کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المظهرى

الجزء الثامن

الجزء العاشر

سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيمة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبإ سورة النازعت سورة عبس سورة كورت سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة اللهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

التفسير المظهرى


صفحه قبل

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 263

شمول انعامه و الباء للصلة او للحال‏ لِيُرِيَكُمْ‏ اللّه‏ مِنْ آياتِهِ‏ اى بعض دلائل قدرته من عجائب البحر الذي أدركتموه‏ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) يعنى صبار على المشاق فيتعب نفسه بالتفكر فى الآفاق و الأنفس و يعرف النعم و يشكر عليها مانحها- او المراد لايات للمؤمنين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الايمان نصفان فنصف فى الصبر و نصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس يعنى يشكر فى السراء و يصبر فى الضراء.

وَ إِذا غَشِيَهُمْ‏ اى علاهم و غطاهم الظرف متعلق يدعوا اللّه فيه معنى الشرط و الجزاء و الجملة معطوفة على تجرى فى البحر خبر لانّ و ضمير غشيهم راجع الى اهل الفلك رابط بين الاسم و الخبر مَوْجٌ‏ فى البحر كَالظُّلَلِ‏ جمع الظلة شبّه بها الموج يأتى منه شى‏ء بعد شى‏ء قال مقاتل كالجبال و قال الكلبي كالسحاب‏ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ بان ينجيهم و لا يدعون غيره لما تقرر فى الأذهان انه لا كاشف لضر الا اللّه سبحانه و يزول بما غلبهم من الخوف الشديد ما ينازع الفطرة السليمة من الهوى و التقليد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ متعلق بنجاهم بتضمين معنى أوصلهم و جملة فلمّا نجّاهم معطوفة على إذا غشيهم‏ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قيل هو جواب لمّا و الظاهر ان جواب لمّا محذوف و هذا دليل عليه تقديره فلمّا نجاهم الى البرّ اختلفوا فمنهم شاكر لنعمة اللّه و منهم كافر و منهم مقتصد يعنى متوسط فى الكفر لانزجاره بعض الانزجار و كان بعض الكفار أشدّ افتراء و أشد قولا من بعض فذكر المقتصد لدلالته على جانبه كذا قال الكلبي معنى المقتصد و قال أكثرهم معنى المقتصد المقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد لما قيل ان الاية نزلت فى عكرمة بن ابى جهل هرب عام الفتح الى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة لان أنجانا اللّه من هذه لارجعن الى محمد و لاضعن يدى فى يده فسكنت الرياح فرجع الى مكة و النبي صلى اللّه عليه و سلم ثمه و اسلم و حسن إسلامه و التقدير على هذا فمنهم مقتصد و منهم كافر يدل عليه قوله‏ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا المنزلة اى بحقيقتها او بدلائل قدرتنا و منها الانجاء من الموج‏ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ اى غدار فانه نقض العهد الفطري او العهد الذي عاهد فى الشدة و الختر أسوأ الغدر كَفُورٍ (32) للنعم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ‏ اى احذروا عذابه‏ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي‏ اى لا يغنى‏ والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ‏ الراجع الى‏

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 264

الموصوف محذوف اى لا يجزى فيه والد مؤمن عن ولده الكافر وَ لا مَوْلُودٌ مؤمن عطف على والد هُوَ جازٍ صفة لمولود يعنى و لا يجزى مولود مؤمن من شأنه ان يكون هو جاز عَنْ والِدِهِ‏ الكافر متعلق بلا يجزى و انما قيدنا بالكافر لان المؤمن يشفع للمؤمن قال اللّه تعالى‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ‏ و قال اللّه‏ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ‏ شَيْئاً منصوب على المصدرية اى لا يجزى شيئا من الاجزاء و جاز ان يكون مولود مبتدأ خبره هو جاز عن والده و تغير النظم للتاكيد فان هذه الجملة واردة على نهج من التأكيد لم يرد عليه المعطوف عليه لان الجملة الاسمية أكد من الفعلية و قد انضم الى ذلك لفظ المولود و فيه تأكيد اخر لان المولود انما يطلق على من ولد بلا واسطة و الولد يطلق عليه و على ولد الولد كما فى قوله تعالى‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏ فاذا كان المولود لا ينفع أباه فلا ينفع أجداده بالطريق الاولى- و وجه إيراده على التأكيد ان الخطاب كان للمؤمنين فى ذلك الزمان و غالبا مات اباؤهم على الكفر فاريد حسم اطماعهم من ان ينفعوا آباءهم بالشفاعة فى الاخرة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بالبعث و الثواب و العقاب‏ حَقٌ‏ لا يمكن تخلفه‏ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ‏ الفاء للسببية الْحَياةُ الدُّنْيا بزينتها فانها فانية و لذّاتها ضعيفة مشوبة بالمكاره‏ وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ‏ فى حلمه و امهاله‏ الْغَرُورُ (33) الشيطان بان يرجيكم المغفرة فيجسركم على الذنوب.

اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن مجاهد مرسلا قال جاء رجل من اهل البادية و سماه البغوي الحارث بن عمرو بن الحارث بن محارب بن حفصة فسال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن الساعة اى وقتها و قال امراتى حبلى فاخبر ما تلد و بلادنا مجدبة فاخبرنى متى ينزل الغيث و قد علمت باىّ ارض ولدتّ فاخبرنى اين أموت فانزل اللّه تعالى.

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها جملة مستأنفة فى جواب متى يكون ذلك اليوم‏ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ‏ متى شاء لا يعلم نزولها الا هو وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ‏ اذكر أم أنثى لا يعلمها غيره‏ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏ عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا اللّه لا يعلم أحد

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 265

ما يكون فى غد الا اللّه و لا يعلم ما فى الأرحام الا اللّه و لا يعلم أحد متى تقوم الساعة الا اللّه و لا تدرى نفس باى ارض تموت الا اللّه و لا يدرى أحد متى يجئى المطر الا اللّه رواه احمد و البخاري و روى البغوي فى تفسير هذه الاية عن ابن عمر بهذا اللفظ ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمس‏ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏ و فى الصحيحين فى قصة سوال جبرئيل فى حديث ابى هريرة فى خمس يعنى انّ السّاعة لا يعلمهن الا اللّه ثم قرأ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الاية- و اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن خيثمة ان ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر الى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كانّه يريدنى فمر الريح ان يحملنى و يلقينى بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظرى اليه تعجبا منه إذ أمرت ان اقبض روحه بالهند و هو عندك و اللّه اعلم.

و انما جعل العلم للّه و الدراية للعبد لان فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين فى القاموس دريته علمته او لضرب من حيلة فعنه اشارة الى ان العبد ان عمل حيلة و بذل فيها وسعه لم يعرف ما هو لاحق به من كسبه و عاقبته فكيف بغيره ما لم يحصل له علم بتعليم من اللّه تعالى بتوسط الرسل او بنصب دليل عليه‏ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ‏ يعلم الأشياء كلها خَبِيرٌ (34) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها حكى ان منصورا راى فى منامه ملك الموت و سأله عن مدة عمره فاشار اليه بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنين او بخمسة أشهر او بخمسة ايام فقال ابو حنيفة هو اشارة الى هذه الاية فان هذه العلوم الخمسة مختصة باللّه تعالى و اللّه اعلم.

تم تفسير سورة لقمان من التفسير المظهرى ليلة الثانية و العشرين من رجب سنة الف و مائتين و ست سنه 1206 ه و يتلوه تفسير سورة السجدة ان شاء اللّه تعالى.

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 266

سورة السّجدة

مكّيّة و هى ثلاثون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الم‏ (1) ان جعل اسما للسورة او القران فهو مبتدا خبره.

