کتابخانه تفاسیر
التفسير الحديث
الجزء الأول
مقدمة التحقيق
محتويات القرآن المجيد
الفصل الأول القرآن و أسلوبه و وحيه و أثره
الفصل الثاني جمع القرآن و تدوينه و قراءاته و رسم المصحف و تنظيماته
الفصل الثالث الخطة المثلى لفهم القرآن و تفسيره
الفصل الرابع نظريات و تعليقات على كتب المفسرين و مناهجهم
سورة الفاتحة
[سورة الفاتحة(1): الآيات 1 الى 7]
سورة العلق
[سورة العلق(96): الآيات 6 الى 19]
سورة القلم
[سورة القلم(68): الآيات 1 الى 4]
[سورة القلم(68): الآيات 5 الى 16]
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة الأعلى
[سورة الأعلى(87): الآيات 1 الى 13]
الجزء الثاني
سورة النجم
[سورة النجم(53): الآيات 13 الى 18]
سورة القيامة
سورة المرسلات
سورة ق
[سورة ق(50): الآيات 19 الى 30]
[سورة ق(50): الآيات 38 الى 45]
سورة ص
[سورة ص(38): الآيات 1 الى 11]
سورة الأعراف
[سورة الأعراف(7): الآيات 54 الى 58]
[سورة الأعراف(7): الآيات 138 الى 162]
[سورة الأعراف(7): الآيات 163 الى 171]
الجزء الثالث
سورة يس
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة مريم
سورة طه
سورة الواقعة
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
سورة الإسراء
[سورة الإسراء(17): الآيات 22 الى 39]
سورة يونس
سورة هود
الجزء الرابع
سورة يوسف
سورة الحجر
سورة الأنعام
[سورة الأنعام(6): الآيات 118 الى 121]
[سورة الأنعام(6): الآيات 143 الى 145]
[سورة الأنعام(6): الآيات 148 الى 150]
[سورة الأنعام(6): الآيات 158 الى 160]
سورة الصافات
سورة لقمان
سورة سبأ
سورة الزمر
سورة غافر
سورة فصلت
سورة الشورى
سورة الزخرف
[سورة الزخرف(43): الآيات 57 الى 59]
سورة الدخان
سورة الجاثية
الجزء الخامس
سورة الأحقاف
سورة الذاريات
سورة الكهف
سورة النحل
[سورة النحل(16): الآيات 98 الى 105]
سورة إبراهيم
سورة الأنبياء
سورة المؤمنون
سورة السجدة
سورة الطور
سورة الملك
سورة المعارج
سورة الروم
سورة العنكبوت
سورة الرعد
الجزء السادس
سورة الحج
سورة الرحمن
سورة البقرة
[سورة البقرة(2): الآيات 142 الى 152]
الجزء السابع
سورة الأنفال
سورة آل عمران
[سورة آلعمران(3): الآيات 33 الى 64]
سورة الحشر
سورة الأحزاب
الجزء الثامن
سورة النساء
[سورة النساء(4): الآيات 77 الى 80]
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
سورة الطلاق
سورة النور
سورة المجادلة
سورة الحجرات
سورة التحريم
سورة التغابن
سورة الصف
[سورة الصف(61): الآيات 10 الى 13]
سورة الفتح
[سورة الفتح(48): الآيات 18 الى 19]
الجزء التاسع
سورة المائدة
[سورة المائدة(5): الآيات 15 الى 16]
سورة الممتحنة
سورة الحديد
سورة التوبة
[سورة التوبة(9): الآيات 29 الى 35]
[سورة التوبة(9): الآيات 38 الى 41]
الجزء العاشر
التفسير الحديث، ج1، ص: 306
حيث يلهم كل ذلك أن المسلمين كانوا يعتبرون أنفسهم و الكتابيين حزبا واحدا. و المستفاد من نصوص الآيات القرآنية المدنية أن مواقف الصدّ و الجحود و المناوأة و العداء من جمهرة اليهود، و من بعض فئات النصارى إنما كانت بعد الهجرة. و لهذا كله نقول إن الحديث مدني و إذا صحّ فإنه يكون من قبيل تطبيق مدى الآية على اليهود و النصارى الذين كابروا و عاندوا تطبيقا مؤخرا من حيث إن اليهود فعلوا ذلك عن بينة و علم فاستحقوا غضب اللّه الذي سجلته عليهم آيات مدنية عديدة مثل آيات سورة البقرة هذه: وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) و من حيث إن النصارى فعلوا ذلك عن ضلال مما انطوى في آيات عديدة منها آيات المائدة هذه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75).
