کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التسهيل لعلوم التنزيل

الجزء الأول

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم فهرس المحتويات

الجزء الثاني

سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس فهرس المحتويات

التسهيل لعلوم التنزيل


صفحه قبل

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 231

موسى كاذبا في دعوى الرسالة فلا يضركم كذبه، فلأي شي‏ء تقتلونه، فإن قيل: كيف قال:

و إن يك كاذبا بعد أن كان قد آمن به؟ فالجواب أنه لم يقل ذلك على وجه التكذيب له، و إنما قاله على وجه الفرض و التقدير، و قصد بذلك المحاجّة لقومه، فقسم أمر موسى إلى قسمين، ليقيم عليهم الحجة في ترك قتله على كل وجه من القسمين‏ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ‏ قيل: إن بعض هنا بمعنى كل و ذلك بعيد، و إنما قال بعض و لم يقل كل مع أن الذي يصيبهم هو كل ما يعدهم ليلاطفهم في الكلام، و يبعد عن التعصب لموسى، و يظهر النصيحة لفرعون و قومه، فيرتجى إجابتهم للحق‏ وَ قالَ الَّذِي آمَنَ‏ هو المؤمن المذكور أولا، و قيل: هو موسى عليه السلام و هذا بعيد، و إنما توهموا ذلك لأنه صرح هنا بالإيمان، و كان كلام المؤمن أولا غير صريح؛ بل كان فيه تورية و ملاطفة لقومه، إذ كان يكتم إيمانه، و الجواب: أنه كتم إيمانه أول الأمر، ثم صرح به بعد ذلك، و جاهرهم مجاهرة ظاهرة، لما وثق باللّه حسبما حكى اللّه من كلامه إلى قوله‏ «فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ» يَوْمَ التَّنادِ التنادي يعني: يوم القيامة و سمي بذلك لأن المنادي ينادي الناس، و ذلك قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ‏ و قيل: لأن بعضهم ينادي بعضا، أي ينادي أهل الجنة أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا [الأعراف:

44] و ينادي أهل النار: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف: 50] يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ‏ أي منطلقين إلى النار، و قيل: هاربين من النار.

وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ‏ قيل: هو يوسف بن يعقوب، و قيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، و البينات التي جاء بها يوسف لم تعيّن لنا، و اختلف هل أدركه فرعون موسى أو فرعون آخر قبله لأن كل من ملك مصر يقال له فرعون‏ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كلامهم هذا لا يدل على أنهم مؤمنون برسالة يوسف، و إنما مرادهم: لم يأت أحد يدّعي الرسالة بعد يوسف، قاله ابن عطية، و قال الزمخشري:

إنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضموم إلى تكذيب رسالته‏

الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ بدل من مسرف مرتاب و إنما جاز إبدال الجمع من المفرد، لأنه في معنى الجمع، كأنه قال: كل مسرف‏ كَبُرَ مَقْتاً فاعل كبر مصدر يجادلون، و قال الزمخشري: الفاعل ضمير من هو

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 232

مسرف‏ الْأَسْبابَ‏ هنا الطرق و قيل: الأبواب، و كررها للتفخيم و للبيان‏ فَأَطَّلِعَ‏ بالرفع‏ «1» عطف على أبلغ و بالنصب بإضمار أن في جواب لعل، لأن الترجّي غير واجب، فهو كالتمني في انتصاب جوابه، و لا نقول: إن لعل أشربت معنى ليت كما قال بعض النحاة (تباب) أي خسران (متاع) أي يتمتع به قليلا، فإن قيل: لم كرر المؤمن نداء قومه مرارا؟

فالجواب: أن ذلك لقصد التنبيه لهم، و إظهار الملاطفة و النصيحة، فإن قيل: لم جاء بالواو في قوله و يا قوم في الثالث دون الثاني؟ فالجواب: أن الثاني بيان للأول و تفسير، فلم يصح عطفه عليه بخلاف الثالث، فإنه كلام آخر فصح عطفه عليه‏ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ‏ أي ليس لي علم بربوبيته و المراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: و أشرك به ما ليس بإله، و إذا لم يكن إلها لم يصح علم ربوبيته‏ لا جَرَمَ‏ أي لا بد و لا شك‏ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ قال ابن عطية ليس له قدر و لا حق، يجب أن يدعى إليه كأنه قال: أ تدعونني إلى عبادة ما لا خطر له في الدنيا، و لا في الآخرة، و يحتمل اللفظ أن يكون معناه: ليس له دعوة قائمة، أي لا يدعى أحد إلى عبادته‏ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا دليل على أن من فوض أمره إلى اللّه عز و جل كان اللّه معه‏ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها النار بدل من سوء العذاب، أو مبتدأ أو خبر مبتدأ مضمر، و عرضهم عليها من حين موتهم إلى يوم القيامة، و ذلك مدّة البرزخ بدليل قوله:

و يوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، و استدل أهل السنة بذلك على صحة ما ورد من عذاب القبر، و روي أن أرواحهم في أجواف طيور سود تروح بهم و تغدو إلى النار غُدُوًّا وَ عَشِيًّا قيل: معناه في كل غدوة و عشية من أيام الدنيا، و قيل: المعنى على تقدير: ما بين‏

(1). قرأ حفص فأطلع بالنصب و الباقون: بالرفع.

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 233

الغدوة و العشية، لأن الآخرة لا غدوة فيها و لا عشية

لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ‏ إن قيل: هلا قال الذين في النار لخزنتها فلم صرح باسمها؟ فالجواب أن في ذكر جهنم تهويلا ليس في ذكر الضمير وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ‏ يحتمل أن يكون من كلام خزنة جهنّم فيكون متّصلا بقوله: فَادْعُوا أو يكون من كلام اللّه تعالى استئنافا.

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا قيل: إن هذا خاص فيمن أظهره اللّه على الكفار، و ليس بعام؛ لأن من الأنبياء من قتله قومه كزكريا و يحي، و الصحيح أنه عام، و الجواب عما ذكروه أن زكريا و يحيى لم يكونا من الرسل، إنما كانا من الأنبياء الذين ليسوا بمرسلين، و إنما ضمن اللّه نصر الرسل خاصة، لا نصر الأنبياء كلهم‏ وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يعني يوم القيامة.

و الأشهاد جمع شاهد أو شهيد، و يحتمل أن يكون بمعنى الحضور. أو الشهادة على الناس أو الشهادة في سبيل اللّه، و الأظهر أنه بمعنى الشهادة على الناس لقوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: 41] يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ‏ يحتمل أنهم لا يعتذرون أو يعتذرون، و لكن لا تنفعهم معذرتهم، و الأول أرجح لقوله: وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏ [المرسلات: 36] فنفى الاعتذار و الانتفاع به‏ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ يعني وعده لسيدنا محمد صلى اللّه عليه و سلم بالنصر و الظهور على أعدائه الكفار بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ قيل. العشي صلاة العصر و الإبكار صلاة الصبح، و قيل: العشي بعد العصر إلى الغروب و الإبكار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‏ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ يعني كفار قريش‏ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ أي تكبر و تعاظم، يمنعهم من أن يتبعوك أن ينقادوا إليك و قيل: كبرهم أنهم أرادوا النبوة لأنفسهم، و رأوا أنهم أحق بها، و الأول أظهر لأن إرادتهم النبوة لأنفسهم حسد، و الأول هو الكبر ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ أي لا يبلغون ما يقتضيه كبرهم من الظهور عليك، و من نيل النبوة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ أي استعذ من شرهم لأنهم أعداء لك، و استعذ من مثل حالهم في الكبر و الحسد، و استعذ باللّه في جميع أمورك على الإطلاق.

لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ الخلق هنا مصدر مضاف إلى‏

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 234

المفعول، و المراد به الاستدلال على البعث، لأن الإله الذي خلق السموات الأرض على كبرها، قادر على إعادة الأجسام بعد فنائها، و قيل: المراد توبيخ الكفار المتكبرين، كأنه قال: خلق السموات و الأرض أكبر من خلق الناس، فما بال هؤلاء يتكبرون على خالقهم، و هم من أصغر مخلوقاته و أحقرهم، و الأول أرجح لوروده في مواضع من القرآن لأنه قال بعده: إن الساعة لآتية لا ريب فيها فقدم الدليل، ثم ذكر المدلول.

وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ الدعاء هنا هو الطلب و الرغبة، و هذا وعد مقيّد بالمشيئة، و هي موافقة القدر لمن أراد أن يستجيب له، و قيل: ادعوني هنا: اعبدوني بدليل قوله بعده: إن الذين يستكبرون عن عبادتي و قوله صلى اللّه عليه و سلم: الدعاء هو العبادة «1» ثم تلا الآية أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ على هذا القول بمعنى أغفر لكم أو أعطيكم أجوركم. و الأول أظهر، و يكون قوله: يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ بمعنى يستكبرون عن الرغبة إليّ كما قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «من لم يسأل اللّه يغضب عليه‏ «2» و أما قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:

الدعاء هو العبادة فمعناه أن الدعاء و الرغبة إلى اللّه هي العبادة، لأن الدعاء يظهر فيه افتقار العبد و تضرعه إلى اللّه‏ داخِرِينَ‏ أي صاغرين‏ لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏ ذكر في [يونس: 67] وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ يعني المستلذات، لأنه إذا جاء ذكر الطيبات في معرض الإنعام فيراد به المستلذات، و إذا جاء في معرض التحليل و التحريم فيراد به الحلال و الحرام‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ هذا متصل بما قبله، قال ذلك ابن عطية و الزمخشري و تقديره:

ادعوه مخلصين قائلين‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ و لذلك قال ابن عباس: من قال لا إله إلا اللّه فليقل الحمد للّه رب العالمين، و يحتمل أن يكون الحمد للّه استئنافا

ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا

(1). حديث رواه أحمد عن النعمان بن بشير ج 4 ص 271.

(2). لم أعثر عليه و معناه صحيح و اللّه أعلم.

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 235

أراد الجنس و لذلك أفرد لفظه مع أن الخطاب لجماعة ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ ذكر الأشد في سورة يوسف عليه السلام: [يوسف: 22] و اللام تتعلق بفعل محذوف تقديره:

ثم يبقيكم لتبلغوا و كذلك ليكونوا أو أما لتبلغوا أجلا مسمى فمتعلق بمحذوف آخر تقديره:

فعل ذلك بكم لتبلغوا أجلا مسمى و هو الموت أو يوم القيامة.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ يعني كفار قريش، و قيل: هم أهل الأهواء كالقدرية و غيرهم، و هذا مردود بقوله: الذين كذبوا بالكتاب إلا إن جعلته منقطعا مما قبله و ذلك بعيد إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ العامل في إذ يعملون و جعل الظرف الماضي من الموضع المستقبل لتحقيق الأمر يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ‏ أي يجرون و الحميم الماء الشديد الحرارة ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ هذا من قولك: سجرت التنور إذا ملأته بالنار، فالمعنى أنهم يدخلون فيها كما يدخل الحطب في التنور، و لذلك قال مجاهد في تفسيره: توقد بهم النار (تمرحون) من المرح و هو الأشر و البطر. و قيل: الفخر و الخيلاء فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ إن قيل: قياس النظم أن يقول بئس مدخل الكافرين لأنه تقدم قبله ادخلوا. فالجواب أن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثوى‏ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ أصل إما إن نريك و دخلت ما الزائدة بعد إن الشرطية، و جواب الشرط محذوف تقديره: إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب قرّت عينك بذلك، و إن توفيناك قبل ذلك فإلينا يرجعون، فننتقم منهم أشد الانتقام.

مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ‏ روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أن اللّه تعالى بعث ثمانية آلاف رسول و في حديث آخر أربعة آلاف، و في حديث أبي ذر إن الأنبياء مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا منهم الرسل ثلاثمائة و ثلاثة عشر «1» ؛ فذكر اللّه بعضهم في القرآن، فهم الذين قص عليه و لم يذكر سائرهم فهم الذين لم يقصص عليه‏ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِ‏ قال الزمخشري:

(1). حديث أبو ذر رواه أحمد بطوله ج 5 ص 265.

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 236

أمر اللّه: القيامة، و قال ابن عطية: المعنى إذا أراد اللّه إرسال رسول قضي ذلك، و يحتمل أن يريد بأمر اللّه إهلاك المكذبين للرسل لقوله‏ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ‏ هنالك في الموضعين يراد به الوقت و الزمان، و أصله ظرف مكان ثم وضع موضع ظرف الزمان (الأنعام) هي الإبل و البقر و الضأن و المعز، فقوله‏

لِتَرْكَبُوا مِنْها يعني الإبل، و منها تأكلون يعني اللحوم و المنافع منها اللبن و الصوف و غير ذلك‏ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً يعني قطع المسافة البعيدة، و حمل الأثقال على الإبل، و تحملون يريد الركوب عليها و إنما كرره بعد قوله: لتركبوا منها لأنه أراد الركوب الأول المتعارف في القرى و البلدان و بالحمل عليها، الأسفار البعيدة، قاله ابن عطية وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ‏ هذا عموم بعد ما قدم من الآيات المخصوصة و لذلك وبخهم بقوله: فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ الضمير يعود على الأمم المكذبين و في تفسير علمهم وجوه: أحدها أنه ما كانوا يعتقدون من أنهم لا يبعثون و لا يحاسبون، و الثاني أنه علمهم بمنافع الدنيا و وجوه كسبها، و الثالث أنه علم الفلاسفة الذين يحتقرون علوم الشرائع و قيل: الضمير يعود على الرسل، أي فرحوا بما أعطاهم اللّه من العلم باللّه و شرائعه أو بما عندهم من العلم بأن اللّه ينصرهم على من يكذبهم، و أما الضمير في: و حاق بهم فيعود على الكفار باتفاق، و لذلك ترجح أن يكون الضمير في فرحوا يعود عليهم ليتسق الكلام (سنة اللّه) انتصب على المصدرية و اللّه سبحانه أعلم.

التسهيل لعلوم التنزيل، ج‏2، ص: 237

سورة فصلت‏

مكية و آياتها 54 نزلت بعد غافر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

(سورة حم السجدة) فُصِّلَتْ‏ أي بينت و قيل قطعت إلى سور و آيات‏ قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب بفعل مضمر على التخصيص أو حال أو مصدر لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ معناه يعلمون الأشياء و يعقلون الدلائل إذا نظروا فيها، و ذلك هو العلم الذي يوجب التكليف و قيل: معناه يعلمون الحق و الإيمان فالأول عام و هذا خاص، و الأول أولى لقوله: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ‏ لأن الإعراض ليس من صفة المؤمنين، و قيل: يعلمون لسان العرب فيفهمون القرآن إذ هو بلغتهم، و قوله: لقوم يتعلق بتنزيل أو فصلت و الأحسن أن يكون صفة لكتاب‏ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ‏ أي لا يقبلون و لا يطيعون، و عبّر عن ذلك بعدم السماع على وجه المبالغة فِي أَكِنَّةٍ جمع كنان و هو الغطاء، وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ‏ عبارة عن بعدهم عن الإسلام‏ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ‏ قيل: معناه اعمل على دينك، و إننا عاملون على ديننا فهي متاركة، و قيل: اعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك، فهو تهديد الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ هي زكاة المال، و إنما خصها بالذكر لصعوبتها على الناس، و لأنها من أركان الإسلام، و قيل: يعني بالزكاة التوحيد، و هذا بعيد. و إنما حمله على ذلك لأن الآيات مكية. لم تفرض الزكاة إلا بالمدينة، و الجواب أن المراد النفقة في طاعة اللّه مطلقا، و قد كانت مأمورا بها بمكة أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏ أي غير مقطوع من قولك، مننت الحبل إذا قطعته و قيل: غير منقوص و قيل:

غير محصور، و قيل: لا يمن عليهم به لأن المن يكدر الإحسان‏ أَنْداداً أي أمثالا و أشباها من الأصنام و غيرها

صفحه بعد