کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التبيان فى اعراب القرآن

خطبة الكتاب إعراب الاستعاذة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح عليه السلام سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس المحتويات

التبيان فى اعراب القرآن


صفحه قبل

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 10

4- «معجم البلدان» (4/ 142) لياقوت الحموي (626)- دار صادر.

5- «ذيل الروضتين» (119- 120) لأبي شامة (665)- دار الجيل.

6- «وفيات الأعيان» (3/ 100) لابن خلكان (681)- دار صادر.

7- «المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي» (15/ 214) للذهبي (748)- الكتب العلمية.

8- «سير أعلام النبلاء» (22/ 91)، للذهبي (748)- مؤسسة الرسالة.

9- «الوافي بالوفيات» (17/ 139)، للصفدي (764)- دار النشر فرانز شتاينر.

10- «نكت الهميان في نكت العميان» (ص 178)، للصفدي (764)- دار المدينة.

11- «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109)، لابن رجب (795)- دار المعرفة.

12- «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد» (2/ 30)، لابن مفلح (884)- مكتبة الرشد.

13- «البداية و النهاية» (13/ 85)، لابن كثير (774).

14- «بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة» (2/ 38)، للسيوطي (911)- دار الفكر.

15- «كشف الظنون» (81، 98، 108، 122، 212، 214، 253، 399، 424، 440، 480، 518، 692، 714، 811، 1273، 1428، 1543، 1563، 1774، 1789، 1820) لحاجي خليفة- دار الفكر.

16- الكتب المطبوعة من كتب العكبري.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 11

[خطبة الكتاب‏]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به عوني و ثقتي قال الشيخ الإمام العالم محبّ الدين أبو البقاء عبد اللّه بن الحسين بن عبد اللّه العكبري رحمه اللّه تعالى، و رحم أسلافه بمحمد و آله و أصحابه و أنصاره.

الحمد للّه الذي وفّقنا لحفظ كتابه، و وقفنا على الجليل من حكمه و أحكامه و آدابه، و ألهمنا تدبّر معانيه و وجوه إعرابه، و عرّفنا تفنّن أساليبه؛ من حقيقته و مجازه، و إيجازه و إسهابه؛ أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بيوم حسابه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله المبرّز في لسنه و فصل خطابه، ناظم حبل الحق بعد انقضابه، و جامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى اللّه عليه و على آله و أصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، و اضطرب بحر باذيّة و عبابه.

أما بعد: فإن أولى ما عني باغي العلم بمراعاته، و أحقّ ما صرف العناية إلى معاناته، ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، و حاكما عليها و لها فيما ينشأ من الاختلاف عنها، و ذلك هو القرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؛ و هو المعجز الباقي على الأبد، و المودع أسرار المعاني التي لا تنفد؛ و حبل اللّه المتين، و حجّته على الخلق أجمعين.

فأوّل مبدوء به من ذلك تلقّف ألفاظه عن حفّاظه، ثم تلقّي معانيه ممن يعانيه؛ و أقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، و يتوصّل به إلى تبيين أغراضه و مغزاه، معرفة إعرابه و اشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، و النظر في وجوه القراءات المنقولة عن الأئمة الأثبات.

و الكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا؛ فمنها المختصر حجما و علما، و منها المطوّل بكثرة إعراب الظواهر، و خلط الإعراب بالمعاني، و قلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملي كتابا يصغر حجمه، و يكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الإعراب و وجوه القراءات، فأتيت به على ذلك؛ و اللّه أسأل أن يوفّقني فيه لإصابة الصواب، و حسن القصد به بمنّه و كرمه.

إعراب الاستعاذة

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.

أعوذ: أصله أعوذ، بسكون العين و ضمّ الواو، مثل اقتل؛ فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين و بقيت ساكنة. و مصدره عوذ و عياذ و معاذ. و هذا تعليم. و التقدير فيه: قل أعوذ.

و الشيطان: فيعال، من شطن يشطن إذا بعد، و يقال فيه شاطن. و تشيطن؛ و سمّي بذلك كل متمردّ لبعد غوره في الشر.

و قيل: هو فعلان، من شاط يشيط، إذا هلك؛ فالمتمرّد هالك بتمرّده.

و يجوز أن يكون سمّي بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره.

و الرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ أي مرجوم بالطّرد و اللّعن.

و قيل: هو فعيل بمعنى فاعل؛ أي يرجم غيره بالإغواء.

سورة الفاتحة

1- قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ :

الباء في‏ بِسْمِ‏ متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ و الجار و المجرور خبره، و التقدير ابتدائي بسم اللّه؛ أي كائن باسم اللّه؛ فالباء متعلقة بالكون و الاستقرار.

و قال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت، أو أبدا؛ فالجارّ و المجرور في موضع نصب بالمحذوف.

و حذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت: لاسم اللّه بركة، أو باسم ربك، أثبتّ الألف في الخط.

و قيل: حذفوا الألف؛ لأنهم حملوه على سم، و هي لغة في اسم.

و لغاته خمس: سم- بكسر السين و ضمها، اسم- بكسر الهمزة و ضمها، و سمى مثل ضحى.

و الأصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدلّ على ذلك قولهم في جمعه أسماء و أسام، و في تصغيره سمىّ، و بنوا منه فعيلا، فقالوا: فلان سميّك: أي اسمه كاسمك. و الفعل منه سمّيت و اسميت؛ فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.

و قال الكوفيون: أصله وسم؛ لأنه من الوسم؛ و هو العلامة، و هذا صحيح في المعنى، فاسد اشتقاقا.

فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى اللّه، و اللّه هو الاسم؟

قيل: في ذلك ثلاثة أوجه:

أحدها- أنّ الاسم هنا بمعنى التسمية، و التسمية غير الاسم؛ لأن الاسم هو اللازم للمسمّى، و التسمية هو التلفّظ بالاسم.

و الثاني- أن في الكلام حذف مضاف، تقديره باسم مسمّى اللّه. و الثالث- أنّ اسم زيادة؛ و من ذلك قوله:

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما و قول الآخر: داع يناديه باسم الماء أي السلام عليكما، و يناديه بالماء.

و الأصل في اللّه الإلاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت و أدغمت في اللام الثانية، ثم فخّمت إذا لم يكن قبلها كسرة، و رقّقت إذ كانت قبلها كسرة؛ و منهم من يرققها في كل حال، و التفخيم في هذا الاسم من خواصّه.

و قال أبو علي: همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، و همزة إلاه أصل؛ و هو من أله يأله إذا عبد، فالإله مصدر في موضع المفعول؛ أي المألوه، و هو المعبود.

و قيل أصل الهمزة واو؛ لأنه من الوله، فالإله تتولّه إليه القلوب؛ أي تتحيّر.

و قيل أصله لاه على فعل، و أصل الألف ياء؛ لأنهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك ثم أدخلت عليه الألف و اللام.

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : صفتان مشتقّتان من الرحمة.

و الرّحمن من أبنية المبالغة. و في الرحيم مبالغة أيضا؛ إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل.

و جرّهما على الصفة؛ و العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.

و قال الأخفش: العامل فيها معنوىّ، و هو كونها تبعا.

و يجوز نصبهما على إضمار أعنى، و رفعهما على تقدير هو.

2- الجمهور على رفع‏ الْحَمْدُ بالابتداء.

و لِلَّهِ‏ الخبر، و اللام متعلقة بمحذوف؛ أي واجب، أو ثابت.

و يقرأ الحمد- بالنصب، على أنه مصدر فعل محذوف؛ أي أحمد الحمد؛ و الرفع أجود؛ لأنّ فيه عموما في المعنى.

و يقرأ بكسر الدال؛ اتباعا لكسرة اللام؛ كما قالوا: المعيرة و رغيف؛ و هو ضعيف في الآية؛ لأن فيه إتباع الإعراب البناء، و في ذلك إبطال للإعراب.

و يقرأ بضم الدال و اللّام على إتباع اللام الدال؛ و هو ضعيف أيضا؛ لأن لام الجر متّصل بما بعده، منفصل عن الدال، و لا نظير له في حروف الجرّ المفردة؛ إلا أنّ من قرأ به فرّ من الخروج من الضم إلى‏

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 12

إلى الكسر، و أجراه مجرى المتّصل؛ لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده.

و الربّ: مصدر ربّ يربّ، ثم جعل صفة كعدل و خصم؛ و أصله رابّ.

و جرّه على الصفة أو البدل. و قرئ بالنصب على إضمار أعنى؛ و قيل على النداء. و قرئ بالرفع على إضمار هو.

الْعالَمِينَ‏ : جمع تصحيح، واحده عالم، و العالم: اسم موضوع للجمع، و لا واحد له في اللفظ؛ و اشتقاقه من العلم عند من خصّ العالم بمن يعقل؛ أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات.

3- و في‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الجر و النصب و الرفع، و بكلّ قرئ على ما ذكرناه في ربّ.

4- ملك يوم الدين:

يقرأ بكسر اللام من غير ألف، و هو من عمر ملكه؛ يقال: ملك بيّن الملك- بالضم.

و قرئ بإسكان اللام؛ و هو من تخفيف المكسور، مثل فخذ و كتف؛ و إضافته على هذا محضة، و هو معرفة؛ فيكون جرّه على الصفة أو البدل من اللّه؛ و لا حذف فيه على هذا.

و يقرأ بالألف و الجر، و هو على هذا نكرة؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرّف بالإضافة؛ فعلى هذا يكون جرّه على البدل لا على الصفة؛ لأن المعرفة لا توصف بالنكرة.

و في الكلام حذف مفعول، تقديره مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الأمر.

و بالإضافة إلى «يوم» خرج عن الظرفية؛ لأنه لا يصحّ فيه تقدير في، لأنها تفصل بين المضاف و المضاف إليه.

و يقرأ- مالك- بالنصب- على أن يكون بإضمار أعنى؛ أو حالا.

و أجار قوم أن يكون نداء.

و يقرأ بالرفع على إضمار هو، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من و يقرأ مليك يوم الدين رفعا و نصبا و جرّا.

و يقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل، و يوم مفعول أو ظرف.

و الدين: مصدر دان يدين.

5- إِيَّاكَ‏ : الجمهور على كسرة الهمزة و تشديد الياء.

و قرئ شاذّا بفتح الهمزة. و الأشبه أن يكون لغة مسموعة.

و قرئ بكسر الهمزة و تخفيف الياء. و الوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة، و قد جاء ذلك في الشعر؛ قال الفرزدق:

تنظّرت نصرا و السمّاكين أيهما

عليّ مع الغيث استهلّت مواطره‏

و قالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف.

و إيّا عند الخليل و سيبويه اسم مضمر؛ فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها. و لا تكون اسما؛ لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها، و المضمرات لا تضاف.

و عند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيّا إليه؛ لأن إيّا تشبه المظهر لتقدّمها على الفعل و الفاعل، و لطولها بكثرة حروفها. و حكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه، و إيّا الشواب.

و قال الكوفيون: إياك بكمالها اسم؛ و هذا بعيد؛ لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم و المخاطب و الغائب؛ فيقال: إياي و إياك و إياه.

و قال قوم: الكاف اسم، و ايا عماد له، و هو حرف؛ و موضع إياك نصب بنعبد.

فإن قيل: إياك خطاب، و الحمد للّه على لفظ الغيبة؛ فكان الأشبه أن يكون إياه.

قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، و من الخطاب إلى الغيبة. و سيمرّ بك من ذلك مقدار صالح في القرآن.

قوله تعالى: نَسْتَعِينُ‏ : الجمهور على فتح النون. و قرئ بكسرها و هي لغة؛ و أصله نستعون؛ نستفعل من العون؛ فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى العين، ثم قلبت ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.

6- اهْدِنَا : لفظه أمر، و الأمر مبني على السكون عند البصريين، و معرب عند الكوفيين؛ فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء، و عند الكوفيين هو علامة الجزم.

و هدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه، فأمّا تعدّيه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدّيا إليه بنفسه؛ و منه هذه الآية؛ و قد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى: «هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» . و جاء متعديا باللام، و منه قوله تعالى: «الَّذِي هَدانا لِهذا» .

و السّراط- بالسين هو الأصل؛ لأنه من سرط الشي‏ء إذا بلعه، (و سمّي) الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشي‏ء المبتلع.

فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل، و من قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق، و السين تشارك الصاد في الصّفير و الهمس؛ فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها؛ فكانت مقاربتها لها مجوّزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق.

و من قرأ بالزاي قلب السين زايا، لأن الزاى و السين من حروف الصّفير؛ و الزاى أشبه بالطاء، لأنهما مجهورتان.

و من أشمّ الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر و الإطباق.

و أصل‏ الْمُسْتَقِيمَ‏ مستقوم، ثم عمل فيه ما ذكرنا في نستعين، و مستفعل هنا بمعنى فعيل؛ أي السراط القويم.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 13

و يجوز أن يكون بمعنى القائم؛ أي الثابت.

و سراط الثاني بدل من الأول، و هو بدل الشي‏ء من الشي‏ء، و هما بمعنى واحد، و كلاهما معرفة.

و الَّذِينَ‏ : اسم موصول، و صلته أنعمت، و العائد عليه الهاء و الميم.

و الغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل؛ لأنّ الجمل تفسّر بالنكرات، و النكرة لا توصف بها المعرفة.

و الألف و اللام في الذي زائدتان و تعريفها بالصلة، ألا ترى أن «من» و «ما» معرفتان، و لا لام فيهما فدلّ أن تعرّفهما بالصلة.

و الأصل في الذين اللّذيون؛ لأن واحده الذي، إلا أنّ ياء الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان.

و الذين بالياء في كل حال؛ لأنه اسم مبني، و من العرب من يجعله في الرفع بالواو، و في الجر و النصب بالياء، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع و بالياء في الجر و النصب.

و في الذي خمس لغات:

إحداها لذي- بلام مفتوحة من غير لام التعريف، و قد قرئ به شاذا.

و الثانية الذي بسكون الياء.

و الثالثة بحذفها و إبقاء كسرة الذال.

و الرابعة بحذف الياء و إسكان الذال.

و الخامسة بياء مشددة.

7- غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ : يقرأ بالجر، و فيه ثلاثة أوجه:

أحدها- أنه بدل من الذين.

و الثاني- أنّه بدل من الهاء و الميم في عليهم.

و الثالث- أنه صفة للذين.

فإن قلت: الذين معرفة و غير لا يتعرّف بالإضافة، فلا يصحّ أن يكون صفة له؟

ففيه جوابان:

أحدهما- أنّ غير إذا وقعت بين متضادين، و كانا معرفتين، تعرفت بالإضافة، كقولك: عجبت من الحركة غير السكون؛ و كذلك الأمر هنا؛ لأنّ المنعم عليه و المغضوب عليه متضادّان.

و الجواب الثاني- أنّ الذين قريب من النكرة؛ لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، و غير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة؛ فكلّ واحد منهما فيه إبهام من وجه و اختصاص من وجه.

و يقرأ غير بالنصب، و فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه حال من الهاء و الميم، و العامل فيها أنعمت، و يضعف أن يكون حالا من الذين، لأنه مضاف إليه، و الصراط لا يصحّ أن يعمل بنفسه في الحال؛ و قد قيل: إنه ينتصب على الحال من الذين، و يعمل فيها معنى الإضافة.

و الوجه الثاني- أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء و الميم.

و الثالث- أنه ينتصب بإضمار أعنى.

و المغضوب: مفعول، من غضب عليه، و هو لازم، و القائم مقام الفاعل‏ «عَلَيْهِمْ» . و التقدير: غير الفريق المغضوب، و لا ضمير في المغضوب لقيام الجار و المجرور مقام الفاعل، و لذلك لم يجمع، فيقال الفريق المغضوبين عليهم، لأنّ اسم الفاعل و المفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة.

وَ لَا الضَّالِّينَ‏ : «لا» زائدة عند البصريين للتوكيد، و عند الكوفيين هي بمعنى غير، كما قالوا:

جئت بلا شي‏ء، فأدخلوا عليها حرف الجر، فيكون لها حكم غير.

و أجاب البصريون عن هذا بأن «لا» دخلت للمعنى، فتخطّاها العامل، كما يتخطى الألف و اللام.

و الجمهور على ترك الهمز في الضالين؛ و قرأ أيوب السّختياني بهمزة مفتوحة؛ و هي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدّد نحو:

ضالّ، و دابة، و جان.

و العلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصحّ حركتها؛ لئلا يجمع بين ساكنين.

فصل‏

و أما (آمين) فاسم للفعل، و معناها: اللهم استجب، و هو مبنيّ لوقوعه موقع المبني، و حرّك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين؛ و الفتح فيها أقوى؛ لأن قبل الياء كسرة؛ فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين.

و قيل (آمين): اسم من أسماء اللّه تعالى؛ و تقديره: يا آمين؛ و هذا خطأ لوجهين: أحدهم- أنّ أسماء اللّه لا تعرف إلا تلقّيا، و لم يرد بذلك سمع.

و الثاني- أنه لو كان كذلك لبني على الضم؛ لأنه منادى معرفة أو مقصود.

و فيه لغتان: القصر، و هو الأصل. و المد، و ليس من الأبنية العربية؛ بل هو من الأبنية الأعجمية؛ كهابيل، و قابيل. و الوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة، فنشأت الألف؛ فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.

فصل‏

في هاء الضمير نحو: عليهم و عليه، و فيه و فيهم و إنما أفردناه لتكرّره في القرآن:

الأصل في هذه الهاء الضم؛ لأنها تضمّ بعد الفتحة و الضمة و السكون، نحو: إنّه و له، و غلامه، و يسمعه، و منه؛ و إنّما يجوز كسرها بعد الياء نحو:

عليهم و أيديهم، و بعد الكسر نحو: به و بداره؛ و ضمّها في الموضعين جائز؛ لأنه الأصل؛ و إنّما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء و الكسرة؛ و بكلّ قد قرئ.

فأما عليهم ففيها عشر لغات، و كلها قد قرئ به: خمس مع ضمّ الهاء، و خمس مع كسرها.

فالتي مع الضم: إسكان الميم، و ضمها من غير إشباع، و ضمها مع واو، و كسر الميم من غير ياء، و كسرها مع الياء.

و أما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم، و كسرها من غير ياء، و كسرها مع الياء، و ضمها من غير واو، و ضمها مع الواو.

و الأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو، كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد، و الألف دليل التثنية نحو: عليهما، و الواو للجمع نظير الألف؛ و يدل على ذلك أن علامة الجمع في المؤنث نون مشدّدة، نحو: عليهنّ؛ فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا؛ و لا لبس في ذلك؛ لأنّ الواحد لا ميم فيه، و التثنية بعد ميمها ألف، و إذا حذفت الواو سكنت الميم؛ لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع؛ نحو: ضربهم و يضربهم.

فمن أثبت الواو أو حذفها و سكّن الميم فلمّا ذكرنا.

و من ضمّ الميم دلّ بذلك على أنّ أصلها الضم، و جعل الضمة دليل الواو المحذوفة.

و من كسر الميم و أتبعها ياء فإنه حرّك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها، ثم قلب الواو ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.

و من حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها.

و من كسر الميم بعد ضمّة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء.

و من ضمّ الهاء قال: إنّ الياء في «عليه»، حقّها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر، و ليست‏

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 14

الياء أصل الألف؛ فكما أن الهاء تضمّ بعد الألف فكذلك تضمّ بعد الياء المبدلة منها.

و من كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأمّا كسر الهاء و إتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه فلخفاء الهاء بيّنت بالإشباع، و أما ضعفه فلأنّ الهاء خفيّة، و الخفيّ قريب من الساكن، و الساكن غير حصين، فكأن الياء و ليت الياء.

و إذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمّها، نحو:

عليهم الذّلّة؛ لأنّ أصلها الضم، و إنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضمّ الذي هو حقّها في الأصل أولى، و يجوز كسرها اتباعا لما قبلها.

و أما: فيه، و بنيه، ففيه الكسر من غير إشباع، و بالإشباع، و فيه الضمّ من غير إشباع، و بالإشباع.

و أما إذا سكن ما قبل الهاء، نحو: منه، و عنه، و تجدوه، فمن ضمّ من غير إشباع فعلى الأصل، و من أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.

سورة البقرة

1- الم‏ : هذه الحروف المقطعة كلّ واحد منها اسم؛ فألف: اسم يعبّر به عن مثل الحرف الّذي في قال. و لام يعبّر بها عن الحرف الأخير من قال، و كذلك ما أشبهها.

و الدليل على أنها أسماء أنّ كلا منها يدلّ على معنىّ في نفسه.

و هي مبنية؛ لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشي‏ء؛ و إنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها؛ فهي كالأصوات؛ نحو: غاق- في حكاية صوت الغراب.

و في موضع‏ «الم» ثلاثة أوجه:

أحدها- الجر على القسم، و حرف القسم محذوف، و بقي عمله بعد الحذف؛ لأنه مراد، فهو كالملفوظ به، كما قالوا: اللّه لتفعلنّ، في لغة من جرّ.

و الثاني- موضعها نصب؛ و فيه و جهان: أحدهما- هو على تقدير حذف القسم، كما تقول: اللّه لأفعلن، و الناصب فعل محذوف تقديره: التزمت اللّه؛ أي اليمين به.

و الثاني- هي مفعول بها تقديره: اتل آلم.

و الوجه الثالث- موضعها رفع بأنها مبتدأ و ما بعدها الخبر.

2- ذلِكَ‏ : ذا اسم إشارة، و الألف من جملة الاسم.

و قال الكوفيون: الذال وحدها هي الاسم، و الألف زيدت لتكثير الكلمة، و استدلوا على ذلك بقولهم: ذه أمة اللّه؛ و ليس ذلك بشي‏ء؛ لأنّ هذا الاسم اسم ظاهر، و ليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه؛ و يدلّ على ذلك قولهم في التصغير: ذيّا؛ فردّوه إلى الثلاثي، و الهاء في ذه بدل من الياء في ذي.

و أما اللام فحرف زيد ليدلّ على بعد المشار إليه.

و قيل: هي بدل من ها؛ ألا تراك تقول: هذا، و هذاك؛ و لا يجوز هذلك.

و حرّكت اللام لئلا يجتمع ساكنان، و كسرت على أصل التقاء الساكنين؛ و قيل: كسرت للفرق بين هذه اللام و لام الجر؛ إذ لو فتحتها فقلت ذلك لا لتبس بمعنى الملك.

و قيل: ذلك هاهنا بمعنى هذا.

و موضعه رفع؛ إما على أنه خبر آلم، و الكتاب عطف بيان، و لا ريب في موضع نصب على الحال؛ أي هذا الكتاب حقّا، أو غير ذي شك؛ و إمّا أن يكون ذلك مبتدأ و الكتاب خبره، و لا ريب حال. و يجوز أن يكون الكتاب عطف بيان، و لا ريب فيه الخبر.

و «رَيْبَ» : مبنىّ عند الأكثرين، لأنه ركب مع لا و صيّر بمنزلة خمسة عشر؛ و علّة بنائه تضمّنه معنى من؛ إذ التقدير: لا من ريب، و احتيج إلى تقدير من لتدلّ «لا» على نفي الجنس؛ ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفي الواحد و ما زاد عليه، فإذا قلت: لا رجل في الدار، فرفعت و نوّنت نفيت الواحد و لم تنف ما زاد عليه؛ إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.

و قوله: (فِيهِ) فيه و جهان:

أحدهما- هو في موضع خبر لا، و يتعلّق بمحذوف، تقديره: لا ريب كائن فيه، فتقف حينئذ على «فيه».

و الوجه الثاني- أن يكون لا ريب آخر الكلام، و خبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف، فتقول: فيه هدى، فيكون هدى مبتدأ و فيه الخبر؛ و إن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه؛ و يتعلّق «فى» على الوجهين بفعل محذوف.

و أما هدى فألفه منقلبة عن ياء؛ لقولك:

هديت، و الهدي.

و في موضعه و جهان:

أحد هما- رفع، إما مبتدأ، أو فاعل على ما ذكرنا؛ و إما أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو هدى؛ و إما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر.

و الوجه الثاني- أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه؛ أي لا ريب فيه هاديا؛ فالمصدر في معنى اسم الفاعل، و العامل في الحال معنى الجملة، تقديره: أحقّقه هاديا.

و يجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه و الإشارة الحاصل من قوله ذلك. لِلْمُتَّقِينَ‏ : اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن، أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى؛ و يجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى؛ لأنه مصدر، و المصدر يعمل عمل الفعل.

و واحد المتقين متّقي؛ و أصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو و لامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء و أدغمتها في التاء الأخرى، فقلت: اتّقى، و كذلك في اسم الفاعل و ما تصرّف منه؛ نحو متّق و متّقى.

و متّق: اسم ناقص، و ياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها و سكون حرف الجمع بعدها؛ كقولك: متّقون و متّقين، و وزنه في الأصل مفتعلون؛ لأنّ أصله موتقيون، فحذفت اللام لما ذكرنا، فوزنه الآن مفتعون و مفتعين؛ و إنما حذفت اللام دون علامة الجمع؛ لأن علامة الجمع دالة على معنى، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.

3- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏ : هو في موضع جرّ صفة للمتقين.

و يجوز أن يكون في موضع نصب، إما على موضع للمتقين، أو بإضمار أعني.

و يجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار «هم»، أو مبتدأو خبره أولئك على هدى.

و أصل يؤمنون يؤامنون؛ لأنه من الأمن، و الماضي منه آمن، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، و لم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها و انفتاح ما قبلها.

و نظيره في الأسماء: آدم، و آخر.

فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل؛ لأن ذلك يفضي بك في التّكلم إلى ثلاث همزات: الأولى همزة المضارعة، و الثانية همزة افعل التي في آمن، و الثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة؛ فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، و كان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى؛ لأنها حرف معنى، و من حذف الثالثة؛ لأنّ الثالثة فاء الكلمة. و الوسطى زائدة.

و إذا أردت تبيين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف، فهو مثل دحرج، فلو قلت: أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي و زدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أومن، فالباقي من الهمزات:

الأولى، و الواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة، و الهمزة الوسطى هي المحذوفة؛ و إنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها و انضمام ما قبلها.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 15

فإذا قلت: نؤمن و تؤمن، و يؤمن، جاز لك فيه وجهان:

أحدهما- الهمز على الأصل.

و الثاني- قلب الهمزة واوا تخفيفا، و حذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن، و الأصل يوأمن؛ فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا.

و الغيب هنا: مصدر بمعنى الفاعل، أي يؤمنون بالغائب عنهم.

و يجوز أن يكون بمعنى المفعول؛ أي المغيّب؛ كقوله: «هذا خَلْقُ اللَّهِ» ؛ أي مخلوقه. و درهم ضرب الأمير؛ أي مضروبه.

وَ يُقِيمُونَ‏ : أصله يؤقومون، و ماضيه أقام، و عينه واو؛ لقولك فيه: يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، و كذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة. و أما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين، و قد ذكرناه.

و ألف الصلاة منقلبة عن واو؛ لقولك:

صلوات، و الصلاة مصدر صلى؛ و يراد بها هاهنا الأفعال و الأقوال المخصوصة؛ فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر.

وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ‏ : «من» متعلقة بينفقون؛ و التقدير: و ينفقون مما رزقناهم؛ فيكون الفعل قبل المفعول، كما كان قوله: يؤمنون، و يقيمون كذلك، و إنما أخّر الفعل عن المفعول لتتوافق رؤوس الآي.

و ما بمعنى الذي.

و رزقنا يتعدّى إلى مفعولين؛ و قد حذف الثاني منهما هنا، و هو العائد على «ما»، تقديره:

رزقناهموه، أو رزقناهم إياه.

و يجوز أن تكون «ما» نكرة موصوفة بمعنى شى‏ء؛ أي: و من مال رزقناهم؛ فيكون رزقناهم في موضع جرّ صفة لما.

و على القول الأول لا يكون له موضع؛ لأن الصلة لا موضع لها، و لا يجوز أن تكون ما مصدرية؛ لأن الفعل لا ينفق.

و من للتبعيض، و يجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق.

و أصل ينفقون: يؤنفقون، لأن ماضيه أنفق، و قد تقدّم نظيره.

4- بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ : «ما» هاهنا بمعى الذي؛ و لا يجوز أن تكون نكرة موصوفة، أي بشي‏ء أنزل إليك؛ لأنه لا عموم فيه على هذا، و لا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و ما للعموم، و بذلك يتحقق الإيمان.

و القراءة الجيدة أنزل إليك، بتحقيق الهمزة.

و قد قرئ في الشاذ أنزل ليك- بتشديد اللام.

و الوجه فيه أنه سكّن لام أنزل، و ألقى عليها حركة الهمزة، فانكسرت اللام، و حذفت الهمزة، فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل ليك، فسكنت اللام الأولى، و أدغمت في اللام الثانية.

و الكاف هنا ضمير المخاطب، و هو النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛ و يجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب، و يكون في معنى الجمع.

و قد صرح به في آي أخر؛ كقوله: «لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ» .

وَ بِالْآخِرَةِ : الباء متعلقة بيوقنون؛ و لا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ، و هذا يدلّ على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز؛ إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل.

و الآخرة صفة، و الموصوف محذوف، تقديره:

و بالساعة الآخرة، أو بالدار الآخرة، كما قال:

«وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ» . و قال: «وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ» .

هُمْ يُوقِنُونَ‏ : هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، و لو قال: و بالآخرة يوقنون لصحّ المعنى و الإعراب، و وجه التوكيد في «هم» تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، و يوقنون الخبر.

و أصله يؤيقنون، لأن ماضيه أيقن، و الأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أنّ الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون، و أبدلت الياء واوا لسكونها و انضمام ما قبلها.

5- أُولئِكَ‏ : هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، و واحده ذا؛ و يكون أولئك للمؤنث و المذكر، و الكاف فيه حرف للخطاب و ليست اسما؛ إذ لو كانت اسما لكانت إمّا مرفوعة أو منصوبة؛ و لا يصحّ شى‏ء منهما؛ إذ لا رافع هنا و لا ناصب؛ و إما أن تكون مجرورة بالإضافة، و أولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، و المبهمات لا تضاف؛ فبقى أن تكون حرفا مجرّدا للخطاب.

و يجوز مدّ أولاء، و قصره في غير القرآن.

و موضعه هنا رفع بالابتداء، و عَلى‏ هُدىً‏ الخبر، و حرف الجر متعلق بمحذوف، أي أولئك ثابتون على هدى.

و يجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، و قد ذكر.

فإن قيل: أصل «على» الاستعلاء، و الهدى لا يستعلى عليه، فكيف يصحّ معناها هاهنا؟

قيل: معنى الاستعلاء حاصل؛ لأنّ منزلتهم علت باتّباع الهدى.

و يجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلّها على مقتضى الهدى كان تصرّفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.

مِنْ رَبِّهِمْ‏ : في موضع جرّ صفة لهدى، و يتعلق الجارّ بمحذوف تقديره: هدى كائن، و في الجارّ و المجرور ضمير يعود على الهدى.

و يجوز كسر الهاء و ضمّها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.

وَ أُولئِكَ‏ : مبتدأ، و هُمُ‏ مبتدأ ثان، و الْمُفْلِحُونَ‏ خبر المبتدأ الثاني، و الثاني و خبره خبر الأول.

التبيان فى اعراب القرآن، ص: 16

و يجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب، و المفلحون خبر أولئك.

و الأصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون.

6- سَواءٌ عَلَيْهِمْ‏ رفع بالابتداء، و أ أنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل، و سدّت هذه الجملة مسدّ الخبر؛ و التقدير: يستوي عندهم الإنذار و تركه؛ و هو كلام محمول على المعنى.

و يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدأ، و سواء خبر مقدم، و الجملة على القولين خبر «إنّ».

و لا يؤمنون: لا موضع له على هذا.

و يجوز أن يكون سواء خبر إنّ و ما بعده معمول له.

و يجوز أن يكون لا يؤمنون خبر إنّ، و سواء عليهم و ما بعده معترض بينهما.

و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر.

و سواء: مصدر واقع موقع اسم الفاعل و هو مستو، و مستو يعمل عمل يستوى؛ و من أجل أنه مصدر لا يثنّى و لا يجمع.

و الهمزة في سواء مبدلة من ياء؛ لأن باب طويت و شويت أكثر من باب قوة و حوّة، فحمل على الأكثر.

أَ أَنْذَرْتَهُمْ‏ - قرأ ابن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، و همزة الاستفهام مرادة، و لكن حذفوها تخفيفا؛ و في الكلام ما يدلّ عليها؛ و هو قوله: أَمْ لَمْ‏ ؛ لأنّ «أم» تعادل الهمزة.

و قرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام، ثم اختلفوا في كيفية النطق به؛ فحقّق قوم الهمزتين و لم يفصلوا بينهما؛ و هذا هو الأصل؛ إلا أنّ الجمع بين الهمزتين مستثقل؛ لأنّ الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة، فالنطق بها يشبه التهوّع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب.

و منهم من يحقّق الأولى و يجعل الثانية بين بين؛ أي بين الهمزة و الألف، و هذه في الحقيقة همزة ملينة و ليست ألفا.

و منهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم و آمن.

و منهم من يليّن الثانية و يفصل بينها و بين الأولى بالألف.

و منهم من يحقّق الهمزتين و يفصل بينهما بألف.

و من العرب من يبدل الأولى هاء و يحقق الثانية؛ و منهم من يلين الثانية مع ذلك، و لا يجوز أن يحقّق الأولى، و يجعل الثانية ألفا صحيحا، و يفصل بينهما بألف؛ لأن ذلك جمع بين ألفين.

و دخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، و ذلك شبيه بالاستفهام؛ لأن المستفهم يستوي عنده الوجود و العدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية؛ و يقع ذلك بعد سواء كهذه الآية، و بعد ليت شعري؛ كقولك: ليت شعري أقام أم قعد، و بعد: لا أبالي، و لا أدري.

و أم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام، و لم تردّ المستقبل إلى معنى المضيّ حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال.

7- وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ‏ : السمع في الأصل مصدر سمع، و في تقديره هنا وجهان:

أحدهما- أنه استعمل مصدرا على أصله، و في الكلام حذف تقديره: على مواضع سمعهم؛ لأن نفس السمع لا يختم عليه. و الثاني- أنّ السمع هنا استعمل بمعنى السامعة، و هي الأذن، كما قالوا: الغيب بمعنى الغائب، و النّجم بمعنى الناجم، و اكتفى بالواحد هنا عن الجمع، كما قال الشاعر:

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها

فبيض و أمّا جلدها فصليب‏

يريد جلودها.

وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ : يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، و على أبصارهم خبره، و في الجار على هذا ضمير.

و على قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار، كارتفاع الفاعل بالفعل، و لا ضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية، و الوقف على هذه القراءة على‏ «وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ» .

و يقرأ بالنصب بفعل مضمر، تقديره: و جعل على أبصارهم غشاوة؛ و لا يجوز أن ينتصب بختم؛ لأنه يتعدّى بنفسه.

و يجوز كسر الغين و فتحها، و فيها ثلاث لغات أخر، غشوة- بغير ألف، بفتح الغين و ضمها و كسرها.

وَ لَهُمْ عَذابٌ‏ : مبتدأ و خبر، أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل.

و في‏ عَظِيمٌ‏ ضمير يرجع على العذاب، لأنه صفته.

8- وَ مِنَ النَّاسِ‏ : الواو دخلت هنا للعطف على قوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» ؛ و ذلك أنّ هذه الآيات استوعبت أقسام الناس؛ فالآيات الأول تضمّنت ذكر المخلصين في الإيمان، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا تضمّن ذكر من أظهر الكفر و أبطنه، و هذه الآية تضمّنت ذكر من أظهر الإيمان و أبطن الكفر؛ فمن هنا دخلت الواو لتبيّن أنّ المذكورين من تتمّة الكلام الأول.

و من هنا للتبعيض، و فتحت نونها و لم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان.

و أصل الناس عند سيبويه أناس، حذفت همزته، و هي فاء الكلمة، و جعلت الألف و اللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف و اللام، و لا يكاد يستعمل أناس بالألف و اللام؛ فالألف في الناس على هذا زائدة، و اشتقاقه من الأنس.

و قال غيره: ليس في الكلمة حذف، و الألف منقلبة عن واو، و هي عين الكلمة، و اشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، و قالوا في تصغيره: نويس.

صفحه بعد