کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 285
التفسير:
قوله تعالى:
«فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ» .
هو تثبيت لقلب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و توثيق للصلة التي بينه و بين الكتاب المنزل عليه، و أن ما يلقى به اليهود إلى المشركين من تلبيسات، يحاجّون بها النبيّ، و يدخلون بها الشك في قلوب الضعفاء- لا ينبغى أن يلتفت إليه النبيّ، و لا أن يعطيه شيئا من التوقير و الاحترام- على اعتبار أن ذلك من واردات الكتاب السماويّ الذي في أيدى اليهود .. فهذا الكتاب قد عبث به اليهود، و غيّروا معالمه، و قد جاء القرآن الكريم بالحق المبين، الذي يكشف مفتريات القوم، و يفضح أكاذيبهم: «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» .
و إذن فليمض النبيّ في طريقه، متوكّلا على ربّه، غير ملتفت إلى تلك المقولات التي في أيدى اليهود، أو على ألسنة المشركين الذين أخذوها عنهم ..
فهو على هدى و بصيرة من ربّه، و على صراط مستقيم بهذا الكتاب الذي بين يديه .. و ليس عليه من أمر هؤلاء المعاندين المخالفين شىء ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 286
قوله تعالى:
«إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» .
هو تحريض للنبيّ على المضيّ في طريقه، غير ملتفت إلى أهل آراء و الخلاف .. و غير آسف على ما يوردهم به هذا المراء و الخلاف من موارد الهلاك و البلاء .. فإنهم موتى، إذا نودوا لا يسمعون، و إنهم صمّ، لا تقع الكلمات على آذانهم إلا كما تقع على الحجر الأصمّ ..
و في تشبيه القوم بالأموات، و في وصفهم بعد ذلك بالصمم- إشارة إلى أنهم درجات في الإعراض عن آيات اللّه. فمنهم من لا يستمع إلى آيات اللّه أبدا، و لا يدنو من صوت يرتل كلمات اللّه، خوفا على نفسه أن يقع تحت تأثيرها، فهو يهرب منها، و يقيم على نفسه حجابا بينه و بينها .. و هذا هو و الميت سواء بالنسبة لما يتلو الرسول من قرآن .. و منهم من يسمع القرآن، لا ليتدبّر آياته، و لا ليعرض ما يسمع على عقله، و إنما ليقع على كلمة، يدبرها على غير وجهها، و يتخذ منها مادة للهزء و السخرية .. فهو بهذا أصمّ، و إن كان ذا أذنين يسمعان! و قوله تعالى: «إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» - هو شرط لإفادة الحكم بعدم سماعهم، و هو- فى معناه- قيد وارد على هذا الحكم، أشبه بالحال .. أي أنهم لا يسمعون ما يلقى إليهم و هم يولّون مدبرين ..
و السؤال هنا: كيف يكون عدم سماعهم مقيدا بهذا القيد، و هم صمّ، و الأصمّ لا يسمع مطلقا، سواء أقبل أو أدبر؟
و الجواب على هذا- و اللّه أعلم- أن الأصم و إن كان لا يسمع بأذنيه، فإنه إذا أقبل على محدثه، ربما فهم عنه بالإشارة، و ربما قرأ على حركة شفتيه
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 287
بعض الكلمات، فوقع له من هذا و ذاك شىء من الإدراك و الفهم .. و هؤلاء القوم قد ولوا على أدبارهم، و أعطوا ظهورهم لما يتلى عليهم، فلم يسمعوا شيئا، و هذا فى آذانهم من وقر، و لم يروا شيئا و قد أعطوا ظهورهم لما يلقى إليهم! قوله تعالى:
فقوله تعالى: «وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ» - هو استكمال للوصف الذي عليه هؤلاء المشركون و أمثالهم .. فهم أموات، و إن كانوا في الأحياء، و هم صم و إن كانوا في السامعين، و هم عمى و إن كانوا في المبصرين ..
«فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (46: الحج) و في تعديه اسم الفاعل: «يهادى» بحرف الجرّ «عن» بدلا من حرف الحجر «من» الذي يتعدى به الفعل، فيقال هداه من ضلاله- فى هذا إشارة إلى أن هدى القوم لا يكون بأضواء الحق، و أنوار المعرفة، فهذه معنويات تهتدى بها العقول السليمة، و تستضىء بها البصائر المبصرة .. أما هؤلاء القوم، فقد غابت عقولهم، فانطمست بصائرهم، و أصبحوا في عداد الحيوان، الذي يقاد من مقوده، حتى يستقيم إلى الطريق ..
و من هنا ضمّن اسم الفاعل «هاد» معنى «حاجز» أو «مبعد»- الأمر الذي يكون بمعالجة حية، و بقهر مادى .. و هذا ما ليس من رسالة الرسول. الذي تقوم دعوته على الحكمة، و الموعظة الحسنة، كما يقول له الحق جل و علا: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (125: النحل) و في قوله تعالى: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» تحديد
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 288
لهمة الرسول، و بيان لمنهج دعوته، و هو أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، و أن يسمع الذين إذا سمعوا و دعوا و استجابوا ..
و «إن» هنا نافية بمعنى «ما» .. أي ما يبلغ تبليغك إلا أسماع أهل السلامة و العافية في عقولهم و قلوبهم- فهؤلاء إذا سمعوا وجدوا لما يسمعون جوابا حاضرا، فى أنفسهم .. و هو التسليم، و الإسلام ..
و قوله تعالى: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا» أي لا يسمع هذه الآيات إلا من كان عنده استعداد لتقبل الحق، و الاهتداء بالهدى إذا التقى به.
و قوله تعالى: «فَهُمْ مُسْلِمُونَ» جملة من مبتدأ و خبر، و الفاء للسببية، أي أنهم يسمعون كلام اللّه، و يملئون به عقولهم و قلوبهم، لأنهم مسلمون بالفطرة، و بما عندهم من استعداد للإيمان .. أما من فسدت فطرته، فإنه لن يسمع، و إن سمع لا يعقل! قوله تعالى:
(الدابة التي تكلم الناس .. ما هى؟)
اضطرب المفسرون في تفسير هذه الآية، و أكثروا من المقولات في هذه الدابة، و في أوصافها العجيبة، و في كيفية نطقها، و فيما نطقت به .. و هل يكون ذلك في الدنيا أم في الآخرة .. فهم يقولون إنها من أشراط الساعة، و يذكرون لذلك أحاديث تنسب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله .. و يقولون إنه يخرج في كل بلدة دابة، مما هو مبثوث من نوعها في الأرض .. و في أوصافها .. يقولون: إنها
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 289
من الإنس، و ينسبون إلى على كرم اللّه وجهه أنه سئل عنها فقال: «أما و اللّه إنها ليست بدابة لها ذنب، و لكن لها لحية «1» »! و يقولون: إنها الحية التي كانت في جوف الكعبة و خطفتها العقاب حين أرادت قريش بناء البيت الحرام .. و يقولون رأسها رأس ثور، و عينها عين خنزير، و أذنها أذن فيل، و قرنها قرن أيل «2» ، و عنقها عنق نعامة، و صدرها صدر أسد، و لونها لون نمر، و خاصرتها خاصرة هرة، و ذنبها ذنب كبش، و قوائمها قوائم بعير .. بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا .. و يزيد ابن جرير على ذلك، أنها بذراع آدم عليه السلام ..!! و هكذا تجمع في الدابة جميع الحيوانات، و مختلف الدواب! و يروى عن أبى هريرة أن فيها من كل لون، و ما بين قرنيها فرسخ للراكب ..
و يروى عن ابن عباس أن لها عنقا مشرفا، يراها من بالشرق، كما يراها من بالغرب! ..
و عشرات من الأخبار، و الأحاديث، غير هذا، بحيث يجتمع منها متحف، يضم أروع و أعجب ما وقع عليه الخيال.
و هذه المقولات في كثرتها، و تناقضها، توقع الحيرة و البلبال، فما يدرى المرء ماذا يأخذ منها، و ماذا يدع؟ و لو أنه اقتصر منها على مقولة واحدة، مهما كانت غرابتها، و إغراقها في الخيال- لكان ذلك- على ما فيه- أقرب
(1) أي أنها إنسان .. إذ أن من شأن الإنسان أن تكون له لحية.
(2) الأيل: بفتح الهمزة، و ضمها، و تشديد الياء، حيوان من ذوات الظلف أشبه بالثور و له قرون طويلة متشعبة، و جمعه أيايل.
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 290
إلى السلامة من التخبط بين هذه المقولات التي يلطم بعضها وجه بعض.
و لو أننا نظرنا إلى الآية الكريمة، نظرا مقاربا، دون شدها إلى أودية الغرائب و العجائب، لرأينا أنها لا تحمل شيئا تستخرج منه هذه المقولات، و لا تحتمل شيئا يساق إليها مما قيل ..
فالآية الكريمة ترسم مع الآيات التي قبلها، صورة واضحة الألوان و الظلال لأولئك المشركين، الضالين، الذين ماتت مشاعرهم، و عميت أبصارهم و صمّت آذانهم .. فلا يعقلون، و لا يبصرون، و لا يسمعون شيئا مما يتلى عليهم من آيات اللّه .. فهكذا صورتهم الآيتان في قوله تعالى لنبيه الكريم: «فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا .. فَهُمْ مُسْلِمُونَ» «52- 53: الروم» و هنا في هذه الآية تكتمل الصورة، حين تصل حياتهم الجارية في ريح الأمن و السلامة، بحياتهم التي يطرقهم فيها طارق الموت .. و في هذه الحالة ينكشف لهم كل شىء .. و إذا عقولهم عاقلة، و آذانهم سامعة، و عيونهم مبصرة .. كما يقول اللّه تعالى: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا، فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» . «22: ق» ففى هذا الوقت ينكشف الغطاء عن الحق الذي ضلوا عنه، و إذا دواب الأرض تنطق، و إذا هم يفقهون حديثها، و يفهمون نطقها، و كانوا في دنياهم قد عجزوا عن أن يفقهوا أو يفهموا ما تحدثهم به آيات اللّه بلسان عربى مبين ..
و في هذا يقول اللّه تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» (53: فصلت).
التفسير القرآنى للقرآن، ج10، ص: 291
ففى هذا العرض يرى المشركون أنهم في وضع مقلوب، حيث لا يفهمون حديث الناس، حتى لكأنهم لا يعيشون بين الناس، و أنهم- و هم كما يزعمون أصحاب عقول- لا يعرفون الحق الذي تعرفه دواب الأرض التي تعيش معهم .. فهذه الدواب، تعرف ما للّه سبحانه و تعالى من جلال و عظمة، و هي تدين للّه سبحانه بالولاء، و تسبح بحمده، كما يقول جل شأنه: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ .. وَ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ» (18: الحج).
فهذه الدواب، سيفجؤهم أمرها، عند ما تطلع عليهم بهذا الحديث الذي تحدثهم به في العالم الآخر، و الذي هو منطق كل موجود بأن اللّه هو الحق، و أن ما يدعون من دونه الباطل.
فقوله تعالى: «وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ» إشارة إلى نزول الموت بهم ..
فوقوع الشيء: مجيئه. من جهة عالية، حيث لا يملك أحد رده، كقوله تعالى: «إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ» ..
و المراد بالقول هنا، هو حكم اللّه، و أمره فيهم، كما يقول سبحانه:
«لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» (7: يس) و كقوله تعالى:
«فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ» (31: الصافات) ..