کتابخانه تفاسیر
التحرير و التنوير
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
الجزء الثالث
3 - سورة آل عمران
الجزء الرابع
4 - سورة النساء
الجزء الخامس
5 - سورة المائدة
الجزء السادس
6 - سورة الأنعام
الجزء السابع
تتمة سورة الانعام
الجزء الثامن
7 - سورة الأعراف
الجزء التاسع
8 - سورة الأنفال
الجزء العاشر
9 - سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
الجزء الثاني عشر
12 - سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
الجزء الثالث عشر
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الرابع عشر
17 - سورة الإسراء
الجزء الخامس عشر
18 - سورة الكهف
الجزء السادس عشر
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء السابع عشر
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
الجزء الثامن عشر
23 - سورة المؤمنين
24 - سورة النور
الجزء التاسع عشر
25 - سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
الجزء العشرون
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي و العشرون
30 - سورة الروم
31 - سورة لقمان
32 - سورة السجدة
33 - سورة الأحزاب
الجزء الثاني و العشرون
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
36 - سورة يس
الجزء الثالث و العشرون
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
الجزء الرابع و العشرون
39 - سورة الزمر
40 - سورة المؤمن
الجزء الخامس و العشرون
41 - سورة فصلت
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
44 - سورة الدخان
45 - سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
46 - سورة الأحقاف
47 - سورة محمد
48 - سورة الفتح
49 - سورة الحجرات
50 - سورة ق
الجزء السابع و العشرون
51 - سورة الذاريات
52 - سورة الطور
53 - سورة النجم
54 - سورة القمر
55 - سورة الرحمن
56 - سورة الواقعة
57 - سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
58 - سورة المجادلة
59 - سورة الحشر
60 - سورة الممتحنة
63 - سورة المنافقون
64 - سورة التغابن
66 - سورة التحريم
الجزء التاسع و العشرون
67 - سورة الملك
68 - سورة القلم
69 - سورة الحاقة
70 - سورة المعارج
71 - سورة نوح
72 - سورة الجن
73 - سورة المزمل
74 - سورة المدثر
75 - سورة القيامة
76 - سورة الإنسان
77 - سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
78 - سورة النبأ
79 - سورة النازعات
83 - سورة المطففين
85 - سورة البروج
88 - سورة الغاشية
التحرير و التنوير، ج2، ص: 447
ظاهر، لأن وقتها بين الليل و النهار، فالظهر و العصر نهاريتان، و المغرب و العشاء ليليتان، و الصبح وقت متردد بين الوقتين، حتى إن الشرع عامل نافلته معاملة نوافل النهار فشرع فيها الإسرار، و فريضته معاملة فرائض الليل فشرع فيها الجهر.
و من جهة الوصاية بالمحافظة عليها، هي أجدر الصلوات بذلك لأنها الصلاة التي تكثر المثبطات عنها، باختلاف الأقاليم و العصور و الأمم، بخلاف غيرها فقد تشق إحدى الصلوات الأخرى على طائفة دون أخرى، بحسب الأحوال و الأقاليم و الفصول.
و من الناس من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى قصد إخفاؤها ليحافظ الناس على جميع الصلوات، و هذا قول باطل؛ لأن اللّه تعالى عرّفها باللام و وصفها فكيف يكون مجموع هذين المعرفين غير مفهوم و أما قياس ذلك على ساعة الجمعة و ليلة القدر ففاسد، لأن كليهما قد ذكر بطريق الإبهام و صحت الآثار بأنها غير معينة. هذا خلاصة ما يعرض هنا في تفسير الآية.
