.

مصادر ترجمته:

1- «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (3/ 116) للقفطي (624)- دار الفكر العربي القاهرة- ت محمد أبو الفضل.

2- «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 461) لعبد العظيم المنذري (656)- ت الدكتور بشار عواد- مؤسسة الرسالة.

3- «قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان» 3/ 265 لابن الشعار (654)- مصوّرة فؤاد سزكين.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 10

4- «معجم البلدان» (4/ 142) لياقوت الحموي (626)- دار صادر.

5- «ذيل الروضتين» (119- 120) لأبي شامة (665)- دار الجيل.

6- «وفيات الأعيان» (3/ 100) لابن خلكان (681)- دار صادر.

7- «المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي» (15/ 214) للذهبي (748)- الكتب العلمية.

8- «سير أعلام النبلاء» (22/ 91)، للذهبي (748)- مؤسسة الرسالة.

9- «الوافي بالوفيات» (17/ 139)، للصفدي (764)- دار النشر فرانز شتاينر.

10- «نكت الهميان في نكت العميان» (ص 178)، للصفدي (764)- دار المدينة.

11- «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109)، لابن رجب (795)- دار المعرفة.

12- «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد» (2/ 30)، لابن مفلح (884)- مكتبة الرشد.

13- «البداية و النهاية» (13/ 85)، لابن كثير (774).

14- «بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة» (2/ 38)، للسيوطي (911)- دار الفكر.

15- «كشف الظنون» (81، 98، 108، 122، 212، 214، 253، 399، 424، 440، 480، 518، 692، 714، 811، 1273، 1428، 1543، 1563، 1774، 1789، 1820) لحاجي خليفة- دار الفكر.

16- الكتب المطبوعة من كتب العكبري.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 11

[خطبة الكتاب‏]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به عوني و ثقتي قال الشيخ الإمام العالم محبّ الدين أبو البقاء عبد اللّه بن الحسين بن عبد اللّه العكبري رحمه اللّه تعالى، و رحم أسلافه بمحمد و آله و أصحابه و أنصاره.

الحمد للّه الذي وفّقنا لحفظ كتابه، و وقفنا على الجليل من حكمه و أحكامه و آدابه، و ألهمنا تدبّر معانيه و وجوه إعرابه، و عرّفنا تفنّن أساليبه؛ من حقيقته و مجازه، و إيجازه و إسهابه؛ أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بيوم حسابه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله المبرّز في لسنه و فصل خطابه، ناظم حبل الحق بعد انقضابه، و جامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى اللّه عليه و على آله و أصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، و اضطرب بحر باذيّة و عبابه.

أما بعد: فإن أولى ما عني باغي العلم بمراعاته، و أحقّ ما صرف العناية إلى معاناته، ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، و حاكما عليها و لها فيما ينشأ من الاختلاف عنها، و ذلك هو القرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؛ و هو المعجز الباقي على الأبد، و المودع أسرار المعاني التي لا تنفد؛ و حبل اللّه المتين، و حجّته على الخلق أجمعين.

فأوّل مبدوء به من ذلك تلقّف ألفاظه عن حفّاظه، ثم تلقّي معانيه ممن يعانيه؛ و أقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، و يتوصّل به إلى تبيين أغراضه و مغزاه، معرفة إعرابه و اشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، و النظر في وجوه القراءات المنقولة عن الأئمة الأثبات.

و الكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا؛ فمنها المختصر حجما و علما، و منها المطوّل بكثرة إعراب الظواهر، و خلط الإعراب بالمعاني، و قلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملي كتابا يصغر حجمه، و يكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الإعراب و وجوه القراءات، فأتيت به على ذلك؛ و اللّه أسأل أن يوفّقني فيه لإصابة الصواب، و حسن القصد به بمنّه و كرمه.

إعراب الاستعاذة

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.

أعوذ: أصله أعوذ، بسكون العين و ضمّ الواو، مثل اقتل؛ فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين و بقيت ساكنة. و مصدره عوذ و عياذ و معاذ. و هذا تعليم. و التقدير فيه: قل أعوذ.

و الشيطان: فيعال، من شطن يشطن إذا بعد، و يقال فيه شاطن. و تشيطن؛ و سمّي بذلك كل متمردّ لبعد غوره في الشر.

و قيل: هو فعلان، من شاط يشيط، إذا هلك؛ فالمتمرّد هالك بتمرّده.

