کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 232
فآدم، خلق من صلصال من حمأ مسنون ..
و الصلصال: الطين الذي جفّ حتى صار له صوت و صلصلة ..
و الحمأ: الطين المتعفن. و هو الذي تخمّر فى ظروف معينة، و بدأ يأخذ بحكم هذا التخمر صورا و أشكالا، و لهذا وصف «بالمسنون» أي المسوّى و المشكل فى أشكال و قوالب ..
و قد ورد فى آيات من القرآن الكريم، أن آدم خلق من تراب، و من طين، و من طين لازب ..
و هذا يشير إلى أن التراب، هو المادة الأولى التي كان منها هذا الخلق ..
ثم تحول التراب إلى طين، ثم تحول هذا الطين إلى طين لازب، أي زبد، ثم تحول هذا الطين اللازب إلى حمأ، ثم أخذ هذا الحمأ صورا و أشكالا فكان حمأ مسنونا .. ثم تحول هذا الحمأ المسنون إلى صلصال كالفخار .. و هكذا سار الإنسان فى هذا المسار الطويل عبر ملايين السنين، حتى ظهرت أول بشائر الحياة الإنسانية فى باكورة إنسان .. هو «آدم»! أما «الجانّ» فقد خلق قبل آدم، و كان خلقه من نار السموم .. أي من لهب النار لا من جمرها .. فكان جسما هوائيا ملتهبا، مشوبا بدخان ..
و قد ذكر فى القرآن الكريم، الجنّ، و إبليس، و الشيطان، و كلها تعنى هذا المخلوق الذي أمره اللّه بالسجود لآدم، فأبى و استكبر و كان من الكافرين ..
و قد عرضنا لبحث هذه المسميات- الجن و إبليس و الشيطان- فى الجزء الأول من هذا التفسير .. فليرجع إليها من شاء ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 233
هنا يحدّث القرآن عن أن اللّه سبحانه و تعالى قد آذن للملائكة قبل خلق آدم، و قبل ميلاده المنتظر فى سلسلة التطور، آذنهم- سبحانه- بأن ينتظروا ميلاد هذا الكائن، و أن يسجدوا له ساعة مولده، سجود ولاء للّه، و تمجيد لقدرته و حكمته إذ يشهدون هذا الطين يتحرك فى أحشاء الزمن، فيتمخض عن كائنات عجيبة .. ثم يلد أعجب مولود، هو هذا الإنسان، الذي ينطق، و يعقل، و يكون خليفة اللّه فى الأرض، و يقف بين يديه الملائكة موقف التلاميذ من أستاذهم، يتعلمون منه ما لم يكونوا يعلمون ..
فالسجود لآدم فى حقيقته، سجود للّه سبحانه، فى مواجهة هذه الظاهرة العجيبة، التي تتجلى فيها قدرة اللّه، و تطلع منها على الملائكة آية من آياته ..
- و فى قوله تعالى: «فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» - إشارة إلى أن آدم لم يظهر من الطين ظهورا مباشرا، و إنما ظل دهورا طويلة فى بوتقة الزمن، حتى استوى و نضح .. فالفاء فى قوله تعالى: «فَإِذا سَوَّيْتُهُ» تفيد التعقيب، و لكنه تعقيب يأخذ من عمر الزمن ملايين السنين .. «وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» .
- و فى قوله تعالى: «فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ» - إشارة إلى كيفية السجود، و أنه سجود لا يملك معه الملائكة أنفسهم، بل يخرون ساقطين على وجوههم، حين يأخذهم جلال الموقف، و تغشاهم رهبته ..
و الفعل «قعوا» هو أمر من الفعل «وقع» و الأمر منه «قع» فإذا أسند إلى واو الجماعة كان: «قعوا» .. أي اسقطوا و خرّوا ..
هذا، و قد جاء أمر اللّه سبحانه و تعالى إلى الملائكة بالسجود لآدم فى موضع آخر، فقال تعالى:
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 234
و هذا يشير إلى أن اللّه سبحانه و تعالى، قد لفت الملائكة أول الأمر إلى المرحلة الأولى من مراحل هذا الخلق الذي سيخرج من هذا الكائن البشرى ..
و أن أول هذه المراحل، هى الطين .. و قد أخذ الملائكة منذ هذه اللفتة، يرقبون هذا الطين، و يلحظون مسيرته فى خط الحياة ..
ثم حين انتقل الطين إلى مرحلة أخرى، هى مرحلة الصلصال، و الحمأ المسنون- لفت سبحانه و تعالى الملائكة مرة أخرى إلى هذا التغيير الذي حدث للطين، و الذي بدأ يأخذ طريقه متحركا نحو الغاية المؤدية إلى ظهور هذا الإنسان الذي ستلده الحياة المتولدة من هذا الطين، و الذي يجب على الملائكة أن يستقبلوا مولده بالسجود فإن السجود لهذا المولود هو سجود لآيات اللّه، و ما تجلى فيها من رائع حكمته و قدرته ..
و يلاحظ أن هذين الأمرين الموجهين توجيها مباشرا إلى الملائكة بالسجود لآدم، يتضمنان الصفة التي يكون عليها هذا السجود، و هو أن يكون سجودا مستوليا على كيان الملائكة، بحيث يخرون خرّا، و يتهاوون هويّا: «فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ» .
[إبليس و من له سلطان عليهم]
«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ..» و إنها لجرأة عجيبة أن يخرج هذا المخلوق الشقىّ عن أمر ربه، و أن يتحدّى
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 235
اللّه سبحانه و تعالى هذا التحدّى الوقاح السافر .. و لكن تلك هى مشيئة اللّه فى هذا المخلوق الشقىّ التعس .. و قد أراده- سبحانه- ليكون، الظلام الذي يواجه النور، و الشرّ الذي يقابل الخير .. و بهذا تتمايز الأمور، و تنكشف حقائق الأشياء .. إذ لولا الظلام ما عرف النور، و لولا الشرّ ما استبان الخير .. و هكذا كل ضدّ يكشف عن ضده .. «و بضدّها تتميز الأشياء»!: «قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» ..
و إنها لشقوة غالبا، و بلاء مبين، و ضلال تعمى معه البصائر، و تذهب العقول ..
أله الحق جلّ و علا، «ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» ؟ و ذلك ليأخذ اعترافه من فمه، و إلّا فاللّه سبحانه عالم بما سيقول هذا الشقىّ، مستغن عن أن يسأل، و عن أن ينطق إبليس بما نطق به ..
و لقد نطق إبليس بهذا التحدّى لوقاح، «لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» .. و فى آية أخرى كشف إبليس عن حجته الضّالة فى إبائه السجود لآدم، فقال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»* ! (12: الأعراف).
و من أين لهذا اللّعين أن النار خير من الطين؟ و ما وجه الخيريّة فى النّار؟
إنه الضلال، و لا شىء غيره، هو الذي زيّن لهذا الغوىّ رأيه فى نفسه .. و اللّه سبحانه و تعالى يقول فى أهل الغواية و الضلال: «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»* (32: الروم) ..
: «قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ» .
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 236
ذلك هو جزاء الظالمين .. الطرد من رحمة اللّه، و اللعنة المصاحبة لهم إلى يوم القيامة، حيث يلقون العذاب الأليم المعدّ لهم.
و الرجيم هو المرجوم .. و ما يرجم به هنا هو اللعنة.
و الضمير فى قوله تعالى «مِنْها» يعود إلى الجنة التي كان فيها ..
و هكذا يعمى الضلال أهله، و يلقى بهم فى ظلمات المهالك، فلا يخرجون من مهلكة إلا إلى مهلكة ..
فلقد أبت على إبليس شقوته إلّا أن يشرب كأس اللعنة إلى آخر قطرة فيها .. فطلب إلى ربه أن يمدّ له فى أجله، و ألا يعجّل له العذاب قبل يوم القيامة، و ذلك ليثأر لنفسه من هذا الإنسان الذي كان سببا مباشرا فى طرده من رحمة اللّه، و إلباسه لباس اللعنة .. بل و ربما حدّثت هذا الشقىّ نفسه أن يتحدى اللّه، و أن يحاجّه فى آدم، و فى أنه أفضل منه، و أن امتناعه عن السجود له، كان عن حق، و أنه خير من هذا المخلوق، و ما كان للأعلى أن يسجد للأدنى!! هكذا يبلغ الغرور بهذا الأحمق المغرور، فيقيم نظره كله على آدم، و لا ينظر إلى اللّه سبحانه، و لا يقع فى تصوره أن اللّه سبحانه هو الذي أمره بالسجود، و أنه ينبغى للمخلوق أن يمتثل أمر الخالق، دون مراجعة أو اعتراض! و لو كان هذا اللعين قد نظر إلى نفسه، و لم يعمه الحقد الأعمى- لكان له فى باب الرجاء عند اللّه متسع، و لكان طلبه من اللّه أن يؤخره إلى يوم الدين، التماسا للعافية من هذا البلاء الذي نزل به، فيرجع إلى اللّه من قريب، و يستغفر
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 237
لذنبه، فيجد ربّا غفورا يقبل توبة التائبين، و يكفر عنهم من سيئاتهم ..
و لكنه أبى إلا أن يهلك نفسه، فى سبيل إهلاك غيره، و إشباع شهوة الانتقام من عدوّه ..
الإغواء: الإضلال، بتزيين القبيح، و الإغراء به.
و بهذا القسم يتحدى إبليس أبناء آدم، و يلقاهم على طرق الضلال، فيغويهم بركوبها، و يغريهم بمتابعة خطوه عليها، و يمنّيهم الأمانىّ الكاذبة التي تلقى بهم بين يديه! فالباء فى قوله تعالى: «بِما أَغْوَيْتَنِي» هى باء القسم، و التقدير: يحق ما أغويتنى: أي أضللتنى «لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ» أي لأفتننهم بما على الأرض من أشياء، أزينها لهم، و أغريهم بها، فيشغلون عن ذكرك، و يكفرون بنعمك، فيقعون تحت طائلة نقمتك و عذابك.
و هذا القسم يكشف عنه قوله تعالى فى موضع آخر: «قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» (82: ص).
و يجوز أن تكون الباء للسببية، أي بسبب إغوائك لى، و أن تكون اللام فى قوله تعالى: «لَأُزَيِّنَنَّ» لام الأمر، الداخلة على الفعل المضارع، و أن إبليس قد ألزم نفسه بهذا العمل إلزاما، ليردّ به على هذا الإغواء.
و فى قصر التزين على الأرض، إشارة صريحة إلى أن إبليس قد أغوى آدم و زين له حتى أكل من الشجرة، و هو على هذه الأرض، و فى هذا دليل على أن ميلاد آدم كان على هذه الأرض، و لم يكن فى السماء ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 238
- و فى قوله تعالى: «إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» استثناء من هذا الوعيد الذي توعد به إبليس أبناء آدم .. فهو يعرف أن للّه سبحانه و تعالى فى أبناء آدم أصفياء، أحلصهم لنفسه، و اصطفاهم لطاعته، و أرادهم لجنته .. و هؤلاء لا سبيل لإبليس عليهم .. فقد سبقه قضاء اللّه فيهم، و أنهم من أهل جنته و رضوانه ..
و المخلص: هو الخالص من كل سوء، المصفّى من كل شائبة ..
أما من يتسط عليهم إبليس، و يتمكن من النّيل منهم، فهم أولئك الذين لم يرد للّه أن يطهر قلوبهم، و لا أن يهديهم طريقا إلا طريق جهنم .. و فى هذا يقول اللّه تعالى: «وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ» (41: المائدة).
- الإشارة فى قوله تعالى: «هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ» هى إشارة إلى الصراط المستقيم، و هو الصراط الذي يسلكه السالكون إلى اللّه، ممن رضى اللّه عنهم، كما يقول سبحانه: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» ..
فهذا الصراط هو الذي يسلكه عباد اللّه لمخلصون، و ليس لإبليس سلطان على أحد ممن سلك هذا السبيل، و استقام على هذا الصراط .. لأن اللّه سبحانه و تعالى قد أوجب على نفسه حراسة المستقيمين عليه، من كيد الشيطان و إغوائه.
و لهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» ..