کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 26
و من ثم سائر الرحمات كلها رحيمية قياساً لها، مهما كانت بالنسبة لبعض البعض، رحمانية ورحيمية مع بعض.
ف «ربك الذى خلق» رحمانية مطلقة، و « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ » رحيمية بالنسبة لمطلق الخلق، ولكنها رحمانية أمام « وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ » ثم وهذه الرحيمية رحمانية بالنسبة لرحمة الايمان فى الانسان المعلَّم ما لم يعلم.
و فيما يروى عن الرسول صلى الله عليه و آله وأئمة أهل بيته عليهم السلام تجاوبٌ لطيف حفيف مع الآيات كما هى دأبهم دائبين مشياً على ضوء القرآن الكريم!
«فالرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة» «1» ومن خاص الرحمن اختصاصها تسمية ومعنى بالله اذ لا يسمى بها سواه، وكما لا رحمة عامة لسواه، والرحيم يسمى بها سواه كما الرحمة الخاصة، كما هى له تكون لسواه، مهما بان البون بين الرحمتين على أية حال.
كما والرحمن خاصة بالاولى لعموم الخلق والهداية فيها، دون الاخرى حيث المُعادُ فى المَعاد هم المكلفون فقط لا سواهم، والمرحومون بينهم هم المومنون لا سواهم، والرحيم تعم النشأتين «فالرحيم ارقُّ من الرحمن وكلاهما رفيقان» «2»
و قد تعم الرحمن الآخرة كما الاولى نسيباً ف « الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ » (25:
26) فهو «رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما» «3» حيث المكلفون كلهم يحشرون برحمة رحمانية كما خلقوا اوّل مرة ثم المؤمنون منهم يرحمون برحمة رحيمية.
و لأن الرحمة العامة أوفق بالاولى من الأخرى، كما الخاصة أوفق بالاخرى من الاولى،
(1)-/ نور الثقلين عن الامام الصادق عليه السلام.
(2)-/ الدر المنثور 1: 9-/ اخرج البيهقى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و آله فى حديث تقسيم الحمد، بين اللَّه وعبده فاذا قال العبد « بسم اللَّه الرحمن الرحيم » قال الله: عبدى دعانى باسمين رفيقين احدهما ارق من الآخر، فالرحيم ارق من الرحمن وكلاهما رفيقان.
(3)-/ المصدر-/ اخرج ابن ابى شبية عن عبدالرحمن بن سابط قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يدعوا بهؤلاء الكلماتويعلمه: اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطر ورحمنَ الدنيا والاخرة ورحيمهما ارحمنى رحمة تغنينى بها عن رحمة من سواك.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 27
ف «الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة» «1» « وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» (7: 156) فالرحمة الواسعة هى الرحمانية حيث تسع كل شىءٍ والمكتوبة هى الرحيمية التى تخص المؤمنين المتقين.
و ما «الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمومنين خاصة» «2» الّا بياناً لمصداق خاص للرحيم بين مختلف مصاديقها، فانها تعم الكافر الذى هو فى سبيل الهدى كما تصرح لها آيات وتلمحها اخرى، كما تعم السابقين والمقربين المخلصين وبينهما متوسطون، وهم المؤمنون فعلًا بدرجاتهم « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » (9: 128).
ثم الرحمة وهى فى الخلق رقة، ليست فى الخالق كما هيه، فانه «رحيم لا يوصف بالرقّة» «3» ف «ان الرحمة ما يحدث لنا منها شفقة، ومنها وجود، وان رحمة اللَّه ثوابه لخلقه، والرحمة من العباد شيئآن احدهما يحدث فى القلب الرأفة والرقة لما يرى بالمرحوم من الضر و الحاجة وضروب البلاء، والآخر ما يحدث منا بعد الرأفة واللطف على المرحوم، والمعرفة بما نزل به، وقد يقول القائل: انظر الى رحمة فلان، وانما يريد الفعل الذى حدث عن الرقة التى فى قلب فلان، وانما يضاف الى اللَّه عزوجل من فعل ما حدث عنا من هذه الاشياء، وأما المعنى الذى فى القلب فهو منفى عن اللَّه كما وصف عن نفسه، فهو «رحيم لا رحمة رقة» «4» .
فالرحمن والرحيم هما من الصفات المتشابهة: كالسميع والبصير وأضرابهما، يجب ان يجرد اللَّه عن صفات الحدوث، مشاركة فى الألفاظ ومباينة فى المعانى، فانه تعالى وتقدس «باين عن خلقه وخلقه باين عنه» و «لا يتغير بانغيار المخلوقين كما لا يتحَّد بتحديد المحدودين» فانما رحمته تعالى رحمانية ورحيمية هى معاملة الرحمة دون رقة فى قلب أو سواه، اد ليس له انفعال وانغيار أو رقة فى قلب او سواه، فصفات اللَّه تعالى تفَّسر كما يناسب
(1)-/ مجمع البيان للطبرسى عن ابى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه و آله: ..
(2)-/ تفسير البرهان 1: 44 محمد بن يعقوب باسناده عن عبدالله بن سنان قال سألت ابا عبدالله عليه السلام عن تفسير « بسم اللَّه الرحمن الرحيم » فقال ...
(3)-/ نهج البلاغه عن الامام امير المؤمنين عليه السلام.
(4)-/ فى كتاب الا هليلجيه عن الامام الصادق عليه السلام.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 28
ساحة الذات ف « سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ».
و اذا كان البدء باسم اللَّه يمثّل ما يعيشه المسلم من الكلية الاولى من توحيد الله؛ فان استغراق الرحمة لحالتها ومجالاتها رحمانية ورحيمية يمثل كلية ثانية تقريراً لعلاقة المسلم فى حياته كلها بالله، عائشاً فى ظلال رحمته أينما حلّ وارتحل.
و قد اجملت البسملة عن الاصول الثلاثة، ما توضحه الفاتحة، وتفصّله القرآن العظيم.
ف «بسم الله» تعنى الفقر الى الله، ولزوم مصاحبة عبادة الله، تدليلًا من رسول الله، وسواها مما تعنيه فى مثلث معانى الباء ومسبع الاسم.
كما «الله» تدل على وحدانيته، حيث الكائن اللا محدود وهو صرف الوجود بكافة اللانهايات من كمالات الوجود، يستحيل تعدده، فان لزام التعدد وجدان كلّ ما يفقده الآخر وهو نقص وحدٌ.
ثم الرحمن تدلناً على باسط رحمته وواسع رأفته، وقضيته « أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدى» (20: 50) وكما الاشياء درجات، فهدايتها درجات حسب الدرجات، وللانسان وهو فى احسن تقويم اعلى الهدايات.
ثم الرحيم تقتضى هذه الرحمة الخاصة بالانسان، وقضيتها هداية الوحى المعصوم بواسطة نبى معصوم حيث يحمل رسالة اللَّه بهداه، وقضيةٌ ثانية ضرورة المعاد: « لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » لولا المعاد لكانت رحمة الهداية زحمة، وكيف العالِم القادر العدل الرحيم يترك القضاء العدل بين عباده؟ فاذ لا نرى جزاءً وفاقاً فى الأولى فليكن فى الاخرى: « فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى »
فهذه جملةٌ مما فى البسملة من المبدء والمعاد وما بين المبدء والمعاد.
و علّ من حِكَم تثليث الاسماء «الله-/ الرحمن-/ الرحيم» لتشمل عبادالله اجمع « فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ى وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ م بِالْخَيْراتِ» (35: 32) فهو «الله» للسابقين اذ يعبدونه، لانه اللَّه وتلك عبادة الأحرار، وهو الرحيم للمقتصدين اذ يعبدونه بين طامع فى ثوابه وخائف من عقابه، وهو الرحمن بسائر خلقه من الظالمين من يعفى عنهم ومن لا يعفى،
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 29
فانهم تشملهم رحمته الرحمانية فى الدنيا مهما كانوا كافرين!
و البسملة حتى الضالين من كلامنا كما علمنا ربنا كيف نكلمه فى معراجنا، فانه تعالى لايستعين او يبتدء ويصاحب امراً فى اموره، « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » كما وأنه لا يَعبد ويستعين «انما يُعبد ويُستعان، ولا يطلب الهداية لنفسه الى صراطه المستقيم، مهما يحمد نفسه ب « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ولكنه ايضاً اعلام وتعليم.
ف «بسم الله» فى كل ما عناه لانه «الله» و «بسم الله» لانه «الرحمن» و «بسم الله» لانه «الرحيم» فاذاً « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ »:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ:
ان «الحمد له» تتلوا البسملة فى الفضيلة فانها بداية كل امر ذى بال كما هيه، ف «كل امر ذى بال لم يبدء فيه بحمدلله فهو اقطع» «1»
فانها بلام الجنس تستغرق كل حمد من كل حامدلله دون ابقاء، اذ تستجيش له كل حمد دون سواه، أولًا لانه «الله-/ الرحمن-/ الرحيم» وأخيراً لانه « رَبِّ الْعالَمِينَ . مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » دون سواه، ف « لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (28:
70).
اءنها فاتحة الكتاب كأول دعوى فى الاولى، ثم فى الاخرى لاهل الجنة هى آخر دعوى:
« وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10: 10)
و هى خير تحميد لله تبارك وتعالى بخير أوصاف كما علِّمها عبادة المخلصين: « وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ » «2» واكمله « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » كما هنا وفى سواها « فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (40: 65) وقد ذكرت الحمدلله رب العالمين قرينة بربوبيات خاصة (32) مرة فى سائر القرآن، بياناً لربوبيته تعالى فى مختلف الخلق، والتدبير ويجمعه «رب العالمين».
(1)-/ حديث مستفيض فى الحمد والبسملة عن الرسول صلى الله عليه و آله والائمة من آل الرسول صلى الله عليه و آله
(2)-/ فانها بنفس الصيغة تذكر فى (6: 45) (10: 10) (37: 182) (39: 75) (40: 65).
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 30
و قد تشهد آيات من الحمد بخماسية السبب فى اختصاص الحمد به دون سواه.
فلأنه الله: « وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ و شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ » (17:
111).
و لأنه الرحمن: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ » (6: 1).
و لأنه الرحيم: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً » (18: 1)
و لأنه رب العالمين فى آيات خمس سوى الفاتحة و « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» (15: 98)
و لأنه مالك يوم الدين: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ » (39: 24) وهذه الخمس هى أسس الربوبية المطلقة تبتدء بالله وتنتهى الى « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » وبينهما متوسّطات « رَبِّ الْعالَمِينَ -/ الرحمن-/ الرحيم».
و يا له من تجاوب لطيف بين القرآن المحكم «الحمد» والقرآن المفصَّل فى آيات الحمد ما يُطَمئِن أن السبع الثانى صورة مصغرة عن القرآن العظيم.
ان «الحمدلله رب العالمين» هى «رأس الشكر» «1» و «فاتحة الشكر وخاتمته» «2» فائقاً على النعم المشكور لها قيمة لها أمامها «3» وهى «كمال العقل فى مدحته لربه» «4» .
(1)-/ الدر المنثور 1: 11-/ اخرجه جماعة من ارباب السنن عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ..
(2)-/ تفسير الفخر الرازى 1: 284 روى عن النبى صلى الله عليه و آله ان ابراهيم الخليل عليه السلام سأل ربه وقال: يا رب! ما جزاء من حمدك؟ فقال: الحمدلله، فالحمدلله فاتحة الشكر وخاتمته.
(3)-/ الدر المنثور 1: 11-/ 12-/ اخرج جماعة عن انس قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما انعم اللَّه على عبده نعمة فقال: الحمدلله الا كان الذى اعطى افضل مما اخذه، وروى مثله عن جابر والحسن عنه صلى الله عليه و آله، وفى تفسير الفخر الرازى عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: اذا أنعم اللَّه على عبده نعمة فيقول العبد «الحمدلله» فيقول اللَّه تعالى: انظروا الى عبدى أعطيته ما لا قدر له فاعطانى ما لا قيمة له، اقول وهذه نهاية الرحمة الالهية، ومما لا قدر له انه علمنا الحمد له ثم وفقنا بالحمد له ثم قدر انه لا قيمة له!
(4)-/ تفسير الفخر الرازى روى عن على عليه السلام انه قال: خلق اللَّه العقل من نور مكنون مخزون من سابق علمه فجعل العلم نفسه والفهم روحه، والزهد رأسه والحياء يمينه والحكمة لسانه والخير سمعه والرأفة قلبه والرحمة همَّه والصبر بطنه ثم قيل له تكلم فقال: الحمدلله الذى ليس له ند ولا ضد ولا مِثل ولا عِدل الذى ذل كل شىء لعزته، فقال الرب: وعزتى وجلالى ما خلقت خلقاً اعز علىّ منك:
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 31
و كما لام الحمد تستغرقه لله، كذلك اللام فى لله تختصه بالله دون ان يعدوه الى سواه.
