کتابخانه تفاسیر
التحرير و التنوير
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
الجزء الثالث
3 - سورة آل عمران
الجزء الرابع
4 - سورة النساء
الجزء الخامس
5 - سورة المائدة
الجزء السادس
6 - سورة الأنعام
الجزء السابع
تتمة سورة الانعام
الجزء الثامن
7 - سورة الأعراف
الجزء التاسع
8 - سورة الأنفال
الجزء العاشر
9 - سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
الجزء الثاني عشر
12 - سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
الجزء الثالث عشر
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الرابع عشر
17 - سورة الإسراء
الجزء الخامس عشر
18 - سورة الكهف
الجزء السادس عشر
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء السابع عشر
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
الجزء الثامن عشر
23 - سورة المؤمنين
24 - سورة النور
الجزء التاسع عشر
25 - سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
الجزء العشرون
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي و العشرون
30 - سورة الروم
31 - سورة لقمان
32 - سورة السجدة
33 - سورة الأحزاب
الجزء الثاني و العشرون
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
36 - سورة يس
الجزء الثالث و العشرون
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
الجزء الرابع و العشرون
39 - سورة الزمر
40 - سورة المؤمن
الجزء الخامس و العشرون
41 - سورة فصلت
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
44 - سورة الدخان
45 - سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
46 - سورة الأحقاف
47 - سورة محمد
48 - سورة الفتح
49 - سورة الحجرات
50 - سورة ق
الجزء السابع و العشرون
51 - سورة الذاريات
52 - سورة الطور
53 - سورة النجم
54 - سورة القمر
55 - سورة الرحمن
56 - سورة الواقعة
57 - سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
58 - سورة المجادلة
59 - سورة الحشر
60 - سورة الممتحنة
63 - سورة المنافقون
64 - سورة التغابن
66 - سورة التحريم
الجزء التاسع و العشرون
67 - سورة الملك
68 - سورة القلم
69 - سورة الحاقة
70 - سورة المعارج
71 - سورة نوح
72 - سورة الجن
73 - سورة المزمل
74 - سورة المدثر
75 - سورة القيامة
76 - سورة الإنسان
77 - سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
78 - سورة النبأ
79 - سورة النازعات
83 - سورة المطففين
85 - سورة البروج
88 - سورة الغاشية
التحرير و التنوير، ج1، ص: 181
المانوية من المجوس المعبود (أهرمن) و هو عندهم رب الشر و الضر و يرمزون إليه بعنصر الظلمة و أنه تولد من خاطر سوء خطر للرب (يزدان) إله الخير، قال المعري:
فكّر يزدان على غرة
فصيغ من تفكيره أهرمن
و الحصر المستفاد من تقديم المعمول في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ حصر حقيقي لأن المؤمنين الملقّنين لهذا الحمد لا يعبدون إلا اللّه. و زعم ابن الحاجب في «إيضاح المفصل» في شرح ديباجة «المفصل» عند قول الزمخشري «اللّه أحمد» أن التقديم لا يفيد إلا الاهتمام دون حصر و أن قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ تقديم المفعول للاهتمام دون قصر و أن تمسكهم بقوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [الزمر: 66] ضعيف لورود: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2] و إبطال رأيه مقرر في كتب علم المعاني.
و أنا أرى استدلاله بورود قوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ لا يليق بمقامه العلمي إذ لا يظن أن محامل الكلام متماثلة في كل مقام، وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ جملة معطوفة على جملة إِيَّاكَ نَعْبُدُ و إنما لم تفصل عن جملة إِيَّاكَ نَعْبُدُ بطريقة تعداد الجمل مقام التضرع و نحوه من مقامات التعداد و التكرير كلا أو بعضا للإشارة إلى خطور الفعلين جميعا في إرادة المتكلمين بهذا التخصيص، أي نخصك بالاستعانة أيضا مع تخصيصك بالعبادة.
