کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

الجزء الأول

تقديم

سورة البقرة

ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

مدى صلتها بسورة البقرة: ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

سورة النساء

مدنيتها: فضلها: مناسبتها لآل عمران: لتسمية: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

الجزء السادس

تتمة سورة النساء

سورة المائدة

تسميتها: تاريخ نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه: فضلها:

الجزء السابع

تتمة سورة المائدة

سورة الأنعام

تسميتها: نزولها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه:

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

سورة الأعراف

تسميتها: صفة نزولها: موضوعها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

سورة الأنفال

و مناسبتها لسورة الأعراف: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء العاشر

تتمة سورة الأنفال

سورة التوبة

تسميتها: السبب في إسقاط التسمية من أولها: مناسبتها لما قبلها: تاريخ نزولها: ما اشتملت عليه السورة: أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة التوبة

سورة يونس عليه السلام

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثاني عشر

سورة هود عليه السلام

تسميتها: نزولها و شأنها و مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة يوسف عليه السلام

تسميتها و سبب نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

سورة الرعد

تسميتها: ناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النحل

تسميتها: ارتباطها بالسورة التي قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس عشر

سورة الإسراء

تسميتها: فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الكهف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل هذه السورة:

الجزء السادس عشر

سورة مريم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة طه

التسمية: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

تسميتها: فضلها و مزيتها: مشتملاتها:

سورة الحج

تسميتها: صلتها بما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

تسميتها و فضلها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: فضلها: مشتملاتها:

الجزء التاسع عشر

سورة الفرقان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الشعراء

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه

سورة النمل

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء العشرون

تتمة سورة النمل

سورة القصص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

سورة العنكبوت

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

الجزء الحادي و العشرون

تتمة سورة العنكبوت

سورة الروم

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة لقمان

تسميتها: موضوعها: صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة السجدة

تسميتها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

سورة الأحزاب

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

سورة سبأ

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فاطر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء الثالث و العشرون

تتمة سورة يس

سورة الصافات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضل هذه السورة:

سورة ص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الزمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الرابع و العشرون

تتمة سورة الصافات

سورة غافر أو: المؤمن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فصلت أو: السجدة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الزخرف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الدخان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الجاثية

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزولها:

الجزء السادس و العشرون

سورة الأحقاف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة محمد عليه الصلاة و السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الفتح

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها: أضواء من السيرة على سبب نزول السورة(صلح الحديبية و بيعة الرضوان):

سورة الحجرات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة ق

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة: أوجه الشبه بين سورة ق و سورة ص:

الجزء السابع و العشرون

سورة الذاريات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الطور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة النجم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة القمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الرحمن جل ذكره

مكيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الواقعة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الحديد

مدنيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثامن و العشرون

سورة المجادلة

مدنيتها: تسميتها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الحشر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزول السورة: فضل السورة:

سورة الممتحنة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة التغابن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع و العشرون

سورة الملك، أو: تبارك

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة القلم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثلاثون

الخاتمة

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج


صفحه قبل

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 115

جعلوا كل واحدة بنتا. كما جاء في آية أخرى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ، وَ يُسْئَلُونَ‏ [الزخرف 43/ 19].

وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ‏ أي و ليس لهم بذلك علم صحيح بصدق ما قالوه، و لا معرفة و لا برهان، فإنهم لم يعرفوهم و لا شاهدوهم، و لا أخبرهم به مخبر مقبول الخبر، بل قالوا ذلك جهلا و ضلالة و جرأة، و كذبا و زورا و افتراء و كفرا شنيعا.

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً أي ما يتبعون في زعمهم إلا التوهم أو الظن الذي لا أساس له من الصحة، و إن مثل هذا الظن لا يجدي شيئا، و لا يقوم أبدا مقام الحق.

جاء في الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «إياكم و الظن، فإن الظن أكذب الحديث».

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا أي فأعرض أيها الرسول عمن أعرض عن القرآن أو تذكير اللّه، و لم يكن همّه إلا الدنيا، و ترك النظر إلى الآخرة، أي فاترك مجادلتهم و الاهتمام بشأنهم، فقد بلّغت ما أمرت به، و ليس عليك إلا البلاغ. و قوله تعالى: وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا يشير إلى إنكارهم الحشر، كما قالوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الأنعام 6/ 29] و قال تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا [التوبة 9/ 38].

ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ أي إن أمر الدنيا و طلبها هو منتهى ما وصلوا إليه من العلم، فلا يلتفتون إلى ما سواه من أمر الدين.

روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الدنيا دار من لا دار له، و مال من لا مال له، و لها يجمع من لا عقل له»

و

في الدعاء المأثور: «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا».

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 116

و العلة أو سبب الأمر بالإعراض عنهم ما قال تعالى:

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى‏ أي أعرض عن هؤلاء، لأن اللّه هو الخالق لجميع المخلوقات، و هو عالم بمن ضل عن سبيله، سبيل الحق و الهدى، و عالم بمن اهتدى إلى الدين الحق، و سيجازي كل فريق أو أحد على عمله.

و فيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه و سلم كيلا يتعب نفسه في تحصيل ما ليس يرجى حصوله، و هو إيمان أهل العناد الذين قنعوا بالظن بدل العلم، و لازموا الباطل دون الحق، إذ كان من خلقه صلى اللّه عليه و سلم الحرص على إيمانهم. و في ذلك أيضا و عيد للكفار، و وعد للمؤمنين.

فقه الحياة أو الأحكام:

أوضحت الآيات ما يأتي:

1- وصف اللّه الكفار الذين قالوا: الملائكة بنات اللّه، و الأصنام بنات اللّه بأنهم كافرون بالبعث و الحشر أو بالآخرة على الوجه الحق الذي جاءت به الرسل.

2- و بخ اللّه المشركين الذين يعتقدون أن الملائكة إناث و أنهم بنات اللّه سبحانه و تعالى.

3- ليس لهم بما وصفوا به الملائكة هذا الوصف علم صحيح، فإنهم لم يشاهدوا خلق اللّه الملائكة، و لم يسمعوا ما قالوه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لم يروه في كتاب، و إنما يتبعون التوهم في أن الملائكة إناث، و إن التوهم أو الظن الذي لا يقوم على أساس علمي صحيح لا يفيد شيئا في مجال التعرف على الحقيقة.

4- إذا كان هذا شأن هؤلاء الكفار المعاندين الذين لا همّ لهم إلا الدنيا فاترك أيها الرسول مجادلتهم، فقد بلغت الرسالة، و أتيت بما كان عليك. قال‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 117

الرازي- و ما أصوب ما قال-: و أكثر المفسرين يقولون بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى: فَأَعْرِضْ‏ منسوخ بآية القتال، و هو باطل، فإن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال، فكيف ينسخ به؟ و ذلك لأن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان مأمورا بالدعاء بالحكمة و الموعظة الحسنة، فلما عارضوه بأباطيلهم قيل له:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ ثم لما لم ينفع قال له ربه: فأعرض عنهم، و لا تقابلهم بالدليل و البرهان، فإنهم لا يتبعون إلا الظن، و لا يتبعون الحق، و قابلهم بالإعراض عن المناظرة بشرط جواز المقابلة، فكيف يكون منسوخا «1» ؟! 5- شأن الكفار غالبا الاهتمام بالدنيا فقط، و جهل أمر الدين و الآخرة، فهم قوم ماديون، كما نشاهد اليوم، لذا أخبر اللّه تعالى عنهم بأن طلب الدنيا هو قدر عقولهم، و نهاية علمهم، لأنهم آثروا الدنيا على الآخرة: إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا [الدهر 76/ 27].

6- ختمت الآيات بالوعيد و التهديد، فاللّه تعالى أعلم بالضالين، و أعلم بالمهتدين، فلا داعي للمعاناة، و سيجازي كلّا بأعمالهم خيرها و شرها.

جزاء المسيئين و المحسنين و أوصاف المحسنين [سورة النجم (53): الآيات 31 الى 32]

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ (32)

(1) تفسير الرازي: 28/ 311

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 118

الإعراب:

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ‏ .. لِيَجْزِيَ .. لام‏ لِيَجْزِيَ‏ إما لام (كي) و التقدير: و استقر للّه ما في السموات و ما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، أو تكون لام القسم.

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ‏ الَّذِينَ‏ : في موضع نصب على البدل من‏ الَّذِينَ‏ في قوله تعالى: وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏ .

إِلَّا اللَّمَمَ‏ اللَّمَمَ‏ : استثناء منقطع: و هو صغائر الذنوب.

البلاغة:

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏ بينهما ما يسمى بالمقابلة، و تكرار لفظ لِيَجْزِيَ‏ من قبيل الإطناب.

المفردات اللغوية:

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ أي هو الخالق و المالك و المتصرف. بِما عَمِلُوا بعقاب ما عملوا من السوء كالشرك و غيره. وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏ الذين أحسنوا بالتوحيد و الطاعة يجزيهم بالمثوبة الحسنى و هي الجنة.

كَبائِرَ الْإِثْمِ‏ ما يكبر عقابه من الذنوب، و هو كل ذنب توعد اللّه عليه صاحبه بالعذاب الشديد كالشرك و عقوق الوالدين. وَ الْفَواحِشَ‏ ما فحش من الكبائر خصوصا، و هو الذنب الذي عاقب اللّه عليه بالحد كالقتل العمد و الزنى و القذف و شرب الخمر و سائر المسكرات. إِلَّا اللَّمَمَ‏ استثناء منقطع، أي لكن اللمم إذا اجتنب الكبائر تغفر، مثل النظرة إلى المحرّمات و القبلة و اللمسة. إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ كثير الغفران للذنوب، قابل التوبة منها، فله أن يغفر ما يشاء من الذنوب صغيرها و كبيرها، قال البيضاوي: و لعله عقب به وعيد المسيئين و وعد المحسنين، لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته، و لا يتوهم وجوب العقاب على اللّه تعالى. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ‏ عالم بأحوالكم. إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏ خلق أباكم آدم من التراب. وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ أي حينما صوّركم في الأرحام، و الأجنّة: جمع جنين: و هو الولد ما دام في بطن أمه، سمي بذلك لاجتنانه أي استتاره.

فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‏ لا تثنوا عليها بزكاء العمل و زيادة الخير، و لا تمدحوها على سبيل الإعجاب، أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن. هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ أي عالم يعلم التقي و غيره قبل الخلق.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 119

سبب نزول الآية (32):

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ‏ .. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ .. :

أخرج الواحدي و الطبراني و ابن المنذر و ابن أبي حاتم: عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير: هو صدّيق، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم، فقال:

«كذبت اليهود، ما من نسمة يخلقه اللّه في بطن أمه إلا و يعلم أنه شقي أو سعيد»، فأنزل اللّه عند ذلك هذه الآية: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏ .

المناسبة:

بعد أن أبان اللّه تعالى أنه العليم بما في السموات و الأرض، و أنه يجازي عباده بعدله، فيثيب المحسن بالجنة، و يعاقب المسي‏ء بالنار، ذكر أنه قادر على ذلك، فهو مالك العالم العلوي و السفلي يتصرف فيهما بما شاء، و هو يجازي على وفق علمه المحيط بكل شي‏ء، ثم ذكر أوصاف المحسنين، و أخبر أنه جواد كريم واسع المغفرة لمن يشاء من عباده.

التفسير و البيان:

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ، لِيَجْزِيَ‏ «1» الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏ أي إن اللّه تعالى مالك السموات و الأرض، و أنه الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، و قد خلق الخلق بالحق، و جعل عاقبة أمر الخلق الذين فيهم المحسن و المسي‏ء أن يجزي كلّا بعمله، بحسب علمه المحيط بكل شي‏ء، المحسن بإحسانه، و المسي‏ء بإساءته، فإن كان العمل خيرا، كان الجزاء خيرا، و إن كان شرا كان الجزاء شرا. فتكون لام‏ لِيَجْزِيَ‏ لام العاقبة.

(1) قال الواحدي: اللام للعاقبة أو الصيرورة، كما في قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً [القصص 28/ 8] أي أخذوه و عاقبته أنه يكون لهم عدوا.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 120

قال ابن الجوزي في تفسيره: و الآية إخبار عن قدرته و سعة ملكه، و هو كلام معترض بين الآية الأولى، و بين قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا لأنه إذا كان أعلم بالمسي‏ء و بالمحسن، جازى كلّا بما يستحقه، و إنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك.

ثم ذكر اللّه تعالى صفات المتقين المحسنين، فقال:

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏ أي إن المحسنين هم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب كالشرك و القتل و أكل مال اليتيم، و عن الفواحش كالزنى، و الكبائر: كل ذنب توعد اللّه عليه بالنار، و الفواحش:

ما تناهي أو تزايد قبحه عقلا و شرعا من الكبائر، مما كان فيه الحد. و لكن لا يقع منهم إلا اللمم أي صغائر الذنوب و محقرات الأعمال كالنظرة الحرام و القبلة.

أخرج أحمد و الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «إن اللّه تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر، و زنى اللسان النطق، و النفس تمنّى و تشتهي، و الفرج يصدق ذلك أو يكذبه».

فإن اقترفوا اللمم تابوا و لم يعودوا إلى مثله.

و نحو الآية قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء 4/ 31].

و

قد ورد في الصحيحين عن علي رضي اللّه عنه تحديد الكبائر بسبع: «اجتنبوا السبع الموبقات: الإشراك باللّه تعالى، و السحر، و قتل النفس التي حرّم اللّه إلا بالحق، و أكل مال اليتيم، و أكل الربا، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات»

و قد أوصلها الحافظ الذهبي في كتابه (الكبائر) إلى سبعين. و روى الطبراني عن ابن عباس أن رجلا قال له: الكبائر سبع،

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏27، ص: 121

فقال: هي إلى سبع مائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار، و لا صغيرة مع الإصرار.

ثم فتح اللّه تعالى باب الأمل و منع اليأس بقوله:

إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ أي إن رحمة اللّه وسعت كل شي‏ء، و مغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها، كما قال تعالى: قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏ [الزمر 39/ 53].

ثم أكد اللّه تعالى علمه بالأشياء كلها، فقال:

هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ أي إن اللّه بصير بكم، عليم بأحوالكم و أفعالكم و أقوالكم التي ستصدر منكم، حين ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم من التراب، و استخرج ذريته من صلبه، و حين صوركم أجنة في أرحام أمهاتكم، و تعهدكم بالنمو و التكوين في أطوار مختلفة. و الجنين: هو الولد ما دام في البطن، و فائدة قوله: فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ التنبيه على كمال العلم و القدرة، فإن بطن الأم في غاية الظلمة، و من علم بحال الجنين فيها لا يخفى عليه ما ظهر من حال العباد.

فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ أي لا تمدحوا أنفسكم، و لا تبرّئوها عن الآثام، و لا تثنوا عليها بإعجاب أو رياء، و لا تدّعوا الطهارة عن المعاصي، بل احمدوا اللّه على الطاعة، و احذروا المعصية، فاللّه هو العليم بمن اتقى المعاصي.

صفحه بعد