کتابخانه تفاسیر
التحرير و التنوير
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
الجزء الثالث
3 - سورة آل عمران
الجزء الرابع
4 - سورة النساء
الجزء الخامس
5 - سورة المائدة
الجزء السادس
6 - سورة الأنعام
الجزء السابع
تتمة سورة الانعام
الجزء الثامن
7 - سورة الأعراف
الجزء التاسع
8 - سورة الأنفال
الجزء العاشر
9 - سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
الجزء الثاني عشر
12 - سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
الجزء الثالث عشر
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الرابع عشر
17 - سورة الإسراء
الجزء الخامس عشر
18 - سورة الكهف
الجزء السادس عشر
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء السابع عشر
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
الجزء الثامن عشر
23 - سورة المؤمنين
24 - سورة النور
الجزء التاسع عشر
25 - سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
الجزء العشرون
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي و العشرون
30 - سورة الروم
31 - سورة لقمان
32 - سورة السجدة
33 - سورة الأحزاب
الجزء الثاني و العشرون
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
36 - سورة يس
الجزء الثالث و العشرون
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
الجزء الرابع و العشرون
39 - سورة الزمر
40 - سورة المؤمن
الجزء الخامس و العشرون
41 - سورة فصلت
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
44 - سورة الدخان
45 - سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
46 - سورة الأحقاف
47 - سورة محمد
48 - سورة الفتح
49 - سورة الحجرات
50 - سورة ق
الجزء السابع و العشرون
51 - سورة الذاريات
52 - سورة الطور
53 - سورة النجم
54 - سورة القمر
55 - سورة الرحمن
56 - سورة الواقعة
57 - سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
58 - سورة المجادلة
59 - سورة الحشر
60 - سورة الممتحنة
63 - سورة المنافقون
64 - سورة التغابن
66 - سورة التحريم
الجزء التاسع و العشرون
67 - سورة الملك
68 - سورة القلم
69 - سورة الحاقة
70 - سورة المعارج
71 - سورة نوح
72 - سورة الجن
73 - سورة المزمل
74 - سورة المدثر
75 - سورة القيامة
76 - سورة الإنسان
77 - سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
78 - سورة النبأ
79 - سورة النازعات
83 - سورة المطففين
85 - سورة البروج
88 - سورة الغاشية
التحرير و التنوير، ج11، ص: 215
[11]
[سورة هود (11): آية 11]
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ (11)
احتراس باستثناء من (الإنسان). و المراد بالّذين صبروا المؤمنون باللّه لأنّ الصبر من مقارنات الإيمان فكني بالذين صبروا عن المؤمنين فإنّ الإيمان يروض صاحبه على مفارقة الهوى و نبذ معتاد الضلالة. قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3].
و من معاني الصبر انتظار الفرج و لذلك أوثر هنا وصف (صبروا) دون (آمنوا) لأنّ المراد مقابلة حالهم بحال الكفّار في قوله: إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ [هود: 9]. و دل الاستثناء على أنّهم متّصفون بضد صفات المستثنى منهم. و في هذا تحذير من الوقوع فيما يماثل صفات الكافرين على اختلاف مقادير. و قد نسجت الآية على هذا المنوال من الإجمال لتذهب نفوس السامعين من المؤمنين في طرق الحذر من صفتي اليأس و كفران النعمة، و من صفتي الفرح و الفخر كل مذهب ممكن.
و جملة أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ مستأنفة ابتدائية. و الإتيان باسم الإشارة عقب وصفهم بما دل عليه الاستثناء و بالصبر و عمل الصالحات تنبيه على أنّهم استحقوا ما يذكر بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر قبله من الأوصاف كقوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5].
[12]
[سورة هود (11): آية 12]
تفريع على قوله: وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ - إلى قوله- يَسْتَهْزِؤُنَ [هود: 7، 8] من ذكر تكذيبهم و عنادهم. و يشير هذا التّفريع إلى أنّ مضمون الكلام المفرع عليه سبب لتوجيه هذا التوقع لأنّ من شأن المفرع عليه اليأس من ارعوائهم لتكرر التكذيب و الاستهزاء يأسا قد يبعث على ترك دعائهم، فذلك كله أفيد بفاء التفريع.
