کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

الجزء الأول

تقديم

سورة البقرة

ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

مدى صلتها بسورة البقرة: ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

سورة النساء

مدنيتها: فضلها: مناسبتها لآل عمران: لتسمية: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

الجزء السادس

تتمة سورة النساء

سورة المائدة

تسميتها: تاريخ نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه: فضلها:

الجزء السابع

تتمة سورة المائدة

سورة الأنعام

تسميتها: نزولها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه:

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

سورة الأعراف

تسميتها: صفة نزولها: موضوعها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

سورة الأنفال

و مناسبتها لسورة الأعراف: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء العاشر

تتمة سورة الأنفال

سورة التوبة

تسميتها: السبب في إسقاط التسمية من أولها: مناسبتها لما قبلها: تاريخ نزولها: ما اشتملت عليه السورة: أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة التوبة

سورة يونس عليه السلام

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثاني عشر

سورة هود عليه السلام

تسميتها: نزولها و شأنها و مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة يوسف عليه السلام

تسميتها و سبب نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

سورة الرعد

تسميتها: ناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النحل

تسميتها: ارتباطها بالسورة التي قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس عشر

سورة الإسراء

تسميتها: فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الكهف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل هذه السورة:

الجزء السادس عشر

سورة مريم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة طه

التسمية: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

تسميتها: فضلها و مزيتها: مشتملاتها:

سورة الحج

تسميتها: صلتها بما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

تسميتها و فضلها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: فضلها: مشتملاتها:

الجزء التاسع عشر

سورة الفرقان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الشعراء

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه

سورة النمل

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء العشرون

تتمة سورة النمل

سورة القصص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

سورة العنكبوت

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

الجزء الحادي و العشرون

تتمة سورة العنكبوت

سورة الروم

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة لقمان

تسميتها: موضوعها: صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة السجدة

تسميتها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

سورة الأحزاب

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

سورة سبأ

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فاطر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء الثالث و العشرون

تتمة سورة يس

سورة الصافات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضل هذه السورة:

سورة ص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الزمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الرابع و العشرون

تتمة سورة الصافات

سورة غافر أو: المؤمن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فصلت أو: السجدة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الزخرف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الدخان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الجاثية

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزولها:

الجزء السادس و العشرون

سورة الأحقاف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة محمد عليه الصلاة و السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الفتح

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها: أضواء من السيرة على سبب نزول السورة(صلح الحديبية و بيعة الرضوان):

سورة الحجرات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة ق

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة: أوجه الشبه بين سورة ق و سورة ص:

الجزء السابع و العشرون

سورة الذاريات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الطور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة النجم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة القمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الرحمن جل ذكره

مكيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الواقعة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الحديد

مدنيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثامن و العشرون

سورة المجادلة

مدنيتها: تسميتها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الحشر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزول السورة: فضل السورة:

سورة الممتحنة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة التغابن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع و العشرون

سورة الملك، أو: تبارك

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة القلم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثلاثون

الخاتمة

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج


صفحه قبل

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 328

يظنون أن أمرهم كما راج عند الناس، و جرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا، فكذلك يكون حكمهم عند اللّه يوم القيامة، و أن أمرهم يروج عنده، كما أخبر تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة و السداد، و يعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده كما قال تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ‏ الآية [المجادلة 58/ 18].

وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏ أي مجازيهم على خداعهم، و سمي ذلك مخادعة مشاكلة للفظ الأول، مثل‏ وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ‏ [الأنفال 8/ 30]. أو و هو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع، حيث تركهم تطبق عليهم أحكام الشريعة في الظاهر، معصومي الدماء و الأموال في الدنيا، و أعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة، و لم يخلهم في الدنيا العاجلة من فضيحة و إحلال بأس و نقمة و رعب دائم. و قد يخذلهم في الآخرة أمام الناس، فيعطون على الصراط نورا، كما يعطى المؤمنون، ثم يطفأ نورهم، كما قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ - إلى قوله- وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد 57/ 13- 15].

و في الحديث الذي رواه أحمد و مسلم عن ابن عباس: «من سمّع سمّع اللّه به، و من رأيا رأيا اللّه به»

قال ابن عباس: خداعه تعالى لهم أن يعطيهم نورا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين، فإذا وصلوا إلى الصراط انطفأ نورهم، و بقوا في ظلمة، و دليله قوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ‏ [البقرة 2/ 17].

وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ أي متباطئين متثاقلين؛ إذ لا إيمان يدفعهم إليها، و لا نية لهم فيها، و لا يعقلون معناها. هذه صفة ظواهرهم.

ثم ذكر اللّه تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: يُراؤُنَ النَّاسَ‏ بها،

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 329

أي لا إخلاص لهم و لا معاملة مع اللّه، بل إنما يريدون أن يراهم الناس تقية لهم و مصانعة، و يقصدون بصلاتهم الرياء و السمعة، و لهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء و صلاة الصبح،

كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء، و صلاة الفجر، و لو يعلمون ما فيهما لأتوهما و لو حبوا ..» الحديث.

وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا أي في صلاتهم لا يخشون، و لا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، و إنهم في الواقع لا يصلون إلا قليلا، فإذا لم يرهم أحد لم يصلوا.

و هم أيضا مذبذبون مضطربون متحيرون بين الإيمان و الكفر، فليسوا مع المؤمنين حقيقة، و لا مع الكافرين حقيقة، بل ظواهرهم مع المؤمنين، و بواطنهم مع الكافرين، و منهم من يعصف به الشك، فتارة يميل إلى المؤمنين، و تارة يميل إلى الكافرين كاليهود، كما قال تعالى في أول سورة البقرة: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا الآية [20] فإذا ظهرت الغلبة لأحدهما ادعوا أنهم منه.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي و من صرفه عن طريق الهدى، بسبب أعماله و مواقفه و أخلاقه، فلن تجد له سبيلا (طريقا) إلى الخير و السداد يسلكه.

ثم حذّر اللّه المؤمنين أن يفعلوا فعل المنافقين و أن يوالوا الكافرين، فقال:

يا أيها الذين آمنوا باللّه و رسوله، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أي لا تتخذوهم نصراء و أعوانا تصاحبونهم و تصافونهم، و تناصحونهم و تصادقونهم، و تسرون إليهم المودة، و تفشون أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 330

مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً، وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ‏ [آل عمران 3/ 28] أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه، و قال أيضا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ‏ [المائدة 5/ 51].

أما تولي الذميين الوظائف العامة في الدولة الإسلامية، فليس بمحظور، فإنهم اشتغلوا في عصر الصحابة في الدواوين، و كان أبو إسحاق الصابي وزيرا في الدولة العباسية.

أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي أ تريدون أن تجعلوا للّه على أعمالكم حجة بينة في استحقاق العقاب إذا اتخذتموهم أولياء، يعني أن موالاة الكافرين دليل على النفاق، و لا يصدر هذا إلا من منافق.

ثم ذكر اللّه تعالى عقوبة المنافقين الشهيرة: و هي‏ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أي إن مكانهم في الطبقة السفلى من النار، و النار سبع دركات، سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض. قال المفسرون:

النار سبع دركات: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، و قد يسمى بعضها باسم بعض. و أما الجنة فهي درجات، بعضها أعلى من بعض.

و السبب في أن عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر: هو أنه مثله في الكفر، و ضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام و أهله.

و هذا العذاب لن يجدوا أحدا ينقذهم منه أو يخففه عنهم: وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً .

ثم ذكر اللّه تعالى طريق الإصلاح و هو فتح باب التوبة عن النفاق، و شرط اللّه تعالى لقبول توبة المنافقين توبة صحيحة أربعة شروط في قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا، وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ، وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏ ، و تلك الشروط هي‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 331

الندم على الفعل السابق، و الإصلاح أي الاجتهاد في فعل الأعمال الصالحة التي تغسل أدران النفاق، و الاعتصام باللّه أي الثقة به و التمسك بكتابه و الاهتداء بهدي نبيه المصطفى، و بقصد مرضاة اللّه، كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ، فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ، وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء 4/ 175] و الإخلاص للّه بأن يدعوه العباد وحده، و يتجهوا إليه اتجاها خالصا، لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه، و لا يلجأون إلى أحد سواه لكشف ضر أو جلب نفع، كما قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ [الفاتحة 1/ 5].

هذه شروط قبول توبة المنافق، أما الكافر فشرط توبته فقط هو الانتهاء عن الكفر كما قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ‏ [الأنفال 8/ 38]. و المنافق: هو من أظهر الإيمان و أبطن الكفر. و الكافر:

من أعلن الكفر صراحة.

أولئك التائبون هم مع المؤمنين أي أصحاب المؤمنين و رفقاؤهم في الدارين، و في زمرتهم يوم القيامة.

و سوف يعطي اللّه المؤمنين أجرا عظيما لا يعرف قدره، فيشاركونهم فيه كما قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ [السجدة 32/ 17].

ثم بين اللّه تعالى سبب تعذيبهم و هو كفرهم بأنعم اللّه فقال مستفهما استفهاما إنكاريا: ما ذا يريد اللّه بعذابكم أيها الناس؟ إنه يعذبكم لا من أجل الانتقام و الثأر، و لا من أجل دفع ضر و جلب خير؛ لأن اللّه غني عن كل الناس، و هو الذي لا يجوز عليه شي‏ء من ذلك، و لكنه أيضا عادل حكيم، لا يسوي بين الصالح و الطالح، فالكافر و المنافق و العاصي لم يشكروا اللّه تعالى على نعمه، و لم يؤدوا واجبهم في الإيمان الحق باللّه تعالى، و لم يصرفوا نعم اللّه في الخير. و لو

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 332

شكروا اللّه بأن أصلحوا العمل، و آمنوا باللّه حقا، لاستحقوا الثواب الجزيل المعدّ لأمثالهم، فاللّه شاكر يجازي من شكر و يثيب من أطاع، عليم بخلقه، لا تخفى عليه خافية، فمن آمن بربه و قام بواجبه بشكر نعمه، علم به و جازاه على ذلك أوفر الجزاء كما قال تعالى: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم 14/ 7] فهو الكريم المعطاء الذي يجزي القليل بالكثير، و اليسير بالعظيم، و يضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة، فاللهم اجعلنا من المؤمنين الشاكرين الصابرين، المخلصين الأبرار، الذين رضيت عنهم في الدنيا و الآخرة.

فقه الحياة أو الأحكام:

أرشدت الآيات إلى طائفة مهمة من الأحكام:

1- النفاق و الرياء أمران قائمان في كل أمة و زمان: و النفاق إبطان الكفر و إظهار الإسلام، و الرياء إظهار الجميل ليراه الناس، لا لاتباع أمر اللّه.

2- يعتمد المنافق كالثعلب على المكر و الخداع، و سرعان ما يتكشف أمره للناس، و لا يخفى على اللّه من فعله شي‏ء منذ بدء نفاقه، فالمنافقون يخادعون اللّه لقلة علمهم و عقلهم، و اللّه خادعهم- على سبيل المشاكلة اللفظية- أي أن الخداع من اللّه هو مجازاتهم على خداعهم أولياءه و رسله.

3- تطبق على المنافق في الدنيا أحكام الشريعة في الظاهر، و في الآخرة قال الحسن: يعطى كل إنسان من مؤمن و منافق نورا يوم القيامة، فيفرح المنافقون و يظنون أنهم قد نجوا؛ فإذا جاءوا إلى الصراط طفئ نور كل منافق، فذلك قولهم: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ [الحديد 57/ 13].

4- من أوصاف المنافقين الصلاة رياء: أي يصلون مراءاة و هم متكاسلون‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 333

متثاقلون، لا يرجون ثوابا و لا يعتقدون على تركها عقابا. و

في صحيح الحديث المتقدم: «إن أثقل صلاة على المنافقين: العتمة و الصبح»

و العتمة: العشاء، لا يصلونها بسبب تعب النهار، و صلاة الصبح تأتي و النوم أحب إليهم، و لو لا السيف ما قاموا.

ثم وصفهم اللّه بقلة الذكر عند المراءاة و عند الخوف، و

قال صلّى اللّه عليه و سلّم ذامّا لمن أخّر الصلاة: «تلك صلاة المنافقين- ثلاثا- يجلس أحدهم يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان- أو على قرني الشيطان- قام فنقر أربعا لا يذكر اللّه فيها إلا قليلا» رواه مالك و غيره.

وصفهم بقلة الذكر؛ لأنهم كانوا لا يذكرون اللّه بقراءة و لا تسبيح، و إنما كانوا يذكرونه بالتكبير. و قيل: وصفه بالقلة؛ لأن اللّه تعالى لا يقبله. و قيل:

لعدم الإخلاص فيه.

5- من صلّى كصلاة المنافقين و ذكر كذكرهم لحق بهم في عدم القبول، و خرج من مقتضى قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ‏ [23/ 1- 2]. اللهم إلا أن يكون له عذر، فيقتصر على الفرض حسبما

علّم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم الأعرابي حين رآه أخل بالصلاة، فقال له- فيما رواه الأئمة-: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم فيما رواه الجماعة (أحمد و أصحاب الكتب الستة) عن عبادة: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن».

و

قال فيما رواه الترمذي: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع و السجود»

و بناء عليه قال أكثر العلماء:

الطمأنينة فرض؛ لهذا الحديث. و رأى أبو حنيفة أنها ليست بفرض، و إنما هي واجب؛ لثبوتها بخبر آحاد.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏5، ص: 334

6- قال ابن العربي: إن من صلّى صلاة ليراها الناس و يرونه فيها، فيشهدون له بالإيمان، أو أراد طلب المنزلة و الظهور لقبول الشهادة و جواز الإمامة، فليس ذلك بالرياء المنهي عنه، و لم يكن عليه حرج؛ و إنما الرياء المعصية: أن يظهرها صيدا للناس و طريقا إلى الأكل، فهذه نية لا تجزئ و عليه الإعادة «1» .

7- المنافق مذبذب قلق مضطرب: و المذبذب: المتردد بين أمرين، و الذبذبة: الاضطراب. و المنافقون مترددون بين المؤمنين و المشركين، لا مخلصين الإيمان و لا مصرّحين بالكفر. و

في صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «مثل المنافق كمثل الشاة العاثرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، و إلى هذه أخرى».

8- تحرم موالاة الكافرين دون المؤمنين: و المراد كما قال ابن كثير:

مصاحبتهم و مصادقتهم، و مناصحتهم، و إسرار المودة إليهم، و إفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم. و الآيات الناهية عن ولاية الكافرين كثيرة.

9- عقاب المنافق في الدرك الأسفل من النار و هي الهاوية؛ لغلظ كفره، و كثرة غوائله، و تمكّنه من أذى المؤمنين. و أعلى الدركات جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. و قد يسمى جميعها باسم الطبقة الأولى، أعاذنا اللّه من عذابه بمنه و كرمه‏ «2» .

10- توبة المنافق مقبولة بشروط هي: أن يصلح قوله و فعله، و يعتصم باللّه، أي يجعله ملجأ و معاذا، و يخلص دينه للّه، كما نصت عليه هذه الآية، و إلا فليس بتائب.

(1) أحكام القرآن: 1/ 511

صفحه بعد