کتابخانه تفاسیر
التحرير و التنوير
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
الجزء الثالث
3 - سورة آل عمران
الجزء الرابع
4 - سورة النساء
الجزء الخامس
5 - سورة المائدة
الجزء السادس
6 - سورة الأنعام
الجزء السابع
تتمة سورة الانعام
الجزء الثامن
7 - سورة الأعراف
الجزء التاسع
8 - سورة الأنفال
الجزء العاشر
9 - سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
الجزء الثاني عشر
12 - سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
الجزء الثالث عشر
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الرابع عشر
17 - سورة الإسراء
الجزء الخامس عشر
18 - سورة الكهف
الجزء السادس عشر
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء السابع عشر
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
الجزء الثامن عشر
23 - سورة المؤمنين
24 - سورة النور
الجزء التاسع عشر
25 - سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
الجزء العشرون
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي و العشرون
30 - سورة الروم
31 - سورة لقمان
32 - سورة السجدة
33 - سورة الأحزاب
الجزء الثاني و العشرون
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
36 - سورة يس
الجزء الثالث و العشرون
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
الجزء الرابع و العشرون
39 - سورة الزمر
40 - سورة المؤمن
الجزء الخامس و العشرون
41 - سورة فصلت
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
44 - سورة الدخان
45 - سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
46 - سورة الأحقاف
47 - سورة محمد
48 - سورة الفتح
49 - سورة الحجرات
50 - سورة ق
الجزء السابع و العشرون
51 - سورة الذاريات
52 - سورة الطور
53 - سورة النجم
54 - سورة القمر
55 - سورة الرحمن
56 - سورة الواقعة
57 - سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
58 - سورة المجادلة
59 - سورة الحشر
60 - سورة الممتحنة
63 - سورة المنافقون
64 - سورة التغابن
66 - سورة التحريم
الجزء التاسع و العشرون
67 - سورة الملك
68 - سورة القلم
69 - سورة الحاقة
70 - سورة المعارج
71 - سورة نوح
72 - سورة الجن
73 - سورة المزمل
74 - سورة المدثر
75 - سورة القيامة
76 - سورة الإنسان
77 - سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
78 - سورة النبأ
79 - سورة النازعات
83 - سورة المطففين
85 - سورة البروج
88 - سورة الغاشية
التحرير و التنوير، ج1، ص: 132
الثالث: أنها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية و الأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها و إما أحكام يقصد منها العمل بها، فالعلوم كالتوحيد و الصفات و النبوءات و المواعظ و الأمثال و الحكم و القصص، و الأحكام إما عمل الجوارح و هو العبادات و المعاملات، و إما عمل القلوب أي العقول و هو تهذيب الأخلاق و آداب الشريعة، و كلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام ف الْحَمْدُ لِلَّهِ يشمل سائر صفات الكمال التي استحق اللّه لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة الْحَمْدُ لِلَّهِ من اختصاص جنس الحمد به تعالى و استحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي و رَبِّ الْعالَمِينَ يشمل سائر صفات الأفعال و التكوين عند من أثبتها، و الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين و مالك يوم الدين يشمل أحوال القيامة، و إِيَّاكَ نَعْبُدُ يجمع معنى الديانة و الشريعة، و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يجمع معنى الإخلاص للّه في الأعمال.
قال عز الدين بن عبد السلام في كتابه «حل الرموز و مفاتيح الكنوز»: الطريقة إلى اللّه لها ظاهر (أي عمل ظاهر أي بدني) و باطن (أي عمل قلبي) فظاهرها الشريعة و باطنها الحقيقة، و المراد من الشريعة و الحقيقة إقامة العبودية على الوجه المراد من المكلف.
و يجمع الشريعة و الحقيقة كلمتان هما قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإياك نعبد شريعة و إياك نستعين حقيقة، ا ه.
و اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ يشمل الأحوال الإنسانية و أحكامها من عبادات و معاملات و آداب، و صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يشير إلى أحوال الأمم و الأفراد الماضية الفاضلة، و قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ يشمل سائر قصص الأمم الضالة و يشير إلى تفاصيل ضلالالتهم المحكية عنهم في القرآن، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة- تصريحا و تضمنا- علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض. و ذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلب التفصيل على حسب التمكن و القابلية. و لأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكر لما في مطاويها.