و قوله تعالى: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أمر بالقيام في الصلاة بخضوع، فالقيام الوقوف، و هو ركن في الصلاة فلا يترك إلا لعذر، و أما القنوت: فهو الخضوع و الخشوع قال تعالى: وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ [التحريم: 12] و قال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً [النحل: 120] و سمي به الدعاء المخصوص الذي يدعى به في صلاة الصبح أو في صلاة المغرب، على خلاف بينهم، و هو هنا محمول على الخضوع و الخشوع، و
في الصحيح عن ابن مسعود «كنا نسلم على رسول اللّه و هو يصلي فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا و قال: إن في الصلاة لشغلا»
و عن زيد بن أرقم: كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسكوت. فليس قانِتِينَ هنا بمعنى قارئين دعاء القنوت، لأن ذلك الدعاء إنما سمي قنوتا استرواحا من هذه الآية عند الذين فسروا الوسطى بصلاة الصبح كما
في حديث أنس «دعا النبيء على رعل و ذكوان في صلاة الغداة شهرا و ذلك بدء القنوت و ما كنا نقنت».
[239]
[سورة البقرة (2): آية 239]
تفريع على قوله: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة: 238] للتنبيه على أن حالة الخوف لا تكون عذرا في ترك المحافظة على الصلوات، و لكنها عذر في ترك القيام للّه قانتين، فأفاد
التحرير و التنوير، ج2، ص: 448
هذا التفريع غرضين: أحدهما بصريح لفظه، و الآخر بلازم معناه.
و الخوف هنا خوف العدو، و بذلك سميت صلاة الخوف، و العرب تسمي الحرب بأسماء الخوف فيقولون الرّوع و يقولون الفزع، قال عمرو بن كلثوم:
و تحملنا غداة الروع جرد البيت. و قال سبرة بن عمر الفقعسي:
و نسوتكم في الروع باد وجوهها
يخلن إماء و الإماء حرائر
و
في الحديث: «إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع»
و لا يعرف إطلاق الخوف على الحرب قبل القرآن قال تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ [البقرة:
155]. و المعنى: فإن حاربتم أو كنتم في حرب، و منه سمى الفقهاء صلاة الخوف الصلاة التي يؤديها المسلمون و هم يصافون العدو في ساحة الحرب و إيثار كلمة الخوف في هذه الآية لتشمل خوف العدو و خوف السباع و قطاع الطريق، و غيرها.
و فَرِجالًا جمع راجل كالصحاب و رُكْباناً جمع راكب و هما حالان من محذوف أي فصلوا رجالا أو ركبانا و هذا في معنى الاستثناء من قوله: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة:
238] لأن هاته الحالة تخالف القنوت في حالة الترجل، و تخالفهما معا في حالة الركوب.
و الآية إشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها الخشوع، لأنها تكون مع الاشتغال بالقتال و لا يشترط فيها القيام.
و هذا الخوف يسقط ما ذكر من شروط الصلاة، و هو هنا صلاة الناس فرادى، و ذلك عند مالك إذا اشتد الخوف و أظلهم العدو و لم يكن حصن بحيث تتعذر الصلاة جماعة مع الإمام، و ليست هذه الآية لبيان صلاة الجيش في الحرب جماعة المذكورة في سورة النساء، و الظاهر أن اللّه شرع للناس في أول الأمر صلاة الخوف فرادى على الحال التي يتمكنون معها من مواجهة العدو، ثم شرع لهم صلاة الخوف جماعة في سورة النساء، و أيضا شملت هذه الآية كل خوف من سباع أو قطاع طريق أو من سيل الماء، قال مالك:
و تستحب إعادة الصلاة، و قال أبو حنيفة: يصلون كما وصف اللّه و يعيدون، لأن القتال في الصلاة مفسد عنده.
و قوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ أراد الصلاة أي ارجعوا إلى الذكر المعروف.
و جاء في الأمن بإذا و في الخوف بإن بشارة للمسلمين بأنهم سيكون لهم النصر و الأمن.
التحرير و التنوير، ج2، ص: 449
و قوله: كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ الكاف للتشبيه أي اذكروه ذكرا يشابه ما من به عليكم من علم الشريعة في تفاصيل هذه الآيات المتقدمة، و المقصود من المشابهة المشابهة في التقدير الاعتباري، أي أن يكون الذكر بنية الشكر على تلك النعمة و الجزاء، فإن الشيء المجازى به شيء آخر يعتبر كالمشابه له، و لذلك يطلق عليه اسم المقدار، و قد يسمون هذه الكاف كاف التعليل، و التعليل مستفاد من التشبيه، لأن العلة على قدر المعلول.
