کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 672
أسرار لا تحصى، يراها ذوو الأبصار التي اكتحلت بنور الحق، فترى ما لا تراه العيون.
و يحسن بنا هنا أن نقف وقفة قصيرة «مع القضاء و القدر» .. حيث كانت قصة موسى و العبد الصالح درسا عمليا لهذه القضية، التي يتحكك بها العقل، و يدور فى فلكها مسير الإنسان و مصيره ..
[القضاء .. و القدر .. و الإنسان ..]
موضوع القضاء و القدر لا يعتبر مشكلة يعالجها العقل، و يلتمس الحلول لها، إلا إذا نظر إليه من جانبين معا: جانب يتصل باللّه، و جانب يتصل بالإنسان .. و هذا يعنى أن الذي ينظر فى هذه المشكلة، لا بد أن يكون من المؤمنين باللّه، أو على الأقل من المؤمنين بما وراء المادة .. أما المادّيون الذين يقيمون وجودهم، و يسوّون حسابهم على مستوى العالم المادي، فليس القضاء و القدر من المشكلات التي تلقاهم على طريق الحياة، و توجّه أبصارهم إليها، و تلفت عقولهم نحوها ..
و تبدو المشكلة- عند المؤمنين باللّه، أو المؤمنين بما وراء المادة- هكذا:
إذا قلنا إنّ الإنسان مخيّر، كان معنى هذا أنه مطلق من كل سلطان، و أن ليس بينه و بين اللّه، أو بينه و بين أية قوة أخرى غير منظورة- علاقة، تحدّ من مجرى حياته، أو تؤثر فى تصرفاته ..
و فى حدود هذا القول، لا مجال للنظر فى القضاء و القدر، حيث يبدو
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 673
الإنسان خارجا عن دائرة المؤثرات التي تجعل للقضاء و القدر شأنا معه ..
و إذا قلنا إن الإنسان مجبر، كان معنى هذا أن شيئا ما وراء الإنسان، يملى عليه، و يؤثّر فى إرادته، أو يعطل مشيئته ..
و هنا تبدو الصلة واضحة بين الإنسان و بين القضاء و القدر .. و هى صلة تظهر آثارها فى تصرفاته، و فى موقفه حيال كل أمر يعرض له ..
و لكن هاتين المقولتين، لم يسلّم العقل الإنسانى بأيّ منهما، تسليما مطلقا ..
إذ كان الواقع العملىّ ينقض كل مقولة منهما، إذا أخذ بها على إطلاقها ..
فالإنسان- كما يبدو له- حرّ من جهة، و مقيد من جهة أخرى ..
إنه مطلق، تماما- كما يبدو- و لكن يرى أن قوة خفية تأخذ عليه طريقه إلى ما يريد .. قوة غير منظورة، تقيّد إرادته المطلقة تلك ..
فهو مختار يفعل ما يشاء، و هو مجبر حيث يفعل أو يفعل به ما لا يشاء! و بين الاختيار و الجبر، عاشت الإنسانية حائرة مضطربة، قلقة .. تقول بالاختيار، و تحلم به، و تتمنّاه .. و لكن الواقع يفجؤها بما يلغى هذا الاختيار، و يعطل وجوده .. و إذا هى أي الإنسانية، ريشة فى مهب الريح، يسوقها القدر إلى حيث يشاء ..
و تقول بالجبر، فلا يصدّقها الواقع الذي تعيش فيه. و الذي ترى صفحته فى آثار تفكيرها، و ثمار إرادتها، و عزيمتها ..
فلا هى .. أي الإنسانية، فى الاختيار المطلق، و لا هى فى الجبر المطلق ..
إنها تعيش متأرجحة بينهما .. هى فى اختيار و جبر معا .. ذلك ما يشعر به كل إنسان فى ذاته، و تشعر به الإنسانية فى مجموعها .. و ذلك من الجلاء و الوضوح، بحيث لا ينكره إلا أهل الجدل و المراء!!
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 674
و لكنّ القدر الذي فى الإنسان، من جبر أو اختيار، هو الذي يضع الأمر موضع الخفاء و الحيرة .. و يقع من الناس موقعا يثير الجدل و الخلاف حقّا.
كم فى الإنسان من جبر؟ و كم فيه من اختيار؟ لا أحد يدرى .. فتلك مسألة تختلف من إنسان إلى إنسان .. بل إنها تختلف فى الإنسان نفسه، حسب الحالة التي يواجهها، و حسب الظروف المحيطة به، و المشاعر المستولية عليه ..
على ما سنرى. من خلال هذا البحث.
ما القضاء؟ و ما القدر؟
القضاء:
لم يذكر «القضاء» فى القرآن الكريم بلفظه هذا، و إنما ذكرت مشتقاته، فى آيات كثيرة .. فذكر فى صورة فعل كقوله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ» (12: فصلت) و قوله سبحانه: «وَ اللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ» (20: غافر) و فى قوله تعالى: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (23: الإسراء) كذلك ورد من مشتقات «القضاء»: اسم المفعول فى قوله تعالى: «وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا» (21: مريم) و اسم الفاعل فى قوله سبحانه: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» (72: طه).
و الذي ينظر فى هذه الآيات، يجد تقابار واضحا بين المعاني التي تدور حولها مشتقات القضاء، و أنها تلتقى جميعا عند معنى واحد، هو: الفصل، و الحسم فى الأمر، و أن قضاء الأمر معناه إنجازه، و حسمه، من جهة قادرة ممكنة
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 675
مما تقضى به .. منه القضاء، و هو الفصل فى الخصومات، و منه القاضي الذي يفصل بين المتخاصمين.
و قد ذكر القرطبي فى تفسيره:
«أن «القضاء» يكون بمعنى «الأمر» كقوله تعالى: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» ..
و يكون بمعنى «الخلق» .. كقوله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ» .
«و يكون بمعنى «الحكم» .. كقوله تعالى: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» ..
«و يكون بمعنى «الفراغ» .. كقوله تعالى: «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ» (41: يوسف) ..
«و يكون بمعنى الإرادة، كقوله سبحانه: «إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»* (47: آل عمران).
«و يكون بمعنى «العهد» .. كقوله تعالى: «وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ» .. (44: القصص) و الذي ينظر فى هذه المعاني التي ذكرها القرطبي «للقضاء» يرى أنها جميعا تنزع منزعا واحدا، و تلتقى عند معنى واحد، هو الفصل، و الحسم.
فالأمر .. و الخلق .. و الحكم .. و الفراغ .. و الإرادة .. و العهد ..
كلها تنبىء عن حسم الأمر و إنجازه .. قولا، أو فعلا.
القدر:
ورد فى القرآن الكريم، لفظ «ق .. د .. ر» مصدرا، و فعلا، و اسم فاعل
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 676
قال تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (49: القمر) و قال سبحانه:
«وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» (10: فصلت) و معنى هذا فى المصدر، و مشتقاته: التقدير، و وضع الشيء فى موضعه المناسب له ..
عن عكرمة عن الضحاك، قال فى قوله تعالى: «وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» أي أرزاق أهلها، و ما يصلح لمعاشهم، من التجارات، و الأشجار، و المنافع، فى كل بلدة، ما لم يجعله فى الأخرى ..
من ذلك نرى أن دائرة القدر أشمل و أعمّ .. من دائرة القضاء ..
فالقدر تدبير .. و القضاء حكم ..
القدر تصميم .. و القضاء تنفيذ ..
يقول الإمام الغزالي ..
القدر: اسم لما صدر مقدّرا عن فعل القادر ..
و القضاء: هو الخلق ..
«و الفرق بين القضاء و القدر، أن القدر، أعمّ، و القضاء، أخصّ ..
«فتدبير الأوليات قدر ..
«و سوق تلك الأقدار بمقاديرها و هيئاتها إلى مقتضياتها، هو القضاء.
«فالقدر .. إذن .. تقدير الأمر بدءا.
«و القضاء .. فصل ذلك الأمر و قطعه، كما يقال: «قضى القاضي» «1» أما الفيلسوف «ابن سينا» فيرى عكس هذا ..
(1) من كتاب فرائد اللآلى من رسائل الغزالي ص 156.
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 677
يرى أن القضاء أعمّ من القدر، و سابق عليه ..
يقول:
«القضاء .. هو علم اللّه المتعلّق بالكلّ، على النظام الأكمل الذي يكون فى الوجود.
«و القدر .. هو إفاضة الكائنات على حسب ما فى علمه. فالكلّ صادر عن اللّه، و معلوم له، و كلّ ذلك بقضاء و قدر» «1» .
أما ابن عربى .. الفيلسوف المتصوّف، أو الصوفي المتفلسف، فإنه فى التفرقة بين القضاء و القدر، على رأى يتفق و رأى ابن سينا .. فهو يقول:
«القضاء .. حكم اللّه ..
«و القدر .. تقدير ذلك الحكم ..
«و التقدير .. تابع للحكم .. و الحكم تابع للعلم» «2» و نحن على رأينا، الذي يوافق رأى الإمام الغزالي فى أن «القدر» أعم، و «القضاء» أخصّ .. لأن آيات الكتاب الكريم توحى بهذا الفهم لكل من القضاء و القدر.
و نستطيع أن نتصوّر- مجرد تصوّر- إن صح فهمنا هذا- أن القدر، هو الأسباب التي أودعها اللّه سبحانه فى المخلوقات، بحيث لو جرت إلى غايتها لنتج عنها مسبباتها التي تلازمها، و التي لا تتخلّف أبدا ..
فالنار- مثلا- سبب الضوء، و الدفء، و الإحراق .. فإذا أوقدت
(1) الملل و النحل للشهرستانى .. جزء 3 ص 153.
(2) النصوص .. لابن عربى.
التفسير القرآنى للقرآن، ج8، ص: 678
النار .. أخرجت ضوءا، و أعطت دفئا، و أحرقت ما يتصل بها من الأشياء التي أودع فيها الخالق من الأسباب ما يجعلها قابلة للاحتراق .. ففى كل شىء قدر، أي أسباب، و كيفيّات تنتج مسببات، فإذا تلاقت تلك الأسباب المودعة فى الأشياء، كانت قضاء.
فالمسببات التي تحدث من تلاقى الأسباب بعضها ببعض، هى القضاء، فإذا تلاقت الأسباب، فتوافقت أو تدافعت فهى فى دائرة القدر .. أما ما يقع من هذا اللقاء بين الأسباب- فى توافقها أو تدافعها- من مسببات فهو القضاء ..
فالقدر كون، و القضاء ظهور!
الأسباب و المسببات:
اختلفت آراء المفكرين من الفلاسفة، و الفقهاء فى الصلة بين الأسباب و مسبباتها .. و اتسعت شقّة الخلاف بينهم حتى بلغت درجة التضادّ.
فبينما ينكر بعضهم التلازم بين السبب و المسبب، إذ يقرر بعضهم حتمية هذا التلازم، و عدم تخلفه فى حال أبدا .. بل إن بعضهم تمادى فى هذا، فجعل الأسباب قوّى عاملة، تعمل فى وعى و بصيرة، و ذلك حين رأوها تعطى نتائجها دون أن تنحرف، أو تضلّ .. و كان من هذا أن آمن كثير من هؤلاء، بالطبيعة، و عدّوها كائنا عاقلا .. يحمل فى كيانه مقوّمات وجوده، مستغنيا عن مدبّر يدبّر أمره، و يقوم عليه .. و لا شك أن هذه النظرة إلى الطبيعة و أسرارها، هى نظرة محدودة، قصرت عن أن ترى القدرة القادرة التي تربط عوالم الموجودات كلها برباط وثيق محكم، بحيث تجعل منها كيانا واحدا، يجرى لغاية واحدة، فى حكمة، و نظام .. «ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» (3: الملك).