کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1098
الآية: (41) [سورة المائدة (5): آية 41]
التفسير: هذا عزاء و تسرية للرّسول الكريم، عن هذا الحزن الذي كان يقع فى نفسه من أولئك الذين يتخذون دين اللّه لعبا و لهوا، يلبسه أحدهم كما يلبس الثوب، يستر به جسده من لفح الزمهرير، أو وهج الحرور، فإذا أمن الحرّ أو البرد، طرحه، و بدا للناس عاريا.
إن هؤلاء المتلاعبين بالدين لم يعرفوا حقيقة الإيمان، و لم يعتقدوه عقيدة، تستولى على قلوبهم، و تختلط بمشاعرهم .. و من هنا كان استخفافهم به، و تحولهم عنه، إذا أوذوا فى أموالهم أو فى أنفسهم، أو إذا لاح لهم فى أفق آخر لمعة سراب لعرض زائل من عروض الدنيا.
و مثل هذا الإيمان لا وزن له، و المؤمنون إيمانا كهذا الإيمان لا حساب لهم فى المؤمنين .. إن ضررهم أكثر من نفعهم، و خروجهم من الإيمان خير من دخولهم فيه ..
و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ» هو كما قلنا عزاء و تسريه للرسول، كما أنه تهوين لشأن هؤلاء الذين دخلوا فى الإسلام بكلمة ألقوها على أفواههم، ثم خرجوا منه بكلمة قذفوا بها من أفواههم .. فخسارة الإسلام فيهم- إن بدت فى ظاهر الأمر خسارة- ليست فى حقيقتها إلا كسبا للإسلام و للمسلمين، إذ قطعت هذه الأعضاء الفاسدة من جسد المجتمع الإسلامى، و عزلت عنه هذا
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1099
الداء الخبيث الذي يندسّ فى كيانه، و يعمل على إضعافه و إفساده.
و فى قوله تعالى: «وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا» هو عطف على قوله تعالى: «مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ» .. فالذين يسارعون فى الكفر فريقان:
فريق من غير اليهود .. من جفاة الأعراب، الذين وصفهم اللّه بقوله سبحانه:
«وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ...» (101: التوبة» و اليهود، و هم الذين أشار إليهم اللّه سبحانه و تعالى هنا بقوله: «وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا» و مسارعة الذين هادوا إلى الكفر، إما أن تكون بعد دخول بعضهم فى الإسلام ثم نفاقهم فيه، أو أن تكون مسارعتهم بالكفر بما فى أيديهم من الكتاب، إذ أنكروا ما فيه من آيات تحدّث عن الرسول الكريم، و تبشر به، و تدعو إلى مؤازرته و الإيمان به .. فقد حملهم العناد على أن يكفروا بهذا الذي يحدثهم به كتابهم عن؟؟؟
و عن الأمارات التي يجدونها دالة عليه فى كتابهم .. و كان ذلك إسراعا منهم فى الكفر، و خروجا من الدين جملة.
و قوله تعالى: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ» هو صفة لهؤلاء الذين يسارعون فى الكفر من الفريقين .. و الأعراب، و أشباههم من ضعاف الإيمان من غير اليهود، يلقون أسماعهم إلى الأكاذيب التي يذيعها المنافقون عن الإسلام و المسلمين، و عامّة اليهود يعطون زمامهم لأهل العلم فيهم، و يتحدثون إلى النبي و إلى المؤمنين بما يلقيه علماؤهم فى آذانهم، دون أن يجرؤ هؤلاء العلماء على لقاء النبي و مواجهته بهذه الأكاذيب و تلك الأباطيل، لأنهم يعلمون كذبها، و أنهم مفضوحون إن واجهوا النبىّ بها.
و قوله سبحانه «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ» هؤلاء هم العلماء من أحبار اليهود، يحرّفون كلمات التوراة من بعد أن استقرت فى أماكنها، و لم يكن ثمة
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1100
سبيل إلى تبديلها. و التحريف هنا هو فى فساد التأويل و التخريج، و كتمان بعض، و عرض بعض.
