کتابخانه تفاسیر
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج
الجزء الأول
بعض المعارف الضرورية المتعلقة بالقرآن
سورة البقرة
أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه و سلم و مصدر الاختصاص بالرسالة[سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 105]
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
مشروعية القصاص و حكمته[سورة البقرة(2): الآيات 178 الى 179]
مسائل فقهية:
الوصية الواجبة[سورة البقرة(2): الآيات 180 الى 182]
مسائل فقهية:
قواعد القتال في سبيل الله[سورة البقرة(2): الآيات 190 الى 195]
أحكام الحج و العمرة[سورة البقرة(2): الآيات 196 الى 197]
المرحلة الثانية من مراحل تحريم الخمر و حرمة القمار[سورة البقرة(2): آية 219]
موت الأمم بالجبن و البخل و حياتها بالشجاعة و الإنفاق[سورة البقرة(2): الآيات 243 الى 245]
الجزء الثالث
تتمة سورة البقرة
مستحقو الصدقات[سورة البقرة(2): الآيات 272 الى 274]
الربا و أضراره على الفرد و الجماعة[سورة البقرة(2): الآيات 275 الى 281]
سورة آل عمران
الجزء الرابع
تتمة سورة آل عمران
سورة النساء
الجزء الخامس
تتمة سورة النساء
استحقاق الجنة ليس بالأماني و العبرة في الجزاء بالعمل شرا أو خيرا[سورة النساء(4): الآيات 123 الى 126]
رعاية اليتامى و الصلح بين الزوجين بسبب النشوز و العدل بين النساء[سورة النساء(4): الآيات 127 الى 130]
الجزء السادس
تتمة سورة النساء
سورة المائدة
الجزء السابع
تتمة سورة المائدة
سورة الأنعام
رفض المشركين دعوة النبي صلى الله عليه و سلم و مطالبتهم بتنزيل آية[سورة الأنعام(6): الآيات 36 الى 37]
الجزء الثامن
تتمة سورة الانعام
المحرمات العشر أو الوصايا العشر[سورة الأنعام(6): الآيات 151 الى 153]
سورة الأعراف
الجزء التاسع
تتمة سورة الأعراف
سورة الأنفال
الجزء العاشر
تتمة سورة الأنفال
سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
تتمة سورة التوبة
سورة يونس عليه السلام
قصة موسى عليه السلام مع فرعون
الجزء الثاني عشر
سورة هود عليه السلام
سورة يوسف عليه السلام
الفصل الثاني من قصة يوسف يوسف و إخوته
الجزء الثالث عشر
تتمة سورة يوسف
سورة الرعد
أوصاف أولي الألباب السعداء و جزاؤهم[سورة الرعد(13): الآيات 20 الى 24]
سورة إبراهيم عليه السلام
تهديد الكفار لرسلهم بالطرد أو الردة و الوحي بأن العاقبة للأنبياء[سورة إبراهيم(14): الآيات 13 الى 18]
الجزء الرابع عشر
سورة الحجر
سورة النحل
الجزء الخامس عشر
سورة الإسراء
سورة الكهف
قصة أصحاب الكهف[سورة الكهف(18): الآيات 9 الى 26]
التفسير و البيان:
تفصيل القصة:
الجزء السادس عشر
تتمة سورة الكهف
سورة مريم
قصة مريم
الرد على عباد الأصنام بصيرورتهم لهم أعداء و اتخاذهم الشياطين أولياء[سورة مريم(19): الآيات 81 الى 87]
سورة طه
قصة موسى عليه السلام
الجزء السابع عشر
سورة الأنبياء
القصة الثانية - قصة إبراهيم عليه السلام
سورة الحج
الجزء الثامن عشر
سورة المؤمنون
سورة النور
الحكم الأول و الثاني حد الزنى و حكم الزناة[سورة النور(24): الآيات 2 الى 3]
الحكم الرابع حكم اللعان أو قذف الرجل زوجته[سورة النور(24): الآيات 6 الى 10]
فقه الحياة أو الأحكام:
الجزء التاسع عشر
سورة الفرقان
استهزاء المشركين بالنبي صلى الله عليه و سلم و تسمية دعوته إضلالا[سورة الفرقان(25): الآيات 41 الى 44]
سورة الشعراء
القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه
القصة الثانية قصة إبراهيم عليه السلام
سورة النمل
القصة الثانية قصة داود و سليمان عليهما السلام
الجزء العشرون
تتمة سورة النمل
سورة القصص
قصة موسى عليه السلام
سورة العنكبوت
قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه
الجزء الحادي و العشرون
تتمة سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
غزوة الأحزاب أو الخندق و بني قريظة[سورة الأحزاب(33): الآيات 9 الى 27]
الجزء الثاني و العشرون
تتمة سورة الأحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
بعض أدلة القدرة الإلهية و التذكير بنعم الله و إثبات التوحيد و الرسالة[سورة فاطر(35): الآيات 1 الى 4]
الجزء الثالث و العشرون
تتمة سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
الجزء الرابع و العشرون
تتمة سورة الصافات
سورة غافر أو: المؤمن
قصة موسى عليه السلام مع فرعون و هامان
سورة فصلت أو: السجدة
الجزء الخامس و العشرون
تتمة سورة فصلت
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
سورة الأحقاف
سورة محمد عليه الصلاة و السلام
أوصاف المنافقين و المؤمنين
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
