کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 869
التفسير: هذا هو حكم قاتل المؤمن عمدا ..
لا يقبل منه تحرير رقبة مؤمنة، و لا دية مسلّمة إلى أهل القتيل، و لا صيام شهرين متتابعين ..
إنه فعلته تلك أكبر من أن يكون فى هذه الدنيا ما يقوم لها، و يسوّى حسابها.
و ليس غير العذاب، و الخلود فى هذا العذاب، مصحوبا بغضب اللّه و لعنته- ليس غير هذا جزاء وفاقا لهذا الجرم العظيم ..
و على قدر ما كانت رحمة اللّه و عفوه عن القاتل خطأ، بقدر ما كانت نقمة اللّه، و غضبه، و لعنته، على القاتل عمدا! و لهذا كان إهلاك هذه النفس المجرمة، و القصاص منها فى الدنيا، هو الحكم الذي يؤخذ به قاتل النفس المؤمنة عمدا، و إنه لا وجه لاستبقائه فى هذه الحياة، و لا داعية لاستصلاحه، فقد وقع عليه غضب اللّه و لعنته، منذ أول قطرة دم سفكها من دم هذا المؤمن البريء .. «وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» (52: النساء)
الآية: (94) [سورة النساء (4): آية 94]
التفسير: الضرب فى سبيل اللّه، هو السعى إلى الجهاد، بقوة و عزم، و الضرب فى الأرض، السعى فى وجوهها المختلفة ابتغاء الرزق
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 870
و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا» هو دعوة للمؤمنين، الذين خرجوا من ديارهم يبتغون المثوبة و الرضوان من اللّه- دعوة لهم أن يتبيّنوا طريقهم، و أن يتثبّتوا من كل ما يأتون و ما يذرون، حتى يتجنبوا الزلل و العثار، و هم فى طريقهم إلى اللّه .. فإن لم يفعلوا، فقد تنحرف أقدامهم عن جادّة الطريق، و يعودون بالإثم من حيث يرجون الثواب.
و أكثر ما ينبغى الالتفات إليه هنا هو الدماء، حتى لا تسفك قطرة منها بغير حق .. و قد بينت الآيات السابقة ما للدماء من حرمة عند اللّه، و ما لمستبيحها من جزاء أليم فى الدنيا و الآخرة ..
و هنا- فى هذه الآية- دعوة للمؤمنين، المجاهدين فى سبيل، أن يتحرّوا مواقع سيوفهم، فلا تقع إلا حيث ينبغى لها أن تقع، و لا تريق دما إلا ما استحق أن يراق .. و فى هذا يقول اللّه تعالى:
ففى مواطن الحرب- و النفوس مهتاجة، و الأعصاب متوترة- تقع هنا و هناك رميات طائشة، تأخذ البريء بذنب المسيء .. كما قد يستتر بعض الناس بثوب الخديعة، حين يرى الموت دانيا منه، فى ضربة سيف أو طعنة رمح، فيدفع ذلك بإظهار الإيمان، و بكلمة لا إله إلا اللّه، يقولها بفمه ..
أو يلقى بتحيّة الإسلام إلى المسلمين، ليريهم أنه منهم ..
فهذه و أمثالها صور تقع فى مواطن الحرب، و هى فى ظاهرها تقيم لصاحبها حرمة يعصم بها دمه من سيوف المسلمين، أما الباطن فلا يعلمه إلا علّام الغيوب ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 871
و من أجل هذا، كان على المسلمين ألا يتسرعوا فى الحكم على باطن هؤلاء الذين يظهرون الإسلام، و يحملون بعض شاراته .. فقد يكون باطنهم كظاهرهم، و قتلهم فى تلك الحال جرم عظيم، لأنه قتل نفس مؤمنة .. أما إن كان باطنهم على خلاف ظاهرهم- و هذا ما لا يعلمه إلا اللّه- فإن على المسلمين أن يقبلوا هذا الظاهر، و أن يعاملوا أصحابه عليه، و أن يكلوا باطنهم إلى اللّه ..
و من يدرى؟
فقد ينصلح أمر كثير من هؤلاء الذين وجدوا فى الإسلام- على نفاقهم معه- يدا رحيمة .. دفعت عنهم الموت الذي كاد يختطفهم! إذ لا يمكن أن ينجلى هذا الموقف دون أن يراجع كثير منهم نفسه، و يصحح موقفه من الإسلام .. و فى هذا استنقاذ لهم من الهلاك، و انتفاع بقوة جديدة، تضاف إلى الإسلام، و تعمل من أجله ..
و فى قوله تعالى:
«تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا» تبغيض للمسلمين من التسرّع فى الحكم على من جاءهم فى زىّ المسلمين و على سمتهم- بأنه ليس مسلما، و بهذا يستباح دمه و ماله .. و كأنه لأجل المال- و هو عرض زائل- قد كان هذا الحكم الذي حكم به على هذا الإنسان، و كأن دمه الذي أريق كان من أجل الحصول على ما معه من سلاح أو مال! و قوله تعالى:
«كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» هو تذكير للمؤمنين بنعمة اللّه عليهم، إذ أخرجهم من منطقة الظلّ التي كانت تلقى على إسلامهم شيئا من الشّبه، حتى ليختلط أمرهم على المسلمين، فلا يتحقق أحد من إيمانهم، و ذلك حين كانوا مستضعفين فى مكة، لم يستطيعوا أن يجهروا بإسلامهم، و لم يقدروا
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 872
أن يهاجرون بدينهم- و ها هم أولاء الآن قد صاروا إلى جماعة المسلمين، و ظهر وجههم واضحا فى الإسلام. فليذكروا هذا الذي هم فيه الآن، و ما كانوا فيه من قبل، و ليجعلوا فى حسابهم لهؤلاء الذين يلقونهم فى مواطن الكفر بشارات الإسلام، و بلسان المسلمين- أنهم كانوا فى حال مثل حالهم ..