و لقد كان استدلال المفسرين على أن المقصود من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم اليهود من الآيات التي سجل فيها غضب اللّه عليهم و التي أوردناها آنفا. و على أن المقصود من الضَّالِّينَ هم النصارى من آية في سورة المائدة جاءت بعد آيات كان موضوع الكلام و الخطاب فيها النصارى و عقيدتهم في المسيح و أمّه و هي هذه:
التفسير الحديث، ج1، ص: 307
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) [المائدة/ 77] و هذه الآيات مدنية حيث ينطوي في هذا تدعيم لما قلناه من أن القول هو من قبيل التطبيق في العهد المدني نتيجة لمواقف النصارى و اليهود في هذا العهد، و اللّه أعلم.
و بناء على ذلك يتبادر لنا و اللّه أعلم أن جملة الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ في أولى سور القرآن قد تضمنت التنبيه على أن صنوف الناس عند اللّه ثلاثة، صنف أنعم اللّه عليه فاهتدى و سار على طريقه المستقيم. و صنف انحرف عن هذا الطريق عن علم و مكر و استكبار فاستحق غضب اللّه. و صنف انحرف عن هذا الطريق ضلالا بغير علم و بينة ثم ظل منحرفا دون أن يهتدي بما أنزل اللّه على رسله فلزمته صفة الضلالة. و التصنيف رائع جليل شامل.
و في القرآن الذي جاءت سورة الفاتحة براعة استهلال له صور متنوعة منه في صدد أهل الكتاب و غيرهم. و قد أوردنا آنفا بعض الآيات بالنسبة لأهل الكتاب.
و هذه بعض آيات بالنسبة لغيرهم: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر/ 42- 43]، و في هذه الآيات نموذج لمن ينحرف مكرا و استكبارا.
و هذه آيات فيها نماذج عن الضلال بغير علم و الاستمرار فيه: فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) [الأعراف/ 30]، و يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) [الحج/ 12- 13]. و الأمثلة كثيرة سوف تأتي في السور الآتية فنكتفي بما تقدم.
التفسير الحديث، ج1، ص: 308
بعض أحاديث واردة في واجب حمد اللّه تعالى في مناسبة جملة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
و مع أن جملة الْحَمْدُ لِلَّهِ هي تقرير رباني مباشر بما اللّه تعالى أهل له وحده من الحمد فقد أورد المفسرون في سياق الجملة أحاديث عديدة فيما يجب على المسلم من حمد اللّه تعالى. منها حديث رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع قال: «قلت يا رسول اللّه ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك و تعالى؟
فقال: أما أن ربّك يحب الحمد». و حديث رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه عن جابر بن عبد اللّه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل الذكر لا إله إلا اللّه و أفضل الدعاء الحمد للّه». و حديث رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
ما أنعم اللّه على عبد نعمة فقال الحمد للّه إلّا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ» و الأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. و لكن هذا لا يمنع صحتها، و التعليم و التنويه اللذان ينطويان فيها حقّ واجب على كل مسلم في كل ظرف و مناسبة.
التأمين بعد الآية الأخيرة من السورة
و لقد جرى المسلمون جيلا بعد جيل على أن يقولوا (آمين) بعد سماع الآية الأخيرة من السورة و تلاوتها و ليست هذه الكلمة من السورة. و إنما كان ذلك سنّة نبوية قولية و فعلية. حيث روى الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي عن وائل بن حجر قال: «سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقال آمين مدّ بها صوته». و حيث روى أبو داود عن أبي هريرة قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا تلا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ قال آمين حتى يسمع من يليه من الصفّ الأول» «1» . و حيث روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر اللّه ما تقدّم من ذنبه» «2» .
(1) «التاج»، ج 1، ص 164.
(2) انظر المصدر نفسه.
التفسير الحديث، ج1، ص: 309
و مع أن المتبادر أن معنى آمين هو دعاء بالاستجابة فقد روى الزمخشري حديثا عن ابن عباس أنه سأل النبي عن معناها فقال له: (افعل). و قد روى كذلك في خطورة آمين و في تعليم قولها للنبي من قبل جبريل حديثين آخرين واحد منهما عن أبي هريرة جاء فيه: «قال النبيّ آمين خاتم ربّ العباد على عباده المؤمنين».
و ثانيهما عن أبي ميسرة التابعي جاء فيه: «أقرأ جبريل النبيّ فاتحة الكتاب فلما قال وَ لَا الضَّالِّينَ قال له قل آمين فقال آمين» «1» .
و بعض هذه الأحاديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة و لكنه ورد في كتب حديث أخرى مثل الطبراني و ابن مردويه و الإمام أحمد «2» . و لا تبعد في مآلها عن الحديث الوارد في هذه الكتب و اللّه تعالى أعلم.
تعليق على تفسير شيعي باطني لكلمة الصراط
و استطراد إلى روايات و مذاهب مفسري الشيعة و أثرها هذا، و بمناسبة ورود كلمة الصراط في السورة نقول إن بعض مفسري غلاة الشيعة الباطنية يروون عن أبي جعفر الطوسي أنه قال لأبي عبد اللّه أحد الأئمة الإثني عشر الذين يدين لهم الشيعة بالولاية دون غيرهم: أنتم الصراط في كتاب اللّه و أنتم الزكاة و أنتم الحج؟ فقال يا فلان: نحن الصراط في كتاب اللّه عز و جل، و نحن الزكاة، و نحن الصيام و نحن الحج، و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة اللّه و نحن قبلة اللّه و نحن وجه اللّه» «3» .
و في هذا ما هو ظاهر من الغلوّ الحزبي الذي ننزّه أبا عبد اللّه عنه و نرجّح أنه منحول له نحلا. و مثل هذا كثير مما سوف نعرض أمثلة منه في مناسبات آتية. بل هذا ديدن الشيعة غلاتهم و معتدليهم و باطنييهم حيث يصرفون العبارات القرآنية إلى
(1) انظر فصل تخريج أحاديث تفسير الزمخشري لابن حجر في الجزء الرابع من «الكشاف».
(2) انظر المصدر نفسه.
(3) «التفسير و المفسرون» لمحمد حسين الذهبي ج 2، ص 267.
التفسير الحديث، ج1، ص: 310
ما يوافق هواهم و مقالاتهم مهما كان في ذلك من تعسف و غرابة و سخف و شطط و بعد عن الفحوى و المناسبة و السياق، حتى و لو كان في سياق قصص الأمم السابقة و أنبائهم أو مشاهد الآخرة أو في مشاهد الكون أو في حق الكفار باللّه و رسالات رسله و المشركين به قبل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و في حياته.
و حيث يزعمون أن لكل آية و جملة بل و كلمة في القرآن باطنا و ظاهرا و أن الباطن متعدد الوجوه و المدى حتى يبلغ سبعين وجها لكل آية أو كلمة أو جملة، و أن من السائغ أن يكون أول الآية في أمر و آخرها في أمر و ظاهرها في أمر و باطنها في أمر. و ظاهرها في ماض أو حاضر و باطنها في مستقبل و ظاهرها في أناس بأعيانهم و باطنها في أناس آخرين بأعيانهم.
حتى لقد بلغ بهم الأمر إلى حد الزعم أن جلّ القرآن بل كله في الأئمة و حقوقهم و شيعتهم و أعدائهم، و إن لم يكن ذلك ظاهرا فهو منطو في الباطن.
و إلى حد صرف كلمات الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجنة و النار و القيامة و الحشر إلى معان متصلة بعقائدهم، مما مرّت أمثلة منه في أول هذا التعليق، و من ذلك أن الوضوء هو موالاة الإمام، و التيمم هو الأخذ من المأذون في غيبة الإمام و الصلاة هي اتباع الإمام الناطق بالحق و الغسل هو تجديد العهد للإمام، و الجنة هي سقوط التكاليف، و النار هي مشقة حمل التكاليف.
و منهم من زعم أن صفات علي و أحفاده الأئمة و حقوقهم و فضلهم كانت في القرآن صراحة و أن الذين جمعوا القرآن من كبار أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد أسقطوا كل ما فيه من ذلك و حرفوا كل ما فيه إشارة ضمنية إلى ذلك.
و منهم من بلغ به الزعم إلى القول أن ما أسقط من القرآن أكثر من نصفه حيث كان نحو سبعة عشر ألف آية فلم يبق منه إلا نحو سبعة آلاف، و أن الإمام علي دوّنه جميعه و أودعه أولاده. و أن هناك مصحفا عندهم باسم مصحف فاطمة يبلغ ثلاثة أضعاف المصحف الحالي و فيه ما أسقطه الصحابة من القرآن، و إلى حد
التفسير الحديث، ج1، ص: 311
الزعم أن إنكار الباطن في القرآن كفر «1» .
و وصل بهم الشطط إلى صرف كل ما ورد في القرآن من أسماء اللّه الحسنى و صفاته و غضبه و أسفه إلى الأئمة. و كل ما ورد فيه من وصف للكافرين و المنافقين و المشركين و من لعنة و تنديد بالكفار و المنافقين و المشركين و إنذار لهم بعقوبة الدنيا و الآخرة إلى كبار أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، باستثناء بضعة منهم كانوا بزعمهم موالين لعلي رضي اللّه عنه فقط، ثم إلى سائر من كان مواليا للخلفاء الراشدين الثلاثة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم إلى كل من والاهم من المسلمين من لدن عهد الخلفاء إلى اليوم. و إلى زعم كون أسماء علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة مكتوبة على عرش اللّه قبل خلق الناس و أن اللّه إنما أمر الملائكة بالسجود لآدم لأن أنوارهم كانت متلألئة على جبينه، و أن أنبياء اللّه الأولين كانوا يتوسلون بهم في الملمات و أنهم معصومون و أنهم يتلقون الوحي عن اللّه مباشرة خلافا للأنبياء الذين كانوا يتلقونه بالواسطة مما فيه معنى تفضيلهم عليهم، و أن اللّه يحل فيهم دورا بعد دور و أن عليا هو النبي بل هو الإله و العياذ باللّه.