و يجوز أن يكون سمّي بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره.

و الرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ أي مرجوم بالطّرد و اللّعن.

و قيل: هو فعيل بمعنى فاعل؛ أي يرجم غيره بالإغواء.

سورة الفاتحة

1- قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ :

الباء في‏ بِسْمِ‏ متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ و الجار و المجرور خبره، و التقدير ابتدائي بسم اللّه؛ أي كائن باسم اللّه؛ فالباء متعلقة بالكون و الاستقرار.

و قال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت، أو أبدا؛ فالجارّ و المجرور في موضع نصب بالمحذوف.

و حذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت: لاسم اللّه بركة، أو باسم ربك، أثبتّ الألف في الخط.

و قيل: حذفوا الألف؛ لأنهم حملوه على سم، و هي لغة في اسم.

و لغاته خمس: سم- بكسر السين و ضمها، اسم- بكسر الهمزة و ضمها، و سمى مثل ضحى.

و الأصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدلّ على ذلك قولهم في جمعه أسماء و أسام، و في تصغيره سمىّ، و بنوا منه فعيلا، فقالوا: فلان سميّك: أي اسمه كاسمك. و الفعل منه سمّيت و اسميت؛ فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.

و قال الكوفيون: أصله وسم؛ لأنه من الوسم؛ و هو العلامة، و هذا صحيح في المعنى، فاسد اشتقاقا.

فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى اللّه، و اللّه هو الاسم؟

قيل: في ذلك ثلاثة أوجه:

أحدها- أنّ الاسم هنا بمعنى التسمية، و التسمية غير الاسم؛ لأن الاسم هو اللازم للمسمّى، و التسمية هو التلفّظ بالاسم.

و الثاني- أن في الكلام حذف مضاف، تقديره باسم مسمّى اللّه. و الثالث- أنّ اسم زيادة؛ و من ذلك قوله:

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما و قول الآخر: داع يناديه باسم الماء أي السلام عليكما، و يناديه بالماء.

و الأصل في اللّه الإلاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت و أدغمت في اللام الثانية، ثم فخّمت إذا لم يكن قبلها كسرة، و رقّقت إذ كانت قبلها كسرة؛ و منهم من يرققها في كل حال، و التفخيم في هذا الاسم من خواصّه.

و قال أبو علي: همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، و همزة إلاه أصل؛ و هو من أله يأله إذا عبد، فالإله مصدر في موضع المفعول؛ أي المألوه، و هو المعبود.

و قيل أصل الهمزة واو؛ لأنه من الوله، فالإله تتولّه إليه القلوب؛ أي تتحيّر.

و قيل أصله لاه على فعل، و أصل الألف ياء؛ لأنهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك ثم أدخلت عليه الألف و اللام.

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : صفتان مشتقّتان من الرحمة.

و الرّحمن من أبنية المبالغة. و في الرحيم مبالغة أيضا؛ إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل.

و جرّهما على الصفة؛ و العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.

و قال الأخفش: العامل فيها معنوىّ، و هو كونها تبعا.

و يجوز نصبهما على إضمار أعنى، و رفعهما على تقدير هو.

2- الجمهور على رفع‏ الْحَمْدُ بالابتداء.

و لِلَّهِ‏ الخبر، و اللام متعلقة بمحذوف؛ أي واجب، أو ثابت.

و يقرأ الحمد- بالنصب، على أنه مصدر فعل محذوف؛ أي أحمد الحمد؛ و الرفع أجود؛ لأنّ فيه عموما في المعنى.

و يقرأ بكسر الدال؛ اتباعا لكسرة اللام؛ كما قالوا: المعيرة و رغيف؛ و هو ضعيف في الآية؛ لأن فيه إتباع الإعراب البناء، و في ذلك إبطال للإعراب.

و يقرأ بضم الدال و اللّام على إتباع اللام الدال؛ و هو ضعيف أيضا؛ لأن لام الجر متّصل بما بعده، منفصل عن الدال، و لا نظير له في حروف الجرّ المفردة؛ إلا أنّ من قرأ به فرّ من الخروج من الضم إلى‏

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 12

إلى الكسر، و أجراه مجرى المتّصل؛ لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده.

و الربّ: مصدر ربّ يربّ، ثم جعل صفة كعدل و خصم؛ و أصله رابّ.

و جرّه على الصفة أو البدل. و قرئ بالنصب على إضمار أعنى؛ و قيل على النداء. و قرئ بالرفع على إضمار هو.