و فى هذا ما يغيّر نظرتهم إليهم، و يوسع لهم فى باب التسامح و القبول ..
و قوله تعالى:
«فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» دعوة أخرى، مؤكّدة للتثبث من أمر هؤلاء الذين لم يتضح أمرهم من الإسلام وضوحا كاملا، و أن على المؤمنين أن يحذروا أن يصيبوا قوما بجهالة، فتكون عاقبتهم الحسرة و الندامة .. و اللّه سبحانه و تعالى مطلع على الدواقع الخفية التي تدفع إلى التسرع فى هذا المقام، و أهمها هو الرغبة فى مال القتيل و سلبه .. فإذا عزل المسلم هذا الشعور عن نفسه عزلا تامّا، كان فى ذلك وقاية له من أن يأخذ هذا الإنسان، و يستبيح دمه، إلا إذا قامت بين يديه الدلائل القوية على أنه ليس من الإسلام فى شىء أبدا.
الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4): الآيات 95 الى 96]
التفسير: و إذ ذكر القتل و القتال، فقد استدعى ذلك ذكر الجهاد فى سبيل
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 873
اللّه، إذ كان أكثر ما يكون القتل و إراقة الدماء فى هذا الوطن، حيث يصطدم الحق بالباطل، و يلتقى المسلمون و الكافرون بسيوفهم! و الجهاد أكرم الطرق إلى اللّه، و أوسعها إلى مرضاته و رحماته ..
و منازل المسلمين تختلف باختلاف حظوظهم من البذل و التضحية فى هذا الموطن .. موطن الجهاد فى سبيل اللّه ..
فهناك مجاهدون بأموالهم و أنفسهم.
و هناك قاعدون لم يجاهدوا بأموالهم أو أنفسهم.
و هناك- بين هؤلاء و أولئك- مؤمنون لهم أعذار تحول بينهم و بين الجهاد بالمال أو بالنفس .. بأن كانوا فقراء، أو كانوا ذوى عاهات، تحجزهم عن حمل السيف، و لقاء العدو ..
و فى قوله تعالى: «لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ» بيان لما بين المجاهدين فى سبيل اللّه بأموالهم و أنفسهم، و بين الذين لم يجاهدون بأموالهم و أنفسهم من ذوى الأعذار- من تفاوت فى الفضل و المنزلة عند اللّه ..
فهؤلاء الذين أعطاهم اللّه المال، و عافاهم فى أنفسهم، فلم يفقدوا جارحة من جوارحهم العاملة، و لم يصابوا بمرض مقعد- هؤلاء إذا أدوا حقّ اللّه فى هذه النعم التي أنعم بها عليهم فى المال و فى النفس، فبذلوا المال فى سبيل اللّه، و قدموا أنفسهم للاستشهاد فى سبيل اللّه- فقد استحقوا جزاء المحسنين، و استوفوه كاملا! أما هؤلاء الذين لم يكن لهم مال ينفقونه فى سبيل اللّه، أو قدرة بدنية على الجهاد بأنفسهم فى سبيل اللّه، فهم- و إن كانوا و لا لوم عليهم،
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 874
و لا مؤاخذة- لم يكسبوا ما كسبه المجاهدون بأموالهم و أنفسهم، و بهذا سبقهم هؤلاء المجاهدون بأموالهم و أنفسهم، فى ميدان الفضل و الإحسان، و كانوا أعلى درجة عند اللّه منهم .. و هذا ما يشير إليه قوله تعالى:
فهؤلاء، و أولئك، قد وعدهم اللّه الحسنى، و إن كان المجاهدون بأموالهم و أنفسهم أعلى درجة منهم فى مقام الإحسان، الذي هو حظ مقسوم بين المسلمين الذين آمنوا باللّه، و أدوا للّه ما أمرهم به، جهد طاقتهم، و ما وسعت أنفسهم.
أما الذين آمنوا، و لم يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم، و بين أيديهم المال، و معهم الصحة و العافية، و لكنهم آثروا السلامة و الدّعة، و بخلوا بما آتاهم اللّه من فضله- هؤلاء قد بخسوا دينهم حقّه، و نزلوا عن درجات المؤمنين، على حين ارتفع المجاهدون بأموالهم و أنفسهم درجات .. و بهذا كان البون بين الفريقين شاسعا، و المدى بعيدا .. و هذا ما تضمنه قوله سبحانه.
«وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» .. فهذا الأجر العظيم الذي فضّل اللّه به المجاهدين على القاعدين، هو درجات كثيرة فى مقام الإحسان، و مغفرة من اللّه و رحمة، تشتمل هؤلاء المجاهدين، و تبدل سيئاتهم حسنات:
و لنا مع هذه الآية الكريمة وقفة لا بد منها:
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 875
فقد أجمع المفسّرون، و الفقهاء، و أصحاب الحديث، على أن متنزّل هذه الآية الكريمة، لم يكن على هذه الصورة، أوّل ما نزلت ..! يقولون: إن الآية نزلت أولا هكذا:
و الذي يتلو الآية الكريمة على هذا الوجه، يجد أنّ بين أولها و آخرها تناقضا لا يمكن رفعه بأى تأويل ..
ففى أولها: «فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ درجة ..» و فى آخرها: «وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً .. دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً ..» .
فكيف يستقيم هذا مع ذاك؟ و كيف يكون فضل المجاهدين على القاعدين درجة، ثم يكون فضل المجاهدين على القاعدين درجات و مغفرة و رحمة ..؟
كيف يقع حكمان مختلفان على أمر واحد، فى حال واحدة؟