کتابخانه تفاسیر
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 9
38- «التلقين في النحو»: ذكره الصفديّ، و ابن رجب، و ابن الشعار.
39- «التهذيب في النحو»: ذكره الصفدي، و حاجي خليفة.
40- «شرح شعر المتنبي»: ذكره الصفدي، و ابن خلكان، و ابن رجب، و القفطي، و أبو شامة، و المنذري، و ابن الشعار، و حاجي خليفة. و قد طبع مرات. و يرى الدكتور مصطفى جواد أنّ المطبوع ليس للعكبري. مجلة دمشق 22/ 1، 2.
41- «شرح بعض قصائد رؤبة»: ذكره الصفدي، و ابن رجب، و ابن الشعار.
42- «مسائل في الخلاف في النحو»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار. و قد نشره محمد خير الحلواني، مكتبة الشهباء- حلب.
43- «تلخيص التنبيه لابن جني»: ذكره الصفدي، و سمّاه ابن الشعار: «تلخيص التنبيه في إعراب الحماسة لابن جني».
44- «العروض» (معلّل): ذكره الصفدي، و ابن الشعار.
45- «العروض» (مختصر): ذكره الصفدي، و ابن الشعار.
46- «مختصر أصول ابن السراج»: ذكره الصفدي.
47- «مسائل نحو مفردة»: ذكره الصفدي، و ابن رجب.
48- «مسألة في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: إنّما يرحم اللّه من عباده الرحماء». ذكره الصفدي.
49- «المنتخب من كتاب المحتسب»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار.
50- «لغة الفقه»: ذكره الصفدي، و ابن الشعار. و قال ابن رجب: أملاه على ابن النجار الحافظ.
51- «مذاهب الفقهاء»: ذكره ابن رجب.
52- «تهذيب الإنسان بتقويم اللسان»: ذكره ابن رجب. و سمّاه ابن الشعار: «تهذيب اللسان».
53- «كتاب القوافي»: ذكره ابن الشعار.
54- «شرح سيبويه»: ذكره ابن الشعار.
55- «شرح البداية»: ذكره ابن الشعار، و قال: لم يتمّه.
56- «كتاب في الجبر و المقابلة»: ذكره ابن الشعار.
57- «شرح لامية العرب للشنفرى»: منه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية برقم 28 ش نحو، 87 ش.
مصادر ترجمته:
1- «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (3/ 116) للقفطي (624)- دار الفكر العربي القاهرة- ت محمد أبو الفضل.
2- «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 461) لعبد العظيم المنذري (656)- ت الدكتور بشار عواد- مؤسسة الرسالة.
3- «قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان» 3/ 265 لابن الشعار (654)- مصوّرة فؤاد سزكين.
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 10
4- «معجم البلدان» (4/ 142) لياقوت الحموي (626)- دار صادر.
5- «ذيل الروضتين» (119- 120) لأبي شامة (665)- دار الجيل.
6- «وفيات الأعيان» (3/ 100) لابن خلكان (681)- دار صادر.
7- «المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي» (15/ 214) للذهبي (748)- الكتب العلمية.
8- «سير أعلام النبلاء» (22/ 91)، للذهبي (748)- مؤسسة الرسالة.
9- «الوافي بالوفيات» (17/ 139)، للصفدي (764)- دار النشر فرانز شتاينر.
10- «نكت الهميان في نكت العميان» (ص 178)، للصفدي (764)- دار المدينة.
11- «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109)، لابن رجب (795)- دار المعرفة.
12- «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد» (2/ 30)، لابن مفلح (884)- مكتبة الرشد.
13- «البداية و النهاية» (13/ 85)، لابن كثير (774).
14- «بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة» (2/ 38)، للسيوطي (911)- دار الفكر.
15- «كشف الظنون» (81، 98، 108، 122، 212، 214، 253، 399، 424، 440، 480، 518، 692، 714، 811، 1273، 1428، 1543، 1563، 1774، 1789، 1820) لحاجي خليفة- دار الفكر.
16- الكتب المطبوعة من كتب العكبري.
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 11
[خطبة الكتاب]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به عوني و ثقتي قال الشيخ الإمام العالم محبّ الدين أبو البقاء عبد اللّه بن الحسين بن عبد اللّه العكبري رحمه اللّه تعالى، و رحم أسلافه بمحمد و آله و أصحابه و أنصاره.