الْعالَمِينَ‏ : جمع تصحيح، واحده عالم، و العالم: اسم موضوع للجمع، و لا واحد له في اللفظ؛ و اشتقاقه من العلم عند من خصّ العالم بمن يعقل؛ أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات.

3- و في‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الجر و النصب و الرفع، و بكلّ قرئ على ما ذكرناه في ربّ.

4- ملك يوم الدين:

يقرأ بكسر اللام من غير ألف، و هو من عمر ملكه؛ يقال: ملك بيّن الملك- بالضم.

و قرئ بإسكان اللام؛ و هو من تخفيف المكسور، مثل فخذ و كتف؛ و إضافته على هذا محضة، و هو معرفة؛ فيكون جرّه على الصفة أو البدل من اللّه؛ و لا حذف فيه على هذا.

و يقرأ بالألف و الجر، و هو على هذا نكرة؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرّف بالإضافة؛ فعلى هذا يكون جرّه على البدل لا على الصفة؛ لأن المعرفة لا توصف بالنكرة.

و في الكلام حذف مفعول، تقديره مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الأمر.

و بالإضافة إلى «يوم» خرج عن الظرفية؛ لأنه لا يصحّ فيه تقدير في، لأنها تفصل بين المضاف و المضاف إليه.

و يقرأ- مالك- بالنصب- على أن يكون بإضمار أعنى؛ أو حالا.

و أجار قوم أن يكون نداء.

و يقرأ بالرفع على إضمار هو، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من و يقرأ مليك يوم الدين رفعا و نصبا و جرّا.

و يقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل، و يوم مفعول أو ظرف.

و الدين: مصدر دان يدين.

5- إِيَّاكَ‏ : الجمهور على كسرة الهمزة و تشديد الياء.

و قرئ شاذّا بفتح الهمزة. و الأشبه أن يكون لغة مسموعة.

و قرئ بكسر الهمزة و تخفيف الياء. و الوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة، و قد جاء ذلك في الشعر؛ قال الفرزدق:

تنظّرت نصرا و السمّاكين أيهما

عليّ مع الغيث استهلّت مواطره‏

و قالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف.

و إيّا عند الخليل و سيبويه اسم مضمر؛ فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها. و لا تكون اسما؛ لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها، و المضمرات لا تضاف.

و عند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيّا إليه؛ لأن إيّا تشبه المظهر لتقدّمها على الفعل و الفاعل، و لطولها بكثرة حروفها. و حكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه، و إيّا الشواب.

و قال الكوفيون: إياك بكمالها اسم؛ و هذا بعيد؛ لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم و المخاطب و الغائب؛ فيقال: إياي و إياك و إياه.

و قال قوم: الكاف اسم، و ايا عماد له، و هو حرف؛ و موضع إياك نصب بنعبد.

فإن قيل: إياك خطاب، و الحمد للّه على لفظ الغيبة؛ فكان الأشبه أن يكون إياه.

قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، و من الخطاب إلى الغيبة. و سيمرّ بك من ذلك مقدار صالح في القرآن.

قوله تعالى: نَسْتَعِينُ‏ : الجمهور على فتح النون. و قرئ بكسرها و هي لغة؛ و أصله نستعون؛ نستفعل من العون؛ فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى العين، ثم قلبت ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.

6- اهْدِنَا : لفظه أمر، و الأمر مبني على السكون عند البصريين، و معرب عند الكوفيين؛ فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء، و عند الكوفيين هو علامة الجزم.

و هدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه، فأمّا تعدّيه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدّيا إليه بنفسه؛ و منه هذه الآية؛ و قد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى: «هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» . و جاء متعديا باللام، و منه قوله تعالى: «الَّذِي هَدانا لِهذا» .

و السّراط- بالسين هو الأصل؛ لأنه من سرط الشي‏ء إذا بلعه، (و سمّي) الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشي‏ء المبتلع.

فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل، و من قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق، و السين تشارك الصاد في الصّفير و الهمس؛ فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها؛ فكانت مقاربتها لها مجوّزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق.

و من قرأ بالزاي قلب السين زايا، لأن الزاى و السين من حروف الصّفير؛ و الزاى أشبه بالطاء، لأنهما مجهورتان.

و من أشمّ الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر و الإطباق.

صفحه بعد