و أما تسميتها السبع المثاني فهي تسمية ثبتت بالسنة
، ففي «صحيح البخاري» عن أبي سعيد ابن المعلّى «1» «أن رسول اللّه قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السبع المثاني
(1) هو الحارث بن نفيع (مصغرا) الزرقي- بضم ففتح- الأنصاري المتوفى سنة 74 ه و تمام الحديث
التحرير و التنوير، ج1، ص: 133
و القرآن العظيم الذي أوتيته»
و وجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء و المفسرين و لم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري فقال: هي ثمان آيات، و إلا الحسين «1» الجعفي فقال: هي ست آيات، و قال بعض الناس: تسع آيات و يتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات و من عدّ البسملة أدمج آيتين.
و أما وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مثنّى بضم الميم و تشديد النون، أو مثنى مخفف مثنّى، أو مثنى بفتح الميم مخفف مثنى كمعنى مخفف معني و يجوز تأنيث الجميع كما نبه عليه السيد الجرجاني في «شرح الكشاف» و كل ذلك مشتق من التثنية و هي بضم ثان إلى أول.
و وجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في «الكشاف». قيل: و هو مأثور عن عمر بن الخطاب، و هو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة، و لعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرّت صلاة السفر و أطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في «الصحيح» و قيل:
العكس.
و قيل: لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثنى في مطلق المكرر نحو ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: 4] و قولهم لبيك و سعديك، و عليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر: 23] أي مكرر القصص و الأغراض، و قيل: سميت المثاني لأنها ثنيت في النزول فنزلت بمكة ثم نزلت في المدينة و هذا قول بعيد جدا و تكرّر النزول لا يعتبر قائله، و قد اتّفق على أنها مكية فأي معنى لإعادة نزولها بالمدينة.
و هذه السورة وضعت في أول السّور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا و ذلك شأن الديباجة من
عن أبي سعيد بن المعلى قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول اللّه فلم أجبه فقلت يا رسول اللّه إني كنت أصلي فقال ألم يقل اللّه اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ [الأنفال: 24] ثم قال ألا أعلمك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ »
إلخ.
(1) ستأتي ترجمته قريبا.
التحرير و التنوير، ج1، ص: 134
براعة الاستهلال.
و هذه السورة مكية باتفاق الجمهور، و قال كثير إنها أول سورة نزلت، و الصحيح أنه نزل قبلها: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] و سورة المدثر ثم الفاتحة، و قيل نزل قبلها أيضا:
ن وَ الْقَلَمِ [القلم: 1] و سورة المزمل، و قال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة، بخلاف سورة القلم، و قد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها، و قد عدت في رواية عن جابر بن زيد السورة الخامسة في ترتيب نزول السور. و أيا ما كان فإنها قد سماها النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم فاتحة الكتاب و أمر بأن تكون أول القرآن.
قلت: و لا يناكد ذلك نزولها بعد سور أخرى لمصلحة اقتضت سبقها قبل أن يتجمع من القرآن مقدار يصير به كتابا فحين تجمع ذلك أنزلت الفاتحة لتكون ديباجة الكتاب.
و أغراضها قد علمت من بيان وجه تسميتها أم القرآن.
و هي سبع آيات باتفاق القراء و المفسرين، و لم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري، قال هي ثمان آيات، و نسب أيضا لعمرو بن عبيد و إلى الحسين الجعفي «1» قال هي ست آيات، و نسب إلى بعضهم غير معيّن أنها تسع آيات، و تحديد هذه الآيات السبع هو ما دل عليه
حديث «الصحيحين» عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «قال اللّه عز و جل، قسمت الصلاة نصفين بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فأقول: حمدني عبدي، فإذا قال: العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، يقول اللّه: أثنى عليّ عبدي، و إذا قال العبد: ملك يوم الدين، قال اللّه:
مجّدني عبدي، و إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قال اللّه: هذا بيني و بين عبدي، و إذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 2- 7]، قال اللّه: هؤلاء لعبدي و لعبد ما سأل»
ا ه. فهن ثلاث ثم واحدة ثم ثلاث، فعند أهل المدينة لا تعد البسملة آية و تعد: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية، و عند أهل مكة و أهل الكوفة تعد البسملة آية و تعد أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ جزء آية، و الحسن البصري عد البسملة آية وعد أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية.
(1) هو حسين بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم الكوفي المتوفى سنة 200 ه أحد أعلام المحدثين روى عن الأعمش و روى عنه أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه، و يحيى بن معين.
التحرير و التنوير، ج1، ص: 135
[1- 7]
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الكلام على البسملة
[1] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1).
البسملة اسم لكلمة باسم اللّه، صيغ هذا الاسم على مادّة مؤلفة من حروف الكلمتين باسم و اللّه على طريقة تسمى النّحت، و هو صوغ فعل مضي على زنة فعلل مؤلفة مادّته من حروف جملة أو حروف مركّب إضافيّ، مما ينطق به الناس اختصارا عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة. و قد استعمل العرب النحت في النّسب إلى الجملة أو المركب إذا كان في النسب إلى صدر ذلك أو إلى عجزه التباس، كما قالوا في النسبة إلى عبد شمس عبشميّ خشية الالتباس بالنسب إلى عبد أو إلى شمس، و في النسبة إلى عبد الدار عبدريّ كذلك و إلى حضر موت حضرمي قال سيبويه في باب الإضافة (أي النسب) إلى المضاف من الأسماء: «و قد يجعلون للنسب في الإضافة اسما بمنزلة جعفري و يجعلون فيه من حروف الأول و الآخر و لا يخرجونه من حروفهما ليعرف» ا ه، فجاء من خلفهم من مولدي العرب و استعملوا هذه الطريقة في حكاية الجمل التي يكثر دورانها في الألسنة لقصد الاختصار، و ذلك من صدر الإسلام فصارت الطريقة عربية. قال الراعي:
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا
ما عونهم و يضيّعوا التهليلا
أي لم يتركوا قول: لا إله إلا اللّه. و قال عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها
ألا حبّذا ذاك الحبيب المبسمل
أي قالت بسم اللّه فرقا منه، فأصل بسمل قال بسم اللّه ثم أطلقه المولدون على قول بسم اللّه الرحمن الرحيم، اكتفاء و اعتمادا على الشهرة و إن كان هذا المنحوت خليّا من الحاء و الراء اللذين هما من حروف الرحمان الرحيم، فشاع قولهم بسمل في معنى قال بسم اللّه الرحمن الرحيم، و اشتق من فعل بسمل مصدر هو البسملة كما اشتق من هلّل مصدر هو الهيللة و هو مصدر قياسي لفعلل. و اشتق منه اسم فاعل في بيت عمر بن أبي
التحرير و التنوير، ج1، ص: 136
ربيعة و لم يسمع اشتقاق اسم مفعول.
و رأيت في «شرح ابن هارون التونسي على مختصر ابن الحاجب» «1» في باب الأذان عن المطرز في كتاب «اليواقيت»: الأفعال التي نحتت من أسمائها سبعة: بسمل في بسم اللّه، و سبحل في سبحان اللّه، و حيعل في حي على الصلاة، و حوقل في لا حول و لا قوة إلا باللّه، و حمدل في الحمد للّه، و هلّل في لا إله إلا اللّه، و جيعل إذا قال: جعلت فداك، و زاد الطّبقلة في أطال اللّه بقاءك، و الدّمعزة في أدام اللّه عزك.
و لما كان كثير من أيمة الدين قائلا بأنها آية من أوائل جميع السور غير براءة أو بعض السور تعين على المفسر أن يفسر معناها و حكمها و موقعها عند من عدوها آية من بعض السور. و ينحصر الكلام عليها في ثلاثة مباحث. الأول: في بيان أ هي آية من أوائل السور أم لا؟. الثاني: في حكم الابتداء بها عند القراءة. الثالث في تفسير معناها المختص بها.
فأما المبحث الأول فهو أن لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هو لفظ قرآني لأنه جزء آية من قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: 30] كما أنهم لم يختلفوا في أن الافتتاح بالتسمية في الأمور المهمة ذوات البال ورد في الإسلام، و
روي فيه حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم فهو أقطع»
لم يروه أصحاب «السنن» و لا «المستدركات»، و قد وصف بأنه حسن، و قال الجمهور إن البسملة رسمها الذين كتبوا المصاحف في أوائل السور ما عدا سورة براءة، كما يؤخذ من محادثة ابن عباس مع عثمان، و قد مضت في المقدمة الثامنة، و لم يختلفوا في أنها كتبت في المصحف في أول سورة الفاتحة و ذلك ليس موضع فصل السورة عما قبلها، و إنما اختلفوا في أن البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة و من أوائل السور غير براءة، بمعنى أن الاختلاف بينهم ليس في كونها قرآنا، و لكنه في تكرر قرآنيتها كما أشار إليه ابن رشد الحفيد في «البداية»، فذهب مالك و الأوزاعي و فقهاء المدينة و الشام و البصرة- و قيل باستثناء عبد اللّه بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة- إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل، و ذهب الشافعي في أحد قوليه و أحمد و إسحاق و أبو ثور و فقهاء مكة و الكوفة غير أبي حنيفة، إلى أنها آية في
(1) رقم 10520 بالمكتبة الصادقية (العبدلية) بتونس.
