کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المبين

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس عليه السلام سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة ابراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الأسراء مكية و هي مائة و احدى عشرة آية سورة الكهف سورة مريم مكية و هى ثمان و تسعون اية سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة السجدة أو فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك مكية و هي ثلاثون آية سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح عليه السلام سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد مكية و هي عشرون آية سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة اللهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

التفسير المبين


صفحه قبل

التفسير المبين، ص: 28

إِلَّا لِنَعْلَمَ‏ لنظهر لك و لغيرك‏ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ‏ ظاهرا و باطنا مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ و هو الذي يظهر الإسلام و يبطن العداء له و لرسوله، أما الطريق إلى إظهار حقيقته هذه فهو التشكيك في تحويل القبلة وَ إِنْ كانَتْ‏ القبلة الجديدة لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ‏ و هم أهل الإيمان المستقر الأصيل‏ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ‏ أي ثباتكم على الإيمان‏ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ لا يأمرهم بشي‏ء أو ينهاهم عنه إلا لمصلحة تعود عليهم دنيا و آخرة.

144- قَدْ نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إشارة إلى أن النبيّ (ص) كان يود من أعماقه أن تتحول القبلة إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم (ع) فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها يعطيك ربك فترضى‏ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ صلّ أنت و من اتّبعك إلى جهته و سمته‏ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏ أينما كنتم من بقاع الأرض فاتجهوا في صلاتكم إلى المسجد الحرام‏ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ‏ لعلمهم بصدق محمد (ص) و رسالته‏ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ‏ من كتمان الحق و إنكاره.

145- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ‏ اليهود و النصارى‏ بِكُلِّ آيَةٍ برهان على أن الكعبة هي القبلة ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ‏ فضلا عن ملّتك‏ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ‏ بحكم نبوّتك و رسالتك‏ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ‏ اليهود يستقبلون بيت المقدس و النصارى مطلع الشمس، و لا تترك طائفة ما هي عليه أبدا. وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏ لقد عصم اللّه نبيّه عن صغار الذنوب فضلا عن كبارها، و لكن الغرض أن يسمع اليهود، و أن يتصلّب النبيّ في موقفه منهم حيث لا أمل فيهم إطلاقا.

146- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ‏ الكثير من علماء اليهود و النصارى يعرفون أن محمدا رسول اللّه معرفة واضحة تماما كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ‏ بلا شبهة و التباس‏ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ‏ خصّ الفريق منهم ليستثني من آمن منهم كعبد اللّه بن سلام‏ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ بأنهم كاذبون.

الإعراب:

يطلق الشطر، و يراد به القسم من الشي‏ء، و قيل: إذا أطلق يفهم منه النصف، فإذا قلت: شطرته شطرين معناه انك جعلته نصفين متعادلين، و أيضا يراد بالشطر الجهة و النحو، و هذا المعنى هو المقصود هنا.

التفسير المبين، ص: 29

147- الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏ كل ما أنزل إليك يا محمد هو حقّ لا ريب فيه‏ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏ الشاكين في أن فريقا من أهل الكتاب يعلمون علم اليقين في أنّك على حقّ، و لكن يكابرون الحقّ و يعاندونه.

148- وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها لكل من اليهود و النصارى و المسلمين قبلة يتجهون إليها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ‏ بادروا إلى العمل لحياة أفضل، و دعوا غيركم و شأنه‏ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يوم القيامة فيثبت المحقّ و يعاقب المبطل‏ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ تعليل لإمكان البعث بعد الموت.

149- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ‏ في أي بلد كنت‏ فَوَلِّ وَجْهَكَ‏ و أنت تصلي‏ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏ الثابت الذي لا يزول بنسخ‏ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏ هذا التكرار لمجرد التوكيد.

150- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏ قد يكون لهذا التكرار مبرر خاص اقتضاه المقام آنذاك، أو قد يأتي في آخر الزمان من يدعو إلى قبلة غير المسجد الحرام. فقطع سبحانه عليه الطريق أو غير ذلك مما هو في علم اللّه‏ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إذا أنتم تركتم قبلتكم‏ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ‏ و هم المعاندون في كل حال، و لا وزن لكلامهم‏ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏ لا تأخذنّكم في الحقّ لومة لائم‏ وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ‏ بمعرفة الحق و التوفيق للعمل به‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ و تتعاونون على ما فيه للّه رضى و لكم خير و صلاح.

151- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ‏ أنعم سبحانه على العرب بواحد منهم، و هو محمد الذي جعلهم خلقا جديدا و مفيدا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا التي تهدي إلى حياة أفضل‏ وَ يُزَكِّيكُمْ‏ يطهّركم من الشرك و مساوئ الأخلاق‏ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ‏ القرآن‏ وَ الْحِكْمَةَ و هي وضع الشي‏ء في مكانه اللائق به‏ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ‏ يعلمكم الإسلام أشياء تجهلونها، و في ذات الوقت يحثّكم على طلب العلم، فتكتشفون آفاقا جديدة مفيدة.

152- فَاذْكُرُونِي‏ بالطاعة أَذْكُرْكُمْ‏ بالثواب‏ وَ اشْكُرُوا لِي‏ ما أنعمت به عليكم‏ وَ لا تَكْفُرُونِ‏ لا تجحدوا فضلي و نوالي.

الإعراب:

لِكُلٍ‏ متعلق بمحذوف خبر مقدم، و وِجْهَةٌ مبتدأ مؤخر، و المضاف اليه محذوف تقديره لكل فريق أو واحد، و هُوَ مُوَلِّيها مبتدأ و خبر، و الخيرات منصوب بنزع الخافض تقديره الى الخيرات.

التفسير المبين، ص: 30

153- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏ أمر سبحانه بالصبر مرات و مرات لعظيم فوائده، و بخاصة الصبر في الجهاد، و كذلك كرر الأمر بالصلاة، لأنها عمود الدين.

154- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ‏ ينتقل الشهيد من حياة أدنى إلى حياة أعلى، من جوار الناس إلى جوار اللّه و رضوانه.

155- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ‏ نصيبكم إصابة تشبه فعل المختبر بِشَيْ‏ءٍ أي بقليل نسبة إلى ما هو أكثر و أعظم‏ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ‏ أبدا لا نجاة لأحد من المخبّآت و النكبات، و الفرق أن الأرعن ينهار، و العاقل يتمالك صابرا محتسبا وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ‏ بأحسن العواقب، قال سبحانه: «وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ‏ / 126 النحل».

156- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏ قال أمير المؤمنين (ع): قولنا: إنّا للّه إقرار على أنفسنا بالملك للّه تعالى، و قولنا: إنّا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك.

157- أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ أي عليهم رأفة بعد رأفة و رحمة بعد رحمة وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏ إلى طريق الحقّ و الصواب.

158- إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ ربوتان بمكة يسعى الحاجّ بينهما مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ‏ جمع شعيرة و هي العلامة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ للحجّ و العمرة أحكام مفصّلة في كتب الفقه و المناسك‏ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ضمير التثنية يعود إلى الصفا و المروة، و المراد بالطواف هنا السعى بينهما، و قوله تعالى: «فَلا جُناحَ» إشارة إلى أن السعيّ جائز و مشروع بغضّ النظر عن وجوبه أو استحبابه‏ وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً أي من تبرّع بالسعي بين الصفا و المروة بعد تأدية الواجب‏ فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ يثيبه على ذلك‏ عَلِيمٌ‏ بكل ما يأتي به العبد من خير أو شرّ.

159- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ‏ ذكر سبحانه أوصاف محمد (ص) في التوراة و أمر الناس باتّباعه، و لم يدع في البيان موضعا للاشتباه، فكتم ذلك أحبار اليهود أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ‏ يعذّبهم‏ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ من الملائكة و المؤمنين.

الإعراب:

يا أَيُّهَا أي منادى، و الهاء للتنبيه، و الذين عطف بيان لأي لأنها من الأسماء المبهمة التي تحتاج الى بيان، إما بالمضاف اليه مثل أي الرجلين، أو بالوصف و البدلية، و أَمْواتٌ‏ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم أموات. وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ‏ اللام واقعة في جواب قسم محذوف، و النون للتوكيد، و مِنَ الْخَوْفِ‏ متعلق بمحذوف صفة لشي‏ء.

التفسير المبين، ص: 31

160- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ندموا على جريمة الكتمان‏ وَ أَصْلَحُوا أخلصوا في مقاصدهم‏ وَ بَيَّنُوا صراحة ما كانوا قد كتموه و أخفوه من قبل‏ فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏ من تاب من الذنب كمن لا ذنب له‏ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏ أقبل التوبة من كل تائب و أرحمه و أثيبه.

161- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أبدا لا يعذّب اللّه أحدا إلّا من مات مصرّا على الكفر و المعصية أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ‏ بإيجاب الغضب و العذاب‏ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ أحياء و أمواتا.

162- خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ‏ لأنهم هم الذين أساؤوا لأنفسهم بالإصرار على الكفر وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ لا يمهلون و إذا استغاثوا لا يغاثون.

163- وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا يسمّى غيره إلها كائنا من كان و يكون بل و لا ربع إله‏ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏ وليّ كل نعمة و رحمة حتّى و لو كانت في العبد، لأنه تعالى هو الأصل و المصدر.

164- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ...

إلى آخر الآية. و خلاصة المعنى أن النظام الدقيق المحكم بين الأجرام السماوية و العوالم الأرضية لا يفسّر تفسيرا مقنعا إلّا بوجود قادر حكيم لأن «الفكرة المضادة حماقات» كما قال و يقول كل ذي عقل سليم.

165- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً أمثالا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ‏ قال الإمام الباقر (ع):

المراد بالأنداد هنا «أئمة الظلم و أشياعهم يحبّونهم، و يعظّمونهم و ينقادون لهم» من دون اللّه‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ‏ لأنهم لا يشركون أحدا في طاعته، و الثقة به، و التوكّل عليه الإعراب:

إِلهُكُمْ‏ مبتدأ خبره‏ إِلهٌ‏ ، و واحِدٌ صفة لإله، و لا إِلهَ‏ مبني على الفتح اسم لا النافية للجنس، و خبرها محذوف تقديره لا إله موجود إِلَّا هُوَ ، و الجملة خبر ثان، و هو بدل من اسم لا، و رفع تبعا للمحل، و قيل هو بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، و هو موجود، الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏ خبر ثالث لإلهكم، أو لمبتدأ محذوف تقديره هو الرّحمن الرّحيم.

دون ظرف مكان، تقول: قعد فلان دون زيد، أي في مكان منحط عن مكانه، و يستعمل لفظ دون بمعنى ردي‏ء، و بمعنى غير مجازا، و هذا هو المراد من قوله تعالى من دون اللّه، أي من غير اللّه.

كَحُبِّ اللَّهِ‏ الكاف بمعنى مثل صفة لمفعول مطلق محذوف، تقديره يحبونهم حبا مثل حب اللّه، و أشد خبر الذين آمنوا، و حبا تمييز، و أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ‏ بفتح همزة أن، و المصدر المنسبك منها و مما بعدها مفعول يرى، و جميعا حال، وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ‏ عطف على ان القوة للّه، و التقدير لو يرى الذين ظلموا قوة اللّه، و و شدة عذابه، و جواب لو يرى محذوف دلّ عليه سياق الكلام، و التقدير لعلموا ان اللّه لا شريك له و لا ند.

التفسير المبين، ص: 32

وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ‏ لو علم الذين أشركوا باللّه بما سيحلّ بهم من العذاب‏ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً لا سلطان لأحد سواه‏ وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ‏ و بالخصوص على من جعل له أندادا و شركاء و لو علموا بذلك لما أشركوا.

166- إِذْ تَبَرَّأَ يوم القيامة الَّذِينَ اتُّبِعُوا الرؤساء مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الأتباع‏ وَ رَأَوُا الْعَذابَ‏ هؤلاء و أولئك‏ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ‏ العلاقات و الصداقات 167- وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الأتباع: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً عودة إلى دار الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كل فاسد يتمنّى حين تنكشف له الحقائق أن يصلح ما كان أفسد كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ‏ ثمرة التفريط الكآبة و الندامة وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ بل هم فيها خالدون.

168- يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ كل الناس‏ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً و طاهرا إلّا إذا كان على حساب الآخرين‏ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ‏ الذي يأمركم بالكفر و أكل المال الحرام‏ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏ و أيّ عدوّ أشدّ و ألدّ ممن يقودك إلى نار الجحيم.؟

169- إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ بكل قبيح و رذيلة وَ الْفَحْشاءِ و بكل فساد و جريمة وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ‏ فتحلّلوا الحرام و تحرّموا الحلال تبعا للأهواء.

170- وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ‏ من الحقّ و العدل‏ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا حتى و لو كانوا على ضلال مبين‏ أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ‏ لا بأس على الإنسان أن يقلّد الآباء و غير الآباء فيما فيه للّه رضا و للناس خير و صلاح.

171- وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالحقّ و تعصّبوا للآباء الضالين المضلين كمثل البهائم، أما مثل الذي يدعو هؤلاء الكفّار إلى الحقّ فهو كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ‏ يصيح‏ بِما لا يَسْمَعُ‏ اي بالبهائم‏ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً لا تفهم البهائم من صياح الداعي إلى الحقّ و كلامه إلّا مجرد الصوت من غير وعي الإعراب:

حَلالًا حال من الموصول المجرور بمن، و هو قوله: مِمَّا فِي الْأَرْضِ‏ ، و طَيِّباً صفة لحلال، و ألفينا لم تتعدهن الى مفعولين، لأنها بمعنى وجدنا.

دُعاءً مفعول يسمع، و صمّ خبر مبتدأ محذوف.

التفسير المبين، ص: 33

و فهم‏ صُمٌ‏ تماما كمن لا يسمع‏ بُكْمٌ‏ و لا ينطق‏ عُمْيٌ‏ و لا يبصر فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ‏ و إن ظهروا للعيان في مظهر العقلاء

172- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ...

إلى آخر الآية، و في الحديث يقول اللّه سبحانه: أنا أخلق و يعبد غيري، و أنا أرزق و يشكر غيري.

173- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ و هي كل حيوان مات من غير تذكية شرعية وَ الدَّمَ‏ المتميّز عن اللحم، لأن ما يختلط باللحم معفوّ عنه‏ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ و شحمه أيضا و جميع أجزائه، و خصّ اللحم بالذكر، لأنه أظهر الأجزاء التي ينتفع بها وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ‏ و هو ما ذكر عليه حين الذبح غير اسم اللّه سواء أذبح للأصنام أم لغيرها فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ‏ الباغي من يفعل الحرام من غير ضرورة وَ لا عادٍ و العادي من يتجاوز مقدار الضرورة و قد اشتهر بين الفقهاء: الضرورة تقدّر بقدرها فَلا إِثْمَ‏ لا حرج‏ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لا يحاسب العبد على ما يضطرّ إليه.

174- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ‏ عاد الكلام عن اليهود وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا يكتمون الحق و يحرّفون لا لشي‏ء إلّا لمنفعتهم الشخصية أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ لأن من يأكل ما يؤدي إلى النار فكأنه أكل النار وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كناية عن إعراضه عنهم و غضبه عليهم‏ وَ لا يُزَكِّيهِمْ‏ من الذنوب بالمغفرة التي تطهرهم منها وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ جزاء وفاقا.

175- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ آثروا الغواية على الهداية وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ و أيضا آثروا غضب اللّه على مرضاته‏ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ أي ما أجرأهم على عذاب النار بجرأتهم على معصية اللّه.

176- ذلِكَ‏ إشارة إلى العذاب‏ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ‏ بيان لسبب العذاب‏ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ الذين اختلفوا فيما بينهم في القرآن: هل هو سحر أو شعر أو أساطير هم أبعد الناس عن الحقّ 177- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ‏ الخطاب لأهل الكتاب، لأن اليهود كانت تصلي إلى ناحية المغرب أي بيت المقدس، و النصارى إلى المشرق الإعراب:

أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ : أولئك مبتدأ، و ما بعدها خبر، و الجملة من المبتدأ و الخبر خبران.

التفسير المبين، ص: 34

وَ لكِنَّ الْبِرَّ أي البار مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ‏ وحده لا شريك له‏ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ و الإيمان بهم إيمان بالوحي و الواقع.

المنزل على سيّد الأنبياء وَ الْكِتابِ‏ كل كتاب من عند اللّه‏ وَ النَّبِيِّينَ‏ الذين يؤمن محمد بنبوّتهم‏ وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ‏ قال ابن مسعود: معناه أن تؤتي المال و أنت تأمل أن تعيش و تخشى الفقر ذَوِي الْقُرْبى‏ قرابة صاحب المال أحقّ بالصلة وَ الْيَتامى‏ الذين لا مال لهم و لا كفيل‏ وَ الْمَساكِينَ‏ و هم أهل الحاجة، و لكن لا يمدّون يد المذلّة وَ ابْنَ السَّبِيلِ‏ هو الذي انقطع في السفر و لا يستطيع العودة إلى وطنه من غير عون‏ وَ السَّائِلِينَ‏ الطالبين للصدقة عن فقر و عجز وَ فِي الرِّقابِ‏ أي في تحرير العبيد من الرق‏ وَ أَقامَ الصَّلاةَ تزكية للنفس‏ وَ آتَى الزَّكاةَ تزكية للبدن‏ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا سواء أ كان العهد بين اللّه و الإنسان كاليمين و النذر أم كان بين إنسان و إنسان كالبيع و الدين‏ وَ الصَّابِرِينَ‏ أي أخصّ الصابرين بالمدح و الثناء لفضلهم‏ فِي الْبَأْساءِ الفقر وَ الضَّرَّاءِ المرض و غيره من المصائب‏ وَ حِينَ الْبَأْسِ‏ وقت القتال و الجهاد أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا إشارة إلى الذين استجمعوا هذه الخصال‏ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ‏ لغضب اللّه و عذابه بإيمانهم الخالص و أعمالهم الصالحة.

178- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ‏ فرض عليكم‏ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى‏ المساواة بحيث يفعل في القاتل العامد ما فعل في المقتول‏ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى‏ بِالْأُنْثى‏ المعنى واضح و هو اعتبار المساواة في القصاص حتى في الحرية و العبودية و الأنوثة و الذكورة. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الآية دلت بمنطوقها على أن المساواة مشروعة في القصاص في هذه الأصناف الثلاثة بحيث يقتل كل واحد واحدا مثله، و سكتت عن قتل الحر عبدا و بالعكس، و قتل الذكر أنثى و بالعكس، و عليه فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر في ذلك‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ الضمير في «له و أخيه» يعودان إلى القاتل، و المعنى إذا رضي ولي الدم بأخذ الدية، و لم يصر على القصاص‏ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏ فينبغي أن يقابل القاتل هذا العفو عن قتله بعرفان الجميل‏ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏ و يؤدي الدية كاملة بلا مطل و تأخير ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص أو العفو، و على أهل الإنجيل العفو أو الدية أما أنتم أيها المسلمون فمخيّرون بين القصاص و الدية و العفو عنهما معا فَمَنِ اعْتَدى‏ بَعْدَ ذلِكَ‏ بأن قتل بعد أخذ الدية أو العفو فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ أي نوع خاص من الشدة.

صفحه بعد