و قد تجرأوا على رسول اللّه و على علي و أولاده. فوضعوا على ألسنتهم الأحاديث الكثيرة جدا بسبيل تأييد أقوالهم و مذاهبهم، يبرز عليها التزوير و الكذب فحوى و أسلوبا و مناسبة، و أنكروا كل حديث يروي خلاف ما يقولون و لو كان واردا في كتب الصحاح. و قرروا أنه لا يجوز و لا يصح حديث لم يروه أئمتهم و أنهم هم تراجمة القرآن الذين هم أدرى بما فيه لأنهم أهل البيت الذي نزل فيه و أنه لا يجوز لأحد أن يتلقى التفسير أو يفسر القرآن بدون أحاديثهم المذكورة. فجعلوا
(1) يستند القائلون بذلك و الذين يفسرون القرآن تفسيرا باطنيا إلى حديثين معزوين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهما واحد مرسل أخرجه الغرياني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «لكل آية ظهر و بطن و لكل حرف حد و لكل حد مطلع». و ثان أخرجه الديلمي مرفوعا إلى رسول اللّه جاء فيه:
«القرآن تحت العرش له ظهر و بطن يحاج العباد». ( «التفسير و المفسرون» لمحمد حسين الذهبي، ج 2، ص 19) و لم يرد أي من الحديثين في كتب الحديث المعتبرة. و عبارتهما لا يمكن أن تبعث أي طمأنينة بصدورهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
التفسير الحديث، ج1، ص: 312
بذلك عامتهم وراء سور مغلق يجترون ما يقرؤونه في كتب تفسيرهم منها و تترسب بذلك فيهم العقد و الأحقاد ضد الجمهور الأكبر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الجمهور الأكبر من المسلمين من بعدهم الذين يحترمونهم و يوالونهم حتى و لو كانوا يوالون عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه و أولاده و يحترمونهم. و هو ما هو عليه فعلا جمهور أصحاب رسول اللّه و جمهور المسلمين من بعدهم، لأنهم أهل لذلك لإسلامهم و جهادهم و صلتهم برسول اللّه و هذا سرّ المأساة المروعة الأليمة التي يعيشها عامة الشيعة منذ أكثر من اثني عشر قرنا و سرّ الانقسام الذي انقسم إليه المسلمون و افترقوا به عن بعضهم «1» .
و من العجيب أن يؤلف بعضهم كتبا في الطعن بأبي هريرة رضي اللّه عنه لأنه يروي كثيرا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يرى تعسفا في بعض من يرى ما لا يصح من أخبار
(1) في الجزء الثاني من كتاب «التفسير و المفسرون» تأليف محمد حسين الذهبي حيث يجد القارئ الغريب العجيب المذهل الذي لا يكاد يصدق أنه يصدر من مؤمن عاقل من كل ذلك مرويا عن كتب تفسير الشيعة مثل كتب الكارزاني و العسكري، و الكاشي و العلوي و الخراساني و الطوسي و الطبرسي. و الذهبي إنما يورد أمثلة فقط أو غيضا من فيض مما في تلك الكتب و يستوي في ذلك معتدلوهم و غلاتهم. فالطبرسي مثلا من أشدهم اعتدالا و تحرزا و مع ذلك فهو يروي الكثير مما يرويه الغلاة.
و نحن نعتقد أن هؤلاء المفسرين ليسوا أغبياء و بلهاء و أنهم أوردوا ما أوردوه و هم يعلمون ما فيه من سخف و مفارقة و صنع و كذب على اللّه و رسوله و آله الطيبين لمآرب و ضغائن ترسبت فيهم مستغلين طيبة و غفلة عوام الشيعة و عزلتهم عن أهل السنة و الجماعة ليستمر لهم شفاء هذه المآرب و الضغائن لأنه كما قلنا لا يمكن أن يصدق أحد أنه يصدر عن مؤمن عاقل. و قد يستثنى من ذلك الطبرسي لما نراه من اعتداله و تحفظه في ما يورده و عدم إيراده لكثير مما يورده غيره و إيراده مع ما يورده ما يورده أهل السنة و الجماعة من روايات و أحاديث حيث يدل هذا على أمانته العلمية.