کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المظهرى

الجزء الثامن

الجزء العاشر

سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيمة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبإ سورة النازعت سورة عبس سورة كورت سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة اللهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

التفسير المظهرى


صفحه قبل

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 172

فانّه له معيشة ضنكا قال عذاب القبر- قال ابو سعيد يضغط حتى يختلف أضلاعه- و في بعض المسانيد مرفوعا يلتأم عليه القبر حتى يختلف أضلاعه فلا يزال يعذب حتى يبعث- و هو في سنن الترمذي من حديث ابى هريرة و قال الحسن هو الزقوم و الزريع و الغسلين في النار- و قال عكرمة هو الحرام و قال الضحاك الكسب الخبيث- و عن ابن عباس قال الشقاء- قلت و انما اطلق الضنك على الحرام و الكسب الخبيث و الشقاء لكونها مفضية الى ضيق المقام في القبر او النار قال اللّه تعالى في اهل النار إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ‏ - و روى عن ابن عباس انه قال كل مال اعطى العبد قل او كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه و هو الضنك في المعيشة و ان قوما اعرضوا عن الحق و كانوا اولى سعة من الدنيا مكثّرين فكانت معيشتهم ضنكا و ذلك انهم يرون اللّه ليس بمخلف عليهم معائشهم من سوء ظنهم باللّه عزّ و جلّ- و قال سعيد بن جبير معناه نسلبه القناعة حتى لا يشبع- و حاصل هذين القولين ان من اعرض عن ذكر اللّه كان مجامعا همه و مطامح نظره الى اعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها- بخلاف المؤمن الطالب للاخرة فانه قانع على ما أعطاه اللّه شاكر عليه متوكل على اللّه فتكون حياته في الدنيا طيبة- قلت و على هذا التأويل ليس المراد بمن اعرض عن ذكر اللّه الكافر المعرض عن الايمان بل المعرض عن الإكثار ذكر اللّه فان عامة المؤمنين منهمكون في طلب الدنيا خائفون على انتقاصها فمن اعرض عن إكثار ذكر اللّه و جعل همته في اعراض الدنيا اظلم عليه وقته و تشويش عليه رزقه- فان قيل ان كان تعب الرجل في دار الدنيا معيشة ضنكا- فذلك غير مختص بالكفار و الفساق بل موجود في الأنبياء و الصلحاء أشد البلاء- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه- فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و ان كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض و ما عليه خطيئة- رواه احمد و البخاري في الصحيح و الترمذي و ابن ماجة عن سعد و الطبراني عن اخت حذيفة نحوه و البخاري في التاريخ عن ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم بسند حسن بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبىّ او صفى- قلت الجواب عندى بوجهين أحدهما انه ليس المراد بالآية ان ضيق المعيشة مختص بالكفار بل هذه الاية نظيرة

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 173

لقوله تعالى نمتّعه‏ «1» قليلا ثمّ نضطرّه الى عذاب النّار فالمعنى انه من اعرض عن ذكرى نعطيه في الدنيا معيشة قليلة فان متاع الدنيا قليل كله نعطيه أياما معدودة في نوع من الضيق ثم نحشره يوم القيامة أعمى- ثانيهما ان معيشة الدنيا لا يخلو لاحد من المؤمن و الكافر عن تعب و بلاء- قال اللّه‏ يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ‏ اى الى لقائه غير ان ذلك التعب للمؤمن موجب لمحو الخطيات او رفع الدرجات كما يدل عليه الحديث المذكور فهو و ان كان ضيق صورة لكنه فرج معنى و سبب لانشراح صدره باطنا بخلاف الكافر فان ضيقه و تعبه أنموذج لعذابه المعد له في الاخرة- ثم إذا صح للعبد المؤمن حب مع اللّه سبحانه فكل ما أصابه و وصله من اللّه تعالى يلتزبه و يفرح فان ضرب الحبيب زبيب- روى الحديث المذكور ابن ماجة و عبد الرزاق و الحاكم عن ابى سعيد الخدري رضى اللّه عنه بلفظ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أشد البلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى الفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها و يلبسها و يبتلى بالقمل حتى يقتله- و لاحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء و اللّه اعلم‏ وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏ (124) قال ابن عباس أعمى البصر و قال مجاهد أعمى عن الحجة- و يويد قول ابن عباس قوله تعالى.

قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي‏ قرأ نافع بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَعْمى‏ وَ قَدْ كُنْتُ‏ في الدّنيا بَصِيراً (125) فانه لم يكن له في الدنيا حجة قال اللّه تعالى‏ وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ‏ - و قال‏ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ - اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا ساله فقال ارايت قوله تعالى‏ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً و اخرى عميا- قال ان يوم القيامة يكونون في حال زرقا و في حال عميا.

قالَ كَذلِكَ‏ متعلق بفعل محذوف اى فعلت أنت كذلك اشارة الى مبهم يفسر قوله‏ أَتَتْكَ آياتُنا الدالة على الوحدانية او آياتنا المنزلة على الأنبياء فَنَسِيتَها فاعرضت عنها و تركتها غير منظور إليها كما يترك الأعمى‏ وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏ (126) يعنى اليوم تترك في النار تركا مثل تركك إياها- و

(1) و في القران فامتّعه، قليلا ثمّ اضطرّه الى عذاب النّار- البقرة- نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ‏ الى عذاب غليظ- لقمان- ابو محمد

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 174

قيل التقدير الأمر كذلك و جملة اتتك في مقام التعليل.

وَ كَذلِكَ نَجْزِي‏ اى نجزى جزاء مثل ذلك الجزاء مَنْ أَسْرَفَ‏ يعنى أضاع عمره بالانهماك في الشهوات و الاعراض عن الآيات‏ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ‏ بل كذبها و خالفها وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ في نار جهنم‏ أَشَدُّ وَ أَبْقى‏ (127) من ضنك العيش و العمى و هذه الجملة معطوفة على قوله تعالى‏ وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً إلخ.

أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ‏ الضمير المرفوع راجع الى الهدى و المراد منه الكتاب او الرسول- او الى اللّه تعالى المذكور في قوله تعالى‏ وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ‏ و على هذا في الكلام التفات من التكلم الى الغيبة- و يؤيد هذا التأويل قرأة ا فلم نهدلهم بالنون على صيغة المتكلم- و المعنى ا و لم يهد لهم اللّه او القرآن او الرسول يعنى لكفار مكة- الاستفهام للانكار يعنى هداهم الى صراط مستقيم فاستحبوا العمى على الهدى و الفاء للتعقيب معطوف على محذوف تقديره الم يبين لهم فلم يهد لهم انكار لعدم الهداية بعد البيان لفظا و في المعنى انكار لعدم اهتدائهم بعد الهداية و قيل ا فلم يهد لهم معطوف على مضمون الكلام السابق فانه تعالى ذكر حال المؤمنين بقوله‏ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى‏ و حال الكفار بقوله‏ وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً فقال بين اللّه لهم فيما تلونا حال الفريقين الم يتبين لهم فلم يهد لهم- و قيل لم يهد مسند الى ما دل قوله تعالى‏ كَمْ أَهْلَكْنا كم خبرية اى أهلكنا كثيرا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ‏ اى أهلكنا القرون السابقة او مسند الى الجملة بمضمونها يعنى ا لم يهد لهم إهلاكنا القرون‏ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ‏ حال من القرون يعنى أهلكناهم ماشّين في مساكنهم- او حال من الضمير المجرور في لهم على تقدير اسناد الفعل الى مضمون جملة كم أهلكنا يعنى أ فلم يهد لكفار مكة حال كونهم ماشين في مساكن القرون الماضية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى‏ (128) اى لذوى العقول الناهية عن التغافل و التعامي-.

وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ‏ و هى العدة بتأخير عذاب كفار هذه الامة الى يوم القيمة- و عدم استيصالهم في الدنيا لكون النبي صلى اللّه عليه و سلم‏

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 175

رحمة للعالمين- و جملة سبقت صفة لكلمة و خبر المبتدا محذوف يعنى لو لا كلمة سبقت حاصلة لَكانَ‏ إهلاكنا هؤلاء الكفار بمثل ما نزل بالقرون الخالية نم من عاد و ثمود و أشباههم‏ لِزاماً اى ملازما لهؤلاء الكفار غير منفك عنهم- مصدر من باب المفاعلة وصف به مبالغة او على انه بمعنى الفاعل او اسم فمعز الدولة سمى به اللازم لفرط لزومهم‏ وَ أَجَلٌ مُسَمًّى‏ (129) عطف على كلمة اى و لو لا أجل مسمى لمدة بقائهم في الدنيا او لقيام القيامة او لعذابهم ففى الكلام تقديم و تأخير تقديره و لو لا كلمة سبقت من ربّك و أجل مسمّى لكان لزاما- و جاز ان يكون أجل مسمّى عطف على الضمير المستكن في كان و لا بأس به بوجود الفصل- و التقدير على هذا و لو لا كلمة سبقت من ربّك بتأخير العذاب لكان العذاب العاجل و العذاب المؤجل بأجل مسمّى كلاهما لازمين لهم- و الجملة الشرطية اعنى لو لا كلمة الى آخره معطوفة على جملة محذوفة مفهومة من قوله و كم أهلكنا- تقديره كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم و هؤلاء الكفار مثلهم في استحقاق نزول العذاب- و لو لا كلمة لكان لزاما و أجل مسمّى-.

فَاصْبِرْ يا محمد يعنى إذا علمت انّ عذاب هؤلاء الكفار مؤجل الى أجل مسمى‏ فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ‏ فيك‏ وَ سَبِّحْ‏ يعنى صل متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ يعنى حامدا على ما وقفك للصلوة و التسبيح و اعانك عليه- كانّ فيه اشارة الى ان العبد ان صدر منه العبادة لا يغتربه بل يشكر اللّه على إتيانه و اعانته كما يشير اليه قوله تعالى‏ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ بعد قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ يعنى نستعين بك على عبادتك و يمكن ان يستنبط من هذه الاية وجوب قراءة الفاتحة في كل صلوة على ما صرح به النبي صلى اللّه عليه و سلم حيث قال لا صلوة الا بفاتحة الكتاب- و في لفظ لا صلوة لمن لم يقراء بفاتحة الكتاب- رواه الشيخان في الصحيحين و احمد فان الاية اقتضت بإتيان الصلاة متلبسا بالحمد- لكن التلبس مجمل فالتحق قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيانا له و ظهر ان المراد بالتلبس بالحمد قراءة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ الى اخر السورة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ‏ يعنى صلوة الصبح‏ وَ قَبْلَ غُرُوبِها يعنى صلوة العصر- و قيل المراد بقبل الغروب بعد نصف النهار

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 176

يعنى الظهر و العصر جميعا وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ‏ اى من ساعاة جمع انى بالكسر و القصر يعنى المغرب و العشاء- قال ابن عباس يريد أول الليل قلت و يمكن ان يراد به التحجد ايضا فانها كانت واجبة على النبي صلى اللّه عليه و سلم و الظرف متعلق بقوله‏ فَسَبِّحْ‏ و الفاء زائدة او على تقدير اما يعنى و امّا من اناء اللّيل فسبّح على الخصوص لكون الليل وقت خلّو القلب عن الاشغال- و النفس فيها أميل الى الاستراحة فكانت العبادة فيها احسن و أفضل- قال اللّه تعالى‏ إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا ... وَ أَطْرافَ النَّهارِ عطف على قبل طلوع الشمس و على محل من آناء اللّيل- و لعل هذا تكرير لصلوتى الفجر و العصر لارادة الاختصاص و مزيد التأكيد- لان الفجر وقت نوم و العصر وقت اشتغال بالدنيا- فالاية نظيرة لقوله تعالى‏ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الوسطى و مجيئه بلفظ الجمع للامن من الالتباس- او المراد باطراف النهار صلوة الظهر فقط لان وقته نهايت النصف الاول من النهار و بداية النصف الاخر- و جمعه باعتبار النصفين- و قيل المراد من اناء اللّيل صلوة العشاء و من أطراف النّهار صلوة الظهر و المغرب- لان الظهر في اخر الطرف الاول من النهار و في أول الطرف الاخر فهو طرفين منه و الطرف الثالث غروب الشمس و عند ذلك يصلى المغرب- او المراد منه التطوع في اجزاء النهار لَعَلَّكَ تَرْضى‏ (130) اى لكى ترضى يعنى سبح في هذه الأوقات لان تنال من عند اللّه ما به ترضى- و قرأ الكسائي و أبو بكر بالبناء للمفعول اى لكى يرضيك ربك- و قيل معنى ترضى ان يرضاك اللّه كما قال و كان عند ربّه مرضيّا- و قيل معنى الاية لعلك ترضى بالشفاعة كما قال‏ وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ - روى الشيخان في الصحيحين و احمد و اصحاب السنن الاربعة عن جرير بن عبد اللّه انه قال كنا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فراى القمر ليلة البدر فقال انكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رويته فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها و اللّه اعلم.

اخرج ابن ابى شيبة و ابن مردوية و البزار و ابو يعلى عن ابى رافع قال نزل عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ضيف فارسلنى الى رجل من اليهود ان أسلفني دقيقا- و في رواية يعنى كذا و كذا

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 177

من الدقيق او أسلفني الى هلال رجب فقال لا الا برهن فأتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته فقال و اللّه لئن باعني او أسلفني لقضيته و انى لامين في السماء أمين في الأرض- اذهب بدرعي الحديد اليه فلم اخرج من عنده حتى نزلت.

وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ‏ اى نظر عينك- عطف على فاصبر و لما كان قوله تعالى‏ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ‏ إلخ دالّا على انتفاء العذاب العاجل عن الكفار و ثبوت العذاب الاجل رتب عليه بالفاء الدالة على السببية جملتين تفيد أحدهما الأمر بالصبر بناء على انتفاء العذاب العاجل- و ثانيتهما النهى عن مد النظر تمنّيّا بناء على تحقق العذاب الاجل‏ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ‏ استحسانا له و تمنّيا ان يكون لك مثله‏ أَزْواجاً مفعول لقوله متّعناه‏ مِنْهُمْ‏ صفة له يعنى ما متعنا به أصنافا من الكفرة- و جاز ان يكون حالا من الضمير المجرور و المفعول به قوله منهم- و كلمة من للتبعيض يعنى ما متعنابه بعضهم و ناسا منهم حال كون المتمتع به أصنافا من المال‏ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا (5) منصوب بفعل محذوف- دل عليه متّعنا- تقديره أعطيناهم زهرة الحيوة الدّنيا- يعنى زينتها و بهجتها- او منصوب بمتّعنا على تضمينه معنى أعطينا او على البدلية من محل به- او على البدلية من أزواجا بتقدير معناف ان كان المراد اصناف الكفرة و بدون التقدير ان كان المراد اصناف المال- قرأ يعقوب زهرة بفتح الهاء و هى لغة كالجهرة في الجهرة او جمع زاهر وصف لهم بانّهم زاهر و الدنيا اى ازدهروها اى احتفظوا بها و فرحوا بها لتنعمهم- فى القاموس الازدهار بالشي‏ء الاحتفاظ به و الفرح به‏ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ‏ اى لنبلوهم و نختبرهم- او لنتركهم في الكفر و الضلال بان يطغوا في دنياهم- او لنعذبهم في الاخرة بسبب متعلق بمتعنا وَ رِزْقُ رَبِّكَ‏ اى ما رزقك ربك في الدنيا من الهدى و النبوة او الكفاف من الحلال او في الاخرة من الجنة و مراتب القرب‏ خَيْرٌ مما اعطوا في الدنيا وَ أَبْقى‏ (131) منه فانه لا ينقطع ابدا- و الجملة حال من فاعل لا تمدن- قال البغوي قال أبيّ بن كعب رضى اللّه عنه من لم يتعز بعن اللّه تقطعت نفسه خسرات- و من يتبع بصره في أيدي الناس يظل حزنه و من ظن ان نعمة اللّه في مطعمه و مشربه و ملبسه فقد قل عمله و حضر عذابه.

التفسير المظهرى، ج‏6، ص: 178

وَ أْمُرْ أَهْلَكَ‏ اى قومك و اهل دينك عطف على لا تمدّنّ‏ بِالصَّلاةِ امره بان بامر اتباعه بعد ما امره به ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم- و لا يهتموا يأمر المعيشة و لا يلتفتو الى ارباب الثروة وَ اصْطَبِرْ اى داوم‏ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً اى لا نكلفك ان ترزق أحد من خلقنا و لا ان ترزق نفسك و انما نكلفك العمل- هذه الجملة في مقام التعليل للاصطبار على الصلاة نَحْنُ نَرْزُقُكَ‏ و إياهم ففرغ بالك لامر الاخرة هذا تعليل لعدم سوال الرزق‏ وَ الْعاقِبَةُ يراد ما يعقب العمل الصالح من الثواب كما يراد بالعقاب ما يعقب العمل السوء من العذاب‏ لِلتَّقْوى‏ (132) اى لاهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك و اتبعوك و اتقونى- اخرج سعيد بن منصور في سننه و الطبراني في الأوسط و ابو نعيم في الحلية و البيهقي في شعب الايمان ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا أصاب اهل ضر أمرهم بالصلوة و تلا هذه الاية-.

صفحه بعد