الجزء السابع و العشرون
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
إعادة قصص الأمم الخالية المكذبة للرسل
سورة الرحمن جل ذكره
أعظم النعم الإلهية الدنيوية و الأخروية
سورة الواقعة
سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة الجمعة
سورة المنافقون
سورة التغابن
سورة الطلاق
الجزء التاسع و العشرون
سورة الملك، أو: تبارك
سورة القلم
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح عليه السلام
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان، أو: الدهر
سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
سورة النبأ، أو: عم
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة البينة
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 133
و ختمت السورة بدعوة المشركين إلى الإيمان باللّه الواحد الأحد، قبل أن يأتي يوم القيامة، فيطلبون العودة إلى دار الدنيا للإيمان بالقرآن و بالرسول محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و الإتيان بصالح الأعمال، و لكن يحال بينهم و بين ما يشتهون، لفوات الأوان.
صفات الملك و القدرة و العلم للّه تعالى [سورة سبإ (34): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الإعراب:
الَّذِي لَهُ ... إما في موضع جر على النعت أو البدل، أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أو في موضع نصب بمعنى أعني.
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ جملة فعلية في موضع نصب على الحال من اسم اللّه، و يحتمل أن يكون مستأنفا لا موضع له من الإعراب.
البلاغة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ تعريف الطرفين لإفادة الحصر، أي لا يستحق الحمد الكامل إلا اللّه.
يَلِجُ يَخْرُجُ يَنْزِلُ يَعْرُجُ بين كل منهما طباق.
وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ صيغة فعيل و فعول للمبالغة.
المفردات اللغوية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ هو الثناء على اللّه بما هو أهله، أو الثناء على اللّه بجميل صفاته
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 134
و أفعاله لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ملكا و خلقا و نعمة. وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ للّه الحمد في الدنيا لكمال قدرته و تمام نعمته، و له أيضا حمد عباده في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة، للسبب السابق ذاته وَ هُوَ الْحَكِيمُ في فعله و هو الذي أحكم أمر الدارين و دبره بمقتضى الحكمة الْخَبِيرُ بخلقه في الدارين، و هو الذي يعلم بواطن الأمور.
يَلِجُ فِي الْأَرْضِ يدخل فيها كالماء ينفذ في موضع و ينبع في آخر، و كالكنوز و الدفائن و الأموات وَ ما يَخْرُجُ مِنْها كالزروع و النباتات و الحيوان و الفلزات و ماء العيون وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار و الثلوج و البرد و الصواعق و الأرزاق و الملائكة و الكتب و المقادير وَ ما يَعْرُجُ فِيها يصعد فيها من أعمال العباد و غيرها من الملائكة و الأبخرة و الأدخنة الرَّحِيمُ بعباده الْغَفُورُ لذنوبهم.
التفسير و البيان:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أي إن الحمد المطلق الكامل للّه مالك السموات و الأرض و ما فيهما، و المتصرف بشؤونهما، يفعل ما يشاء، و يحكم ما يريد، و حمده على النعم التي أنعم بها على خلقه، و المعنى: إن المستحق للحمد و الثناء و الشكر هو اللّه الذي له ما في السموات و ما في الأرض ملكا و خلقا و تصرفا بما يشاء، فهو صاحب القدرة الكاملة، و النعمة التامة.
وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ أي للّه الحمد في الآخرة كالحمد في الدنيا؛ لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا و الآخرة، كما قال في آية أخرى: وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ، وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص 28/ 70]. و قال تعالى في حكاية حمد أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ، وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر 39/ 74]. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر 35/ 34- 35].
و إذا كان هو المحمود على طول المدى، فهو المعبود أبدا.
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 135
وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ أي و اللّه هو الحكيم في أقواله و أفعاله و شرعه و قدره، يدبر شؤون خلقه على مقتضى الحكمة، و الخبير ببواطن الأمور، الذي لا تخفى عليه خافية، و لا يغيب عنه شيء. قال مالك: خبير بخلقه حكيم بأمره.