الحمد للّه الذي وفّقنا لحفظ كتابه، و وقفنا على الجليل من حكمه و أحكامه و آدابه، و ألهمنا تدبّر معانيه و وجوه إعرابه، و عرّفنا تفنّن أساليبه؛ من حقيقته و مجازه، و إيجازه و إسهابه؛ أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بيوم حسابه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله المبرّز في لسنه و فصل خطابه، ناظم حبل الحق بعد انقضابه، و جامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى اللّه عليه و على آله و أصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، و اضطرب بحر باذيّة و عبابه.
أما بعد: فإن أولى ما عني باغي العلم بمراعاته، و أحقّ ما صرف العناية إلى معاناته، ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، و حاكما عليها و لها فيما ينشأ من الاختلاف عنها، و ذلك هو القرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؛ و هو المعجز الباقي على الأبد، و المودع أسرار المعاني التي لا تنفد؛ و حبل اللّه المتين، و حجّته على الخلق أجمعين.
فأوّل مبدوء به من ذلك تلقّف ألفاظه عن حفّاظه، ثم تلقّي معانيه ممن يعانيه؛ و أقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، و يتوصّل به إلى تبيين أغراضه و مغزاه، معرفة إعرابه و اشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، و النظر في وجوه القراءات المنقولة عن الأئمة الأثبات.
و الكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا؛ فمنها المختصر حجما و علما، و منها المطوّل بكثرة إعراب الظواهر، و خلط الإعراب بالمعاني، و قلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملي كتابا يصغر حجمه، و يكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الإعراب و وجوه القراءات، فأتيت به على ذلك؛ و اللّه أسأل أن يوفّقني فيه لإصابة الصواب، و حسن القصد به بمنّه و كرمه.
إعراب الاستعاذة
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.
أعوذ: أصله أعوذ، بسكون العين و ضمّ الواو، مثل اقتل؛ فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين و بقيت ساكنة. و مصدره عوذ و عياذ و معاذ. و هذا تعليم. و التقدير فيه: قل أعوذ.
و الشيطان: فيعال، من شطن يشطن إذا بعد، و يقال فيه شاطن. و تشيطن؛ و سمّي بذلك كل متمردّ لبعد غوره في الشر.
و قيل: هو فعلان، من شاط يشيط، إذا هلك؛ فالمتمرّد هالك بتمرّده.
و يجوز أن يكون سمّي بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره.
و الرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ أي مرجوم بالطّرد و اللّعن.
و قيل: هو فعيل بمعنى فاعل؛ أي يرجم غيره بالإغواء.
سورة الفاتحة
1- قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :
الباء في بِسْمِ متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ و الجار و المجرور خبره، و التقدير ابتدائي بسم اللّه؛ أي كائن باسم اللّه؛ فالباء متعلقة بالكون و الاستقرار.
و قال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت، أو أبدا؛ فالجارّ و المجرور في موضع نصب بالمحذوف.
و حذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت: لاسم اللّه بركة، أو باسم ربك، أثبتّ الألف في الخط.
و قيل: حذفوا الألف؛ لأنهم حملوه على سم، و هي لغة في اسم.
و لغاته خمس: سم- بكسر السين و ضمها، اسم- بكسر الهمزة و ضمها، و سمى مثل ضحى.
و الأصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدلّ على ذلك قولهم في جمعه أسماء و أسام، و في تصغيره سمىّ، و بنوا منه فعيلا، فقالوا: فلان سميّك: أي اسمه كاسمك. و الفعل منه سمّيت و اسميت؛ فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.
و قال الكوفيون: أصله وسم؛ لأنه من الوسم؛ و هو العلامة، و هذا صحيح في المعنى، فاسد اشتقاقا.
فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى اللّه، و اللّه هو الاسم؟
قيل: في ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها- أنّ الاسم هنا بمعنى التسمية، و التسمية غير الاسم؛ لأن الاسم هو اللازم للمسمّى، و التسمية هو التلفّظ بالاسم.
و الثاني- أن في الكلام حذف مضاف، تقديره باسم مسمّى اللّه. و الثالث- أنّ اسم زيادة؛ و من ذلك قوله:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما و قول الآخر: داع يناديه باسم الماء أي السلام عليكما، و يناديه بالماء.
