کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1281
و المجادلة مع المشركين، أو كان ذلك مما يعرض النفس من ضجر، و قلق و معاناة، من تلقاء هذا العبء لذى تنوء بحمله الجبال .. و هذا هو هجر الرجز و الفاءات في قوله تعالى: «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» يرى كثير من النجاة و تابعهم في هذا كثير من المفسرين، أن هذه الفاءات زائدة ..
و نحن على رأينا من أنه ليس هناك حرف زائد فى كتاب اللّه الكريم، و أن كل حرف أو كلمة، لها دلالتها التي لا يتم المعنى المراد فى القرآن إلا بها ..
و هذه الفاءات، هى من نوع الفاء في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ» فالفاء فى قوله تعالى: «فَأَنْذِرْ» واقعة فى جواب الأمر ..
و كذلك الفاءات فى قوله تعالى: «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» - هى واقعة فى جواب أمر مقدر، معطوف على قوله تعالى فى أول السورة: «قم» ..
و على هذا يكون المعنى فى ابتدائه على هذا الوجه:
يا أيها المدثر قم فأنذر الناس، و قم فكبر ربك، و قم فطهر ثيابك، و قم فاهجر الرجز ..
ثم للاهتمام بالمفعول به، و قصر مر فعل الفاعل عليه، قدم هذا المفعول على الفعل، فى قوله تعالى: «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» و حذف فعل الأمر «قم» المكرر فى الآيات الثلاث، اكتفاء بتقديره وراء حرف العطف «الواو» الذي يأخذ نصيبه معنى لا لفظا من الفعل «قم» فى قوله تعالى: «قم فأنذر»
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1282
و فى الحق أن هذا التخريج النحوي لا ينبغى أن ندخل به على آيات اللّه، فذلك مما لا يتفق و مقام الإعجاز القرآنى، الذي يزرى بقدره، أن يوزن بميزان الكلام البشرى، الذي يخضع الضرورات، و يقبل الخطأ و الانحراف .. تماما كما يزرى بقدر الذهب أن يوزن بميزان الحصى، إن كان الحصى ميزان ..
و حسبنا فى هذا المقام أن نقف بين يدى مثل هذه الآيات- التي يجد فيها النحاة مجالا القول- فنضرب صفحا عن النحو و مقولاته، و نفتح قلوبنا، و عقولنا إلى هذا النور الذي يتدفق من آيات اللّه و كلماته، فيكشف لنا معالم الطريق إلى مواقع الهدى، و الخير و الفلاح.
و نمود إلى موقفنا بين يدى آيات اللّه فنقول:
كذلك ينبغى أن يعلم النبي من أول الأمر، أنه رحمة مهداة من عند اللّه إلى عباد اللّه، كضوء الشمس، و نور القمر، و ماء السحب .. و إنه مما يكدر هذه النعمة، أن يرى الناس منه استعلاء، أو تطاولا بتلك المنن التي سيقت إليهم على يده .. فإن النفوس تكره ممن يحسن إليها أن يمنّ عليها بإحسانه، و يذكّرها به، و كأنه يريد لذلك ثمنا، أىّ ثمن، من ولاء و خضوع، أو من جاه و سلطان «وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» و الأولى من هذا، أن يبذل المحسن إحسانه، من غير التفات إلى مواقعه ممن أحسن إليهم بالنسبة إليه، و ما أحدثه ذلك فى نفوسهم من تصافر أمامه، أو تسبيح بحمده و الثناء عليه ..
و الإحسان من النبي- كما قلنا- هو إحسان منظور إليه على أنه من اللّه مباشرة إلى الناس، و أن النبىّ هو حامل هذا الفضل، و موصّل هذا الإحسان إليهم ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1283
و بهذه النظرة إلى رسالة النبي، من جهته هو، و من جهة المرسل إليهم، تقوم الرسالة على ميزان صحيح، مستقيم ..
فالرسول يرى في ضوء هذه النظرة، أن حسابه فى هذه الرسالة مع ربه، و أن جزاءه عليها، هو من اللّه سبحانه و تعالى .. و هذا يجعل من شأنه ألا ينظر إلى الناس نظرة المحسن المتفضل ..
و المرسل إليهم يرون أن الذي يدعوهم إليه، هو ربهم، و ليس بشرا مثلهم، و أنهم إذ يستجيبون المرسول، فإنما يستجيبون للّه .. و هذا من شأنه أن يخفف كثيرا من مشاعر الغيرة و الحسد عندهم، و يذهب بكثير من دوافع الحميّة و الأنفة و الاستعلاء التي تملأ صدورهم، و التي كثيرا ما تقوم حجازا بين الناس و الناس، فى تبادل المنافع، و تقبل النصح و الإرشاد ..
و فى قوله تعالى: «تستكثر»- حال من فاعل «وَ لا تَمْنُنْ» أي لا تمنن مستكثرا من المنّ .. و هذا يعنى أن بعض المنّ مسموح به فى هذا المقام، على أن يكون ذلك من أجل خدمة الدعوة و لحسابها، كأن يقول النبي لقومه:
«لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (23: الشورى) «ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (86: ص) و نحو هذا مما علمه اللّه سبحانه و تعالى النبي أن يقوله المشركين فى موقف الاحتجاج عليهم، و دفع التهم التي يتهمونه بها .. فهذا و إن كان فيه شىء من المنّ، إلا أن له ما يبرره من تصحيح أخطاء، و تلبيسات، وقعت فى نفوس المشركين، من مقام الرسول فيهم هذا المقام، و أنه فى نظرهم إنما يبغى من وراء هذا شيئا ما، و إلا فماذا يحمله على ركوب هذا المركب الصعب إليهم؟
ثم يكون ختام ما يوصى به النبي فى هذا المقام أن يتجمل بالصبر، و أن يوطن
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1284
نفسه على احتمال الضر و الأذى، فإن طريقه إلى قومه ملىء بألوان من المساءات و السفاهات التي يرصدونها له ..
و لمن هذا الصبر على المكاره؟ إنه للّه، و فى سبيل اللّه .. «وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» هذا، و يلاحظ أن الإنذار فى قوله تعالى: «قُمْ فَأَنْذِرْ» - قد جاء مطلقا من قيد الزمان، و المكان، و الإنسان .. فحيث كان النبي فى أي مكان و أي زمان، فهو قائم بالإنذار، و حيث التقى بإنسان من أية أمة، و أي قبيل كان مطلوبا منه أن ينذره .. إنه رحمة عامة، تملأ الزمان و المكان، و تستوعب الناس جميعا في كل زمان، و كل مكان.
الآيات: (8- 30) [سورة المدثر (74): الآيات 8 الى 30]
لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1285
قوله تعالى:
الفاء في قوله تعالى: «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ» هى فاء الفصيح، و يراد بما بعدها الإفصاح عما تضمنه الكلام قبلها، من إشارات و تلميحات ..
و هنا نجد أن قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» - نجد فى هذه الآيات دعوة آمرة من اللّه سبحانه و تعالى إلى النبىّ بأن يقوم فى الناس منذرا، و لم تبين له الآيات ما ينذر به، فجاء قوله تعالى: «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» .. جاء مفصحا عما ينذر به، و هو يوم القيامة، و ما يلقى أهل الضلال فيه من شدائد و أهوال ..
و قد يسأل سائل:
أ بهذا النذير يبدأ الرسول رسالته، و لا يبدؤها بالدعوة إلى الإيمان باللّه، الذي هو رأس الأمر كله، و مقطع الفصل فيما بين المؤمن و الكافر؟
و الجواب على هذا- و اللّه أعلم- هو- كما قلنا فى أكثر من موضع- أن الإيمان بالحياة الآخرة، و بالحساب و الجزاء، هو مضلّة الكافرين جميعا، إذ يبدو لهم أن بعث الموتى من قبورهم بعد أن يصبحوا رفاتا و ترابا- أمر لا يمكن أن يقع، و لا تستطيع عقولهم تصوّره، و أن كثيرا من مشركى العرب كانوا يؤمنون باللّه إيمانا مشوبا بالضلال، و باتخاذ معبودات يعبدونها من دون اللّه تقربا إليه بعبادتها، و أنهم كانوا- مع هذا- مستعدّين أن يقبلوا الإيمان باللّه، و عبادته وحده، و لم يكونوا مستعدين أبدا، أن يقبلوا هذا الإيمان، و فى مقرّراته البعث و الحساب و الجزاء ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1286
و لهذا نجد أكثر مواقف القرآن الكريم مع المشركين، هو فى الرّد على مقولاتهم فى البعث، و فى إنكارهم له، و استبعادهم لوقوعه .. فما أكثر ما ذكر القرآن الكريم من مقولاتهم فى هذه القضية، و ما أكثر ما عرض عليهم من الأدلة و الحجج، التي تبطل معها مدّعياتهم، و تسقط بها حججهم ..
أما فى مقام وحدانية اللّه، فلم يكن للمشركين موقف كهذا الموقف من قضية البعث، و لم يكن لهم جدل طويل يديرونه مع النبىّ، كما كان ذلك شأنهم فى أمر البعث، و إن كلّ ما ذكره القرآن عنهم من حجة فى أمر الوحدانية، لا يعدو أن يكون دفاعا عن وجود آلهتهم و اعتبارها ممثلة للّه فى الأرض ..
كل إله منها يصلهم باللّه عن طريق خاص به .. و لم تتسع عقولهم القاصرة أن ترى اللّه غير مجسد فى هذه الدّمى، و تلك النّصب. فكان مما ذكره القرآن عنهم قوله تعالى: «أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ..» (5: ص) و قوله تعالى فيما يقولونه عن آلهتهم، وصلتها باللّه: «هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (18: يونس) .. «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» (3: الزمر).
من أجل هذا بدأت رسالة النبىّ بالإنذار بهذا اليوم، يوم القيامة، و ما فيه من عذاب أليم المشركين و الكافرين، و أهل الضلال جميعا ..
و هذا ما كان من الرسول- صلوات اللّه و سلامه عليه- فإنه ما إن تلقّى هذا الأمر من ربّه، حتى دعا قومه إليه- كما تقول كتب السيرة الموثقة- و خطب فيهم قائلا: يا معشر قريش: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا «1» بسفح هذا الجبل أ كنتم تصدّفوننى؟» قالوا نعم: أنت عندنا غير متّهم، و ما جرّبنا عليك كذبا قط.
قال: «فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد» فقال أبو لهب- لعنه اللّه-:
تبّا لك سائر اليوم .. أ لهذا دعوتنا؟» فنزلت سورة اللهب.
(1) أي عدوا مغيرا بخيله.
التفسير القرآنى للقرآن، ج15، ص: 1287
فهذا أول ما أنذر به النبي قومه .. و هو يوم القيامة ..
و قوله تعالى: «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ» أي نفخ فى الصور، و سمى الصور ناقورا، لأنه ينقر فيه حتى يحدث صوتا .. فهو اسم آلة، مثل ساطور، و قادوم ..
و قوله تعالى: «فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ» هو جواب «فإذا»، أي فإذا نفخ فى الصور، فعندئذ يطلع هذا اليوم العسير على الكافرين.
و قوله تعالى: «عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» .. هو توكيد لقوله تعالى:
«فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ» و هذا ما يشير إليه قوله تعالى في آية أخرى: «يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» «8: القمر» قوله تعالى:
هذا عرض لصورة من صور المنذرين؛ الذين أنذرهم الرسول؛ فسخروا منه؛ و وقفوا جبهة متحدية له؛ آخذة الطريق عليه إلى الناس؛ و إلى تبليغهم رسالة ربه.
و يقال إن الموجّه إليه هذا التهديد، هو الوليد بن المغيرة .. و بهذا القول- إن صحّ- يكون الوليد هو الصورة التي يرى فيها كلّ مشرك معاند، ذاته؛ و يشهد المصير الذي هو صائر إليه ..
و قوله تعالى: «ذرنى» هو تهديد بالنكال و البلاء؛ و باتجاه عذاب اللّه كله إلى هذا الإنسان الشقي الموجه إليه هذا الإنذار .. و قد أشرنا إلى معنى هذا عند تفسير قوله تعالى: «وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» ..