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها أي يعلم ما يدخل في الأرض كالغيث الذي ينفذ في موضع و ينبع في آخر، و كالكنوز و الدفائن و الأموات، و يعلم ما يخرج من الأرض، كالحيوان و النبات و الماء و الفلزّات.
وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها أي ما ينزل من السماء كالملائكة و الكتب و الأرزاق و الأمطار و الصواعق، و ما يعرج فيها كالملائكة و أعمال العباد و الغازات و الأدخنة و وسائل النقل الجوي و الطيور.
وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ أي و اللّه هو الرحيم بعباده، فلا يعاجل عصيانهم بالعقوبة، الغفور لذنوب التائبين إليه المتوكلين عليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1- اللّه تعالى هو المستحق لجميع المحامد و الحمد: الشكر على النعمة، و يكون الثناء على اللّه بما هو أهله، فالحمد الكامل و الثناء الشامل كله للّه؛ إذ النعم كلها منه، و هو مالك السموات و الأرض و خالقهما و المتصرف فيهما بالإيجاد و الإعدام، و الإحياء و الإماتة.
2- اللّه تعالى هو المحمود في الدنيا و الآخرة؛ لأنه المالك للأولى و الثانية، و هو الحكيم في فعله، الخبير بأمر خلقه.
3- اللّه عالم بكل شيء من الظواهر و الخوافي، يعلم ما يدخل في الأرض من قطر و غيره من الكنوز و الدفائن و الأموات، و يعلم ما يخرج منها من نبات
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 136
و غيره، و يعلم ما ينزل من السماء من الأمطار و الثلوج و البرد و الصواعق و الأرزاق و المقادير و البركات، و ما يعرج فيها من الملائكة و أعمال العباد، و هو الرحيم بعباده الغفور لذنوب التائبين منهم.
و هذا و يلاحظ كما ذكر الرازي أن السور المفتتحة بالحمد خمس سور، سورتان منها في النصف الأول: و هما الأنعام و الكهف، و سورتان في الأخير: و هما هذه السورة و سورة فاطر (سورة الملائكة)، و الفاتحة التي تقرأ مع النصف الأول و مع النصف الأخير، و الحكمة فيها أن نعم اللّه منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد و نعمة الإبقاء، ففي سورة الأنعام إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ [1] و في سورة الكهف إشارة إلى الشكر على نعمة الإبقاء: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً [1- 2] فإن بالشرائع البقاء. ثم في هذه السورة الْحَمْدُ لِلَّهِ إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني في قوله: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ و في سورة فاطر إشارة إلى نعمة الإبقاء الثاني و هو في يوم القيامة؛ لأن الملائكة لا تكون رسلا إلا يوم القيامة يرسلهم اللّه مسلّمين، كما قال تعالى: وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنبياء 21/ 103]. و في فاتحة الكتاب إشارة إلى النعمة العاجلة بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [1] و إلى النعمة الآجلة بقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [4] لذا قرئت في الافتتاح و الاختتام.
إنكار الكفار الساعة و موقف الناس من آيات اللّه و جزاؤهم [سورة سبإ (34): الآيات 3 الى 6]
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 137
الإعراب:
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ عالِمِ بالجر: نعت لقوله تعالى: وَ رَبِّي أو بدل منه، و يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، و خبره: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ أو خبر مبتدأ محذوف تقديره:
هو عالم الغيب. وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ .. مرفوعان بالابتداء.
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ .. اللام تتعلق بقوله: لا يَعْزُبُ . و أَلِيمٌ بالجر و الرفع صفة لرجز أو عذاب.
وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إما معطوف على لِيَجْزِيَ أو مستأنف.
هُوَ الْحَقَ مفعول ثان ل يَرَى و هو: ضمير فصل، و من قرأ بالرفع جعل هُوَ مبتدأ، و الْحَقَ خبره، و الجملة ثاني مفعولي يَرَى .
البلاغة:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ بينهما ما يسمى بالمقابلة، فالمغفرة و الرزق الكريم جزاء المحسنين، و العذاب و الرجز الأليم جزاء المجرمين.
المفردات اللغوية:
وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ القيامة و البعث، و هذا منهم إنكار لمجيئها، أو استبطاء استهزاء بالوعد به قُلْ: بَلى رد لكلامهم و إثبات لما نفوه «1» وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ
(1) «بلى»: لها موضعان: الأول- أن تكون ردّا لنفي يقع قبلها، خبرا كان أو نهيا، فينتفي بها ما قبلها من النفي و تحققه، كما هنا. و الثاني- أن تقع جوابا لاستفهام دخل على نفي تحققه، فيصير معناها التصديق لما قبلها، مثل: ألم أكن صديقك؟ فيقول الرادّ: بلى، إذا صدقه، و المعنى: بلى كنت صديقي، فهي إذن لإثبات المنفي. و أما «نعم»: فهي في الأصل: تصديق لما قبلها في كل كلام و إيجاب له، و عدة، مثل: هل تحسن إلي؟ فيقول الرادّ: نعم، فيعده بالإحسان، فإن أراد ترك الإحسان قال: لا، و لا يحسن هنا: بلى.
