کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المبين

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس عليه السلام سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة ابراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الأسراء مكية و هي مائة و احدى عشرة آية سورة الكهف سورة مريم مكية و هى ثمان و تسعون اية سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة السجدة أو فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك مكية و هي ثلاثون آية سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح عليه السلام سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد مكية و هي عشرون آية سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة اللهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

التفسير المبين


صفحه قبل

التفسير المبين، ص: 741

المطلق‏ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ القاهر المتصرف بالحكمة.

2- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ‏ المراد بالأميين هنا العرب، لأن الكثرة الكاثرة منهم كانوا يجهلوا القراءة و الكتابة، و كان محمد (ص) من هذه الكثرة رجلا أميا، و مع ذلك ما زالت رسالته تلتقي مع الحياة و تقدمها في كل زمان و مكان‏ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ‏ يطهّر نفوسهم من الرذائل، و عقولهم من الجهل، و أعمالهم من الجرائم‏ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ‏ الذي يخاطب العقل، و يحترم العلم، و يقدس الإنسان، و ينبذ التقليد وَ الْحِكْمَةَ من الإحكام بوضع الشي‏ء في موضعه، و هي بهذا التعريف تقتضي العلم بما ينبغي فعله أو تركه في الزمان و المكان المناسب، و هذه الآية تحدد رسالة محمد (ص) و الإسلام معا لأنهما شي‏ء واحد، و تفسر الدين بالحق بأنه لخير الإنسان و هدايته إلى ما يبحث عنه و يتطلع إليه من مستوى أصلح لحياته و أنفع، و مثل هذه الآية قوله تعالى: «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ‏ 157 الأعراف».

3- وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏ هناك أناس غير العرب الأميين سيأتون مع الزمن و الأجيال، و يؤمنون بمحمد (ص) و رسالته لأن رسالته ليست عربية و كفى بل هي إنسانية و عالمية.

4- ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ‏ إشارة إلى رسالة محمد (ص) و أنها نعمة عظمى من اللّه على عباده.

5- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الغاية من العلم العمل بموجبه، و لا فرق بين من تعلم و لم يعمل و بين الحمار يحمل الكتب على ظهره، هذا لا ينتفع بما يحمل، و ذاك لا يعمل بما تعلّم، و ضرب سبحانه هذا المثل لليهود في أخذهم التوراة و عدم العمل بموجبها و مثلهم المسلمون أيضا لأنهم‏ «اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً - 30 الفرقان» و عين الشي‏ء المسيحيون و الإنجيل‏ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ‏ و هم اليهود كذبوا محمدا (ص) و التوراة و غيرها من الدلائل تنطق بنبوته.

6- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ‏ و شعبه المختار من دون العالمين، و أن الجنة لكم وحدكم، فاسألوا اللّه سبحانه أن يقبض إليه أرواحكم و ينقلكم من دنيا الهوان إلى فردوس الجنان.

7- وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ أي لعلمهم أنهم أعداء الحق و أشقى من شر الخلق.

8- قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ‏ نازل بكم لا محالة ثُمَّ تُرَدُّونَ‏ إلى اللّه، و تقفون بين يديه لنقاش الإعراب:

مَثَلُ‏ فاعل بئس. و الَّذِينَ كَذَّبُوا صفة للقوم، و المخصوص بالذم محذوف أي بئس مثل القوم الذين كذبوا مثلهم. و جملة فإنه ملاقيكم خبر ان الموت.

التفسير المبين، ص: 742

الحساب‏ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ من الغدر و المكر و إثارة الفتن و العداء بين الأمم.

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... صلاة الجمعة من حيث هي واجبة بالاتفاق، و إنما الخلاف بين المذاهب الإسلامية: هل تجب مطلقا أو مع وجود السلطان؟ قال الشيعة الإمامية و الحنفية: وجود السلطان شرط، و لكن الإمامية اشترطوا عدالته، و اكتفى الحنفية بوجوده و إن لم يكن عادلا، و قال الشافعية و المالكية و الحنابلة: تجب مطلقا وجد السلطان أو لم يوجد. و التفصيل في كتب الفقه‏ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ‏ اتركوا كل تصرف يصد عن صلاة الجمعة بيعا كان أم غيره، و إنما ذكر سبحانه البيع بالخصوص لأنه يفوت- في الغالب- بفوات وقته، أو لأن المشتغلين في التجارة أكثر من غيرهم.

10- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ‏ سعيا للرزق و العيش متكلين على من في يده مقاليد الأمور.

11- وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً يا محمد قائما، و تشير هذه الآية إلى حادثة خاصة، و هي أن النبي (ص) كان يخطب لصلاة الجمعة، فجاءت إبل إلى المدينة تحمل الطعام، فترك أكثر الصحابة المسجد، و لم يبق حول النبي إلا القليل، فأمر سبحانه النبي أن يبلغ التصرفين عنه و عن الصلاة بأن‏ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ الصلاة ساعة فما دونها، و التجارة ساعات، فالجمع بينهما سهل يسير، و الرزق بيده تعالى و الصلاة لا تنقص منه شيئا، و مرضاة اللّه و الرسول خير و أبقى.

سورة المنافقون‏

مدنيّة و هي احدى عشرة آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

1- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ‏ الذين نطقوا بكلمة الإسلام، و هم أعدى أعدائه‏ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ‏ الإعراب:

قال ابن هشام في كتاب المغني: تأتي من مرادفة لفي، و استشهد بقوله تعالى: من يوم الجمعة أي في يوم الجمعة.

كسرت همزة إن بعد يعلم و يشهد لأن اللام دخلت على خبرها.

التفسير المبين، ص: 743

خوفا على أنسهم و أموالهم‏ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ‏ حقا لأنه الذي أرسلك رحمة للعالمين، و أيضا يشهد سبحانه على أن المنافقين هم الضالون المخادعون في إظهار الإسلام و إعلانه.

2- اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً يحلفون باللّه أنهم مسلمون تقية لا حقيقة فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ صدّق المنافقين من يجهل هويتهم، فاقتدى بهم في بعض ما يفعلون.

3- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا أعلنوا الإيمان بألسنتهم، فصدقهم الناس و ما أسرع ما ظهر كفرهم فلعنوا على كل لسان‏ فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ هي في تقلب دائم و تذبذب مستمر، و من كانت هذه حياته فلا يهتدي إلى خير.

4- وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ‏ جمال في المنظر، و قبح في المخبر وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ‏ و لكن لا تجد له أي أثر في نفسك لأنهم‏ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ بلا قلب و شعور، و إذا لم يصدر الكلام عن قلب فلا يؤثر في شي‏ء، لأن الناس يتفاهمون بما يعبّر عن القلوب و الأفكار يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ‏ جبناء يرتعدون من كل شي‏ء، و يتوقعون الفضيحة و الضربة القاضية بين آن و آن حتى و لو نادى البائع على سلعته لظنوا أن الواقعة نزلت على رؤوسهم‏ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ‏ و من الخطبة 192 من خطب نهج البلاغة: أحذركم أهل النفاق فإنهم يمشون الخفاء، و يدبّون الضراء، قولهم شفاء، و فعلهم الداء العياء».

5- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إلى التوبة عند رسول اللّه و طلب المغفرة منه- احتقروا هذا القول و من قاله.

6- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ ... إن اللّه غفور وسعت رحمته و تسع كل شي‏ء إلا من يأباها و يتكبر عليها، و ليس من الرحمة و لا من الحكمة أن تكرم من لا يقبل الكرامة.

7- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى‏ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا الإعراب:

و لو لا ها لكانت مفتوحة. و ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ «ما» مصدرية و المصدر المنسبك فاعل ساء أي ساء عملهم. و دخلت اللام على «قولهم» لأن تسمع تتضمن معنى تصغي. و جملة كأنهم مستأنفة أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم كأنهم. و عَلَيْهِمْ‏ متعلقة بمحذوف مفعولا ثانيا ليحسبون. و أَنَّى‏ موضعها النصب على الحال إذا كانت بمعنى كيف و على المفعول المطلق إذا كانت بمعنى أي و على الظرفية إذا كانت بمعنى أين و سَواءٌ مبتدأ و عليهم متعلق به لأن سواء بمعنى مستو، و أَسْتَغْفَرْتَ‏ أصلها أ أستغفرت و الهمزة للتسوية لا للاستفهام و لذا صح وقوعها خبرا للمبتدإ. و قيل: سواء خبر مقدم و الفعل مؤول بمصدر مبتدأ مؤخر. و نحن لا نرى وجها لهذا التأويل حيث لا توجد أداة مصدرية، و المعنى يصح بدون تأويل.

التفسير المبين، ص: 744

كان أغنياء الصحابة ينفقون على فقرائهم، فطلب منهم المنافقون أن يمسكوا أيديهم عسى أن ينصرف المعوزون عن رسول اللّه، و يضعف شأن الإسلام، فرد سبحانه على المنافقين بقوله: وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ خلق سبحانه للرزق العديد من الأبواب، فإذا أغلق باب منها على عبد فتح له أبوابا من خزائن ملكه و رحمته.

8- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ‏ هذه الكلمة الكافرة الفاجرة نطق بها رأس النفاق عبد اللّه بن أبي حين كان المسلمون في غزوة بني المصطلق، و كان هذا المنافق قد خرج معهم طمعا في الغنيمة، و هو يريد بالأعز نفسه، و بالأذل النبي (ص) و أنه متى عاد إلى المدينة أخرج منها رسول اللّه بالقوة، و كان لعبد اللّه بن أبيّ ولد صادق الإيمان، أيضا اسمه عبد اللّه، فشهر السيف على أبيه و قال:

و اللّه لن أدعك أبدا حتى تقول: رسول اللّه هو الأعز و أنا الأذل، و لما علم رسول اللّه بذلك قال له: دع أباك، فقد عفوت عنه، فتركه.

وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ هذا ردّ على المنافق اللعين الذي نعت نفسه بالأعز و الرسول الأعظم بالأذل، و المعنى العزة ذاتا و أولا هي للّه سبحانه لكماله المطلق الذي لا يوازيه غيره فيه، و هي ثانيا للرسول و للمؤمنين المخلصين، لأن العزة بمعناها الشامل تعم عزة النفس بتنزيهها عن الدنايا و الأهواء و الغرور و الكبرياء، و في المقصد الأسنى للغزالي ص 31 منشورات مكتبة الجندي ما معناه أن المؤمن العالم باللّه يكبر و يعظّم فيه من صفات الجلال و الكمال، و يتشوق إلى الاتصاف بشي‏ء منها على قدره و بحسبه جهد المستطيع، ليكون عند اللّه سبحانه بمنزلة الملائكة المقربين.

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‏ و جهاد أهل البغي أفضل الذكر على الإطلاق، لأنه قوة للحق و عزة لدين اللّه.

10- وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏ من تهاون و أهمل إخراج ما في أمواله من زكوات و أخماس، و ظهرت عليه دلائل الموت و أماراته- فليبادر إلى أدائها و الوفاء بها قبل أن تخرج الروح من جسده و إلا انتهبها الوراث، فيكون المهنأ لغيره و العب‏ء على ظهره.

11- وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً ... العمر لا يعود، و الأجل لا يمهل، و لا مفر مما هو آت.

الإعراب:

الْأَعَزُّ فاعل‏ لَيُخْرِجَنَ‏ ، و الأذل مفعول، و نون يخرجن للتوكيد. و رَبِ‏ أي يا ربي. و لو لا هلا. و أصل فأصدّق فأتصدق و محلها النصب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب لو لا. و أكن أي ان أخرتني أكن.

التفسير المبين، ص: 745

سورة التّغابن‏

مدنيّة و هي ثماني عشرة آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

1- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ... هذه السورة هي آخر المسبحات، و تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات. و استعرنا هذا التعبير من ابن كثير.

2- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ‏ الإنسان مسيّر تشريعا و مخيّر تنفيذا أي للّه الأمر و النهي، و للعقل الحكم بالسمع و الطاعة، و للإنسان القدرة على أن يؤمن و يكفر، و لكن عليه أن يختار الإيمان، و يعمل بموجبه، و يشكر اللّه على الهداية، و بكلمة: التشريع دكتاتورية، و التنفيذ ديمقراطية، و لكن في حدود التشريع العادل حيث لا حرية و لا ديمقراطية لأعداء الحق و الإنسانية.

3- 4- خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ‏ بنظام محكم يدل على قدرته تعالى، و لحكمة بالغة تدل على حسن التقدير و إتقان التدبير وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ كمال في الأعضاء و العقل، و جمال في الصورة و الشكل، و تقدم في الآية 14 من «المؤمنون».

5- 6- أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ‏ أ تكذبون محمدا في دعوته، و قد سمعتم ما حلّ بالأمم الماضية من نكال و وبال لأنها كذبت بالحق؟ و تقدم مرات، منها اشارة:

الإنسان- في نظر الإسلام- بحريته و ارادته، و لا انسانية بلا حرية ... فله أن يختار الايمان حتى و لو كان أبواه كافرين، و ان يختار الكفر حتى و لو كان أبواه مؤمنين، و لا يجبر على أحدهما دون الآخر ... أبدا لا إكراه في الدين و إلا بطل التكليف و الحساب و الثواب، و بعد ان أعطى سبحانه لعبده الحرية التي يكون بها إنسانا أمره بالايمان و فعل الخير، و نهاه عن الكفر و فعل الشر، و أقام له الأدلة على حسن ما أمر به و قبح ما نهى عنه- من عقله و فطرته، فآمن بعض الناس و كفر آخرون، و اللّه عليم بإيمان من آمن و كفر من كفر، و لكل حسب إيمانه و عمله من الثواب و العقاب.

الإعراب:

الضمير في «بأنه» للشأن. و جملة تأتيهم خبر مقدم لكانت و رسلهم اسمها. و بشر مبتدأ و جملة يهدوننا خبر، و جاز الابتداء بالنكرة لمكان الاستفهام.

التفسير المبين، ص: 746

الآية 70 من التوبة فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا أنكروا أن يكون الرسول بشرا، و لم ينكروا أن يكون الإله حجرا!.

7- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا و لا أساس لهذا الزعم إلّا الجهل بالجهل‏ قُلْ‏ يا محمد: بَلى‏ وَ رَبِّي‏ هذا القسم تأكيد من النبي لصدقه في دعوته، أما الدليل على البعث فهو وَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لأن من أنشأ الخلق من لا شي‏ء يهون عليه أن يجمع عظامه و أعضاءه بعد فتاتها و تقدم مرات و مرات.

8- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا القرآن و الإسلام نور، لأنه لا يرى مخلوقا أشرف من العقل، و لا أنفع من العلم، و لا أقدس و أكرم من الإنسان حتى و لو كان بلا عقل و علم، و إن جمع بينهما و عمل بهما فلا شي‏ء فوقه إطلاقا إلا خالقه و خالق كل شي‏ء.

9- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ‏ سمي يوم القيامة بيوم الجمع حيث يجمع سبحانه الخلائق للحساب و الجزاء، و بيوم التغابن، لأن الطيب الصالح هو الغابن الرابح و الخبيث الفاجر هو المغبون الخاسر، ذلك بأن الأول جاهد نفسه و كبحها عن الشهوات أياما أو ساعات و فاز بنعيم الأبد و إلى هذا أشار سبحانه بقوله: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ .

و الثاني أطلق العنان لشهواته بعض الحين، و منها إلى الخلود في العذاب الأليم، كما قال عزّ من قائل:

10- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ و تقدم عشرات المرات.

11- 13- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ المصيبة الكونية كالزلزال هي من اللّه، و المصيبة الاجتماعية كالفساد في الأرض هي من الإنسان بنص الآية 30 الشورى: «وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» و تقدم في الآية 22 من الحديد و غيرها وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏ يعامل سبحانه العبد بما يختاره لنفسه، فهو مع السالك سبيل الرشاد، و على من سلك طريق الفساد، و تكرر ذلك مرات، آخرها في الآية 5 من الصف.

الإعراب:

أَنْ‏ مخففة من الثقلية و اسمها محذوف أي انهم لن يبعثوا، و المصدر ساد مسدّ مفعولي زعم. و إذا وقعت «بلى» بعد النفي تبطله، و يكون ما بعدها مثبتا. يوم يجمعكم «يوم» ظرف متعلق بينبؤون، و يجوز أن يكون مفعولا لفعل مقدر أي اذكروا يوم يجمعكم.

و صالحا صفة لمقدر أي عملا صالحا. و خالدين حال. و أبدا ظرف مؤكد للخالدين و متعلق به. و بئس المصير المخصوص بالذم محذوف أي مصيرهم. ما أصاب من مصيبة «ما» نافية و «من» زائدة.

التفسير المبين، ص: 747

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ‏ قال أهل التفاسير: إن قوما من مكة أسلموا، و أرادوا الهجرة إلى رسول اللّه (ص) فمنعهم أزواجهم و أولادهم فنزلت هذه الآية تحذّر من طاعة الأزواج و الأولاد. و يلاحظ بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء أ كان المخلوق رحما أم غير رحم، و أيضا لا بأس بالطاعة في غير معصية لأي كان و يكون، و على أية حال فالذي نفهمه من الآية أن على المؤمن أن يكون قويا في دينه لا يتنازل عنه مهما كانت المغريات و الشفاعات‏ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ أجل، على رب الأسرة أن يرفق بها، و يتسامح معها فيما يعود إلى حقوقه الخاصة، لا إلى حق اللّه و طاعته.

15- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ أي بلاء و اختبار و فسر الإمام أمير المؤمنين هذه الآية بقوله: «و معنى ذلك أنه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبين الساخط لرزقه و الراضي بقسمه، و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب.

16- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ استدل بعض الفقهاء بهذه الآية على أن فاقد الطهورين يصلي بلا وضوء و تيمم تماما كمن فقد الساتر يصلي عاريا، و إذا ترك وجب عليه القضاء، و في رأينا أن الصلاة تسقط عنه أداء و قضاء لأن المشروط عدم عند عدم شرطه، و إنما وجبت الصلاة على العاري بالنص، و لا نص في فاقد الطهورين، فالأصل محكم و لا حاكم عليه.

و معنى الآية: على المرء أن يتقى معاصي اللّه بمقدار جهده فإذا تضرر من الامتثال سقط التكليف، شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها كأكل الجائع من الميتة و التصرف بمال الغير بلا إذن منه لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق‏ وَ اسْمَعُوا تفقهوا في الدين‏ وَ أَطِيعُوا اعملوا بما تعلمون‏ وَ أَنْفِقُوا المال و العلم، و بالاختصار تعلّموا و علّموا و اعملوا، و من أهم الأعمال بذل الفضل من المال في الخير و الصالح العام‏ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ... إمساكها و حرصها، و تقدم بالحرف الواحد في الآية 9 من الحشر.

17- 18- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ‏ تكرر هذا في العديد من الآيات، و الهدف الأول و الأخير هو تأكيد الحجة و المسئولية على أرباب المال، و أنهم شركاء في كل جريمة سببها الفقر و العوز.

الإعراب:

صفحه بعد