کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 200
و إنما المراد، هو الإخبار عن هلاك فرعون، و إخلاء يده مما كان يعتزّ به من ملك و سلطان، كما يقول اللّه سبحانه على لسانه: «أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟» (51: الزخرف) فلقد ذهب كل ذلك، و لم يغن عنه شيئا، بل و صار ميراثا لغيره ..
قوله تعالى:
«فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ» .
أي لقد أهلكهم اللّه و أخذهم بعذابه، فلم يأس عليهم أحد، و لم تبكهم عين، و لم يحزن من أجلهم قلب .. بل ذهبوا كما يذهب الوباء، يتنفس بعده الناس أنفاس العافية و الرجاء ..
فليس لهؤلاء الهلكى أولياء فى السماء، و لا فى الأرض .. فهم أعداء اللّه، و أعداء ملائكته، و أعداء رسله، و أعداء الإنسانية كلها ..
راحوا فما بكت الدنيا لمصرعهم
و لا تعطّلت الأعياد و الجمع
و قوله تعالى: «وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ» - أي لم يكونوا ممن يمهلون بالجزاء إلى يوم القيامة، بل كان عذابهم معجّلا فى الدنيا، و لهم فى الآخرة عذاب عظيم ..
و هذا يعنى أمرين:
أولهما: أنّ جرم هؤلاء المجرمين قد بلغ من الشناعة حدا بحيث لا يسعه عذاب الآخرة، فكان عذابهم فى الدنيا، و فى الآخرة جميعا ..
و ثانيهما: أن هؤلاء المشركين من قريش، لن يعجّل لهم العذاب، كما عجّل
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 201
لقوم فرعون، بل إنهم منظرون إلى يوم القيامة .. و فى هذا رحمة من اللّه بهم، و إكرام لرسول اللّه- صلى اللّه عليه و سلم- من ربه فى قومه .. فإن هذا الانتظار بهم، سيفسح لهم مجالا لإصلاح ما فسد منهم، و اللحاق بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الإيمان .. و قد كان .. فدخل هؤلاء المشركون فى دين اللّه، و كانوا جندا من جنود اللّه، للجهاد فى سبيل اللّه، و إعلاء رأية دين اللّه ..
قوله تعالى:
وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ» فى هذا بيان لما كان للّه سبحانه و تعالى من فضل و إحسان، فى نجاة بنى إسرائيل، أجداد هؤلاء اليهود الذين يقفون من دين اللّه موقف المتربص به، و المتحفز للانقصاض عليه .. فقد نجّى اللّه سبحانه و تعالى آباءهم الأولين من العذاب المهين الذي أخذهم به فرعون .. فليذكر اليهود نعمة اللّه عليهم، و ليكونوا أولياء لأوليائه .. و إلا فالويل لمن يحادّ اللّه، و رسل اللّه! قوله تعالى:
«وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ» أي و من نعم اللّه و إحسانه على بنى إسرائيل أنه سبحانه قد اختارهم على أهل زمانهم، ليكونوا موضع امتحان و ابتلاء، فجعل فيهم الأنبياء الذين جاءوهم بالآيات البينات من عند اللّه ..
و فى هذه البينات ابتلاء لهم أي ابتلاء .. فقد تتابعت آلاء اللّه عليهم،
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 202
و كثرت نعمه فيهم .. و إنه على قدر الإحسان يكون الحساب .. و قد خرج بنو إسرائيل من هذا الامتحان بأخسر صفقة، إذ كشف ذلك منهم عن نفوس خبيثة، و قلوب مريضة، و طبائع شرسة- فكان أن أخذهم اللّه بالبأساء و الضراء، و أنزل بهم الضربات القاصمة، فكانوا عبرة و عظة لمن يكفر بنعم اللّه، و يستنبت من إحسانه و فضله أنيابا و مخاب ينهش بها عباد اللّه ..
فلقد لعنهم اللّه و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت .. و فى هذا يقول اللّه تعالى: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» (13: المائدة) ..
و يقول جل شأنه: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ» (78: المائدة) ..
و يقول سبحانه فيهم: «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ .. إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ، وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» (167: الأعراف) ..
و فى قوله تعالى «عَلى عِلْمٍ» إشارة إلى أن اللّه سبحانه و تعالى، إنما كان اختياره لبنى إسرائيل، و اختصاصهم بكثرة الأنبياء الذين أرسلوا فيهم، و الآيات التي جاءوهم بها، و تظاهر النعم عليهم- إنما كان ذلك على علم منه سبحانه و تعالى بما سيكون من هؤلاء المناكيد، من كفر بهذه الآيات، و تكذيب لرسل اللّه، و إعنات لهم، كما يقول سبحانه و تعالى فيهم: «أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (87: البقرة) ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 203
ففى قوله تعالى: «عَلى عِلْمٍ» ردّ على من لا يعرف قدر اللّه سبحانه و تعالى، و لا يعنو لجلاله و عظمته، فيسوء ظنّه باللّه، حين يرى آثام بنى إسرائيل، و شناعاتهم، و مفاسدهم فى الأرض، ثم يرى كثرة الرسل الذين بعثهم اللّه فيهم، و كثرة الآيات التي جاءوهم بها، مما لم يكن لأمة من الأمم، أو شعب من الشعوب ..
فكان قوله تعالى: «عَلى عِلْمٍ» ردّا على من يظن هذا الظن فى اللّه، و يرى- عن جهل- أن اختيار اللّه سبحانه لهؤلاء القوم، و اختصاصهم بالرسل و الشرائع و المعجزات، لم يكن واقعا موقعه الصحيح، إذ لم يثمر إلا هذا الثمر النكد الخبيث!! و كلا .. ثم كلا .. تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ..
فقد كان اختيار هؤلاء القوم لرسالات السماء ابتلاء لهم و امتحانا، و تجربة للإنسانية، تعمل فيها السماء أسلحتها فى النفس البشرية، لتخرج منها ما كمن فيها من آفات و علل .. و قد تخيرت السماء لهذه التجربة أخبث ما فى الإنسانية من نفوس، و أرذلها من جماعة، فبعثت بالأطباء و الأساة يحملون الدواء لكل داء .. فلم تتقبل نفوسهم الخبيثة أي دواء، و لم تستجب له .. فعاشت بدائها ..
و ماتت به! ..
الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44): الآيات 34 الى 50]
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 204
التفسير:
قوله تعالى:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» .
الإشارة هنا «هؤُلاءِ» إلى مشركى قريش، الذين استمعوا إلى هذا الحديث من أمر فرعون و موسى، و ما كان من استكبار فرعون و عتوّه، و ما أخذه اللّه به من عذاب و نكال .. ثم ما كان من إحسان اللّه سبحانه إلى بنى إسرائيل و فضله عليهم، ثم مكرهم بآيات اللّه، و تكذيبهم لرسله ..
فكان أن لعنهم اللّه، و مزّق شملهم، و فرق جماعتهم .. و قطّعهم فى الأرض أمما ..
و هؤلاء المشركون .. ماذا هم فاعلون مع رسول اللّه، و ما يحمل إليهم من آيات ربه؟ فهذا سؤال يسأله الذين استمعوا إلى هذا الحديث الذي
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 205
تحدث به القرآن عن فرعون و موسى، و عن بنى إسرائيل و آيات اللّه إليهم ..
فكان الجواب:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» - هذا هو الداء المتمكن من القوم، و هو إنكارهم للبعث، و الحساب و الجزاء، و ذلك لاستبعادهم أن تعود الحياة مرة أخرى إلى الموتى، بعد أن يصيروا عظاما و رفاتا .. إنهم على يقين من أنهم لم يبعثوا، و إنهم ليقولون لمن يحدثهم عن البعث: «إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» .. أي ما هى إلا موتة واحدة، لا حياة بعدها .. و هم بهذا يردّون على تصور خاطئ للبعث- ففى تصورهم هذا، أن البعث بعقبه موت .. لأنه حياة بعد موت، و هذه الحياة- فى تصورهم- سيعقبها موت .. ثم حياة .. ثم موت، و هكذا .. و لهذا جزموا بأنه لا موت بعد أن يموتوا، بمعنى أنه لا بعث، و لا موت بعد البعث. إن كان هناك بعث!! و فى التعبير عن الحياة بعد الموت بالنشر، تشبيه للموت بأنه طىّ لحياة الإنسان، كما تطوى الصحف على ما ضمّت عليه من كلمات .. فإذا أريد النظر فى هذه الكلمات مرة أخرى، نشرت هذه الصحف، بعد طيّها ..
فالموت ليس إلا طيّا لصفحة الحياة، مع بقاء الحياة كامنة فى هذه الصحف المطوية، و نشر الصحف بعد طيّها أمر هين، لا يحتاج إلى عناء و معالجة، كما أنه لا يدعو إلى استبعاده و إنكاره!!.
التفسير القرآنى للقرآن، ج13، ص: 206
قوله تعالى:
«فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
هو من تحدّيات المشركين المنكرين للبعث، لمن يحدثونهم عن البعث، و يدعونهم إلى الإيمان .. إنهم يؤكدون أنه لا موت إلا الموتة الأولى، التي تنهى حياتهم تلك، ثم لا حياة و لا موت بعد هذا .. ثم إن لهم على هذا شهودا من الواقع .. فهؤلاء آباؤهم الذين أودعوهم القبور، لم يعد أحد منهم. فإن كان الذين يقولون بالبعث على يقين من هذا القول، فليأتوا على هذا ببرهان، و ذلك بأن يجيئوا لهم بآبائهم هؤلاء الذين ذهبوا .. فإذا لم يرجع هؤلاء الذين ذهبوا، فكيف يرجعون هم إذا ذهبوا؟ ذلك منطقهم الذي جعل البعث عندهم أبعد من أن يتصوّر ..
إنهم كانوا يؤمنون بأن لهذا الوجود ربّا قائما عليه، هو الذي خلقه، و هو الذي يدبر أمره، و إن كان هذا الإيمان قد اختلط بشوائب كثيرة أو قلبلة من الأهواء الفاسدة ..
و لكن الشيء الذي لا يتصورونه، و لا يصدقون به، هو البعث ..
و هو الداء الذي أفسد عليهم إيمانهم باللّه، و أقامهم فى هذه الدنيا مقاما قلقا مضطربا، بتهددهم فيه الفناء الأبدى المطلّ عليهم من كل وجه ..
و هذا قسّ، بن ساعدة الإيادى، من حكماء العرب، و خطبائهم المعدودين و قد نسب إليه أنه كثيرا ما كان يخطب فى الناس فيقول: