کتابخانه تفاسیر
احكام القرآن، ج1، ص: 9
الكتاب لذكرها فيما ذكر من آي السورة فدل ذلك على أنها ليست منها و من المعلوم أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم إنما عبر بالصلاة عن قراءة فاتحة الكتاب و جعلها نصفين فانتفى بذلك أن تكون بسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها من وجهين أحدهما إنه لم يذكرها في القسمة الثاني أنها لو صارت في القسمة لما كانت نصفين بل كان يكون ما للّه فيها أكثر مما للعبد لأن بسم اللّه الرحمن الرحيم ثناء على اللّه تعالى لا شيء للعبد فيه فإن قال قائل إنما لم يذكرها لأنه قد ذكر الرحمن الرحيم في أضعاف السورة* قيل له هذا خطأ من وجهين أحدهما أنه إذا كانت آية غيرها فلا بد من ذكرها و لو جاز ما ذكرت لجاز الاقتصار بالقرآن على ما في السورة منها دونها و وجه آخر و هو أن قوله بسم اللّه فيه ثناء على اللّه و هو مع ذلك اسم مختص باللّه تعالى لا يسمى به غيره فالواجب لا محالة أن يكون مذكورا في القسمة إذ لم يتقدم له ذكر فيما قسم من آي السورة و قد روى هذا الخبر على غير هذا الوجه و هو
ما حدثنا به محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم (قال اللّه قسمت الصلاة بيني و بين عبدى نصفين فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل يقول العبد الحمد للّه رب العالمين فيقول اللّه حمدنى عبدى فيقول الرحمن الرحيم يقول اللّه أثنى على عبدى يقول العبد مالك يوم الدين يقول اللّه مجدنى عبدى و هذه الآية بيني و بين عبدى يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين فهذه بيني و بين عبدى و لعبدي ما سأل)
فذكر في هذا الحديث في مالك يوم الدين إنه بيني و بين عبدى نصفين هذا غلط من راويه لأن قوله تعالى مالك يوم الدين ثناء خالص للّه تعالى لا شيء للعبد فيه كقوله الحمد للّه رب العالمين و إنما جعل قوله إياك نعبد و إياك نستعين بينه و بين العبد لما انتظم من الثناء على اللّه تعالى و من مسألة العبد ألا ترى أن سائر الآي بعدها من قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم جعلها للعبد خاصة إذ ليس فيه ثناء على اللّه و إنما هو مسألة من العبد لما ذكروا من جهة أخرى أن قوله مالك يوم الدين لو كان بينه و بين العبد و كذلك قوله إياك نعبد و إياك نستعين لما كان نصفين على قول من يعد بسم اللّه الرحمن الرحيم آية بل كان يكون للّه تعالى أربع و للعبد ثلاث و مما يدل على أن البسملة ليست من أوائل السور و إنما هي للفصل بينها ما حدثنا
احكام القرآن، ج1، ص: 10
محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن عوف الأعرابى عن يزيد القاري قال سمعت ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قلت لعثمان بن عفان رضى اللّه عنه ما حملكم على أن عمدتم إلى براءة و هي من المئين و إلى الأنفال و هي المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال و لم تكتبوا بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال عثمان كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم لما ينزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له فيقول ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا و كذا و ينزل عليه الآية و الآيتان فيقول مثل ذلك
و كانت الأنفال من أول ما نزل عليه بالمدينة و كانت براءة من آخر ما نزل من القرآن و كانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال و لم اكتب بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم فأخبر عثمان أن بسم اللّه الرحمن الرحيم لم يكن من السورة و أنه إنما كان يكتبها في فصل السورة بينها و بين غيرها لا غير و أيضا فلو كانت من السور و من فاتحة الكتاب لعرفته الكافة بتوقيف من النبي عليه السلام إنها منها كما عرفت مواضع سائر الآي من سورها و لم يختلف فيها و ذلك أن سبيل العلم بمواضع الآي كهو بالآى نفسها فلما كان طريق إثبات القرآن نقل الكافة دون نقل الآحاد وجب أن يكون كذلك حكم مواضعه و ترتيبه ألا ترى أنه غير جائز لأحد إزالة ترتيب آي القرآن و لا نقل شيء منه عن مواضعه إلى غيره فإن فاعل ذلك بمنزلة من رام إزالته و رفعه فلو كانت بسم اللّه الرحمن الرحيم من أوائل السور لعرفت الكافة موضعها منها كسائر الآي و كموضعها من سورة النمل فلما لم نرهم نقلوا ذلك إلينا من طريق التواتر الموجب للعلم لم يجز لنا إثباتها في أوائل السور* فإن قال قائل قد نقلوا إلينا جميع ما في المصحف على أنه القرآن و ذلك كاف في إثباتها من السور في مواضعها المذكورة في المصحف قيل له إنما نقلوا إلينا كتبها في أوائلها و لم ينقلوا إلينا أنها منها و إنما الكلام بيننا و بينكم في أنها من هذه السورة التي هي مكتوبة في أوائلها و نحن نقول بأنها من القرآن أثبتت في هذه المواضع لا على أنها من السور و ليس إيصالها بالسورة في المصحف و قراءتها معها موجبين أن يكون منها لأن القرآن كله بعضه متصل ببعض و ما قيل بسم اللّه الرحمن الرحيم متصل بها و لا يجب من أجل ذلك أن يكون الجميع سورة واحدة فإن قال قائل لما نقل إلينا المصحف و ذكروا أن ما فيه هو القرآن على نظامه و ترتيبه فلو لم تكن من أوائل السور مع النقل المستفيض لبينوا ذلك
احكام القرآن، ج1، ص: 11
و ذكروا أنها ليست من أوائلها لئلا تشتبه* قيل له هذا يلزم من يقول أنها ليست من* القرآن فأما من أعطى القول بأنها منه فهذا السؤال ساقط عنه* فإن قيل و لو لم تكن* منها لعرفته الكافة حسب ما ألزمت من يقول أنها منها* قيل له لا يجب ذلك لأنه ليس عليهم نقل كل ما ليس من السورة أنه ليس منها كما ليس عليهم نقل ما ليس من القرآن أنه ليس منه و إنما عليهم نقل ما هو من السورة أنه منها كما عليهم نقل ما هو من القرآن أنه منه فإذا لم يرد النقل المستفيض بكونها من السور و اختلف فيه لم يجز لنا إثباتها كإثبات القرآن نفسه و يدل أيضا على أنها ليست من أوائل السور
ما حدثنا محمد بن جعفر بن أبان قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال (سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك)
و اتفق القراء و غيرهم أنها ثلاثون آية سوى بسم اللّه الرحمن الرحيم فلو كانت منها كانت إحدى و ثلاثين آية و ذلك خلاف قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم و يدل عليه أيضا اتفاق جميع قراء الأمصار و فقهائهم على أن سورة الكوثر ثلاث آيات و سورة الإخلاص أربع آيات فلو كانت منها لكانت أكثر مما عدوا* فإن قال قائل إنما عدوا سواها لأنه لا إشكال فيها عندهم* قيل له فكان لا يجوز لهم أن يقول سورة الإخلاص أربع آيات و سورة الكوثر ثلاث آيات و الثلاث و الأربع إنما هي بعض السورة و لو كان كذلك لوجب أن يقولوا في الفاتحة أنها ست آيات* قال أبو بكر رحمه اللّه و
قد روى عبد الحميد ابن جعفر عن نوح بن أبى جلال عن سعيد المقبري عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه كان يقول (الحمد للّه رب العالمين سبع آيات إحداهن بسم اللّه الرحمن الرحيم)
و شك بعضهم في ذكر أبى هريرة في الإسناد
و ذكر أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبى جلال عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة عن النبي عليه السلام قال (إذا قرأتم الحمد للّه رب العالمين فاقرءوا بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها)
* قال أبو بكر ثم لقيت نوحا فحدثني به عن سعيد المقبري عن أبى هريرة مثله و لم يرفعه و مثل هذا الإختلاف في السند و الرفع يدل على أنه غير مضبوط في الأصل فلم يثبت به توقيف عن النبي عليه السلام و مع ذلك فجائز أن يكون قوله فإنها إحدى آياتها من قول أبى هريرة لأن الراوي قد يدرج كلامه في
احكام القرآن، ج1، ص: 12
الحديث من غير فصل بينهما لعلم السامع الذي حضره بمعناه و قد وجد مثل ذلك كثيرا في الأخبار فغير جائز فيما كان هذا وصفه أن يعزى إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالاحتمال و جائز أن يكون أبو هريرة قال ذلك من جهة أنه سمع النبي عليه السلام يجهر بها و ظنها من السورة لأن
أبا هريرة قد روى الجهر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم
و أيضا لو ثبت هذا الحديث عاريا من الاضطراب في السند و الاختلاف في الرفع و زوال الاحتمال في كونه من قول أبى هريرة لما جاز لنا إثباتها من السورة إذ كان طريق إثباتها نقل الأمة على ما بين آنفا.
فصل و أما القول في أنها آية أو ليست بآية فإنه لا خلاف أنها ليست بآية تامة في سورة النمل و أنها هناك بعض آية و إن ابتداء الآية من قوله تعالى [إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ] و مع ذلك فكونها ليست آية تامة في سورة النمل لا يمنع أن تكون آية في غيرها لوجودها مثلها في القرآن ألا ترى أن قوله [الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ] في أضعاف الفاتحة هو آية تامة و ليست بآية تامة من قوله [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ] عند الجميع
و كذلك قوله [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ] هو آية تامة في الفاتحة و هي بعض آية في قوله تعالى [وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ] و إذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية في فصول السور و احتمل أن تكون آية على حسب ما ذكرنا و قد دللنا على أنها ليست من الفاتحة فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل لأن التي في سورة النمل ليست بآية تامة و الدليل على أنها آية تامة
حديث ابن أبى مليكة عن أم سلمة رضى اللّه تعالى عنها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قرأ في الصلاة فعدها آية
و في لفظ آخر
أن النبي عليه السلام كان يعد بسم اللّه الرحمن الرحيم آية فاصلة رواه الهيثم بن خالد عن أبى عكرمة عن عمرو بن هارون عن أبى مليكة عن أم سلمة عن النبي عليه السلام
و
روى أيضا أسباط عن السدى عن عبد خير عن على أنه كان يعد بسم اللّه الرحمن الرحيم آية
و عن ابن عباس مثله و
روى عبد الكريم عن أبى أمية البصري عن ابن أبى بردة عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم (لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان عليه السلام غيرى فمشى و اتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد و أخرج إحدى رجليه من أسكفة الباب و بقيت الرجل الأخرى ثم أقبل على بوجهه فقال بأى شيء تفتح القرآن
احكام القرآن، ج1، ص: 13
إذا افتتحت الصلاة فقلت ببسم اللّه الرحمن الرحيم قال ثم خرج)
* قال أبو بكر فثبت* بما ذكرنا أنها آية إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها في نفى كونها آية* فإن قال قائل يلزمك على ما أصلت أن لا تثبتها آية بأخبار الآحاد حسب ما قلته في نفى كونها آية من أوائل السور* قيل له لا يجب ذلك من قبل أنه ليس على النبي صلّى اللّه عليه و سلم توقيف الأمة على مقاطع الآية و مقاديرها و لم يتعبد بمعرفتها فجائز إثباتها آية بخبر الواحد و أما موضعها من السور فهو كإثباتها من القرآن سبيله النقل المتواتر و لا يجوز إثباتها بأخبار الآحاد و لا بالنظر و المقاييس كسائر السور و كموضعها من سورة النمل ألا ترى أنه قد كأنه يكون من النبي صلّى اللّه عليه و سلم توقيف على موضع الآي على ما روى ابن عباس عن عثمان و قد قدمنا ذكره و لم يوجد عن النبي عليه السلام توقيف في سائر الآي على مباديها و مقاطعها فثبت أنه غير مفروض علينا مقادير الآي فإذ قد ثبت أنها آية فليست تخلو من أن تكون آية في كل موضع هي مكتوبة فيه من القرآن و إن لم تكن من أوائل السور أو أن تكون آية منفردة كررت في هذه المواضع على حسب ما يكتب في أوائل الكتب على جهة التبرك باسم اللّه تعالى فالأولى أن تكون آية في كل موضع هي مكتوبة فيه لنقل الأمة أن جميع ما في المصحف من القرآن و لم يخصوا شيئا منه من غيره و ليس وجودها مكررة في هذه المواضع مخرجها من أن تكون من القرآن لوجودنا كثيرا منه مذكورا على وجه التكرار و لا يخرجه ذلك من أن تكون كل آية منها و كل لفظة من القرآن في الموضع المذكور فيه نحو قوله [الْحَيُّ الْقَيُّومُ] في سورة البقرة مثله في سورة آل عمران و نحو قوله [فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ] كل آية منها مفردة في موضعها من القرآن لا على معنى تكرار آية واحدة و كذلك بسم اللّه الرحمن الرحيم و قول النبي عليه السلام أنها آية يقتضى أن تكون آية في كل موضع ذكرت فيه.
فصل و أما قراءتها في الصلاة فإن أبا حنيفة و ابن أبى ليلى و الثوري و الحسن بن صالح و أبا يوسف و محمد و زفر و الشافعى كانوا يقولون بقراءتها في الصلاة بعد الاستعاذة قبل فاتحة الكتاب و اختلفوا في تكرارها في كل ركعة و عند افتتاح السورة
فروى أبو يوسف عن أبى حنيفة أنه يقرأها في كل ركعة مرة واحدة عند ابتداء قراءة فاتحة الكتاب و لا يعيدها مع السورة
عند أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد و الحسن بن زياد
احكام القرآن، ج1، ص: 14
عن أبى حنيفة إذا قرأها في أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها في تلك الصلاة حتى يسلم و إن قرأها مع كل سورة فحسن قال الحسن و إن كان مسبوقا فليس عليه أن يقرأها فيما يقضى لأن الإمام قد قرأها في أول صلاته و قراءة الإمام له قراءة* قال أبو بكر و هذا يدل من قوله على أنه كان يرى بسم اللّه الرحمن الرحيم من القرآن في ابتداء القراءة و أنها ليست مفردة على وجه التبرك فقط حسب إثباتها في ابتداء الأمور و الكتب و لا منقولة عن مواضعها من القرآن و روى هشام عن أبى يوسف قال سألت أبا حنيفة عن قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب و تجديدها قبل السورة التي بعد فاتحة الكتاب فقال أبو حنيفة يجزيه قراءتها قبل الحمد و قال أبو يوسف يقرأها في كل ركعة قبل القراءة مرة واحدة و يعيدها في الأخرى أيضا قبل فاتحة الكتاب و بعدها إذا أراد أن يقرأ سورة قال محمد فإن قرأ سورا كثيرة و كانت قراءته يخفيها قرأها عند افتتاح كل سورة و إن كان يجهر بها لم يقرأها لأنه في الجهر يفصل بين السورتين بسكتة* قال أبو بكر و هذا من قول محمد يدل على أن قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم إنما هي للفصل بين السورتين أو لابتداء القراءة و أنها ليست من السورة و لا دلالة فيه على أنه كان لا يراها آية و أنها ليست من القرآن و قال الشافعى هي من أول كل سورة فيقرأها عند ابتداء كل سورة* قال أبو بكر و قد روى عن ابن عباس و مجاهد أنها تقرأ في كل ركعة و عن إبراهيم قال إذا قرأتها في أول كل ركعة أجزأك فيما بقي و قال مالك بن أنس لا يقرأها في المكتوبة سرا و لا جهرا و في النافلة إن شاء قرأ و إن شاء ترك و الدليل على أنها تقرأ في سائر الصلوات
حديث أم سلمة و أبى هريرة أن النبي عليه السلام كان يقرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين
و
روى أنس بن مالك قال صليت خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم و أبى بكر و عمر و عثمان فكانوا يسرون بسم اللّه الرحمن الرحيم
و قال في بعضها يخفون و في بعضها كانوا لا يجهرون و معلوم أن ذلك كان في الفرض لأنهم إنما كانوا يصلون خلفه في الفرائض لا في التطوع إذ ليس من سنة التطوع فعلها في جماعة و
قد روى عن عائشة و عبد اللّه بن المغفل و أنس بن مالك أن النبي عليه السلام كان يفتتح القراءة بالحمد للّه رب العالمين
و هذا إنما يدل على ترك الجهر بها و لا دلالة فيه على تركها رأسا* فإن قال قائل
روى أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة قال
احكام القرآن، ج1، ص: 15
كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا نهض في الثانية استفتح بالحمد للّه رب العالمين و لم يسكت*
قيل له ليس لمالك فيه دليل من قبل أنه إن ثبت أنه لم يقرأها في الثانية فإنما ذلك حجة لمن يقتصر عليها في أول ركعة فأما أن يكون دليلا على تركها رأسا فلا و
قد روى قراءتها في أول الصلاة عن على
و عمر و بن عباس و ابن عمر من غير معارض لهم من الصحابة فثبت بذلك قراءتها في الفرض و النفل لما ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة من غير معارض لهم و على أنه لا فرق بين الفرض و النفل لا في الإثبات و لا في النفي كما لا يختلفان في سائر سنن الصلاة و أما وجه ما روى عن أبى حنيفة في اقتصاره على قراءتها في أول ركعة دون سائر الركعات و سورها فهو لما ثبت إنها ليست من أوائل السور و إن كانت آية في موضعها على وجه الفصل بين السورتين أمرنا بالابتداء بها تبركا ثم ثبت إنها مقروءة في أول الصلاة بما قدمناه و كانت حرمة الصلاة حرمة واحدة و جميع أفعالها مبنية على التحريمة صار جميع الصلاة كالفعل الواحد الذي يكتفى بذكر اسم اللّه تعالى في ابتدائه و لا يحتاج إلى إعادته و إن طال كالابتداء بها في أوائل الكتب و كما لم تعد عند ابتداء الركوع و السجود و التشهد و سائر أركان الصلاة كذلك حكمها مع ابتداء السورة و الركعات و يدل على أنها موضوعة للفصل
ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو دواد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل بسم اللّه الرحمن الرحيم