تَنْزِيلُ الْكِتابِ‏ على انه بمعنى المنزل و الاضافة من قبيل اخلاق ثياب و الا فهو خبر مبتدا محذوف اى هذا تنزيل او مبتدا خبره‏ لا رَيْبَ فِيهِ‏ فيكون‏ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) حالا من الضمير فى فيه لان المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر و يجوز ان يكون خبرا ثانيا او خبرا اولا و لا ريب فيه اعتراضا لا محل له و الضمير فى فيه راجع الى مضمون الجملة كانّه قيل لا ريب فى كونه منزلا مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ او الخبر.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ‏ و لا ريب فيه حال من الكتاب او اعتراض و من ربّ العلمين متعلق بتنزيل و الضمير فى فيه لمضمون الجملة و يؤيده قوله تعالى‏ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏ فانه تقرير له و نظم الكلام على هذا انه أشار اولا الى اعجازه بقوله الم ثم رتب عليه ان تنزيله من رب العالمين و قور ذلك بنفي الريب عنه ثم اضرب عن ذلك الى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له و تعجبا منه فان أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة للانكار ثم اضرب عنه الى اثبات انه الحق المنزل من اللّه و بيّن المقصود من تنزيله فقال‏ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ‏ يا محمد إذ كانوا اهل الفترة التي كانت بين عيسى و محمد صلى اللّه عليهما و سلم و جملة ما اتهم صفة لقوم‏ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏ (3) بانذارك إياهم.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما اللّه مبتدا و الموصول مع صلته خبره‏ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ أولها يوم الأحد و آخرها الجمعة

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 267

ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ عطف على خلق و قد بسطنا الكلام فى الاستواء على العرش فى سورة يونس و ذكرنا فى سورة الأعراف ايضا ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ‏ يعنى إذا جاوزتم مرضاته لا ينصركم فى مواطن النصر و الشفيع متجوز به للناصر فاذا أخذ لكم لم يبق لكم ولى و لا ناصر استيناف او حال من فاعل استوى‏ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ‏ (4) بمواعظ اللّه الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره الا تتفكرون فلا تتذكرون.

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ استئناف او حال من فاعل استوى او خبر بعد خبر للّه او خبر أول و الموصول مع صلته صفة للّه و ما لكم حال يعنى يدبر امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية نازلة اثارها إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ‏ اى يصعد إِلَيْهِ‏ و يثبت فى علمه موجودا او المعنى يدبر الأمر اى يحكم بالأمر و ينزل الوحى مع جبرئيل او ينزل القضاء و القدر مع الملك المؤكل به من السماء الى الأرض ثم يعرج اى يصعد جبرئيل او غيره من الملائكة اليه اى الى اللّه يعنى الى حيث يرضاه‏ فِي يَوْمٍ‏ من ايام الدنيا و المراد باليوم هاهنا مطلق الوقت لا بياض النهار لان نزول الملائكة و صعودها غير مختص بالنهار كانَ مِقْدارُهُ‏ حال بتقدير قد اى و قد كان مقدار عروجه و نزوله‏ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏ (5) يعنى لو سار أحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن اللّه بكمال قدرته جعل نزوله و عروجه فى طرفة عين- قال البغوي هذا وصف عروج الملائكة و نزولها من السماء الى الأرض و اما قوله تعالى‏ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مدة المسافة من الأرض الى سدرة المنتهى التي هى مقام جبرئيل يقول يسير جبرئيل و الملائكة الذين معه من اهل مقامه مسيرة خمسين الف سنة فى يوم من ايام الدنيا اى برهة من الزمان هذا كله معنى قول مجاهد و الضحاك- قلت و جاز ان يكون المراد فى الآيتين المسافة التي بين الأرض و السدرة المنتهى على اختلاف سير السائرين فانه ورد فى حديث العباس بن عبد المطلب عند الترمذي بعد ما بين السماء و الأرض اما واحدة و اما اثنتان او ثلاث و سبعون سنة و فى حديث ابى هريرة عند احمد و الترمذي مسافة ما بينهما و بين كل سمائين خمس مائة سنة و لا وجه لتطبيقهما الا باعتبار اختلاف سير السائرين و اللّه اعلم.