[240]
[سورة البقرة (2): آية 240]
موقع هذه الآية هنا بعد قوله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ [البقرة: 243] إلى آخرها في غاية الإشكال فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت، و على قول الجمهور هاته الآية سابقة في النزول على آية وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ يزداد موقعها غرابة إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع.
و الجمهور على أن هذه الآية شرعت حكم تربص المتوفى عنها حولا في بيت زوجها و ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بعدة الوفاة و بالميراث، روي هذا عن ابن عباس، و قتادة و الربيع و جابر بن زيد. و في البخاري في كتاب التفسير عن عبد اللّه بن الزبير قال:
«قلت لعثمان هذه الآية، وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها، قال: لا أغير شيئا منه عن مكانه بابن أخي» فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية، و أن الآية التي قبلها ناسخة لها، و عليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم لقول عثمان «لا أغير شيئا منه عن مكانه» و يحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث.
و في البخاري قال مجاهد «شرع اللّه العدة أربعة أشهر و عشرا تعتد عند أهل زوجها واجبا، ثم نزلت وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ فجعل اللّه لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها و إن شاءت خرجت، و لم يكن لها يومئذ ميراث معين، فكان ذلك حقها في تركة زوجها، ثم نسخ ذلك بالميراث» فلا تعرض في هذه الآية للعدة و لكنها في بيان حكم آخر و هو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولا: إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولا مراعاة
التحرير و التنوير، ج2، ص: 450
لما كانوا عليه، و يكون الحول تكميلا لمدة السكنى لا للعدة، و هذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب، و هو المقبول.
و اعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا توفي عنها زوجها تمكث في شر بيت لها حولا، محدة لابسة شر ثيابها متجنبة الزينة و الطيب، كما تقدم في حاشية تفسير قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234] عن «الموطأ»، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة، و شرع عدة الوفاة و الإحداد، فلما ثقل ذلك على الناس، في مبدأ أمر تغيير العادة، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج و الإنفاق عليها من ماله، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج، فإن خرجت و أبت السكنى هنالك لم ينفق عليها، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقا عليها لا تستطيع تركه، ثم نسخ الإنفاق و الوصية بالميراث، فاللّه لما أراد نسخ عدة الجاهلية، و راعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقر الاعتداد بالحول، و أقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى، و على قبول الزوجة ذلك، فإن لم يوص لها أو لم تقبل، فليس عليها السكنى، و لها الخروج، و تعتد حيث شاءت، و نسخ وَصِيَّةً السكنى حولا بالمواريث، و بقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعا بحديث الفريعة.
و قوله: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ قرأه نافع و ابن كثير و الكسائي و أبو بكر عن عاصم، و أبو جعفر و يعقوب و خلف: برفع (وصية) على الابتداء، محولا عن المفعول المطلق، و أصله وصية بالنصب بدلا من فعله، فحول إلى الرفع لقصد الدوام كقولهم: حمد و شكر، و فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18] كما تقدم في تفسير الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة: 18] و قوله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة: 229] و لما كان المصدر في المفعول المطلق، في مثل هذا، دالا على النوعية، جاز عند وقوعه مبتدأ أن يبقى منكرا، إذ ليس المقصود فردا غير معين حتى ينافي الابتداء، بل المقصود النوع، و عليه فقوله: لِأَزْواجِهِمْ خبر، و قرأه أبو عمرو، و ابن عامر، و حمزة، و حفص عن عاصم: وَصِيَّةً بالنصب فيكون قوله:
لِأَزْواجِهِمْ متعلقا به على أصل المفعول المطلق الآتي بدلا من فعله لإفادة الأمر.