و الاستعانة طلب العون. و العون و الإعانة تسهيل فعل شيء يشق و يعسر على المستعين وحده، فهي تحصل بإعداد طريق تحصيله من إعارة آلة، أو مشاركة بعمل البدن كالحمل و القود، أو بقول كالإرشاد و التعليم، أو برأي كالنصيحة. قال الحريري في المقامة: «و خلقي نعم العون»، أو بمال كدفع المغرم، بحيث يحصل الأمر بعسير من جهود المستعين و المعين.
و أما الاستعانة باللّه فهي طلب المعونة على ما لا قبل للبشر بالإعانة عليه و لا قبل للمستعين بتحصيله بمفرده، و لذلك فهي مشعرة بأن المستعين يصرف مقدرته لتحصيل الفعل و يطلب من اللّه العون عليه بتيسير ما لا قبل لقدرة المستعين على تحصيله بمفرده، فهذه هي المعونة شرعا. و قد فسرها العلماء بأنها هي خلق ما به تمام الفعل أو تيسيره، فتنقسم قسمين ضرورية أي ما يتوقف الفعل عليها فلا يحصل بدونها أي لا يحصل بدون توفر متعلقها و هي إعطاء الاقتدار للفاعل و تصوره للفعل و حصول المادة و الآلة، و مجموع هاته الأربعة يعبر عنه بالاستطاعة، و يعبر عنها بسلامة الأسباب و الآلات و بها يصح تكليف المستطيع.
التحرير و التنوير، ج1، ص: 182
القسم الثاني المعونة غير الضرورية و ينبغي أن تخص باسم الإعانة و هي إيجاد المعين ما يتيسر به الفعل للمعان حتى يسهل عليه و يقرب منه كإعداد الراحلة في السفر للقادر على المشي. و بانضمام هذا المعنى للمعنى الأول تتم حقيقة التوفيق المعرف عندهم بأنه خلق القدرة و الداعية إلى الطاعة، و سمى الراغب هذا القسم الثاني بالتوفيق و لا تعارض بين كلامه و بين تعريفهم إياه لما علمت من أنه لا يحصل إلا بعد حصول المعونة بالمعنى الأول فتم التوفيق؛ و المقصود هنا الاستعانة على الأفعال المهمة كلها التي أعلاها تلقي الدين و كلّ ما يعسر على المرء تذليله من توجهات النفوس إلى الخير و ما يستتبع ذلك من تحصيل الفضائل. و قرينة هذا المقصود رسمه في فاتحة الكتاب و وقوع تخصيص الإعانة عقب التخصيص بالعبادة. و لذلك حذف متعلّق نَسْتَعِينُ الذي حقه أن يذكر مجرورا بعلى، و قد أفاد هذا الحذف الهامّ عموم الاستعانة المقصورة على الطلب من اللّه تأدبا معه تعالى، و من توابع ذلك و أسبابه و هي المعارف و الإرشادات و الشرائع و أصول العلوم فكلها من الإعانة المطلوبة و كلها من اللّه تعالى فهو الذي ألهمنا مبادئ العلوم و كلفنا الشرائع و لقننا النطق، قال: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 8- 10]- فالأول إيماء إلى طريق المعارف و أصلها المحسوسات و أعلاها المبصرات، و الثاني إيماء إلى النطق و البيان للتعليم، و الثالث إلى الشرائع.
و الحصر المستفاد من التقديم في قوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بالاستعانات المتعارفة بين الناس بعضهم ببعض في شؤونهم، و معنى الحصر هنا لا نستعين على عظائم الأمور التي لا يستعان فيها بالناس إلا باللّه تعالى. و يفيد هذا القصر فيهما التعريض بالمشركين الذين يعبدون غير اللّه و يستعينون بغيره لأنهم كانوا فريقين منهم من عبد غير اللّه على قصد التشريك إلا أن ولعه و استهتاره بغير اللّه تعالى أنساه عبادة اللّه تعالى كما عبدت سبأ الشمس و عبد الفرس النور و الظلمة، و عبد القبط العجل و ألّهوا الفراعنة، و عبدت أمم السودان الحيوانات كالثعابين. و من المشركين من أشرك مع عبادة اللّه عبادة غيره و هذا حال معظم العرب ممن عبد الأصنام أو عبد الكواكب، فقد عبدت ضبة و تيم و عكل الشمس، و عبدت كنانة القمر، و عبدت لخم و خزاعة و بعض قريش الشّعرى، و عبدت تميم الدبران، و عبدت طيىء الثريا، و هؤلاء كلهم جعلوا الآلهة بزعمهم وسيلة يتقربون بها إلى اللّه تعالى، فهؤلاء جمعوا العبادة و الاستعانة بهم لأنّ جعلهم وسيلة إلى اللّه ضرب من الاستعانة، و إنما قلنا إن استفادة الرد على المشركين و نحوهم بطريق التعريض أي بطريق عرض الكلام لأن القصر الحقيقي لا يصلح أن يكون لرد الاعتقاد إلا
التحرير و التنوير، ج1، ص: 183
تعريضا لأن معناه حاصل على الحقيقة كما أشار إليه السلكوتي في «حاشية التفسير».
فإن قلت كيف أمرنا بأن لا نعبد إلا اللّه و لا نستعين إلا به حسبما تشير إليه هذه الآية، و قد
ورد في الصحيح أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لما علّم عبد اللّه بن عباس قال له «إذا سألت فاسأل اللّه و إذا استعنت فاستعن باللّه»
فلم يأت بصيغة قصر. قلت قد ذكر الشيخ الجد قدس اللّه روحه في تعليقه على هذا الحديث أن ترك طريقة القصر إيماء إلى أن المقام لا يقبل الشركة و أن من حق السؤال أن لا يكون إلا للّه القادر العليم، و قد قال علماء البلاغة إذا كان الفعل مقصورا في نفسه فارتكاب طريق القصر لغو من الكلام ا ه.
و أقول تقفية على أثره إن مقام الحديث غير مقام الآية فمقام الحديث مقام تعليم خاص لمن نشأ و شب و ترجل في الإسلام فتقرّر قصر الحكم لديه على طرف الثمام و لذلك استغنى عنه و أما مقام هذه الآية فمقام مفتتح الوحي و التشريع و استهلال الوعظ و التقريع، فناسب تأكيد الحكم بالقصر مع التعريض بحال الشرك الشنيع على أن تعليق الأمر بهما في جواب الشرط على حصول أيّ سؤال و أية استعانة يفيد مفاد القصر تعريضا بالمشركين و براءة من صنيعهم فقد كانوا يستعينون بآلهتهم. و من ذلك الاستقسام بالأزلام الموضوعة عند الآلهة و الأصنام.
و ضميرا نَعْبُدُ و نَسْتَعِينُ يعودان إلى تالي السورة ذاكرا معه جماعة المؤمنين.
و في العدول عن ضمير الواحد إلى الإتيان بضمير المتكلم المشارك الدلالة على أن هذه المحامد صادرة من جماعات، ففيه إغاظة للمشركين إذ يعلمون أن المسلمين صاروا في عزة و منعة، و لأنه أبلغ في الثناء من أعبد و أستعين لئلا تخلو المناجاة عن ثناء أيضا بأن المحمود المعبود المستعان قد شهد له الجماعات و عرفوا فضله، و قريب من هذا قول النابغة في رثاء النعمان بن الحارث الغساني:
قعودا له غسان يرجون أوبة
و ترك و رهط الأعجمين و كابل
إذ قصد من تعداد أصناف من الأمم الكناية عن عظمة النعمان و كثرة رعيته. فكأنّ الحامد لما انتقل من الحمد إلى المناجاة لم يغادر فرصة يقتنص منها الثناء إلا انتهزها.