و الأصل في اللّه الإلاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت و أدغمت في اللام الثانية، ثم فخّمت إذا لم يكن قبلها كسرة، و رقّقت إذ كانت قبلها كسرة؛ و منهم من يرققها في كل حال، و التفخيم في هذا الاسم من خواصّه.
و قال أبو علي: همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، و همزة إلاه أصل؛ و هو من أله يأله إذا عبد، فالإله مصدر في موضع المفعول؛ أي المألوه، و هو المعبود.
و قيل أصل الهمزة واو؛ لأنه من الوله، فالإله تتولّه إليه القلوب؛ أي تتحيّر.
و قيل أصله لاه على فعل، و أصل الألف ياء؛ لأنهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك ثم أدخلت عليه الألف و اللام.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : صفتان مشتقّتان من الرحمة.
و الرّحمن من أبنية المبالغة. و في الرحيم مبالغة أيضا؛ إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل.
و جرّهما على الصفة؛ و العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.
و قال الأخفش: العامل فيها معنوىّ، و هو كونها تبعا.
و يجوز نصبهما على إضمار أعنى، و رفعهما على تقدير هو.
2- الجمهور على رفع الْحَمْدُ بالابتداء.
و لِلَّهِ الخبر، و اللام متعلقة بمحذوف؛ أي واجب، أو ثابت.
و يقرأ الحمد- بالنصب، على أنه مصدر فعل محذوف؛ أي أحمد الحمد؛ و الرفع أجود؛ لأنّ فيه عموما في المعنى.
و يقرأ بكسر الدال؛ اتباعا لكسرة اللام؛ كما قالوا: المعيرة و رغيف؛ و هو ضعيف في الآية؛ لأن فيه إتباع الإعراب البناء، و في ذلك إبطال للإعراب.
و يقرأ بضم الدال و اللّام على إتباع اللام الدال؛ و هو ضعيف أيضا؛ لأن لام الجر متّصل بما بعده، منفصل عن الدال، و لا نظير له في حروف الجرّ المفردة؛ إلا أنّ من قرأ به فرّ من الخروج من الضم إلى
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 12
إلى الكسر، و أجراه مجرى المتّصل؛ لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده.
و الربّ: مصدر ربّ يربّ، ثم جعل صفة كعدل و خصم؛ و أصله رابّ.
و جرّه على الصفة أو البدل. و قرئ بالنصب على إضمار أعنى؛ و قيل على النداء. و قرئ بالرفع على إضمار هو.
الْعالَمِينَ : جمع تصحيح، واحده عالم، و العالم: اسم موضوع للجمع، و لا واحد له في اللفظ؛ و اشتقاقه من العلم عند من خصّ العالم بمن يعقل؛ أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات.
3- و في الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الجر و النصب و الرفع، و بكلّ قرئ على ما ذكرناه في ربّ.
4- ملك يوم الدين:
يقرأ بكسر اللام من غير ألف، و هو من عمر ملكه؛ يقال: ملك بيّن الملك- بالضم.
و قرئ بإسكان اللام؛ و هو من تخفيف المكسور، مثل فخذ و كتف؛ و إضافته على هذا محضة، و هو معرفة؛ فيكون جرّه على الصفة أو البدل من اللّه؛ و لا حذف فيه على هذا.
و يقرأ بالألف و الجر، و هو على هذا نكرة؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرّف بالإضافة؛ فعلى هذا يكون جرّه على البدل لا على الصفة؛ لأن المعرفة لا توصف بالنكرة.
و في الكلام حذف مفعول، تقديره مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الأمر.
و بالإضافة إلى «يوم» خرج عن الظرفية؛ لأنه لا يصحّ فيه تقدير في، لأنها تفصل بين المضاف و المضاف إليه.
و يقرأ- مالك- بالنصب- على أن يكون بإضمار أعنى؛ أو حالا.
و أجار قوم أن يكون نداء.
و يقرأ بالرفع على إضمار هو، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من و يقرأ مليك يوم الدين رفعا و نصبا و جرّا.
و يقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل، و يوم مفعول أو ظرف.
و الدين: مصدر دان يدين.
5- إِيَّاكَ : الجمهور على كسرة الهمزة و تشديد الياء.
و قرئ شاذّا بفتح الهمزة. و الأشبه أن يكون لغة مسموعة.
و قرئ بكسر الهمزة و تخفيف الياء. و الوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة، و قد جاء ذلك في الشعر؛ قال الفرزدق:
تنظّرت نصرا و السمّاكين أيهما
عليّ مع الغيث استهلّت مواطره
و قالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف.
و إيّا عند الخليل و سيبويه اسم مضمر؛ فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها. و لا تكون اسما؛ لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها، و المضمرات لا تضاف.
و عند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيّا إليه؛ لأن إيّا تشبه المظهر لتقدّمها على الفعل و الفاعل، و لطولها بكثرة حروفها. و حكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه، و إيّا الشواب.
و قال الكوفيون: إياك بكمالها اسم؛ و هذا بعيد؛ لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم و المخاطب و الغائب؛ فيقال: إياي و إياك و إياه.
و قال قوم: الكاف اسم، و ايا عماد له، و هو حرف؛ و موضع إياك نصب بنعبد.
فإن قيل: إياك خطاب، و الحمد للّه على لفظ الغيبة؛ فكان الأشبه أن يكون إياه.
قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، و من الخطاب إلى الغيبة. و سيمرّ بك من ذلك مقدار صالح في القرآن.
قوله تعالى: نَسْتَعِينُ : الجمهور على فتح النون. و قرئ بكسرها و هي لغة؛ و أصله نستعون؛ نستفعل من العون؛ فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى العين، ثم قلبت ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.
6- اهْدِنَا : لفظه أمر، و الأمر مبني على السكون عند البصريين، و معرب عند الكوفيين؛ فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء، و عند الكوفيين هو علامة الجزم.
و هدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه، فأمّا تعدّيه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدّيا إليه بنفسه؛ و منه هذه الآية؛ و قد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى: «هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» . و جاء متعديا باللام، و منه قوله تعالى: «الَّذِي هَدانا لِهذا» .
و السّراط- بالسين هو الأصل؛ لأنه من سرط الشيء إذا بلعه، (و سمّي) الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع.
فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل، و من قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق، و السين تشارك الصاد في الصّفير و الهمس؛ فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها؛ فكانت مقاربتها لها مجوّزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق.
و من قرأ بالزاي قلب السين زايا، لأن الزاى و السين من حروف الصّفير؛ و الزاى أشبه بالطاء، لأنهما مجهورتان.
و من أشمّ الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر و الإطباق.
و أصل الْمُسْتَقِيمَ مستقوم، ثم عمل فيه ما ذكرنا في نستعين، و مستفعل هنا بمعنى فعيل؛ أي السراط القويم.
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 13
و يجوز أن يكون بمعنى القائم؛ أي الثابت.
و سراط الثاني بدل من الأول، و هو بدل الشيء من الشيء، و هما بمعنى واحد، و كلاهما معرفة.
و الَّذِينَ : اسم موصول، و صلته أنعمت، و العائد عليه الهاء و الميم.
و الغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل؛ لأنّ الجمل تفسّر بالنكرات، و النكرة لا توصف بها المعرفة.
و الألف و اللام في الذي زائدتان و تعريفها بالصلة، ألا ترى أن «من» و «ما» معرفتان، و لا لام فيهما فدلّ أن تعرّفهما بالصلة.
و الأصل في الذين اللّذيون؛ لأن واحده الذي، إلا أنّ ياء الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان.
و الذين بالياء في كل حال؛ لأنه اسم مبني، و من العرب من يجعله في الرفع بالواو، و في الجر و النصب بالياء، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع و بالياء في الجر و النصب.
و في الذي خمس لغات:
إحداها لذي- بلام مفتوحة من غير لام التعريف، و قد قرئ به شاذا.
و الثانية الذي بسكون الياء.
و الثالثة بحذفها و إبقاء كسرة الذال.
و الرابعة بحذف الياء و إسكان الذال.
و الخامسة بياء مشددة.
7- غَيْرِ الْمَغْضُوبِ : يقرأ بالجر، و فيه ثلاثة أوجه:
أحدها- أنه بدل من الذين.
و الثاني- أنّه بدل من الهاء و الميم في عليهم.
و الثالث- أنه صفة للذين.
فإن قلت: الذين معرفة و غير لا يتعرّف بالإضافة، فلا يصحّ أن يكون صفة له؟
ففيه جوابان:
أحدهما- أنّ غير إذا وقعت بين متضادين، و كانا معرفتين، تعرفت بالإضافة، كقولك: عجبت من الحركة غير السكون؛ و كذلك الأمر هنا؛ لأنّ المنعم عليه و المغضوب عليه متضادّان.
و الجواب الثاني- أنّ الذين قريب من النكرة؛ لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، و غير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة؛ فكلّ واحد منهما فيه إبهام من وجه و اختصاص من وجه.
و يقرأ غير بالنصب، و فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه حال من الهاء و الميم، و العامل فيها أنعمت، و يضعف أن يكون حالا من الذين، لأنه مضاف إليه، و الصراط لا يصحّ أن يعمل بنفسه في الحال؛ و قد قيل: إنه ينتصب على الحال من الذين، و يعمل فيها معنى الإضافة.
و الوجه الثاني- أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء و الميم.
و الثالث- أنه ينتصب بإضمار أعنى.
و المغضوب: مفعول، من غضب عليه، و هو لازم، و القائم مقام الفاعل «عَلَيْهِمْ» . و التقدير: غير الفريق المغضوب، و لا ضمير في المغضوب لقيام الجار و المجرور مقام الفاعل، و لذلك لم يجمع، فيقال الفريق المغضوبين عليهم، لأنّ اسم الفاعل و المفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة.
وَ لَا الضَّالِّينَ : «لا» زائدة عند البصريين للتوكيد، و عند الكوفيين هي بمعنى غير، كما قالوا:
جئت بلا شيء، فأدخلوا عليها حرف الجر، فيكون لها حكم غير.
و أجاب البصريون عن هذا بأن «لا» دخلت للمعنى، فتخطّاها العامل، كما يتخطى الألف و اللام.
و الجمهور على ترك الهمز في الضالين؛ و قرأ أيوب السّختياني بهمزة مفتوحة؛ و هي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدّد نحو:
ضالّ، و دابة، و جان.
و العلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصحّ حركتها؛ لئلا يجمع بين ساكنين.
فصل
و أما (آمين) فاسم للفعل، و معناها: اللهم استجب، و هو مبنيّ لوقوعه موقع المبني، و حرّك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين؛ و الفتح فيها أقوى؛ لأن قبل الياء كسرة؛ فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين.
و قيل (آمين): اسم من أسماء اللّه تعالى؛ و تقديره: يا آمين؛ و هذا خطأ لوجهين: أحدهم- أنّ أسماء اللّه لا تعرف إلا تلقّيا، و لم يرد بذلك سمع.
و الثاني- أنه لو كان كذلك لبني على الضم؛ لأنه منادى معرفة أو مقصود.
و فيه لغتان: القصر، و هو الأصل. و المد، و ليس من الأبنية العربية؛ بل هو من الأبنية الأعجمية؛ كهابيل، و قابيل. و الوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة، فنشأت الألف؛ فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.
فصل
في هاء الضمير نحو: عليهم و عليه، و فيه و فيهم و إنما أفردناه لتكرّره في القرآن:
الأصل في هذه الهاء الضم؛ لأنها تضمّ بعد الفتحة و الضمة و السكون، نحو: إنّه و له، و غلامه، و يسمعه، و منه؛ و إنّما يجوز كسرها بعد الياء نحو:
عليهم و أيديهم، و بعد الكسر نحو: به و بداره؛ و ضمّها في الموضعين جائز؛ لأنه الأصل؛ و إنّما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء و الكسرة؛ و بكلّ قد قرئ.
فأما عليهم ففيها عشر لغات، و كلها قد قرئ به: خمس مع ضمّ الهاء، و خمس مع كسرها.
فالتي مع الضم: إسكان الميم، و ضمها من غير إشباع، و ضمها مع واو، و كسر الميم من غير ياء، و كسرها مع الياء.
و أما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم، و كسرها من غير ياء، و كسرها مع الياء، و ضمها من غير واو، و ضمها مع الواو.
و الأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو، كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد، و الألف دليل التثنية نحو: عليهما، و الواو للجمع نظير الألف؛ و يدل على ذلك أن علامة الجمع في المؤنث نون مشدّدة، نحو: عليهنّ؛ فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا؛ و لا لبس في ذلك؛ لأنّ الواحد لا ميم فيه، و التثنية بعد ميمها ألف، و إذا حذفت الواو سكنت الميم؛ لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع؛ نحو: ضربهم و يضربهم.
فمن أثبت الواو أو حذفها و سكّن الميم فلمّا ذكرنا.
و من ضمّ الميم دلّ بذلك على أنّ أصلها الضم، و جعل الضمة دليل الواو المحذوفة.
و من كسر الميم و أتبعها ياء فإنه حرّك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها، ثم قلب الواو ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.
و من حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها.
و من كسر الميم بعد ضمّة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء.
و من ضمّ الهاء قال: إنّ الياء في «عليه»، حقّها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر، و ليست
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 14
الياء أصل الألف؛ فكما أن الهاء تضمّ بعد الألف فكذلك تضمّ بعد الياء المبدلة منها.
و من كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأمّا كسر الهاء و إتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه فلخفاء الهاء بيّنت بالإشباع، و أما ضعفه فلأنّ الهاء خفيّة، و الخفيّ قريب من الساكن، و الساكن غير حصين، فكأن الياء و ليت الياء.
و إذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمّها، نحو:
عليهم الذّلّة؛ لأنّ أصلها الضم، و إنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضمّ الذي هو حقّها في الأصل أولى، و يجوز كسرها اتباعا لما قبلها.
و أما: فيه، و بنيه، ففيه الكسر من غير إشباع، و بالإشباع، و فيه الضمّ من غير إشباع، و بالإشباع.
و أما إذا سكن ما قبل الهاء، نحو: منه، و عنه، و تجدوه، فمن ضمّ من غير إشباع فعلى الأصل، و من أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.
سورة البقرة
1- الم : هذه الحروف المقطعة كلّ واحد منها اسم؛ فألف: اسم يعبّر به عن مثل الحرف الّذي في قال. و لام يعبّر بها عن الحرف الأخير من قال، و كذلك ما أشبهها.
و الدليل على أنها أسماء أنّ كلا منها يدلّ على معنىّ في نفسه.
و هي مبنية؛ لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء؛ و إنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها؛ فهي كالأصوات؛ نحو: غاق- في حكاية صوت الغراب.
و في موضع «الم» ثلاثة أوجه:
أحدها- الجر على القسم، و حرف القسم محذوف، و بقي عمله بعد الحذف؛ لأنه مراد، فهو كالملفوظ به، كما قالوا: اللّه لتفعلنّ، في لغة من جرّ.
و الثاني- موضعها نصب؛ و فيه و جهان: أحدهما- هو على تقدير حذف القسم، كما تقول: اللّه لأفعلن، و الناصب فعل محذوف تقديره: التزمت اللّه؛ أي اليمين به.
و الثاني- هي مفعول بها تقديره: اتل آلم.
و الوجه الثالث- موضعها رفع بأنها مبتدأ و ما بعدها الخبر.
2- ذلِكَ : ذا اسم إشارة، و الألف من جملة الاسم.
و قال الكوفيون: الذال وحدها هي الاسم، و الألف زيدت لتكثير الكلمة، و استدلوا على ذلك بقولهم: ذه أمة اللّه؛ و ليس ذلك بشيء؛ لأنّ هذا الاسم اسم ظاهر، و ليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه؛ و يدلّ على ذلك قولهم في التصغير: ذيّا؛ فردّوه إلى الثلاثي، و الهاء في ذه بدل من الياء في ذي.
و أما اللام فحرف زيد ليدلّ على بعد المشار إليه.
و قيل: هي بدل من ها؛ ألا تراك تقول: هذا، و هذاك؛ و لا يجوز هذلك.
و حرّكت اللام لئلا يجتمع ساكنان، و كسرت على أصل التقاء الساكنين؛ و قيل: كسرت للفرق بين هذه اللام و لام الجر؛ إذ لو فتحتها فقلت ذلك لا لتبس بمعنى الملك.
و قيل: ذلك هاهنا بمعنى هذا.
و موضعه رفع؛ إما على أنه خبر آلم، و الكتاب عطف بيان، و لا ريب في موضع نصب على الحال؛ أي هذا الكتاب حقّا، أو غير ذي شك؛ و إمّا أن يكون ذلك مبتدأ و الكتاب خبره، و لا ريب حال. و يجوز أن يكون الكتاب عطف بيان، و لا ريب فيه الخبر.
و «رَيْبَ» : مبنىّ عند الأكثرين، لأنه ركب مع لا و صيّر بمنزلة خمسة عشر؛ و علّة بنائه تضمّنه معنى من؛ إذ التقدير: لا من ريب، و احتيج إلى تقدير من لتدلّ «لا» على نفي الجنس؛ ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفي الواحد و ما زاد عليه، فإذا قلت: لا رجل في الدار، فرفعت و نوّنت نفيت الواحد و لم تنف ما زاد عليه؛ إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.
و قوله: (فِيهِ) فيه و جهان:
أحدهما- هو في موضع خبر لا، و يتعلّق بمحذوف، تقديره: لا ريب كائن فيه، فتقف حينئذ على «فيه».
و الوجه الثاني- أن يكون لا ريب آخر الكلام، و خبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف، فتقول: فيه هدى، فيكون هدى مبتدأ و فيه الخبر؛ و إن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه؛ و يتعلّق «فى» على الوجهين بفعل محذوف.
و أما هدى فألفه منقلبة عن ياء؛ لقولك:
هديت، و الهدي.
و في موضعه و جهان:
أحد هما- رفع، إما مبتدأ، أو فاعل على ما ذكرنا؛ و إما أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو هدى؛ و إما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر.
و الوجه الثاني- أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه؛ أي لا ريب فيه هاديا؛ فالمصدر في معنى اسم الفاعل، و العامل في الحال معنى الجملة، تقديره: أحقّقه هاديا.
و يجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه و الإشارة الحاصل من قوله ذلك. لِلْمُتَّقِينَ : اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن، أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى؛ و يجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى؛ لأنه مصدر، و المصدر يعمل عمل الفعل.
و واحد المتقين متّقي؛ و أصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو و لامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء و أدغمتها في التاء الأخرى، فقلت: اتّقى، و كذلك في اسم الفاعل و ما تصرّف منه؛ نحو متّق و متّقى.
و متّق: اسم ناقص، و ياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها و سكون حرف الجمع بعدها؛ كقولك: متّقون و متّقين، و وزنه في الأصل مفتعلون؛ لأنّ أصله موتقيون، فحذفت اللام لما ذكرنا، فوزنه الآن مفتعون و مفتعين؛ و إنما حذفت اللام دون علامة الجمع؛ لأن علامة الجمع دالة على معنى، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
3- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ : هو في موضع جرّ صفة للمتقين.
و يجوز أن يكون في موضع نصب، إما على موضع للمتقين، أو بإضمار أعني.
و يجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار «هم»، أو مبتدأو خبره أولئك على هدى.
و أصل يؤمنون يؤامنون؛ لأنه من الأمن، و الماضي منه آمن، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، و لم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها و انفتاح ما قبلها.
و نظيره في الأسماء: آدم، و آخر.
فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل؛ لأن ذلك يفضي بك في التّكلم إلى ثلاث همزات: الأولى همزة المضارعة، و الثانية همزة افعل التي في آمن، و الثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة؛ فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، و كان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى؛ لأنها حرف معنى، و من حذف الثالثة؛ لأنّ الثالثة فاء الكلمة. و الوسطى زائدة.
و إذا أردت تبيين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف، فهو مثل دحرج، فلو قلت: أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي و زدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أومن، فالباقي من الهمزات:
الأولى، و الواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة، و الهمزة الوسطى هي المحذوفة؛ و إنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها و انضمام ما قبلها.
التبيان فى اعراب القرآن، ص: 15
فإذا قلت: نؤمن و تؤمن، و يؤمن، جاز لك فيه وجهان:
أحدهما- الهمز على الأصل.
و الثاني- قلب الهمزة واوا تخفيفا، و حذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن، و الأصل يوأمن؛ فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا.
و الغيب هنا: مصدر بمعنى الفاعل، أي يؤمنون بالغائب عنهم.
و يجوز أن يكون بمعنى المفعول؛ أي المغيّب؛ كقوله: «هذا خَلْقُ اللَّهِ» ؛ أي مخلوقه. و درهم ضرب الأمير؛ أي مضروبه.
وَ يُقِيمُونَ : أصله يؤقومون، و ماضيه أقام، و عينه واو؛ لقولك فيه: يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، و كذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة. و أما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين، و قد ذكرناه.
و ألف الصلاة منقلبة عن واو؛ لقولك:
صلوات، و الصلاة مصدر صلى؛ و يراد بها هاهنا الأفعال و الأقوال المخصوصة؛ فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر.
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ : «من» متعلقة بينفقون؛ و التقدير: و ينفقون مما رزقناهم؛ فيكون الفعل قبل المفعول، كما كان قوله: يؤمنون، و يقيمون كذلك، و إنما أخّر الفعل عن المفعول لتتوافق رؤوس الآي.
و ما بمعنى الذي.
و رزقنا يتعدّى إلى مفعولين؛ و قد حذف الثاني منهما هنا، و هو العائد على «ما»، تقديره:
رزقناهموه، أو رزقناهم إياه.
و يجوز أن تكون «ما» نكرة موصوفة بمعنى شىء؛ أي: و من مال رزقناهم؛ فيكون رزقناهم في موضع جرّ صفة لما.
و على القول الأول لا يكون له موضع؛ لأن الصلة لا موضع لها، و لا يجوز أن تكون ما مصدرية؛ لأن الفعل لا ينفق.
و من للتبعيض، و يجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق.
و أصل ينفقون: يؤنفقون، لأن ماضيه أنفق، و قد تقدّم نظيره.
4- بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ : «ما» هاهنا بمعى الذي؛ و لا يجوز أن تكون نكرة موصوفة، أي بشيء أنزل إليك؛ لأنه لا عموم فيه على هذا، و لا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و ما للعموم، و بذلك يتحقق الإيمان.
و القراءة الجيدة أنزل إليك، بتحقيق الهمزة.
و قد قرئ في الشاذ أنزل ليك- بتشديد اللام.
و الوجه فيه أنه سكّن لام أنزل، و ألقى عليها حركة الهمزة، فانكسرت اللام، و حذفت الهمزة، فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل ليك، فسكنت اللام الأولى، و أدغمت في اللام الثانية.
و الكاف هنا ضمير المخاطب، و هو النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛ و يجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب، و يكون في معنى الجمع.
و قد صرح به في آي أخر؛ كقوله: «لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ» .
وَ بِالْآخِرَةِ : الباء متعلقة بيوقنون؛ و لا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ، و هذا يدلّ على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز؛ إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل.
و الآخرة صفة، و الموصوف محذوف، تقديره:
و بالساعة الآخرة، أو بالدار الآخرة، كما قال:
«وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ» . و قال: «وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ» .
هُمْ يُوقِنُونَ : هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، و لو قال: و بالآخرة يوقنون لصحّ المعنى و الإعراب، و وجه التوكيد في «هم» تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، و يوقنون الخبر.
و أصله يؤيقنون، لأن ماضيه أيقن، و الأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أنّ الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون، و أبدلت الياء واوا لسكونها و انضمام ما قبلها.
5- أُولئِكَ : هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، و واحده ذا؛ و يكون أولئك للمؤنث و المذكر، و الكاف فيه حرف للخطاب و ليست اسما؛ إذ لو كانت اسما لكانت إمّا مرفوعة أو منصوبة؛ و لا يصحّ شىء منهما؛ إذ لا رافع هنا و لا ناصب؛ و إما أن تكون مجرورة بالإضافة، و أولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، و المبهمات لا تضاف؛ فبقى أن تكون حرفا مجرّدا للخطاب.
و يجوز مدّ أولاء، و قصره في غير القرآن.
و موضعه هنا رفع بالابتداء، و عَلى هُدىً الخبر، و حرف الجر متعلق بمحذوف، أي أولئك ثابتون على هدى.
و يجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، و قد ذكر.
فإن قيل: أصل «على» الاستعلاء، و الهدى لا يستعلى عليه، فكيف يصحّ معناها هاهنا؟
قيل: معنى الاستعلاء حاصل؛ لأنّ منزلتهم علت باتّباع الهدى.
و يجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلّها على مقتضى الهدى كان تصرّفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.
مِنْ رَبِّهِمْ : في موضع جرّ صفة لهدى، و يتعلق الجارّ بمحذوف تقديره: هدى كائن، و في الجارّ و المجرور ضمير يعود على الهدى.
و يجوز كسر الهاء و ضمّها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.