و ظاهر الآية أن الوصية وصية المتوفين، فتكون من الوصية التي أمر بها من تحضره الوفاة مثل الوصية التي في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [البقرة: 180] فعلى هذا الاعتبار إذا لم يوص المتوفّى
التحرير و التنوير، ج2، ص: 451
لزوجه بالسكنى فلا سكنى لها و قد تقدم أن الزوجة مع الوصية مخيرة بين أن تقبل الوصية، و بين أن تخرج. و قال ابن عطية: قالت فرقة منهم ابن عباس و الضحاك و عطاء و الربيع: أن قوله وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ هي وصية من اللّه تعالى للأزواج بلزوم البيوت حولا، و على هذا القول فهو كقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: 11] و قوله: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 12] فذلك لا يتوقف على إيصاء المتوفين و لا على قبول الزوجات، بل هو حكم من اللّه يجب تنفيذه، و عليه يتعين أن يكون لِأَزْواجِهِمْ متعلقا بوصية، و تعلقه به هو الذي سوغ الابتداء به، و الخبر محذوف دل عليه المقام لعدم تأتي ما قرر في الوجه الأول.
و قوله: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ : تقدم معنى المتاع في قوله: مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 236] و المتاع هنا هو السكنى، و هو منصوب على حذف فعله أي ليمتعوهن متاعا، و انتصب متاعا على نزع الخافض، فهو متعلق بوصية و التقدير وصية لأزواجهم بمتاع. و (إلى) مؤذنة بشيء جعلت غايته الحول، و تقديره متاعا بسكنى إلى الحول، كما دل عليه قوله: غَيْرَ إِخْراجٍ .
و التعريف في الحول تعريف العهد، و هو الحول المعروف عند العرب من عهد الجاهلية الذي تعتد به المرأة المتوفى عنها، فهو كتعريفه في قول لبيد «1» :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر
و قوله: غَيْرَ إِخْراجٍ حال من مَتاعاً مؤكدة، أو بدل من مَتاعاً بدلا مطابقا، و العرب تؤكد الشيء بنفي ضده، و منه قول أبي العباس الأعمى يمدح بني أمية:
خباء على المنابر فرسا
ن عليها و قالة غير خرس
و قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ هو على قول فرقة معناه: فإن أبين قبول الوصية فخرجن، فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من الخروج و غيره من المعروف عدا الخطبة و التزوج، و التزين في العدة، فذلك ليس من المعروف. و على قول الفرقة
(1) كانوا في الجاهلية تحد البنت على أبيها حولا كاملا إذا لم تكن ذات زوج، و قبل هذا البيت:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
و هل أنا إلّا من ربيعة أو مضر
فإن حان يوما أن يموت أبوكما
فلا تخمشا وجها و لا تحلقا شعر
و قولا هو المرء الذي لا حليفه
أضاع و لا خان الصّديق و لا غدر
قالها لبيد لما بلغ مائة و عشرين سنة يوصى ابنتيه بوصايا الإسلام.
التحرير و التنوير، ج2، ص: 452
الأخرى التي جعلت الوصية من اللّه، يجب أن يكون قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ عطفا على مقدر للإيجاز، مثل: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء: 63] أي فإن تم الحول فخرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن أي من تزوج و غيره من المعروف عدا المنكر كالزنا و غيره، و الحاصل أن المعروف يفسر بغير ما حرم عليها في الحالة التي وقع فيها الخروج و كل ذلك فعل في نفسها.
قال ابن عرفة في «تفسيره» «و تنكير معروف هنا و تعريفه في الآية المتقدمة، لأن هذه الآية نزلت قبل الأخرى، فصار هنالك معهودا». و أحسب هذا غير مستقيم، و أن التعريف تعريف الجنس، و هو و النكرة سواء، و قد تقدم الكلام عن القراءة المنسوبة إلى علي- بفتح ياء يُتَوَفَّوْنَ - و ما فيها من نكتة عربية عند قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ [البقرة: 234] الآية.
[241]
[سورة البقرة (2): آية 241]
وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)
عطف على جملة: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة: 240] جعل استيفاء لأحكام المتعة للمطلقات، بعد أن تقدم حكم متعة المطلقات قبل المسيس و قبل الفرض، فعمم بهذه الآية طلب المتعة للمطلقات كلهن، فاللام في قوله: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ لام الاستحقاق.
و التعريف في المطلقات يفيد الاستغراق، فكانت هذه الآية قد زادت أحكاما على الآية التي سبقتها. و عن جابر بن زيد قال: لما نزل قوله تعالى: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ إلى قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 236] قال رجل: إن أحسنت فعلت و إن لم أرد ذلك لم أفعل، فنزل قوله تعالى: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فجعلها بيانا للآية السابقة، إذ عوض وصف المحسنين بوصف المتقين.
و الوجه أن اختلاف الوصفين في الآيتين لا يقتضي اختلاف جنس الحكم باختلاف أحوال المطلقات، و أن جميع المتعة من شأن المحسنين و المتقين، و أن دلالة صيغة الطلب في الآيتين سواء إن كان استحبابا أو كان إيجابا. فالذين حملوا الطلب في الآية السابقة على الاستحباب، حملوه في هذه الآية على الاستحباب بالأولى، و معولهم في محمل الطلب في كلتا الآيتين ليس إلا على استنباط علة مشروعية المتعة و هي جبر خاطر المطلقة استبقاء للمودة، و لذلك لم يستثن مالك من مشمولات هذه الآية إلا المختلعة؛ لأنها هي التي دعت إلى الفرقة دون المطلق.
التحرير و التنوير، ج2، ص: 453
و الذين حملوا الطلب في الآية المتقدمة على الوجوب، اختلفوا في محمل الطلب في هذه الآية فمنهم من طرد قوله بوجوب المتعة لجميع المطلقات، و من هؤلاء عطاء و جابر بن زيد و سعيد ابن جبير و ابن شهاب و القاسم بن محمد و أبو ثور، و منهم من حمل الطلب في هذه الآية على الاستحباب و هو قول الشافعي، و مرجعه إلى تأويل ظاهر قوله:
وَ لِلْمُطَلَّقاتِ بما دل عليه مفهوم قوله في الآية الأخرى ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة: 236].
[242]
[سورة البقرة (2): آية 242]
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
أي كهذا البيان الواضح يبين اللّه آياته، فالآيات هنا دلائل الشريعة. و قد تقدم القول في نظيره في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: 143].
[243، 244]
[سورة البقرة (2): الآيات 243 الى 244]
استئناف ابتدائي للتحريض على الجهاد و التذكير بأن الحذر لا يؤخر الأجل، و أن الجبان قد يلقى حتفه في مظنة النجاة. و قد تقدم أن هذه السورة نزلت في مدة صلح الحديبية و أنها تمهيد لفتح مكة، فالقتال من أهم أغراضها، و المقصود من هذا الكلام هو قوله: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية. فالكلام رجوع إلى قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة: 216] و فصلت بين الكلامين الآيات النازلة خلالهما المفتتحة ب يَسْئَلُونَكَ* [البقرة: 217، 219، 220، 222].
و موقع أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قبل قوله: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ موقع ذكر الدليل قبل المقصود، و هذا طريق من طرق الخطابة أن يقدم الدليل قبل المستدل عليه لمقاصد
كقول علي رضي اللّه عنه في بعض خطبه لما بلغه استيلاء جند الشام على أكثر البلاد، إذ افتتح الخطبة فقال: «ما هي إلا الكوفة أقبضها و أبسطها أنبئت بسرا هو ابن أبي أرطأة من قادة جنود الشام قد اطلع اليمن، و إني و اللّه لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، و تفرقكم عن حقكم» فقوله: «ما هي إلا الكوفة»
موقعه موقع الدليل على
قوله: «لأظن هؤلاء القوم