و وجهه تقديم قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ على قوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أن العبادة تقرّب للخالق تعالى فهي أجدر بالتقديم في المناجاة، و أما الاستعانة فهي لنفع المخلوق للتيسير عليه فناسب أن يقدّم المناجي ما هو من عزمه و صنعه على ما يسأله مما يعين على ذلك،
التحرير و التنوير، ج1، ص: 184
و لأن الاستعانة باللّه تتركب على كونه معبودا للمستعين به و لأن من جملة ما تطلب الإعانة عليه العبادة فكانت متقدمة على الاستعانة في التعقل. و قد حصل من ذلك التقديم أيضا إيفاء حق فواصل السورة المبنية على الحرف الساكن المتماثل أو القريب في مخرج اللسان.
و أعيد لفظ إِيَّاكَ في الاستعانة دون أن يعطف فعل نَسْتَعِينُ على نَعْبُدُ مع أنهما مقصودان جميعا كما أنبأ عنه عطف الجملة على الجملة لأن بين الحصرين فرقا، فالحصر في إِيَّاكَ نَعْبُدُ حقيقي و القصر في إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ادعائي فإن المسلم قد يستعين غير اللّه تعالى كيف و قد قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى [المائدة: 2] و لكنه لا يستعين في عظائم الأمور إلا باللّه و لا يعد الاستعانة حقيقة إلا الاستعانة باللّه تعالى.
[6] اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ .
تهيأ لأصحاب هذه المناجاة أن يسعوا إلى طلب حظوظهم الشريفة من الهداية بعد أن حمدوا اللّه و وصفوه بصفات الجلالة ثم أتبعوا ذلك بقولهم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الذي هو واسطة جامع بين تمجيد اللّه تعالى و بين إظهار العبودية و هي حظ العبد بأنه عابد و مستعين و أنه قاصر ذلك على اللّه تعالى، فكان ذلك واسطة بين الثناء و بين الطلب، حتى إذا ظنوا بربهم الإقبال عليهم و رجوا من فضله، أفضوا إلى سؤال حظهم فقالوا: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فهو حظ الطالبين خاصة لما ينفعهم في عاجلهم و آجلهم، فهذا هو التوجيه المناسب لكون الفاتحة بمنزلة الديباجة للكتاب الذي أنزل هدى للناس و رحمة فتتنزل هاته الجملة مما قبلها منزلة المقصد من الديباجة، أو الموضوع من الخطبة، أو التخلص من القصيدة، و لاختلاف الجمل المتقدمة معها بالخبرية و الإنشائية فصلت هذه عنهن، و هذا أولى في التوجيه من جعلها جوابا لسؤال مقدر على ما ذهب إليه صاحب «الكشاف».
و الهداية الدلالة بتلطف و لذلك خصت بالدلالة لما فيه خير المدلول لأن التلطف يناسب من أريد به الخير، و هو يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه لأن معناه معنى الإرشاد، و يتعدى إلى المفعول الثاني و هو المهدى إليه بإلى و باللام و الاستعمالان واردان، تقول هديته إلى كذا على معنى أوصلته إلى معرفته، و هديته لكذا على معنى أرشدته لأجل كذا:
فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: 43]
التحرير و التنوير، ج1، ص: 185