و قيل معنى الاية يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 268

كالملائكة و غيرها نازلة اثارها الى الأرض ثم يرجع الأمر و التدبير اليه وحده بعد فناء الدنيا و انقطاع امر الأمراء و حكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة و هو يوم القيامة لما روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام و نصف يوم و اما قوله تعالى‏ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ أراد به ايضا يوم القيامة- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة كنزه الا احمى عليه فى نار جهنّم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه و جبينه حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة و اما الى النار الحديث- و وجه التطبيق بين الحديثين ان يوم القيامة يختلف طوله بالنسبة الى الاشخاص يكون ذلك اليوم على بعض الناس مقدار خمسين الف سنة و على بعضهم مقدار الف سنة و على بعضهم أخف من ايام الدنيا اخرج الحاكم و البيهقي عن ابى هريرة مرفوعا و موقوفا طول ذلك اليوم على المؤمنين كمقدار بين الظهر و العصر- و كذا ذكر البغوي قول ابراهيم التيمي و اخرج ابو يعلى و ابن حبان و البيهقي بسند حسن عن ابى سعيد قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال و الذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا- و قال البغوي قال ابن ابى مليكة دخلت انا و عبد اللّه بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله عن هذه الاية و عن قوله تعالى‏ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فقال له ابن عباس ايام سماه اللّه تعالى لا أدرى ما هى و اكره ان أقول فى كتاب اللّه ما لا اعلم- و اخرج البيهقي من طريق ابن ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى‏ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏ قال هذا فى الدنيا و قوله تعالى‏ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فهذا يوم القيمة جعله اللّه على الكافر مقدار خمسين الف سنة- و اختار جلال الدين المحلى هذه الرواية فى تفسيره و قيل يقضى قضاء الف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الالف لالف اخر- و قيل يدبر الأمور به من الطاعات منزلا من السماء الى الأرض بالوحى ثم لا يعرج اليه‏

التفسير المظهرى، ج‏7، ص: 269

خالصا كما يرتضيه الا فى مدة متطاولة لقلة المخلصين فى الأعمال.

ذلِكَ‏ المدبر الخالق للسموات و الأرض و ما بينهما مبتدا خبره‏ عالِمُ الْغَيْبِ‏ اى ما غاب عن الخلق‏ وَ الشَّهادَةِ اى ما حضر عندهم فيدبر الأمور على وفق الحكمة الْعَزِيزُ الغالب على امره‏ الرَّحِيمُ‏ (6) على العباد فى تدبيره و فيه ايماء بانه يراعى المصالح تفضلا و إحسانا صفتان لعالم الغيب و الشهادة او خبر ثان و ثالث لذلك.

الَّذِي أَحْسَنَ‏ الموصول مع الصلة صفة بعد الصفتين المذكورتين او خبر رابع لذلك‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ‏ «و ابو جعفر و يعقوب- ابو محمد» قرأ ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بسكون اللام فهو بدل اشتمال من كلّ شى‏ء يعنى احسن خلق كل شى‏ء موافرا عليه ما يستعده و يليق به على وفق الحكمة كذا قال قتادة و قال ابن عباس أتقنه و أحكمه اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى قوله‏ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ‏ قال اما ان است القردة ليست بحسنة و لكنه احكم خلقها و قال مقاتل اى علم كيف يخلق كل شى‏ء من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلم- و قرأ نافع و الكوفيون بفتح اللام على صيغة الماضي على انه صفة لشئ‏ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ‏ يعنى آدم عليه السلام‏ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ‏ سميت به لانها تنسل منه اى تنفصل‏ مِنْ سُلالَةٍ اى نطفة سميت سلالة لانها تسل من الإنسان‏ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ‏ (8) ضعيف بدل من سلالة او بيان له.

ثُمَّ سَوَّاهُ‏ اى الإنسان قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغى‏ وَ نَفَخَ فِيهِ‏ اى فى الإنسان‏ مِنْ رُوحِهِ‏ الضمير اما راجع الى الإنسان او الى الذي احسن خلق كلّ شى‏ء تشريفا و إظهارا بانه خلق عجيب له شأن عظيم ممكن له نسبة بما لا مثل له و لا كيف‏ وَ جَعَلَ لَكُمُ‏ التفات من الغيبة الى الخطاب‏ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لتسمعوا و تبصروا و تعقلوا بعد ما كنتم نطفا بغير سمع و بصر و تعقّل‏ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ‏ (9) ما زائدة مؤكدة للقلة اى شكرا قليلا او فى زمان قليل تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه و تعبدونه.

صفحه بعد