و على الحامدلله ان يحمده بفطرته وعقله وصدره وقلبه ولبه وفؤاده وكل جوانحه وجواره، فيصبح بكله حمداً لله وفاقاً بين جنباته دون نفاق، دون قولة فازغة منافقة يكذبها الجنان وسائر الاركان.
فعلينا أن نعيش «الحمدلله رب العالمين» ونعيِّش ب «الحمدلله ردب العالمين» فى كل حل وترحال، على أية حال ومجال، فى كل فكر او فعل او قال حتى نصبح «الحمدلله رب العالمين» تجاوباً مع الكون كلّه فى محراب الحمد، من رعده وبرقه والملائكة من خيفته:
« وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ى وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » (13: 13) ومن كل شيءٍ: « وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ى وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (17: 44).
و من لزام الحمد معنوياً ان يشفّع بالتسبيح، تسبيحاً بحمده، حيث الحمد ثناءٌ على ثبوتية الصفات، فلأنها فيما نعرفه من صفات تصاحب خالجة الامكانيات الخارجة عن ساحة الذات، نسبِّحه بحمده عن صفات الممكنات، فنعنى من حمده بعلمه وحياته وقدرته نفى الجهل والموت والعجز عن ذاته حيث الثابتات منها فى معروفنا ممكنات ولا نستطيع تصورها كما يناسب ساحة قدسه « سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (الصافات: 159) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ » (37: 160):
لذلك لم يرد فى ساير القرآن حمدٌ بألسنة غير المخلصين من المكلفين الا اللَّه حيث يحمد نفسه، فهذا نوح يؤمرُ: « فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (23: 28)، و ابراهيم: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ » (14: 39)، ومحمد صلى الله عليه و آله: « وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ » (27: 93)، وداود وسليمان: « وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ» (27: 15) الّا ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهرون من خطِأ القول: « وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10: 10).
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 32
فنحن اذ نؤمر بالحمد فى الحمد وفى ساير الأحوال فلنشفعه بتسبيحه حتى يكون كما وصفه عباده المخلصون: « وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ ى سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » (7: 180).
و الحمد-/ ككل-/ هو الثناء الجميل على الجميل ذاتاً وأفعالًا وصفاتٍ، ف «الله» حمدٌ للذات بصفات الذات، و «رب العالمين» حمدٌ لصفات الفعل والافعال، فهو « الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدى » (20: 50) كما واسماءه جميلة: « وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » (7: 180) كما وذاته أجمل الذوات.
ثم وكل جمال وكمال فى الخلق فائض منه وراجع اليه، فليختص به الحمد كله، كشعور يفيض به قلب المؤمن حين يذكر الله، فى كل خطوة وفى كل لحظة أو لمحة، وفى كل خالجة او خارجة، كقاعدة رصينة للتصّور الايمانى المباشر المعاشر.
فليكن «الحمدلله» كما البسملة فى موقعها اللائق وهو كل أمر ذى بال، ولا اقل من أقل الحلال، فانها فى غير الحلال تستتبع «استغفر الله».
ثم الرب هو المالك المدبر المتصرف للاصلاح والتربية اللائقة السابغة، فمن مالكٍ لا يدبّر جهلًا أو عيّاً او بخلًا أمّاذا، ومن مدبِّر لا يملك المدبَّر حتى يسطع على اصلاحه كما يحب و يجب، وهذا وذاك هما مطلق تدبير والملك، ولله الربوبية المطلقة لا يعرقلها أى مانع ولا يردعها اى رادع، لا كربوبية الخلق دون الأمر، ولا الأمر دون الخلق: « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » (7: 54)
و كما ربوبية الخلق تعم الخلق لا من شىٍّ كالخلق الاوّل، والخلق من شىءٍ كسائر الخلق، كذلك ربوبية التدبير الأمر وهى هداية كل شىءٍ لشيئه: « قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدى » (20: 50) من جماد ونبات وحيوان والملائكة والانس والجان أم أياً كان، فلكلٍّ سبيل يسلكه بما هدى الله، تكوينية وغريزية وتشريعية أماهيه؟