و التوقع المستفاد من (لعل) مستعمل في تحذير من شأنه التبليغ. و يجوز أن يقدّر استفهام حذفت أداته. و التقدير: أ لعلّك تارك. و يكون الاستفهام مستعملا في النفي للتحذير، و ذلك نظير قوله تعالى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: 3].
و الاستفهام كناية عن بلوغ الحالة حدا يوجب توقع الأمر المستفهم عنه حتى أنّ
التحرير و التنوير، ج11، ص: 216
المتكلّم يستفهم عن حصوله. و هذا أسلوب يقصد به التحريك من همة المخاطب و إلهاب همته لدفع الفتور عنه، فليس في هذا تجويز ترك النّبيء صلى اللّه عليه و سلم تبليغ بعض ما يوحى إليه، و ذلك البعض هو ما فيه دعوتهم إلى الإيمان و إنذارهم بالعذاب و إعلامهم بالبعث كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها [الأعراف: 203].
و المعنى تحذيره من التأثّر بعنادهم و تكذيبهم و استهزائهم، و يستتبع ذلك تأييس المشركين من تركه ذكر البعث و الإنذار بالعذاب، فالخطاب مستعمل في حقيقته و مراد منه مع ذلك علم السامعين بمضمونه.
وَ ضائِقٌ : اسم فاعل من ضاق. و إنما عدل عن أن يقال (ضيّق) هنا إلى ضائِقٌ لمراعاة النظير مع قوله: (تارك) لأنّ ذلك أحسن فصاحة. و لأنّ ضائِقٌ لا دلالة فيه على تمكّن وصف الضّيق من صدره بخلاف ضيّق، إذ هو صفة مشبهة و هي دالة على تمكن الوصف من الموصوف، إيماء إلى أنّ أقصى ما يتوهّم توقعه في جانبه صلى اللّه عليه و سلم هو ضيق قليل يعرض له.
و الضيق مستعمل مجازا في الغم و الأسف، كما استعمل ضده و هو الانشراح في الفرح و المسرة.
و ضائِقٌ عطف على تارِكٌ فهو و فاعله جملة خبر عن (لعلّك) فيتسلط عليه التفريع.
و الباء في بِهِ للسببية، و الضمير المجرور بالباء عائد على ما بعده و هو أَنْ يَقُولُوا . و أَنْ يَقُولُوا بدل من الضمير. و مثل ذلك مستعمل في الكلام كقوله تعالى:
وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: 3]، فيكون تحذيرا من أن يضيق صدره لاقتراحهم الآيات بأن يقولوا: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ، و يحصل مع ذلك التحذير من أن يضيق صدره من قولهم: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [هود: 7]، و من قولهم: ما يحبس العذاب عنا، بواسطة كون ضائِقٌ داخلا في تفريع التحذير على قوليهم السّابقين. و إنما جيء بالضمير ثم أبدل منه لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليكون أشد تمكّنا في الذهن، و لقصد تقديم المجرور المتعلق باسم الفاعل على فاعله تنبيها على الاهتمام بالمتعلّق لأنّه سبب صدور الفعل عن فاعله فجيء بالضمير المفسر فيما بعد لما في لفظ التفسير من الطول، فيحصل بذكره بعد بين اسم الفاعل و مرفوعه، فلذلك اختصر في ضمير يعود عليه، فحصل الاهتمام و قوّي الاهتمام بما يدل على تمكنه في الذهن.
التحرير و التنوير، ج11، ص: 217
و معظم المفسرين جعلوا ضمير بِهِ عائدا إلى بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ . على أن ما يوحى إليه سبب لضيق صدره، أي لا يضيق له صدرك، و جعلوا أَنْ يَقُولُوا مجرورا بلام التعليل مقدرة. و عليه فالمضارع في قوله: أَنْ يَقُولُوا بمعنى المضي لأنهم قالوا ذلك. و اللام متعلقة ب ضائِقٌ و ليس المعنى عليه بالمتين.
و لَوْ لا : للتحضيض، و الكنز: المال الكنوز أي المخبوء.
و إنزاله: إتيانه من مكان عال أي من السماء.