و قوله تعالى: «يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا» هو بيان لضرب من ضروب التحريف، و الفساد فى التأويل. إذ يقيم علماء اليهود عامتهم على رأى خاص محرّف، و يقولون لهم إن قبله محمد منكم فاقبلوه منه، و وافقوه عليه، و إن لم يقبله فاحذروا أن تأخذوا بما يدعوكم إليه، مخالفا لهذا الرأى الذي أنتم عليه.
و قوله سبحانه: «وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» هو تعقب فاضح لهذا الموقف اللئيم الذي يقفه علماء اليهود من دينهم الذي يدينون به، فقد فتنوا هم فيه و أفسدوا على أتباعهم دينهم، بهذه التأويلات الفاسدة المنكرة ..
و إن هؤلاء الفاتنين و المفتونين معا صائرون إلى هذا المصير المشئوم، إذ كان موافقا لطبيعتهم، مستجيبا لأهوائهم .. فأخلى اللّه بينهم و بين أهوائهم، فلم يمد إليهم يد الهداية و التوفيق .. «وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» (8- 9- 10: الليل) .. و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: فى خاتمة هذه الآية: «أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» .
و فى الإشارة إليهم بقوله تعالى: «أُولئِكَ» عرض كاشف لهم فى هذا الوضع السيّء، مطرودين من رحمة اللّه، واقعين تحت نقمته، «لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ» ، حيث يشهد الناس كذبهم، و نفاقهم، «وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» .. فإن كان فى وجوههم صفافة تحتمل هذا الخزي، و لا تبتلّ بقطرة من عرق الخجل و الحياء، فى الدنيا، فإن جلودهم- و لو كانت فى بلادة الحجر،
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1101
أو صلابة الحديد، فلن تدفع عنهم حريق جهنم أن ينفذ إلى ما وراءها من لحم و عظم، و أن يجعلهم كتلا من جمر، و حمم.
الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5): الآيات 42 الى 43]
التفسير: هاتان الآيتان تستكملان الصفات الذميمة التي دمغ اللّه بها اليهود، و جعلها طبيعة قائمة فيهم، و لم يذكرهم القرآن هنا، بل جاء بالوصف الدال عليهم، هكذا: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ» فما أحد أكثر من اليهود كذبا، و لا أجرأ منهم عليه .. و حسبهم أن يكذبوا على اللّه، و أن يحرفوا كلماته، و أن يقولوا على اللّه ما لم يقله اللّه .. و ما أحد آكل من اليهود للسّحت، و هو الحرام الذي يلبسونه وجه الحلال كذبا و افتراء و بغيا و عدوانا.
و قوله تعالى: «فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ» .
قيل فى سبب نزول هذه الآية إنه وقعت فى اليهود جريمة زنا بين كبيرين من كبرائهم، و كان حد الزنا فى الإسلام يومئذ هو ما جاء فى قوله تعالى:
«الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» و لم يكن جاء بعد ما جاء
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1102
فى عمل الرسول من رجم المحصنة و المحصن .. فأراد اليهود أن يفيدوا من هذا الحكم الذي جاء فى الإسلام، و أن يأخذوا صاحبيهما- الزانية و الزاني- بالحدّ الذي شرعه الإسلام، و هو الجلد، و أن يحموا الزانية و الزاني من الرجم، لما لهما من منزلة عندهم.
و لا شك أن هذا تلفيق فى الدين، فإما أن يكونوا يهودا على شريعة اليهود، فيقيموا حكم التوراة- و هو الرجم هنا- على صاحبيهما، مهما كانت منزلتهما، و إما أن يكونوا مسلمين فيقام عليهما حكم الإسلام و هو الجلد.
و لكن هكذا اليهود .. يأخذون من الأحكام الشرعية ما يرضى هواءهم، فإن لم يكن بالتحريف و التبديل، كان بالتحول من شريعة إلى شريعة، و من دين إلى دين، حسب الحال الداعية إليه.
و قد جاءوا إلى النبي- صلى اللّه عليه و سلم- يسألونه الحكم فى هذين الزانيين، فسألهم الرسول: ما حكم التوراة فيهما؟ فقالوا: الجلد بحبل مطلىّ بالقار، و عرض الزانيين على الناس، يطاف بهما و هما على حمار بن، فى وضع مقلوب.
فقال لهما النبي صلى اللّه عليه و سلم: «كذبتم، الحكم فى التوراة هو الرجم» فأنكروا .. ثم فضحهم اللّه، فشهد شاهد من علمائهم: أنه الرجم .. فأمر الرسول بإمضاء حكم التوراة فيهما، و رجمهما.
و قوله تعالى: «وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ» استنكار لموقف اليهود، و تحكيمهم النبي صلى اللّه عليه و سلم فى أمر هو من شئون دينهم الذين هم عليه- و حكم التوراة واضح فى هذا الأمر ..
ثم كيف يحكمون النبىّ و هم لا يؤمنون به، و لا يعترفون برسالته، و لا بالكتاب الذي فى يده؟ إن ذلك لم يكن لطلب حق، و لا ابتغاء هدى، و إنما كان إشباعا لأهواء، و إرضاء لشهوات، و تحللا من حكم شرعى قائم
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1103
بهذا التأويل الفاسد الذي ذهبوا إليه، بالانتقال- فى هذه الحالة- من دين إلى دين ..
و قوله تعالى: «ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ» هو فضح لما عليه اليهود من ضلال و رياء فى الدين- إنهم لا يقبلون من النبىّ إلا ما وافق أهواءهم، و هم ليسوا بالمؤمنين، بما يأخذون أو يدعون من شريعة النبي، ..
ثم إنهم ليسوا بالمؤمنين إطلاقا، لا بدين محمد، و لا بالشريعة التي هم عليها ..
و فى الإشارة إليهم بقوله تعالى: «وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ» تشنيع عليهم، و استدعاء لكل ذى نظر أن يمسك بهم، و هم على هذا الكفر الذي يعيش معهم.
الآية: (44) [سورة المائدة (5): آية 44]
التفسير: فى هذه الآية تعريض بأحبار اليهود و علمائهم، الذين عاصروا النبوة، و كتموا ما معهم من التوراة و أحكامها ..
و قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ» هكذا أنزلنا التوراة، تحمل شريعة اللّه، و ضيئة مشرقة بالهدى و الحق .. و هكذا حكم بها النبيون الذين جاءوا بعد موسى، يأخذون بها، و يبينون لليهود أحكام الشريعة فيها.
و وصف النبيين بالذين أسلموا إشارة إلى أنهم على دين اللّه، الذي ارتضاه اللّه لعباده، و هو الإسلام، الذي كانت خاتمة دعوته، و تمام رسالته، الدعوة
التفسير القرآنى للقرآن، ج3، ص: 1104
الإسلامية، و رسالة رسولها محمد بن عبد اللّه .. و فى هذا دعوة لليهود أن يلتقوا مع رسالة الإسلام، و أن يؤمنوا كما آمن الناس، و إلا فهم على غير دين اللّه، إذا كان ما معهم من شرع لا يلتقى من شريعة الإسلام، فى الإيمان باللّه، و ما شرع اللّه.
و قوله تعالى: «وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ» هو عطف على قوله سبحانه «يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ» أي و يحكم بها- أي بالتوراة- الربانيون و الأحبار، مشهدين بما تلقوا على يد الرسل و الأنبياء من شريعة التوراة، و كانوا هم أنفسهم شهودا على ما تلقوا .. و فى هذا تحريض لأحبار اليهود و علمائهم الذين عاصروا النبوة و الذين جاءوا بعدهم أن يكونوا على ما كان عليه أنبياؤهم، و حواريّو هؤلاء الأنبياء، من الحكم بما أنزل اللّه، دون تحريف، أو تبديل .. و إلا فهم ليسوا ربانيين و لا أحبارا.
و قوله سبحانه: «فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا» توكيد للدعوة التي دعى إليها هؤلاء الربانيون و الأحبار، و هو أن يرقبوا اللّه و يتقوه فيما فى أيديهم من كتاب اللّه، و ألا تغلبهم شهوة المال على الوفاء بعهد اللّه، و أداء الأمانة التي اؤتمنوا عليها .. و الميثاق هو الذي واثقهم اللّه عليه فى قوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ» (187: آل عمران).