و «لا» نفي لما قبلها و ردّ له. و أما «كلا» فتكون بمعنى «لا» و معناها الرد و الإنكار لما تقدم قبلها من الكلام و ذلك في حال الوقف عليها. و قد تأتي بمعنى «حقّا» و هو مذهب الكسائي خلافا لحذّاق النحويين. و في حال الابتداء ب «كلا» تكون بمعنى «ألا» مثل كَلَّا، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (شرح «كلا، و بلى، و نعم» للعلامة مكي بن أبي طالب القيسي).
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 138
تكرار لإثباته، مؤكدا بالقسم، مقررا وصف المقسم به بصفات تثبت إمكانه، و تنفي استبعاده لا يَعْزُبُ عَنْهُ لا يغيب عنه مِثْقالُ ذَرَّةٍ وزن أو مقدار أصغر نملة وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ المثقال وَ لا أَكْبَرُ منه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي إلا و هو مثبت في كتاب بيّن واضح و هو اللوح المحفوظ.
و قوله: وَ لا أَصْغَرُ إلخ جملة مؤكدة لنفي العزوب.
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا .. علة لقوله: لَتَأْتِيَنَّكُمْ و بيان لما يقتضي إتيانها، أي إن إتيان الساعة فائدته جزاء المؤمنين بالثواب و الكافرين بالعقاب مَغْفِرَةٌ لذنوبهم، أي محوها من قبل اللّه تعالى بسبب غلبة إيمانهم و أعمالهم الصالحة على ذنوبهم وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ حسن لا تعب فيه و لا منّة عليه، و هو ما يقيض لهم من ملاذ الأطعمة و غيرها في الجنة بسبب إيمانهم و عملهم الصالح تفضلا من اللّه تعالى عليهم.
وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بإبطال آياتنا المنزلة على الرسل، و تزهيد الناس فيها مُعاجِزِينَ مسابقين لنا يظنون أنهم يفوتوننا فلا نقدر عليهم، لاعتقادهم ألا بعث و لا عقاب، و قرئ: معجّزين، أي مثبّطين عن الإيمان بآيات القرآن من أراده رِجْزٍ سيء العذاب أو عذاب شديد أَلِيمٌ مؤلم.
وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي و يعلم أولو العلم من الصحابة و مشايعوهم من الأمة، أو من مسلمي أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام و أصحابه الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ القرآن هُوَ الْحَقَ الثابت الصحيح و غيره باطل وَ يَهْدِي إِلى صِراطِ أي يوصل إلى طريق اللّه و دين اللّه و هو التوحيد و التقوى الْعَزِيزِ ذي العزة الذي يغلب و لا يغلب الْحَمِيدِ المحمود في جميع شؤونه.
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج22، ص: 139
المناسبة:
بعد بيان أن للّه الحمد في الدنيا و الآخرة، أبان اللّه تعالى أن الكفار ينكرون حدوث القيامة أشد الإنكار، أو يستعجلون بها استهزاء بوعد النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بها، ثم أوضح تعالى أن الناس من آيات القرآن فريقان: فريق المنكرين الجاحدين المعاندين الساعين في إبطالها، و جزاؤهم العذاب الأليم، و فريق العالمين المؤمنين بأنها الحق الصراح الأكيد الذي يهدي إلى الصراط المستقيم.
التفسير و البيان:
وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أي و قال الكافرون بالرسالات السماوية إنكارا منهم أو استعجالا على سبيل الاستهزاء بالوعد: لن يكون هناك قيامة و لا بعث و لا حساب. و هم بذلك جاحدون الأخبار الواردة من ربهم بحدوث الساعة، و التي تضمنتها كتبه و ما فيها من الحجج و البينات.
فرد اللّه عليهم مؤكدا بطلان اعتقادهم:
قُلْ: بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ أي قل لهم أيها النبي: بلى و اللّه إنها لآتية لا ريب فيها. و يلاحظ في ذلك إثبات وجودها و نفي مزاعمهم، مؤكدا ذلك بالقسم باللّه و بالتأكيد في الفعل باللام و نون التوكيد.
و هذه الآية- كما ذكر ابن كثير- إحدى آيات ثلاث أمر اللّه تعالى فيها رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد، للرد على المنكرين من أهل الشرك و النفاق و العناد، فإحداهن في سورة يونس: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ؟ قُلْ: إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ، وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [53] و الثانية هذه: