کتابخانه تفاسیر
الجزء الأول
مقدمة
تعريف بالإمام الجصّاص الحنفي المتوفى 370 سنة هجرية الإمام أحمد بن على أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص نسبة إلى عمله بالجص هو إمام الحنفية في عصره و من المجتهدين المبرزين في المذهب.
ولد في بغداد سنة خمس و ثلاثمائة هجرية، و تفقه على أبى سهل الزجاج و على أبى الحسن الكرخي عن أبى سعيد البردعي عن موسى بن نصير الرازي عن محمد.
و روى الحديث عن عبد الباقي بن قانع.
خرج إلى الأهواز ثم عاد إلى بغداد ثم خرج إلى نيسابور مع الحاكم النيسابوري برأى شيخه أبى الحسن الكرخي و مشورته فمات الكرخي و هو بنيسابور.
عاد الإمام إلى بغداد سنة أربعة و أربعون و ثلاثمائة و استقر للتدريس بها و خوطب في أن يلي القضاء فامتنع و أعيد عليه الخطاب فلم يفعل.
انتهت للإمام الزاهد رئاسة الأصحاب و أخذ عنه و تفقه عليه الكثيرون و منهم أبو عبد اللّه محمد بن يحيى الجرجانى شيخ القدورى و أبو الحسن محمد بن أحمد الزعفراني.
و من مصنفات الإمام كتاب أحكام القرآن و شرح مختصر الكرخي و شرح مختصر الطحاوي و شرح الجامع لمحمد بن الحسن و شرح الأسماء الحسنى و كتاب في أدب القضاء و آخر في أصول الفقه هو بمثابة المقدمة لكتابه في أحكام القرآن و له جوابات على مسائل وردت عليه.
توفى الإمام في السابع من ذي الحجة سنة سبعين و ثلاثمائة هجرية و قد لخصنا هذا التعريف بالإمام مما ذكر عنه و عن مؤلفاته في كتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية لعبد الحي اللكنوى الهندي و في كتاب كشف الظنون و في كتاب طبقات
احكام القرآن، ج1، ص: 4
القارئ و في كتاب شرح المواهب اللدنية لمحمد بن عبد الباقي الزرقانى و كذلك مما أورده صاحب القاموس في طبقاته للحنفية.
تغمد اللّه الإمام بواسع رحماته و أفاض علينا من خيراته و بركاته و صلّى اللّه و سلم و بارك على سيدنا و مولانا محمد و آله و صحبه أجمعين و الحمد للّه رب العالمين.
احكام القرآن، ج1، ص: 5
سورة الفاتحة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال أبو بكر أحمد بن على الرازي رضى اللّه عنه قد قدمنا في صدر هذا الكتاب مقدمة «1» تشتمل على ذكر جمل مما لا يسع جهله من أصول التوحيد و توطئة لما يحتاج إليه من معرفة طرق استنباط معاني القرآن و استخراج دلائله و إحكام ألفاظه و ما تتصرف عليه أنحاء كلام العرب و الأسماء اللغوية و العبارات الشرعية إذ كان أولى العلوم بالتقديم معرفة توحيد اللّه و تنزيهه عن شبه خلقه و عما نحله المفترون من ظلم عبيده و الآن حتى انتهى بنا القول إلى ذكر أحكام القرآن و دلائله و اللّه نسأل التوفيق لما يقربنا إليه و يزلفنا لديه إنه ولى ذلك و القادر عليه.
باب القول في بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال أبو بكر الكلام فيها من وجوه أحدها معنى الضمير الذي فيها و الثاني هل هي من القرآن في افتتاحه و الثالث هل هي من الفاتحة أم لا و الرابع هل هي من أوائل السور و الخامس هل هي آية تامة أم ليست بآية تامة و السادس قراءتها في الصلاة و السابع تكرارها في أوائل السور في الصلاة و الثامن الجهر بها و التاسع ذكر ما في مضمرها من الفوائد و كثرة المعاني* فنقول إن فيها ضمير فعل لا يستغنى الكلام عنه لأن الباء مع سائر حروف الجر لا بد أن يتصل بفعل إما مظهر مذكور و إما مضمر محذوف و الضمير في هذا الموضع ينقسم إلى معنيين خبر و أمر فإذا كان الضمير خبرا كان معناه ابدأ بسم اللّه فحذف هذا الخبر و أضمر لأن القارئ مبتدئ فالحال المشاهدة منبئة عنه و مغنية عن ذكره و إذا كان أمرا كان معناه ابدءوا بسم اللّه و احتماله لكل واحد من المعنيين على وجه واحد و في نسق تلاوة السورة دلالة على أنه أمر و هو قوله تعالى [إِيَّاكَ نَعْبُدُ] و معناه قولوا إياك كذلك ابتداء الخطاب في معنى قوله بسم اللّه و قد ورد الأمر بذلك في مواضع
(1) المراد بهذه المقدمة الكتاب الذي ألفه في أصول الفقه.
احكام القرآن، ج1، ص: 6
من القرآن مصرحا و هو قوله تعالى [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ] فأمر في افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر إمام القراءة بتقديم الاستعاذة و هو إذا كان خبرا فإنه يتضمن معنى الأمر لأنه لما كان معلوما أنه خبر من اللّه بأنه يبدأ باسم اللّه ففيه أمر لنا بالابتداء به و التبرك بافتتاحه لأنه إنما أخبرنا به لنفعل مثله و لا يبعد أن يكون الضمير لهما جميعا فيكون الخبر و الأمر جميعا مرادين لاحتمال اللفظ لهما فإن قال قائل لو صرح بذكر الخبر لم يجز أن يريد به المعنيين جميعا من الأمر و الخبر كذلك يجب أن يكون حكم الضمير في انتفاء إرادة الأمرين* قيل له إذا أظهر صيغة الخبر امتنع أن يريدهما لاستحالة كون لفظ واحد أمرا و خبرا في حال واحد لأنه متى أراد بالخبر الأمر كان اللفظ مجازا و إذا أراد به حقيقة الخبر كان حقيقة و غير جائز أن يكون اللفظ الواحد مجازا حقيقة لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في موضعه و المجاز ما عدل به عن موضعه إلى غيره و يستحيل كونه مستعملا في موضعه و معدولا به عنه في حال واحد فلذلك امتنع إرادة الخبر و الأمر بلفظ واحد* و أما الضمير فغير مذكور و إنما هو متعلق بالإرادة و لا يستحيل إرادتهما معا عند احتمال اللفظ لإضمار كل واحد منهما فيكون معناه حينئذ ابدأ بسم اللّه على معنى الخبر و ابدءوا أنتم أيضا به اقتداء بفعلى و تبركا به غير أن جواز إرادتهما لا يوجب عند الإطلاق إثباتهما إلا بدلالة إذ ليس هو عموم لفظ مستعمل على مقتضاه و موجبه و إنما الذي يلزم حكم اللفظ إثبات ضمير محتمل لكل واحد من الوجهين و تعيينه في أحدهما موقوف على الدلالة كذلك قولنا في نظائره نحو
قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم (رفع عن أمتى الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)
لأن الحكم لما تعلق بضمير يحتمل رفع الحكم رأسا و يحتمل المأثم لم يمتنع إرادة الأمرين بأن لا يلزمه شيء و لا مأثم عليه عند اللّه لاحتمال اللفظ لهما و جواز إرادتهما إلا أنه مع ذلك ليس بعموم لفظ فينتظمهما فاحتجنا في إثبات المراد إلى دلالة من غيره و ليس يمتنع قيام الدلالة على إرادة أحدهما بعينه أو إرادتهما جميعا و قد يجيء من الضمير المحتمل لأمرين ما لا يصح إرادتهما معا نحو ما
روى عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال (إنما الأعمال بالنيات)