و هذا القول صدر من المشركين قبل نزول هذه الآية فلذلك فالفعل المضارع مراد به تجدد هذا القول و تكرره منهم بقرينة العلم بأنه صدر منهم في الماضي، و بقرينة التحذير من أن يكون ذلك سببا في ضيق صدره لأن التحذير إنما يتعلق بالمستقبل.
و مرادهم ب جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ أن يجيء ملك من الملائكة شاهدا برسالته، و هذا من جهلهم بحقائق الأمور و توهمهم أنّ اللّه يعبأ بإعراضهم و يتنازل لإجابة مقترح عنادهم، و من قصورهم عن فهم المعجزات الإلهية و مدى التأييد الربّاني.
و جملة إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ في موقع العلّة للتحذير من تركه بعض ما يوحى إليه و ضيق صدره من مقالتهم. فكأنه قيل لا تترك إبلاغهم بعض ما يوحى إليك و لا يضق صدرك من مقالهم لأنك نذير لا وكيل على تحصيل إيمانهم، حتى يترتب على يأسك من إيمانهم ترك دعوتهم.
و القصر المستفاد من إِنَّما قصر إضافي، أي أنت نذير لا موكّل بإيقاع الإيمان في قلوبهم إذ ليس ذلك إليك بل هو للّه، كما دلّ عليه قوله قبله فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ فهو قصر قلب. و فيه تعريض بالمشركين برد اعتقادهم أنّ الرسول يأتي بما يسأل عنه من الخوارق فإذا لم يأتهم به جعلوا ذلك سندا لتكذيبهم إيّاه ردا حاصلا من مستتبعات الخطاب، كما تقدم عند قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إذ كثر في القرآن ذكر نحو هذه الجملة في مقام الرد على المشركين و الكافرين الذين سألوا الإتيان بمعجزات على وفق هواهم.
و جملة وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ تذييل لقوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إلى هنا، و هي معطوفة على جملة إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ لما اقتضاه القصر من إبطال أن يكون وكيلا على إلجائهم للإيمان. و مما شمله عموم كُلِّ شَيْءٍ أن اللّه وكيل على قلوب
التحرير و التنوير، ج11، ص: 218
المكذبين و هم المقصود، و إنما جاء الكلام بصيغة العموم ليكون تذييلا و إتيانا للغرض بما هو كالدّليل، و لينتقل من ذلك العموم إلى تسلية النبيء صلى اللّه عليه و سلم بأن اللّه مطلع على مكر أولئك، و أنه وكيل على جزائهم و أن اللّه عالم ببذل النبيء جهده في التبليغ.
[13]
[سورة هود (11): آية 13]
أَمْ هذه منقطعة بمعنى (بل) التي للإضراب للانتقال من غرض إلى آخر، إلّا أن (أم) مختصة بالاستفهام فتقدر بعدها همزة الاستفهام. و التقدير: بل أ يقولون افتراه.
و الإضراب انتقالي في قوة الاستئناف الابتدائي، فللجملة حكم الاستئناف. و المناسبة ظاهرة، لأن الكلام في إبطال مزاعم المشركين، فإنهم قالوا: هذا كلام مفترى، و قرعهم بالحجة. و الاستفهام إنكاري.
و الافتراء: الكذب الذي لا شبهة لصاحبه، فهو الكذب عن عمد، كما تقدم في قوله: وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ في سورة العقود [103].
و جملة قُلْ فَأْتُوا جواب لكلامهم فلذلك فصلت على ما هو مستعمل في المحاورة سواء كانت حكاية المحاورة بصيغة حكاية القول أو كانت أمرا بالقول كما تقدم عند قوله تعالى: قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: 30]. و الضمير المستتر في (افتراه) عائد إلى النبيء- عليه الصلاة و السلام- المذكور في قوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ [هود: 12]. و ضمير الغائب البارز المنصوب عائد إلى القرآن المفهوم من قوله:
بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ [هود: 12].
و الإتيان بالشيء: جلبه، سواء كان بالاسترفاد من الغير أم بالاختراع من الجالب و هذا توسعة عليهم في التحدّي.
و تحدّاهم هنا بأن يأتوا بعشر سور خلاف ما تحدّاهم في غير هذا المكان بأن يأتوا بسورة مثله، كما في سورة البقرة و سورة يونس. فقال ابن عبّاس و جمهور المفسرين: كان التحدّي أوّل الأمر بأن يأتوا بعشر سور مثل القرآن. و هو ما وقع في سورة هود، ثمّ نسخ بأن يأتوا بسورة واحدة كما وقع في سورة البقرة و سورة يونس. فتخطّى أصحاب هذا القول إلى أن قالوا إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، و هو الذي يعتمد عليه.
التحرير و التنوير، ج11، ص: 219
و قال المبرّد: تحدّاهم أولا بسورة ثمّ تحدّاهم هنا بعشر سور لأنهم قد وسع عليهم هنا بالاكتفاء بسور مفتريات فلمّا وسع عليهم في صفتها أكثر عليهم عددها. و ما وقع من التحدّي بسورة اعتبر فيه مماثلتها لسور القرآن في كمال المعاني، و ليس بالقويّ.
و معنى مُفْتَرَياتٍ أنها مفتريات المعاني كما تزعمون على القرآن أي بمثل قصص أهل الجاهلية و تكاذيبهم. و هذا من إرخاء العنان و التسليم الجدلي، فالمماثلة في قوله مِثْلِهِ هي المماثلة في بلاغة الكلام و فصاحته لا في سداد معانيه. قال علماؤنا: و في هذا دليل على أن إعجازه و فصاحته بقطع النظر عن علوّ معانيه و تصديق بعضه بعضا. و هو كذلك.
و الدعاء: النداء لعمل. و هو مستعمل في الطلب مجازا و لو بدون نداء.
و حذف المتعلق لدلالة المقام، أي و ادعوا لذلك. و الأمر فيه للإباحة، أي إن شئتم حين تكونون قد عجزتم عن الإتيان بعشر سور من تلقاء أنفسكم فلكم أن تدعوا من تتوسّمون فيه المقدرة على ذلك و من ترجون أن ينفحكم بتأييده من آلهتكم و بتيسير الناس ليعاونوكم كقوله: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 23].
و مِنْ دُونِ اللَّهِ وصف ل مَنِ اسْتَطَعْتُمْ ، و نكتة ذكر هذا الوصف التذكير بأنهم أنكروا أن يكون من عند اللّه، فلما عمّم لهم في الاستعانة بمن استطاعوا أكّد أنهم دون اللّه فإن عجزوا عن الإتيان بعشر سور مثله مع تمكنهم من الاستعانة بكلّ من عدا اللّه تبين أن هذا القرآن من عند اللّه.
و معنى إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في قولكم افْتَراهُ ، و جواب الشرط هو قوله:
فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ . و وجه الملازمة بين الشرط و جزائه أنه إذا كان الافتراء يأتي بهذا القرآن فما لكم لا تفترون أنتم مثله فتنهض حجتكم.
[14]
[سورة هود (11): آية 14]
تفريع على وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ [هود: 13] أي فإن لم يستجب لكم من تدعو لهم فأنتم أعجز منهم لأنكم ما تدعونهم إلّا حين تشعرون بعجزكم دون معاون فلا جرم يكون عجز هؤلاء موقعا في يأس الدّاعين من الإتيان بعشر سور.
التحرير و التنوير، ج11، ص: 220
و الاستجابة: الإجابة، و السين و التاء فيه للتأكيد. و هي مستعملة في المعاونة و المظاهرة على الأمر المستعان فيه، و هي مجاز مرسل لأنّ المعاونة تنشأ عن النّداء إلى الإعانة غالبا فإذا انتدب المستعان به إلى الإعانة أجاب النداء بحضوره فسمّيت استجابة.
و العلم: الاعتقاد اليقين، أي فأيقنوا أن القرآن ما أنزل إلّا بعلم اللّه، أي ملابسا لعلم اللّه. أي لأثر العلم، و هو جعله بهذا النظم للبشر لأن ذلك الجعل أثر لقدرة اللّه الجارية على وفق علمه. و قد أفادت (أنما) الحصر، أي حصر أحوال القرآن في حالة إنزاله من عند اللّه. و أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عطف على أَنَّما أُنْزِلَ لأنهم إذا عجزوا فقد ظهر أن من استنصروهم لا يستطيعون نصرهم. و من جملة من يستنصرونهم بطلب الإعانة على المعارضة بين الأصنام عن إعانة أتباعهم فدل ذلك على انتفاء الإلهية عنهم.
و الفاء في فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ للتفريع على فَاعْلَمُوا . و الاستفهام مستعمل في الحثّ على الفعل و عدم تأخيره كقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91] أي عن شرب الخمر و فعل الميسر. و المعنى: فهل تسلمون بعد تحققكم أنّ هذا القرآن من عند اللّه.
و جيء بالجملة الاسمية الدالة على دوام الفعل و ثباته. و لم يقل فهل تسلمون لأنّ حالة عدم الاستجابة تكسب اليقين بصحة الإسلام فتقتضي تمكنه من النفوس و ذلك التمكن تدلّ عليه الجملة الاسمية.
[15، 16]
[سورة هود (11): الآيات 15 الى 16]
استئناف اعتراضي بين الجملتين ناشئ عن جملة فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود: 14] لأنّ تلك الجملة تفرّعت على نهوض الحجة فإن كانوا طالبين الحق و الفوز فقد استتبّ لهم ما يقتضي تمكن الإسلام من نفوسهم، و إن كانوا إنّما يطلبون الكبرياء و السيادة في الدنيا و يأنفون من أن يكونوا تبعا لغيرهم فهم مريدون الدنيا فلذلك حذّروا من أن يغتروا بالمتاع العاجل و أعلموا بأنّ وراء ذلك العذاب الدائم و أنّهم على الباطل، فالمقصود من هذا الكلام هو الجملة الثانية، أعني جملة أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ إلخ ... و ما قبل ذلك تمهيد و تنبيه على بوارق الغرور و مزالق الذهول.
و لمّا كان ذلك هو حالهم كان في هذا الاعتراض زيادة بيان لأسباب مكابرتهم
التحرير و التنوير، ج11، ص: 221
و بعدهم عن الإيمان، و فيه تنبيه المسلمين بأن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، و أن لا يحسبوا أيضا أنّ الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم، كما قال تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 196، 197].
و فعل الشرط في المقام الخطابي يفيد اقتصار الفاعل على ذلك الفعل، فالمعنى من كان يريد الحياة الدنيا فقط بقرينة قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ إذ حصر أمرهم في استحقاق النار و هو معنى الخلود. و نظير هذه الآية مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء: 18، 19].
فالمعنى من كان لا يطلب إلّا منافع الحياة و زينتها. و هذا لا يصدر إلّا عن الكافرين لأنّ المؤمن لا يخلو من إرادة خير الآخرة و ما آمن إلّا لذلك، فمورد هذه الآيات و نظائرها في حال الكافرين الذين لا يؤمنون بالآخرة.
فأمّا قوله تعالى: يا أيها النبيء قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28، 29] فذلك في معنى آخر من معاني الحياة و زينتها و هو ترف العيش و زينة اللباس، خلافا لما يقتضيه إعراض الرسول صلى اللّه عليه و سلم عن كثير من ذلك الترف و تلك الزينة.
و ضمير إِلَيْهِمْ عائد إلى مَنْ الموصولة لأنّ المراد بها الأقوام الذين اتصفوا بمضمون الصلة.
و التوفية: إعطاء الشيء وافيا، أي كاملا غير منقوص، أي نجعل أعمالهم في الدّنيا وافية و معنى وفائها أنّها غير مشوبة بطلب تكاليف الإيمان و الجهاد و القيام بالحق، فإن كل ذلك لا يخلو من نقصان في تمتع أصحاب تلك الأعمال بأعمالهم و هو النقصان الناشئ عن معاكسة هوى النفس، فالمراد أنهم لا ينقصون من لذاتهم التي هيّأوها لأنفسهم على اختلاف طبقاتهم في التمتع بالدنيا، بخلاف المؤمنين فإنهم تتهيّأ لهم أسباب التمتع بالدنيا على اختلاف درجاتهم في ذلك التهيؤ فيتركون كثيرا من ذلك لمراعاتهم مرضاة اللّه تعالى و حذرهم من تبعات ذلك في الآخرة على اختلاف مراتبهم في هذه المراعاة.