کتابخانه تفاسیر
التحرير و التنوير
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
الجزء الثالث
3 - سورة آل عمران
الجزء الرابع
4 - سورة النساء
الجزء الخامس
5 - سورة المائدة
الجزء السادس
6 - سورة الأنعام
الجزء السابع
تتمة سورة الانعام
الجزء الثامن
7 - سورة الأعراف
الجزء التاسع
8 - سورة الأنفال
الجزء العاشر
9 - سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
الجزء الثاني عشر
12 - سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
الجزء الثالث عشر
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الرابع عشر
17 - سورة الإسراء
الجزء الخامس عشر
18 - سورة الكهف
الجزء السادس عشر
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء السابع عشر
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
الجزء الثامن عشر
23 - سورة المؤمنين
24 - سورة النور
الجزء التاسع عشر
25 - سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
الجزء العشرون
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي و العشرون
30 - سورة الروم
31 - سورة لقمان
32 - سورة السجدة
33 - سورة الأحزاب
الجزء الثاني و العشرون
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
36 - سورة يس
الجزء الثالث و العشرون
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
الجزء الرابع و العشرون
39 - سورة الزمر
40 - سورة المؤمن
الجزء الخامس و العشرون
41 - سورة فصلت
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
44 - سورة الدخان
45 - سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
46 - سورة الأحقاف
47 - سورة محمد
48 - سورة الفتح
49 - سورة الحجرات
50 - سورة ق
الجزء السابع و العشرون
51 - سورة الذاريات
52 - سورة الطور
53 - سورة النجم
54 - سورة القمر
55 - سورة الرحمن
56 - سورة الواقعة
57 - سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
58 - سورة المجادلة
59 - سورة الحشر
60 - سورة الممتحنة
63 - سورة المنافقون
64 - سورة التغابن
66 - سورة التحريم
الجزء التاسع و العشرون
67 - سورة الملك
68 - سورة القلم
69 - سورة الحاقة
70 - سورة المعارج
71 - سورة نوح
72 - سورة الجن
73 - سورة المزمل
74 - سورة المدثر
75 - سورة القيامة
76 - سورة الإنسان
77 - سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
78 - سورة النبأ
79 - سورة النازعات
83 - سورة المطففين
85 - سورة البروج
88 - سورة الغاشية
التحرير و التنوير، ج21، ص: 319
حِجابٍ [الأحزاب: 53].
و إنما رفع الجناح عن نساء النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم تنبيها على أنهن مأمورات بالحجاب كما أمر رجال المسلمين بذلك معهن فكان المعنى: لا جناح عليهن و لا عليكم، كما أن معنى فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أنهن أيضا يجبن من وراء حجاب كما تقدمت الإشارة إليه يقوله: ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَ [الأحزاب: 53].
و الظرفية المفادة من حرف فِي مجازية شائعة في مثله، يقال: لا جناح عليك في كذا، فهو كالحقيقة فلا تلاحظ فيه الاستعارة، و المجرور مقدر فيه مضاف تقديره: في رؤية آبائهن إيّاهن، و إنما رجح جانبهن هنا لأنه في معنى الإذن، لأن الرجال مأمورون بالاستئذان كما اقتضته آية سورة النور، و الإذن يصدر منهن فلذلك رجّح هنا جانبهن فأضيف الحكم إليهن.
و النساء: اسم جمع امرأة لا مفرد له من لفظه في كلامهم، و هن الإناث البالغات أو المراهقات.
و المراد ب نِسائِهِنَ جميع النساء، فإضافته إلى ضمير الأزواج اعتبار بالغالب لأن الغالب أن تكون النساء اللاتي يدخلن على أمهات المؤمنين نساء اعتدن أن يدخلن عليهن، و المراد جميع النساء.
و لم يذكر من أصناف الأقرباء الأعمام و لا الأخوال لأن ذكر أبناء الإخوان و أبناء الأخوات يقتضي اتحاد الحكم، من أنه لما رفع الحرج عنهن فيمن هن عمات لهن أو خالات كان رفع الحرج عنهن في الأعمام و الأخوال كذلك، و أما قرابة الرضاعة فمعلومة من السنة، فأريد الاختصار هنا إذ المقصود التنبيه على تحقيق الحجاب ليفضي إلى قوله:
و التفت من الغيبة إلى خطابهن في قوله: وَ اتَّقِينَ اللَّهَ لتشريف نساء النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم بتوجيه الخطاب الإلهي إليهن.
و الشهيد: الشاهد مبالغة في الفعل.
[56]
[سورة الأحزاب (33): آية 56]
التحرير و التنوير، ج21، ص: 320
أعقبت أحكام معاملة أزواج النبيء عليه الصلاة و السلام بالثناء عليه و تشريف مقامه إيماء إلى أن تلك الأحكام جارية على مناسبة عظمة مقام النبيء عليه الصلاة و السلام عند اللّه تعالى، و إلى أن لأزواجه من ذلك التشريف حظّا عظيما. و لذلك كانت صيغة الصلاة عليه التي علّمها للمسلمين مشتملة على ذكر أزواجه كما سيأتي قريبا، و ليجعل ذلك تمهيدا لأمر المؤمنين بتكرير ذكر النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم بالثناء و الدعاء و التعظيم، و ذكر صلاة الملائكة مع صلاة اللّه ليكون مثالا من صلاة أشرف المخلوقات على الرسول لتقريب درجة صلاة المؤمنين التي يؤمرون بها عقب ذلك، و التأكيد للاهتمام. و مجيء الجملة الاسمية لتقوية الخبر، و افتتاحها باسم الجلالة لإدخال المهابة و التعظيم في هذا الحكم، و الصلاة من اللّه و الملائكة تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ في هذه السورة [43]. و هذه صلاة خاصة هي أرفع صلاة مما شمله قوله هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لأن عظمة مقام النبيء يقتضي عظمة الصلاة عليه.
و جملة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ هي المقصودة و ما قبلها توطئة لها و تمهيد لأن اللّه لما حذّر المؤمنين من كل ما يؤذي الرسول عليه الصلاة و السلام أعقبه بأن ذلك ليس هو أقصى حظهم من معاملة رسولهم أن يتركوا أذاه بل حظّهم أكبر من ذلك و هو أن يصلّوا عليه و يسلّموا، و ذلك هو إكرامهم الرسول عليه الصلاة و السلام فيما بينهم و بين ربهم فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم و أفعالهم بحضرته بدلالة الفحوى، فجملة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بمنزلة النتيجة الواقعة بعد التمهيد. و جيء في صلاة اللّه و ملائكته بالمضارع الدال على التجديد و التكرير ليكون أمر المؤمنين بالصلاة عليه و التسليم عقب ذلك مشيرا إلى تكرير ذلك منهم إسوة بصلاة اللّه و ملائكته.
و الأمر بالصلاة عليه معناه: إيجاد الصلاة، و هي الدعاء، فالأمر يؤول إلى إيجاد أقوال فيها دعاء و هو مجمل في الكيفية.
و الصلاة: ذكر بخير، و أقوال تجلب الخير، فلا جرم كان الدعاء هو أشهر مسميات الصلاة، فصلاة اللّه: كلامه الذي يقدّر به خيرا لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأن حقيقة الدعاء في جانب اللّه معطّل، لأن اللّه هو الذي يدعوه الناس، و صلاة الملائكة و الناس: استغفار و دعاء بالرحمات.
و ظاهر الأمر أن الواجب كلّ كلام فيه دعاء للنبيء صلّى اللّه عليه و سلّم، و لكن الصحابة
لما نزلت هذه الآية سألوا النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم عن كيفية هذه الصلاة قالوا: «يا رسول اللّه هذا السلام عليك
التحرير و التنوير، ج21، ص: 321
قد علمناه فكيف نصلي عليك؟» يعنون أنهم علموا السلام عليه من صيغة بثّ السلام بين المسلمين و في التشهد فالسلام بين المسلمين صيغته: السلام عليكم. و السلام في التشهد هو «السلام عيك أيها النبيء و رحمة اللّه و بركاته» أو «السلام على النبيء و رحمة اللّه و بركاته». فقال رسول اللّه: قولوا: «اللهم صلّ على محمد و على أزواجه و ذريته كما صليت على إبراهيم، و بارك على محمد و أزواجه و ذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد». هذه رواية مالك في «الموطأ» عن أبي حميد الساعدي.
و روي أيضا عن أبي مسعود الأنصاري بلفظ «و على آل محمد» (عن أزواجه و ذريته في الموضعين) و بزيادة «في العالمين»، قبل: «إنك حميد مجيد. و السلام كما قد علمتم».
و هما أصح ما روي كما قال أبو بكر بن العربي. و هناك روايات خمس أخرى متقاربة المعنى و في بعضها زيادة و قد استقصاها ابن العربي في «أحكام القرآن». و مرجع صيغها إلى توجه إلى اللّه بأن يفيض خيرات على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأن معنى الصلاة الدعاء، و الدعاء من حسن الأقوال، و دعاء المؤمنين لا يتوجه إلّا إلى اللّه.
و ظاهر صيغة الأمر مع قرينة السياق يقتضي وجوب أن يصلي المؤمن على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم، إلا أنه كان مجملا في العدد فمحمله محمل الأمر المجمل أن يفيد المرة لأنها ضرورية لإيقاع الفعل و لمقتضى الأمر. و لذلك اتفق فقهاء الأمة على أن واجبا على كل مؤمن أن يصلي على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم مرة في العمر، فجعلوا وقتها العمر كالحج. و قد اختلفوا فيما زاد على ذلك في حكمه و مقداره، و لا خلاف في استحباب الإكثار من الصلاة عليه و خاصة عند وجود أسبابها. قال الشافعي و إسحاق و محمد بن المواز من المالكية و اختاره أبو بكر بن العربي من المالكية: إن الصلاة عليه فرض في الصلاة فمن تركها بطلت صلاته. قال إسحاق: و لو كان ناسيا.
و ظاهر حكايتهم عن الشافعي أن تركها إنما يبطل الصلاة إذا كان عمدا و كأنهم جعلوا ذلك بيانا للإجمال الذي في الأمر من جهة الوقت و العدد، فجعلوا الوقت هو إيقاع الصلاة للمقارنة بين الصلاة و التسليم، و التسليم وارد في التشهد، فتكون الصلاة معه على نحو ما استدل أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه من قوله: لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة و الزكاة، فإذا كان هذا مأخذهم فهو ضعيف لأن الآية لم ترد في مقام أحكام الصلاة، و إلا فليس له أن يبين مجملا بلا دليل.
و قال جمهور العلماء: هي في الصلاة مستحبة و هي في التشهد الأخير و هو الذي
التحرير و التنوير، ج21، ص: 322
جرى عليه الشافعية أيضا. قال الخطابي: و لا أعلم للشافعي فيها قدوة و هو مخالف لعمل السلف قبله، و قد شنع عليه في هذه المسألة جدا. و هذا تشهد ابن مسعود الذي علمه النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و الذي اختاره الشافعي ليس فيه الصلاة على النبيء، كذلك كل من روى التشهد عن رسول اللّه. قال ابن عمر: كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتّاب، و علمه أيضا على المنبر عمر، و ليس في شيء من ذلك ذكر الصلاة على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم. قلت: فمن قال إنها سنة في الصلاة فإنما أراد المستحب.
و أما
حديث «لا صلاة لمن لم يصل عليّ»
فقد ضعفه أهل الحديث كلهم.
و من أسباب الصلاة عليه أن يصلي عليه من جرى ذكره عنده، و كذلك في افتتاح الكتب و الرسائل، و عند الدعاء، و عند سماع الأذان، و عند انتهاء المؤذن، و عند دخول المسجد، و في التشهد الأخير.
و في التوطئة للأمر بالصلاة على النبيء بذكر الفعل المضارع في يُصَلُّونَ إشارة إلى الترغيب في الإكثار من الصلاة على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم تأسيّا بصلاة اللّه و ملائكته.
و اعلم أنا لم نقف على أن أصحاب النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا يصلون على النبيء كلما جرى ذكر اسمه و لا أن يكتبوا الصلاة عليه إذا كتبوا اسمه و لم نقف على تعيين مبدأ كتابة ذلك بين المسلمين.
و الذي يبدو أنهم كانوا يصلون على النبيء إذا تذكروا بعض شؤونه كما كانوا يترحمون على الميّت إذا ذكروا بعض محاسنه. و في «السيرة الحلبية»: «لما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و اعترى عمر من الدهش ما هو معلوم و تكلم أبو بكر بما هو معلوم قال عمر: إنا للّه و إنا إليه راجعون صلوات اللّه على رسوله و عند اللّه نحتسب رسوله» و روى البخاري في باب: متى يحلّ المعتمر: عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقول كلما مرت بالحجون «صلى اللّه على رسوله محمد و سلّم لقد نزلنا معه هاهنا و نحن يومئذ خفاف» إلى آخره.
و في باب ما يقول عند دخول المسجد من
«جامع الترمذي» حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: كان رسول اللّه إذا دخل المسجد صلّى على محمد و سلّم و قال: رب اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب رحمتك، و إذا خرج صلّى على محمد و سلّم و قال: رب اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك
، قال الترمذي: حديث
التحرير و التنوير، ج21، ص: 323
حسن و ليس إسناده بمتصل.
و من هذا القبيل ما ذكره ابن الأثير في «التاريخ الكامل» في حوادث سنة خمس و أربعين و مائة: أن عبد اللّه بن مصعب بن ثابت رثى محمدا النفس الزكية بأبيات منها:
و اللّه لو شهد النبيء محمد
صلى الإله على النبيء و سلّما
ثم أحدثت الصلاة على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم في أوائل الكتب في زمن هارون الرشيد، ذكر ذلك ابن الأثير في «الكامل» في سنة إحدى و ثمانين و مائة، و ذكره عياض في «الشفاء»، و لم يذكرا صيغة التصلية. و في «المخصص» لابن سيده في ذكر الخف و النعل: إن أبا محلّم بعث إلى حذّاء بنعل ليحذوها و قال له: «ثم سنّ شفرتك و سنّ رأس الإزميل ثم سمّ باسم اللّه و صلّ على محمد ثم انحها» إلى آخره.
و لا شك أن إتباع اسم النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم بالصلاة عليه في كتب الحديث و التفسير و غيرها كان موجودا في القرن الرابع، و قد وقفت على قطعة عتيقة من تفسير يحيى بن سلام البصري مؤرخ نسخها سنة ثلاث و ثمانين و ثلاثمائة فإذا فيها الصلاة على النبيء عقب ذكره اسمه.
و أحسب أن الذين سنّوا ذلك هم أهل الحديث. قال النووي في مقدمة شرحه على «صحيح مسلم» «يستحب لكاتب الحديث إذا مر بذكر اللّه أن يكتب عز و جل، أو تعالى، أو سبحانه و تعالى، أو تبارك و تعالى، أو جل ذكره، أو تبارك اسمه، أو جلت عظمته، أو ما أشبه ذلك، و كذلك يكتب عند ذكر النبيء «صلّى اللّه عليه و سلّم» بكمالها لا رامزا إليها و لا مقتصرا على بعضها، و يكتب ذلك و إن لم يكن مكتوبا في الأصل الذي ينقل منه فإن هذا ليس رواية و إنما هو دعاء. و ينبغي للقارىء أن يقرأ كل ما ذكرناه و إن لم يكن مذكورا في الأصل الذي يقرأ منه و لا يسأم من تكرر ذلك، و من أغفل ذلك حرم خيرا عظيما» ا ه.
و قوله: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً القول فيه كالقول في صَلُّوا عَلَيْهِ حكما و مكانا و صفة فإن صفته حددت
بقول النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم: «و السلام كما قد علمتم»
فإن المعلوم هو صيغته التي في التشهد «السلام عليك أيها النبيء و رحمة اللّه و بركاته». و كان ابن عمر يقول فيه بعد وفاة النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم «السلام على النبيء و رحمة اللّه و بركاته». و الجمهور أبقوا لفظه على اللفظ الذي كان في حياة النبيء عليه الصلاة و السلام رعيا لما
ورد عن النبيء عليه الصلاة و السلام أنه حي يبلغه تسليم أمته عليه.
التحرير و التنوير، ج21، ص: 324
و من أجل هذا المعنى أبقيت له صيغة التسليم على الأحياء و هي الصيغة التي يتقدم فيها لفظ التسليم على المتعلّق به لأن التسليم على الأموات يكون بتقديم المجرور على لفظ السلام. و قد
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للذي سلم عليه فقال: عليك السلام يا رسول اللّه فقال له: «إن عليك السلام تحية الموتى، فقل: السلام عليك».
و التسليم مشهور في أنه التحية بالسلام، و السلام فيه بمعنى الأمان و السلامة، و جعل تحية في الأولين عند اللقاء مبادأة بالتأمين من الاعتداء و الثأر و نحو ذلك إذ كانوا إذ اتقوا أحدا توجّسوا خيفة أن يكون مضمرا شرا لملاقيه، فكلاهما يدفع ذلك الخوف بالإخبار بأنه ملق على ملاقيه سلامة و أمنا. ثم شاع ذلك حتى صار هذا اللفظ دالا على الكرامة و التلطف، قال النابغة:
أ تاركة تدللها قطام
و ضنّا بالتحية و السلام
و لذلك كان قوله تعالى: وَ سَلِّمُوا غير مجمل و لا محتاج إلى بيان فلم يسأل عنه الصحابة النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و قالوا: هذا السلام قد عرفناه، و قال لهم: و السلام كما قد علمتم، أي كما قد علمتم من صيغة السلام بين المسلمين و من ألفاظ التشهد في الصلاة.
و إذ قد كانت صيغة السلام معروفة كان المأمور به هو ما يماثل تلك الصيغة أعني أن نقول: السلام على النبيء أو عليه السلام، و أن ليس ذلك بتوجه إلى اللّه تعالى بأن يسلم على النبيء بخلاف التصلية لما علمت ممّا اقتضى ذلك فيها.
و الآية تضمنت الأمر بشيئين: الصلاة على النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و التسليم عليه، و لم تقتض جمعهما في كلام واحد و هما مفرقان في كلمات التشهد فالمسلم مخيّر بين أن يقرن بين الصلاة و التسليم بأن يقول: صلى اللّه على محمد و السلام عليه، أو أن يقول: اللهم صل على محمد و السلام على محمد، فيأتي في جانب التصلية بصيغة طلب ذلك من اللّه، و في جانب التسليم بصيغة إنشاء السلام بمنزلة التحية له، و بين أن يفرد الصلاة و يفرد التسليم و هو ظاهر الحديث الذي
رواه عياض في «الشفاء» أن النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم قال: لقيت جبريل فقال لي: أبشرك أن اللّه يقول: من سلّم عليك سلمت عليه و من صلّى عليك صلّيت عليه.
و عن النووي أنه قال بكراهة إفراد الصلاة و التسليم، و قال ابن حجر: لعله أراد خلاف الأولى.
و في الاعتذار و المعتذر عنه نظر إذ لا دليل على ذلك.
و أما أن يقال: اللهم سلم على محمد، فليس بوارد فيه مسند صحيح و لا حسن عن
التحرير و التنوير، ج21، ص: 325
النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يرد عنه إلا بصيغة إنشاء السلام مثل ما في التحية، و لكنهم تسامحوا في حالة الاقتران بين التصلية و التسليم فقالوا: صلّى اللّه عليه و سلّم، لقصد الاختصار فيما نرى. و قد استمر عليه عمل الناس من أهل العلم و الفضل. و في حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم أنها قالت: «صلى اللّه على محمد و سلّم».
و معنى تسليم اللّه عليه إكرامه و تعظيمه فإن السلام كناية عن ذلك.
و قد استحسن أيمة السلف أن يجعل الدعاء بالصلاة مخصوصا بالنبيء صلّى اللّه عليه و سلّم. و عن مالك: لا يصلّى على غير نبيئنا من الأنبياء. يريد أن تلك هي السنة، و روي مثله عن ابن عباس، و روي عن عمر بن عبد العزيز: أن الصلاة خاصة بالنبيئين كلهم.
و أما التسليم في الغيبة فمقصور عليه و على الأنبياء و الملائكة لا يشركهم فيه غيرهم من عباد اللّه الصالحين لقوله تعالى: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: 79]، و قوله:
سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ [الصافات: 130]، سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ [الصافات: 120]، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ [الصافات: 109].
و أنه يجوز إتباع آلهم و أصحابهم و صالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال.
هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة و لم يقصدوا بذلك تحريما و لكنه اصطلاح و تمييز لمراتب رجال الدين، كما قصروا الرضى على الأصحاب و أيمة الدين، و قصروا كلمات الإجلال نحو: تبارك و تعالى، و جل جلاله، على الخالق دون الأنبياء و الرسل.
و أما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على عليّ و فاطمة و آلهما، و هو مخالف لعمل السلف فلا ينبغي اتباعهم فيه لأنهم قصدوا به الغضّ من الخلفاء و الصحابة.
و انتصب تَسْلِيماً على أنه مصدر مؤكد ل سَلِّمُوا و إنما لم يؤكد الأمر بالصلاة عليه بمصدر فيقال: صلّوا عليه صلاة، لأن الصلاة غلب إطلاقها على معنى الاسم دون المصدر، و قياس المصدر التصلية و لم يستعمل في الكلام لأنه اشتهر في الإحراق، قال تعالى: وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة: 94]، على أن الأمر بالصلاة عليه قد حصل تأكيده بالمعنى لا بالتأكيد الاصطلاحي فإن التمهيد له بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيء مشير إلى التحريض على الاقتداء بشأن اللّه و ملائكته.
[57]
[سورة الأحزاب (33): آية 57]