التحرير و التنوير، ج1، ص: 137
أول سورة الفاتحة خاصة، و ذهب عبد اللّه بن المبارك و الشافعي في أحد قوليه و هو الأصح عنه إلى أنها آية من كل سورة. و لم ينقل عن أبي حنيفة من فقهاء الكوفة فيها شيء، و أخذ منه صاحب «الكشاف» أنها ليست من السور عنده فعدّه في الذين قالوا بعدم جزئيتها من السور و هو الصحيح عنه. قال عبد الحكيم لأنه قال بعدم الجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية و كره قراءتها في أوائل السور الموصولة بالفاتحة في الركعتين الأوليين. و أزيد فأقول إنه لم ير الاقتصار عليها في الصلاة مجزئا عن القراءة.
أما حجة مذهب مالك و من وافقه فلهم فيها مسالك: أحدها من طريق النظر، و الثاني من طريق الأثر، و الثالث من طريق الذوق العربي.
فأما المسلك الأول: فللمالكية فيه مقالة فائقة للقاضي أبي بكر الباقلاني و تابعه أبو بكر ابن العربي في «أحكام القرآن» و القاضي عبد الوهاب في كتاب «الإشراف»، قال الباقلاني: «لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، و الأول:
باطل لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك و لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمّة، و الثاني: أيضا باطل لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، و لصار ذلك ظنيا، و لو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة و النقصان و التغيير و التحريف» ا ه و هو كلام وجيه و الأقيسة الاستثنائية التي طواها في كلامه واضحة لمن له ممارسة للمنطق و شرطياتها لا تحتاج للاستدلال لأنها بديهية من الشريعة فلا حاجة إلى بسطها. زاد أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن» فقال: يكفيك أنها ليست من القرآن الاختلاف فيها، و القرآن لا يختلف فه ا ه. و زاد عبد الوهاب فقال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بين القرآن بيانا واحدا متساويا و لم تكن عادته في بيانه مختلفة بالظهور و الخفاء حتى يختص به الواحد و الاثنان؛ و لذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا و أبطلنا قول الرافضة إن القرآن حمل جمل عند الإمام المعصوم المنتظر فلو كانت البسملة من الحمد لبيّنها رسول اللّه بيانا شافيا» ا ه. و قال ابن العربي في «العارضة»: إن القاضي أبا بكر بن الطيب، لم يتكلم من الفقه إلا في هذه المسألة خاصة لأنها متعلقة بالأصول.
و قد عارض هذا الدليل أبو حامد الغزالي في «المستصفى» فقال: «نفي كون البسملة من القرآن أيضا إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف (أي و هو ظاهر البطلان) و إن ثبت بالآحاد يصير القرآن ظنيا، قال: و لا يقال: إن كون شيء ليس من القرآن عدم و العدم لا
التحرير و التنوير، ج1، ص: 138
يحتاج إلى الإثبات لأنه الأصل بخلاف القول بأنها من القرآن، لأنّا نجيب بأن هذا و إن كان عدما إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهن كونها ليست من القرآن فههنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بالدليل و يأتي الكلام في أن الدليل ما هو، فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه ا ه، و تبعه على ذلك الفخر الرازي في «تفسيره» و لا يخفى أنه آل في استدلاله إلى المصادرة إذ قد صار مرجع استدلال الغزالي و فخر الدين إلى رسم البسملة في المصاحف، و سنتكلم عن تحقيق ذلك عند الكلام على مدرك الشافعي. و تعقب ابن رشد في «بداية المجتهد» كلام الباقلاني و الغزالي بكلام غير محرر فلا نطيل به.
و أما المسلك الثاني: و هو الاستدلال من الأثر فلا نجد في صحيح السنة ما يشهد بأن البسملة آية من أوائل سور القرآن و الأدلة ستة:
الدليل الأول:
ما
روى مالك في «الموطأ» عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «قال اللّه تعالى قسمت الصلاة نصفين بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فأقول: حمدني عبدي»
إلخ، و المراد في الصلاة القراءة في الصلاة و وجه الدليل منه أنه لم يذكر بسم اللّه الرحمن الرحيم.
الثاني:
حديث أبيّ بن كعب في «الموطأ» و «الصحيحين» أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال له: «ألا أعلمك سورة لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل مثلها قبل أن تخرج من المسجد»؟
قال: بلى، فلما قارب الخروج قال له: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال أبيّ فقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى أتيت على آخرها
، فهذا دليل على أنه لم يقرأ منها البسملة.
الثالث:
ما
في «صحيح مسلم» و «سنن أبي داود» و «سنن النسائي» عن أنس بن مالك من طرق كثيرة أنه قال: صليت خلف رسول اللّه و أبي بكر و عمر فكانوا يستفتحون بالحمد للّه رب العالمين لا يذكرون (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، لا في أول قراءة و لا في آخرها.
الرابع: