کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 287
التفسير: هذا بيان لصلاة الخوف، أو الصلاة فى غير حال السكن و الاستقرار، كأن يصلى الإنسان فى طائرة، أو على ظهر دابة، أو فى مواجهة عدو ..
و الرّجال: هم المشاة، و الركبان: هم الراكبون ..
فليصلّ المصلّى فى مثل هذه الأحوال ماشيا أو راكبا .. و ذلك حتى لا تفوته الصلاة على أي حال كان عليها! و فى هذا ما فيه من تعظيم شأن الصلاة، و الحرص على أدائها فى أي ظرف، و فى أي حال .. حيث لا رخصة تدخل عليها بالإسقاط أبدا، إلا فى حال المرأة مدة الحيض.
الآيات: (240- 241- 242) [سورة البقرة (2): الآيات 240 الى 242]
التفسير: جاء فى الآية الكريمة (234) قول اللّه تعالى: «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» و قد قلنا إن توجيه الخطاب هنا للأزواج المتوفين يحمل دلالة على وثاقة الرابطة بين الزوجين، و قداستها، و أنها لا تنقطع بموت أحدهما.
و فى هذه الآية (240) يجىء الخطاب أيضا إلى الأزواج المتوفّين، ليقيم
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 288
بينهم و بين زوجاتهن صلة ممتدة إلى ما بعد الموت أيضا، و لكنها فى هذه المرة محمولة على الرجال، كما حمل الحكم فى الآية السابقة (234) على النساء، و هو أن يتربصن أربعة أشهر و عشرة أيام، حدادا على أزواجهن.
و الحكم المحمول على الرجال هنا هو أن يكون للمرأة المقام فى بيت الزوجية مكفولة النفقة عاما كاملا بعد وفاة الزوج، لا يعرض لها أحد بإزعاج من بيت الزوجية، مادامت راغبة فى السكن إليه.
و فى قوله تعالى: «وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ» إشارة إلى أن هذه الوصية مفروضة بأمر اللّه، سواء أوصى بها الزوج قبل وفاته أم لم يوص، و على هذا نصب لفظ الوصية بهذا الأمر، على تقدير: فرضنا «وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ، مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ، غَيْرَ إِخْراجٍ» «و متاعا» بدل من «وصية» و «غير إخراج» صفة لمتاع.
النفقة للمتوفّى عنها، زوجها
و للمفسرين رأى فى هذه الآية، و أنها منسوخة بآية المواريث، و ما فرض للزوجة فيها من فريضة الربع أو الثمن.
و نقول- و اللّه أعلم-: إنه لا نسخ فى هذه الآية الكريمة، و لا تعطيل لحكمها، و حكمتها! و نسأل: لما ذا هذا النسخ و ما حكمته؟ و لما ذا يحمل القرآن الكريم آية كريمة، متلوة، متعبدا بها، و تحمل حكما صريحا مؤكدا موثقا. ثم تجىء آية أخرى بحكم آخر يعطل هذا الحكم، و يبقيه هكذا، يعلن فى وجه المرأة سلب حكم كان فيه خيرا لها و برّا بها؟ أ هذا مما تقتضيه حكمة الحكيم العليم، فى حال كحال تلك المرأة التي ذهب عنها زوجها، و تركها تعانى الوحدة و الوحشة، و ربما الفاقة،
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 289
من بعده؟ و إذا كان من تقدير اللّه ألا يكون للمرأة مثل هذا الحق، أ فكان من التدبير الحكيم أن يلوّح لها بهذا البر و تلك المواساة فى آية كريمة، ثم تحرمه و تذاد عنه بآية أخرى من آيات الكتاب الكريم؟
و إذا أقمنا الآية الكريمة على تلك الموازين التي يزن بها علماء التفسير ضوابط الناسخ و المنسوخ، نجد أن أهمّ الاعتبارات التي جاء من أجلها النسخ عندهم هى:
1- التدرج فى الأحكام، رحمة بالناس، و تخفيفا عليهم، و ذلك حين يكون الحكم متعلقا بعادة متأصله فى النفوس، ثم تقضى الشريعة بتحريمه، فإنها حينئذ لا نفجأ الناس بهذا الحكم مرة واحدة، بل تدخل عليهم به على عدة مراحل، فى رفق و أناة، و فى تدرج .. من الخفيف، إلى الثقيل، إلى ما هو أثقل منه، كما حدث ذلك فى تحريم الخمر و الربا، على ما يقولون فى الآيات الناسخة و المنسوخة فيها، و هو ما لا نقول به، كما عرضنا له من قبل.
2- التخفيف على الناس، مراعاة لتغير الظروف .. كما كان الأمر فى قتال المسلم عشرة من المشركين، و ذلك فى أول الإسلام، فلما كثرت أعداد المسلمين، خفف اللّه عنهم، هذا فكان على المسلم قتال مشركين اثنين بدلا من عشرة.
3- تغليظ الحكم لا تخفيفه، و ذلك لتغير الظروف أيضا .. فلم يكن على المسلمين قتال فى أول الدعوة الإسلامية، ثم لما دخل فى الإسلام الأنصار و اجتمع إليهم المهاجرون أذن اللّه لهم فى قتال من قاتلهم .. ثم لما قويت شوكة الإسلام و دخل الناس فى دين اللّه أفواجا جاء الأمر بقتال المشركين متى طالتهم يد المسلمين.
تلك هى أهم الضوابط التي رآها علماء التفسير داعية إلى نسخ ما نسخ من آيات الكتاب الكريم.
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 290
و إذا أقمنا الآية الكريمة- كما قلنا- على تلك الضوابط لم نجدها تستقيم عليها، أو تستجيب لها ..
فما جاءت الشريعة السمحاء فى كتابها الكريم و لا فى السنّة المطهرة، بمباح ثم حظرته، و لا حملت إلى الناس خيرا ثم عادت فسلبته، و لا بسطت يدها الكريمة بإحسان ثم قبضتها .. بل العكس هو الصحيح، و هو الواقع ..
و لا نسوق الشواهد لهذا .. فأمر الشريعة كله قائم على اليسر و الخير و الرحمة .. فما كان على غير هذه السبيل فهو مدخول على الشريعة، مفترى عليها.
و ننظر فى الآية الكريمة: «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ» فنرى المرأة الموصى لها- بأمر اللّه- بهذه الوصية، قد كانت فى ظل زوج كفل لها الاستقرار و السّكن، و أنها قد اطمأنت إلى تلك الحياة، و أنست بها، و قرت فيها .. ثم إذا هى تمسى أو تصبح فتجد الرجل الذي كان يظللها بجناحيه قد طواه الموت، و ذهب به بعيدا عنها إلى غير رجعة!! فانظر ماذا يكون حالها و هى تستقبل هذا الوجه الجديد من الحياة؟ ثم ضع فى تقديرك أنها ربما تكون قد استهلكت شبابها، و صحتها، و قواها، فى هذا البيت الذي دخلته فتاة ملء إهابها الشباب و الصحة و القوة .. ثم ضع فى تقديرك أيضا أن هذه المرأة- مع ذهاب شبابها و استهلاك صحتها- قد لا تكون أمّا لولد يؤنس وحشتها، و يحمى حماها، و يرعى شيخوختها.
انظر ماذا يكون من شأن هذه المرأة و قد جاءها من ورثة زوجها، عشيّة موته أو ضحاها- جاءها من يمسك بيدها لينتزعها من عشّها الذي عاشت فيه، و يقودها إلى ما بعد الباب، ثم يقول لها: «مع السلامة»! إن رفق و تلطف،
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 291
أو «بلا رجعة»! إن اشتدّ و عنف!؟ و فاعل هذه الفعلة، و قائل هذا القول لا يتأثّم أو يتحرج، لأنه يستعمل حقّا له، و لم ينتقص المرأة حقّا من حقوقها، لأنه يعلم- كما يقول المفسرون- أن الآية التي تعطى المرأة حق السكن و المتعة حولا كاملا، هى آية منسوخة، غير عاملة!!.
و كلّا، فإن شريعة الإسلام أبرّ و أرحم من أن تعرّض تلك المرأة الجريحة لمثل هذه التجربة القاسية، و تلقى بها بين متلاطم أمواج الحياة قبل أن تندمل جراحها، و تجفّ دموعها، و تعتاد النظر إلى الحياة فى وضعها الجديد! و لقد كان من تدبير الشريعة الحكيم أن قدمت للمرأة فى هذا الحدث الأليم، جميل العزاء، و وضعت فى يدها حق القرار فى بيت الزوجية عاما كاملا، و كفلت لها من مال زوجها نفقة هذا العام على نحو ما كانت تعيش فيه مع زوجها، إن كان فيما ترك الزوج ما يسع تلك النفقة، فذلك هو الذي يمسك المرأة فى محنتها تلك. و ذلك هو البرّ من جهة الورثة بمورثهم، إذ حفظوا أهله، و صانوا عرضه! و أكثر من هذا .. فإنه إذا لم يكن فيما ترك المتوفى ما يقوم بنفقة المرأة خلال هذا العام فإن ورثة الزوج، و رحمهم الماسّة به توجب على الموسر منهم أن يكفل للزوجة حاجتها من ماله .. فكما أنه كان سيرته إذا ترك مالا، فإن عليه أن يؤدى عنه دينا هو فى عنقه لزوجته! ذلك ما نراه أقرب إلى شرع اللّه، و أنسب لدينه الذي ارتضاه.
و لا بد لنا من قولة فى هذا المقام.
فلقد أعطى الإسلام المرأة كثيرا، و أضفى عليها حماية و رعاية، و جاءت
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 292
آيات القرآن الكريم توصى بالنساء فى كل دور من أدوار حياتهن، و فى كل موقف من موقفهن فى الحياة: أوصت بهن متزوجات، و أمهات، و رعتهن يتيمات، و مطلقات، و أيامى. و أعطتهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات كما يقول اللّه تعالى: «وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» و كانت آخر وصاة للرسول الكريم، ختم بها رسالته العظيمة الرحيمة قوله: «اتّقوا اللّه فى الضعيفين: المرأة و المملوك».
إن الإسلام إنما جاءت رسالته لاستنقاذ المجتمع البشرى من عوامل التصدع و الهدم التي كانت عاملة فيه، و هو من أجل هذا قد نفذ إلى الصميم من كيان هذا المجتمع. و هو الفرد الذي يتكون من وحداته المجتمع كله، فأخذ الفرد بآدابه و تعاليمه و أحكامه كى ينقّى جوهره، و يصفّى عناصره من من الشوائب و الأدران، حتى إذا أصبح الفرد صالحا ليكون لبنة فى بناء المجتمع، كان أول تلاحم له فى هذا المجتمع هو وصله بالمرأة، ليكونا معا حجر الزاوية فى هذا البناء، و على قدر التحامهما و تماسكهما تكون قدرته على الصمود و الاحتمال! فكيف يعقل و الأمر على ما ترى أن يقيم الإسلام بناء يقوم على دعامتين، هما: الرجل و المرأة، ثم يجعل من إحدى هاتين الدعامتين قوة تتسلط على الأخرى، و تفتّت كيانها، و تغتال وجودها، و تأتى على عناصر التفاعل و الالتحام المهيأة لتوليد القوة و بعث النشاط فى المجتمع البشرى كله؟ أ هذا يكون من تدبير حكيم أو من عمل عاقل؟ يريد البناء فيهدم؟ و يغزل و ينسج.
ثم ينقض ما غزل و نسج؟ و إذا جاز هذا على أحد المخلوقين فهل يجوز هذا على رب العالمين و أحكم الحاكمين؟
و تعالت حكمة اللّه عن هذا علوّا كبيرا ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج1، ص: 293
و فى القرآن الكريم، و فى السنة المطهرة- كما قلنا- منهاج متكامل حكيم لإقامة هذا البناء. و إحكام هذا النسج المتلاحم بين الرجل و المرأة، إذا استقام المجتمع الإنسانى عليه، و نسج على منواله.
و لكن الذي حدث كان على غير هذا الاتجاه، إذ أنّ تفسير القرآن بدأ فى عصر كانت فيه المرأة قد أخذت وضعا جائرا فى المجتمع، لكثرة ما ازدحم فى عصور الخلفاء و الأمراء و الوزراء و أصحاب الجاه و الثراء- من الإماء، اللائي غلبن على الحرائر، و استأثرن بالنصيب الأوفر عند الرجال، و بهذا صرن الوجه البارز للمرأة فى هذا العصر، فى حين أصبحت المرأة الحرة فى بيت الرجل شيئا كماليّا، لا يراد منه غير أن يكون للرجل امرأة، يكون له منها الولد أو الأولاد! و حين أخذ المفسرون ينظرون فى كتاب اللّه، و فى الآيات التي تمسّ المرأة، و تقرر الأحكام التي تربط بينها و بين الرجل، و تحدد مالها من حقوق و ما عليها من واجبات- حينئذ كانت نظرة المفسرين إلى المرأة واقعة على هذه الصورة الشائهة لها، المعزولة عن الوضع الصحيح الذي أقامتها الشريعة عليه .. و من هنا كان تأويل آيات الكتاب الكريم واقعا تحت هذا المفهوم الجديد للمرأة، متأثرا به، مقدورا بقدره! و قد جاء الفقهاء على آثار المفسّرين فنظروا من وراء نظرتهم، و بنوا أحكامهم على أساس تلك النظرة، فبخسوا المرأة حقّها و أزالوها عن تلك المنزلة التي رفعها الإسلام إليها، و أعادوها إلى أنزل من الوضع الذي كانت عليه فى الجاهلية.