و قد يعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما هنا على تضمينه معنى عرف قيل هي لغة أهل الحجاز و أما غيرهم فلا يعديه بنفسه و قد جعلوا تعديته بنفسه من التوسع المعبر عنه بالحذف و الإيصال. و قيل الفرق بين المتعدي و غيره أن المتعدي يستعمل في الهداية لمن كان في الطريق و نحوه ليزداد هدى و مصدره حينئذ الهداية، و أما هداه إلى كذا أو لكذا فيستعمل لمن لم يكن سائرا في الطريق و مصدره هدى، و كأن صاحب هذا القول نظر إلى أن المتعدي بالحرف إنما عدي لتقويته و التقوية إما أن يقصد بها تقوية العامل لضعفه في العمل بالفرعية أو التأخير، و إما أن يقصد بها تقوية معناه، و الحق أن هذا إن تم فهو أغلبي على أنه تخصيص من الاستعمال فلا يقتضي كون الفعل مختلف المعنى لأن الفعل لا تختلف معانيه باعتبار كيفية تعديته إلا إذا ضمن معنى فعل آخر، على أن كلا من الهدى و الهداية اسم مصدر و المصدر هو الهدي. و الذي أراه أن التعدية و القصور ليسا من الأشياء التي تصنع باليد أو يصطلح عليها أحد، بل هي جارية على معنى الحدث المدلول للفعل فإن كان الحدث يتقوم معناه بمجرد تصور من قام به فهو الفعل القاصر و إن كان لا يتقوم إلا بتصور من قام به و من وقع عليه فهو المتعدي إلى واحد أو أكثر، فإن أشكلت أفعال فإنما إشكالها لعدم اتضاح تشخص الحدث المراد منها لأن معناها يحوم حول معان متعددة. و هدى متعد لواحد لا محالة، و إنما الكلام في تعديته لثان فالحق أنه إن اعتبر فيه معنى الإراءة و الإبانة تعدى بنفسه و إن اعتبر فيه مطلق الإرشاد و الإشارة فهو متعد بالحرف فحالة تعديته هي المؤذنة بالحدث المتضمن له.
و قد قيل إن حقيقة الهداية الدلالة على الطريق للوصول إلى المكان المقصود فالهادي هو العارف بالطرق و في حديث الهجرة: «إن أبا بكر استأجر رجلا من بني الديل هاديا خريتا» و إن ما نشأ من معاني الهداية هو مجازات شاع استعمالها. و الهداية في اصطلاح الشرع حين تسند إلى اللّه تعالى هي الدلالة على ما يرضي اللّه من فعل الخير و يقابلها الضلالة و هي التغرير.
و اختلف علماء الكلام في اعتبار قيد الإيصال إلى الخير في حقيقة الهداية فالجمهور على عدم اعتباره و أنها الدلالة على طريق الوصول سواء حصل الوصول أم لم يحصل و هو قول الأشاعرة و هو الحق. و ذهب جماعة منهم الزمخشري إلى أن الهداية هي الدلالة مع الإيصال و إلا لما امتازت عن الضلالة أي حيث كان اللّه قادرا على أن يوصل من يهديه إلى ما هداه إليه، و مرجع الخلاف إلى اختلافهم في أصل آخر و هو أصل معنى رضى اللّه
التحرير و التنوير، ج1، ص: 186
و مشيئته و إرادته و أمره، فأصحاب الأشعري اعتبروا الهداية التي هي من متعلق الأمر، و المعتزلة نظروا إلى الهداية التي هي من متعلق التكوين و الخلق، و لا خلاف في أن الهداية مع الوصول هي المطلوبة شرعا من الهادي و المهدي مع أنه قد يحصل الخطأ للهادي و سوء القبول من المهدي و هذا معنى ما اختار عبد الحكيم أنها موضوعة في الشرع لقدر المشترك لورودها في القرآن في كل منهما قال: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] و قال: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17] و الأصل عدم الاشتراك و عدم المجاز.
و الهداية أنواع تندرج كثرتها تحت أربعة أجناس مترتبة: الأول إعطاء القوى المحركة و المدركة التي بها يكون الاهتداء إلى انتظام وجود ذات الإنسان، و يندرج تحتها أنواع تبتدئ من إلهام الصبي التقام الثدي و البكاء عند الألم إلى غاية الوجدانيّات التي بها يدفع عن نفسه كإدراك هول المهلكات و بشاعة المنافرات، و يجلب مصالحه الوجودية كطلب الطعام و الماء و ذود الحشرات عنه و حك الجلد و اختلاج العين عند مرور ما يؤذي تجاهها، و نهايتها أحوال الفكر و هو حركة النفس في المعقولات أعني ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول في البديهيات و هي القوة الناطقة التي انفرد بها الإنسان المنتزعة من العلوم المحسوسة.
الثاني نصب الأدلة الفارقة بين الحق و الباطل و الصواب و الخطأ، و هي هداية العلوم النظرية. الثالث الهداية إلى ما قد تقصر عنه الأدلة أو يفضي إعمالها في مثله إلى مشقة و ذلك بإرسال الرسل و إنزال الكتب و موازين القسط و إليها الإشارة بقوله تعالى في شأن الرسل: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء: 23]. الرابع أقصى أجناس الهداية و هي كشف الحقائق العليا و إظهار أسرار المعاني التي حارت فيها ألباب العقلاء إما بواسطة الوحي و الإلهام الصحيح أو التجليات، و قد سمى اللّه تعالى هذا هدى حين أضافه للأنبياء فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].
و لا شك أن المطلوب بقوله اهْدِنَا الملقّن للمؤمنين هو ما يناسب حال الداعي بهذا إن كان باعتبار داع خاص أو طائفة خاصة عند ما يقولون: اهدنا، أو هو أنواع الهداية على الجملة باعتبار توزيعها على من تأهل لها بحسب أهليته إن كان دعاء على لسان المؤمنين كلهم المخاطبين بالقرآن، و على كلا التقديرين فبعض أنواع الهداية مطلوب حصوله لمن لم يبلغ إليه، و بعضها مطلوب دوامه لمن كان حاصلا له خاصة أو لجميع
التحرير و التنوير، ج1، ص: 187
الناس الحاصل لهم، و ذلك كالهداية الحاصلة لنا قبل أن نسألها مثل غالب أنواع الجنس الأول.
و صيغة الطلب موضوعة لطلب حصول الماهية المطلوبة من فعل أو كف فإذا استعملت في طلب الدوام كان استعمالها مجازا نحو: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:
136] و ذلك حيث لا يراد بها إلا طلب الدوام. و أما إذا استعملت في طلب الدوام للزيادة مما حصل بعضه و لم يحصل بعضه فهي مستعملة في معناها و هو طلب الحصول لأن الزيادة في مراتب الهداية مثلا تحصيل لمواد أخرى منها. و لما كان طلب الزيادة يستلزم طلب دوام ما حصل إذ لا تكاد تنفع الزيادة إذا انتقض الأصل كان استعمالها حينئذ في لازم المعنى مع المعنى فهو كناية. أما إذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ من بلغ جميع مراتب الهداية و رقى إلى قمة غاياتها و هو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فإن دعاءه حينئذ يكون من استعمال اللفظ في مجاز معناه و يكون دعاؤه ذلك اقتباسا من الآية و ليس عين المراد من الآية لأن المراد منها طلب الحصول بالمزيد مع طلب الدوام بطريقة الالتزام و لا محالة أن المقصود في الآية هو طلب الهداية الكاملة.
و الصراط الطريق و هو بالصاد و بالسين و قد قرىء بهما في المشهورة و كذلك نطقت به بالسين جمهور العرب إلا أهل الحجاز نطقوه بالصاد مبدلة عن السين لقصد التخفيف في الانتقال من السين إلى الراء ثم إلى الطاء قال في «لطائف الإشارات» عن الجعبري إنهم يفعلون ذلك في كل سين بعدها غين أو خاء أو قاف أو طاء و إنما قلبوها هنا صادا لتطابق الطاء في الإطباق و الاستعلاء و التفخم مع الراء استثقالا للانتقال من سفل إلى علو ا ه.
أي بخلاف العكس نحو طست لأن الأول عمل و الثاني ترك. و قيس قلبوا السين بين الصاد و الزاي و هو إشمام و قرأ به حمزة في رواية خلف عنه. و من العرب من قلب السين زايا خالصة قال القرطبي: و هي لغة عذرة و كلب و بني القين و هي مرجوحة و لم يقرأ بها، و قد قرأ باللغة الفصحى (بالصاد) جمهور القراء و قرأ بالسين ابن كثير في رواية قنبل، و القراءة بالصاد هي الراجحة لموافقتها رسم المصحف و كونها اللغة الفصحى.